سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] بحوث في الفكر الإسلامي [16] التناقض في التوراة والإنجيل [17] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [18] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [19] عقائد العرب في الجاهلية[20]فلسفة المعلقات العشر[21] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [22] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [23] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [24]مشكلات الحضارة الأمريكية [25]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[26] سيناميس (الساكنة في عيوني)[27] خواطر في زمن السراب [28] أشباح الميناء المهجور (رواية)[29]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

28‏/12‏/2011

العراق وملوك الطوائف

العراق وملوك الطوائف
للكاتب / إبراهيم أبو عواد .

لا يخفى أن عراق ما بعد الاحتلال الأمريكي قد تم تصميمه وفق الطريقة اللبنانية ، حيث الزعماء السياسيون يختبئون وراء طوائفهم ويتقاتلون على المناصب الحكومية في ظل انتحار الدولة وغياب الحكومة . وهؤلاء الزعماء _ من خلال تناحرهم وتنافسهم على الوهم _ يَجُرُّون طوائفهم معهم إلى الصدام الحتمي وصناعة مجتمع الكراهية والتفرفة على أساس الدِّين والمذهب والعِرق .

وما يحدث في العراق الآن أشبه بلعبة طفولية ، حيث يتم بناء القصور على الرمال ثم هدمها بكل عنف . فالعمليةُ السياسية الكرتونية بالغة الهشاشة، لذلك تنهار _كحجارة الدومينو _ بسبب أدنى هزة ، ثم يعاد بناؤها من جديد بنفس الأخطاء السابقة . وهذا يدل على التخبط وانعدام الرؤية وسيطرة المصالح الفردية والحزبية على العملية السياسية برمتها .

والقطرةُ التي أفاضت الكأسَ في هذه المرحلة هي مذكرة اعتقال نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي . وهذا الأمر شديد الغرابة لأنه يأتي في توقيت مشبوه . لذلك فقد تساءل الكثيرون لماذا جاءت هذه المذكرة بعد انسحاب القوات الأمريكية مباشرةً ؟ . والجواب هو أن رئيس الوزراء نوري المالكي شخصية وسواسية تعيش في ذهنية الانقلابات ، وفقدان السُّلطة ، وكوابيس حزب البعث التي تطارده في اليقظة والمنام . لذلك فهو يتشبث بالكرسي بأظافره وأسنانه ويعتقد أن خصومه السياسيين سيزدادون قوةً ونفوذاً ويهجمون عليه بعد رحيل الأمريكان حُماة عرشه . لذا فقد قرَّر أن يتغدى بهم _ وفق خطته المبيَّتة سلفاً _ قبل أن يتعشوا به .

وإذا كان الهاشمي متهماً بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء أو تفجير مقر البرلمان ، فلماذا بقي حُرَّاً طليقاً طيلة هذه المدة ما دام أنه " إرهابي خطير " لهذه الدرجة ؟ . وإذا كان المالكي حريصاً على أمن العراق وسلامة " الديمقراطية العراقية الرائعة " فلماذا لم يقبض على الهاشمي " مُخطِّط العمليات الإرهابية " مبكراً لكي يحميَ الشعبَ العراقي ويحقن دماءه ؟!. والجميع يعلم أن كثيراً من العراقيين يتم القبض عليهم بتهم الإرهاب والبعثية والصَّدامية بدون قوانين ولا احترام لحقوق الإنسان . وقد يقول أحدهم إن التحقيقات الجنائية استغرقت وقتاً كي تصل إلى الهاشمي . وهذا الأمر يثير الضحك. فالأجهزةُ الأمنية العراقية قاصرة ، وتعيش في العصر الحجري، وما زالت بعيدة جداً عن الاحتراف والمهنية ، فكيف تقدر هذه الأجهزة المتهاوية على اكتشاف هذه الجريمة المزعومة بينما القوات الأمريكية بكل وحداتها المخابراتية المتقدمة لم تكتشفها ؟! . وإذا كانت الأجهزة الأمنية العراقية عبقرية لهذا الحد فحبَّذا لو تكشف لنا خيوط عمليات الاغتيال وأسرار التفجيرات والقتل المنهجي الذي طال شرائح واسعة من الشعب العراقي منذ 2003م حتى الآن.

إن اتهام طارق الهاشمي يحمل رائحة سياسية وطائفية ، خصوصاً أنه يأتي بعد إعلان بعض المحافظات السُّنية نفسها كأقاليم مستقلة مثل محافظة ديالى وغيرها . الأمر الذي فسَّره البعض على أنه محاولة للضغط على الحكومة المركزية بزعامة المالكي . وهذا الأمر أثار حفيظة المالكي الذي يَعتقد أن إعلان أقاليم سُنِّية مستقلة يتلقى الدعم من القائمة العراقية ( السُّنية ) ، فأراد أن يقلب الطاولةَ ويعيد خلط الأوراق لكي تظل زعامته الوهمية محفوظة ولا يمكن المساس بها أو تهديدها .

وهناك قضية أساسية لا يمكن إغفالها في هذا السياق ، وهي عدم نزاهة القضاء العراقي بسبب خصوعه للسلطة التنفيذية ، لذلك فهو لا يتمتع بالاستقلالية والعدالة ، كما أنه مُختَرَق سياسياً وطائفياً . وهذا دفع الهاشمي إلى الاحتماء بإقليم كردستان والاستعداد للمثول أمام المحاكم الكردية وليس محاكم بغداد المسيَّسة. وهذه حقيقة لا يمكن إخفاؤها، فالقضاء العراقي الذي أَخرج مسرحية محاكمة الرئيس السابق صدام حسين بشكل ركيك ومكشوف ، لا يمكن الوثوق به أو الاطمئنان إلى أحكامه . فمثلاً كان القيادي في ائتلاف العراقية صالح المطلك متَّهماً بالانتماء للبعث من قبل القضاء العراقي وتم منعه_ في فترة ما _ من الترشح للانتخابات وممارسة السياسة، ثم صار فيما بعد نائباً لرئيس الوزراء ! . وفي هذا مؤشر بالغ على أن القضاء العراقي ألعوبة بيد الساسة المتنفذين وصفقاتهم فوق الطاولة وتحت الطاولة .

إن ما يحدث في العراق هو إعادة إنتاج الدكتاتورية وفق موديلات تختلف باختلاف الشخوص والمسرحيات، حيث تتغير الأقنعة والوجوه لكنَّ الاستبداد واحد . والمضحك المبكي أن الرئيس العراقي جلال الطالباني لم يعلم بمذكرة توقيف نائبه إلا متأخراً ، وهذا يشير إلى حجم المأساة في العراق الذي انتهى كدولة ، وصار ريشةً في مهب الريح ، وصفقةً سياسية تُبحَث على طاولات الساسة المتصارعين على السراب .

22‏/12‏/2011

البحث عن هوية القصيدة

البحث عن هوية القصيدة
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 19/12/2011

إن الإشكالية الكبرى في الفكر الشِّعري المعاصر هي ابتعاد القصيدة عن النبض اليومي للإنسان ، والهروب من مواجهة الحاضر الصادِم عن طريق استخدام رموز فلسفية موغلة في التجريد والرمزية بلا ضوابط، فأضحت القصيدةُ شيفرةً غير منطقية بحاجة إلى إيجاد حلول منطقية. فالكثيرون هَربوا إلى أنماط قصائدية موازية للعَدَم ، وهذا يتجلى في اختيار مواضيع هُلامية وفوضوية تحت ذريعة الحداثة وما بعد الحداثة . وهذه الأنماط العابثة هي ردةُ فعل فظيعة لمتاهة الإنسان المعاصر في عالَمه ذي الأنساق المعقَّدة والقيمِ المضادة للمعنى . فانعكس غيابُ المعنى في الواقع المادي الشرس على كثير من القصائد ، والتي أضحت نسقاً لفظياً بلا معنى . وهذا أدى إلى انكماش جمهور الشِّعر ، وانحسار دَوْره التاريخي في صناعة الأحداث وتخليدها . وهكذا نجد أن العبارة الشهيرة " الشِّعر ديوان العرب " أضحت محل تساؤل وتشكيك في وقتنا المعاصر ، وهي التي ظلت طيلة قرون مُسلَّمة لا تَقبل النقاش ، ولا يجرؤ أحد على الاقتراب منها . وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عمق المأزق الذي تعيشه القصيدة العربية الراهنة ، والتي صارت رَجعَ صدى للشِّعر الإنجليزي أو الفرنسي دون هوية مستقلة ومميَّزة . لذا فإن الشِّعر العربي عليه _ قبل البحث عن جمهور _ أن يبحث عن هويته الشخصية النابعة من حضارته الذاتية . وهذه المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الشعراء الحقيقيين الذي لم يَقعوا في فخ " عُقدة الخواجة " ، ولم يسقطوا ضحية فلسفة " المغلوب مُولَع بتقليد الغالب " .

والقصائد الهلامية التجريدية الملتصقة بالعبث هي محاولة مكشوفة للهروب من الاصطدام مع الواقع الضاغط ، وعدم التطرق للاستحقاقات الحياتية الفاعلة في معيشة الفرد . ومن هنا تنبع أهمية نقل القصيدة من موازاة العَدَم الفلسفي إلى أنوية فكرية تَرجُّ المجتمعَ رَجَّاً ، ليس بهدف قتله بل إحيائه . وبالتالي فإن تجذير الوعي الاجتماعي الشامل داخل أنسجة القصيدة هو طوق النجاة للشِّعر الذي يُمثِّل آخرَ معاقل الحلم المؤمن بالقضايا الكبرى . وكلما التصقنا بالدلالة المنطقية للفضاء الشِّعري ، سيطرنا على اشتعالات الذات القصائدية المساهمة في صياغة كائن حي جديد ، وجدير بأن يُنسَب إلى الحياة .

لذلك ينبغي صعق الفرد والجماعة بكهرباء الشِّعر من أجل إخراج المجتمع البشري من غرفة العناية المركزة إلى شمس الحياة وليس تراب المقابر . ولا يخفى أن الأداء اللغوي يستمد طاقته الإبداعية من المجتمع الحي لا الميت. وإن إحياء الأموات الذين يتحركون في المجتمع بلا بوصلة، من شأنه أن ينعكس على طبيعة القصيدة التي ستعود إلى الحياة من أجل استكمال دورها المحوري . فالقطارُ الشعري لا يتحرك إلا بالوقود المستمد من ثورة الناس _ المجازية والواقعية _ . وبالطبع ، فإن الأحياء _ وَحْدَهم _ هم القادرون على الثورة والتغيير . وهكذا سيعود للشِّعر بريقه داخل الأنساق الاجتماعية والنظمِ الحضارية .

12‏/12‏/2011

النظام السوري يريد تدويل أزمته

النظام السوري يريد تدويل أزمته
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي اللندنية12/12/2011

إن التصعيد الخطير الذي تمارسه قوى الأمن السورية الموالية للنظام دون رادع أخلاقي أو أفق سياسي يشير إلى وجود خطة مسبقة لدى أركان القيادة السورية تتمحور حول جَر المنطقة إلى فوضى شاملة وتحدي العالَم ودفعه إلى التدخل في الأزمة السورية . فالنظام السوري يعتقد أن التدويل يصب في مصلحته ، ويَكسر عزلته ، ويعيد خلط الأوراق ، ويَسحب البساط من تحت أقدام المعارضة ، ويُصوِّرها كحفنة من المرتزقة المأجورين الذين يتآمرون على بلدهم لصالح الغرب ويستقوون بالخارج ، ويريدون دخول دمشق على ظهور الدبابات الأجنبية تماماً كما فعلت المعارضة العراقية عام 2003م .

ومن مصلحة النظام السوري _ الذي يُقدِّم نفسَه على أنه حامي الشرف العربي وقلب العروبة النابض _ ، أن يتلقى ضربة عسكرية غربية، لأنه_ حينئذ_ سَيُصوِّر الأمر على أنه حملة استعمارية جديدة تستهدف مواقف سوريا القومية، وأن هؤلاء المتظاهرين السلميين هم طابور خامس وعملاء للاستعمار . وهذا سيجلب متعاطفين معه ويفتح المنطقة على المجهول ويخلط الحابل بالنابل . مع أن النظام الأسدي _ أباً وابناً _ أفضل مَن حافظ على هدوء جبهة الجولان ، مما وَفَّر الراحة للكيان الصهيوني طيلة عقود .

وهذه اللعبة التي يتبناها النظام السوري سبق وأن مارسها نظام معمر القذافي الذي كان يُسلِّم الإسلاميين لأمريكا وبريطانيا للتحقيق معهم وتعذيبهم ، ودفع المليارات لضحايا طائرة لوكربي ، وفتح حقول النفط أمام كبريات الشركات الغربية ، وبعد كل هذا صار ينعت الغربيين بالصليبيين وقادة الاستعمار . وفي هذا إشارة واضحة إلى أن بشار الأسد سائر على خطى القذافي ، وأن الطغاة لا يتعظون بغيرهم ، فهم لا يَرَوْن أبعد من ذواتهم التي نفختها وسائل النفاق الإعلامية .

والمضحك المبكي أن النظام السوري الذي يصف_ صراحةً أو ضمنياً _ الجامعة العربية بأنها أداة في يد أمريكا، وأن الدول العربية محميات أمريكية ، ينسى أنه حَوَّل سوريا إلى محمية روسية _ صينية ، تمد يدها لنيل المساعدات من هنا وهناك . فها هي روسيا قد تحولت إلى المتحدث الرسمي باسم سوريا في المحافل الدولية تمنحه الأسلحة والدعم المعنوي ، وصارت إيران تنفق على النظام السوري . فأين السيادة السورية والشرف العربي وقلعة الصمود والمقاومة وباقي المصطلحات التي أعطاني النظامُ السوري محاضراتٍ فيها طيلة عقود ؟! . وإذا كان الماءُ والكهرباء يأتي إلى سوريا من تركيا ، والأسلحة تأتي من روسيا والصين ، والأموال تأتي من إيران ، والمقاتلون يأتون من جيش المهدي وحزب الله ، فأين نظريات الاكتفاء الذاتي والاعتماد على النفس التي عَلَّمَتْنا إياها سوريا طوال هذا العمر ؟! .

إن شرعية أي نظام مستمدة من قدرته على حماية المواطنين وضمان حياة كريمة لهم ومستقبل مزدهر ، فإن عجز عن ذلك فهو فاقد للشرعية ، وعليه أن يَرحل لإفساح المجال للأفضل . فلا مكان تحت الشمس لسياسة " أنا الدولة والدولة أنا " ، أو " أنا وليكن الطوفان من بعدي " . فالذين يجيئون بالدم ، بالدم سيذهبون . ولا تقدر دولةٌ_ بمفردها_ على تحدي العالَم. فألمانيا النازية التي كانت تملك اقتصاداً جباراً وجيشاً أسطورياً وبنيةً صناعية خارقة ، لم تصمد أمام باقي القوى الدولية ، فما بالك بسوريا التي تعيش على المساعدات الخارجية ولا تقدر على صناعة مسدس ؟! .

فينبغي على النظام السوري أن يستوعب مساراتِ الربيع العربي، فالشعبُ هو المنتصر _ عاجلاً أو آجلاً_، أم محاولات كسب الوقت واللف والدوران فلا تجدي نفعاً في عالَم مفتوح ومكشوف . والمشكلة الحقيقية أن النظام السوري المغلق ما زال يعيش في عقلية مجزرة حماة 1982م، فهو يظن أن بإمكانه قطع وسائل الاتصالات وضرب طوق من العزلة والتعتيم الإعلامي ، ثم القيام بما يحلو له دون حساب أو نكير . وهذا الزمنُ قد ذهب إلى غير رجعة . والعاقلُ من اتعظ بغيره ، والجاهل من اتعظ بنفسه .

الدورة الدموية لأبجدية الشعر

الدورة الدموية لأبجدية الشعر
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 12/12/2011

لا تنبع أهمية النص الشعري من كَوْنه منطقاً ثقافياً واجتماعياً للحياة فحسب، فهو _ أيضاً _ مركزية الأسئلة الوجودية للطبيعة البشرية . كما أن قيمة النَّص تتجلى في كَوْنه بوتقةً لصهر الهويات الثقافية المستحيلة والأقطاب الاجتماعية المتنافرة. أي أن القصيدة تُحوِّل السلبي إلى إيجابي، وتجعل الحلم أكثر قرباً ، وتجعل المستقبل أقل جموحاً، وتصهر الأضدادَ المجتمعية لتعيد تشكيلها وفق صورة متآلفة لا تناقض فيها ولا تنافر . وعلى الرغم من ثورية النص الشعري إلا أنه يسير وفق منهجية توفيقية لا تلفيقية ، حيث إنه يُصفِّي المجتمعَ من بؤر التوتر ، ويؤسس النقاطَ المشتركة التي يلتقي عندها الجميعُ دون مُساوَمات أو ابتزاز .

والنصُّ الشعري وسيلةٌ لا غاية . فالأطوار القصائدية المتوالدة في النص هي مرحلة انتقالية تتم فيها بلورة قيمة المدلولات اللغوية على شكل أبجديات بُغية صناعة لغة جديدة قادرة على استلهام كُلِّيات وجزئيات المجتمع . وهذا الأمر يُعزِّز الترابط المصيري بين سياسة الثقافة وسياسة المجتمع . والجدير بالذِّكر أن العقلية الشعرية مثل الشجرة ، تمتص العناصرَ السامة وتُعطي أكسجين الحياة ، ومهما ضُربت بالحجارة فإنها تُقدِّم الثمرَ . وهذه هي فلسفة العمل الثقافي _ عموماً _ في تعاطيه مع العلاقات الاجتماعية بكل طبقاتها وإفرازاتها .

كما أن التعابير المركزية في الولادة الشِّعرية تتمحور حول بوصلة الانقلاب ، انقلابِ القصيدة على ذاتها ، وذلك بتكوين متوالية الهدم والبناء في أبجدية الشِّعر بشكل متواصل ، حيث تهدم القصيدةُ نفسَها وتُعيد البناء من جديد بحثاً عن الشكل الحاسم والجوهرِ النهائي . وأيضاً انقلاب القصيدة على الأنماط السلبية في المجتمع والتي تتجذر بفعل الموروث الاعتيادي وليس بفعل المنطق والبرهان . وبالتالي يمكن اعتبار القصيدة مُختبَراً حيوياً ، ومنظومةً دائمة القلق والبحث ، وصولاً إلى ذروة الحدث المحسوسة وغير المحسوسة. وهذه نقطة القوة التي تضمن للقصيدة أن تتأقلم مع الظروف القاسية والمتغيرة .

وبعبارة أخرى إن القصيدة تُغيِّر جِلدها باستمرار ، بمعنى تجديد الآليات وتفعيل الابتكار وتأسيس الانبعاث، وليس بمعنى التخلي عن المبادئ أو الخداع. فالدورةُ الدموية لأبجدية الشِّعر دائمة التجدد والجريان ، لأن السكون هو الموت . وما دامت القصيدةُ قادرة على التحرك فهي تمتلك القوة والمبادَرة ، أما إن توقفت عن الحركة فسوف تنتهي إلى غير رجعة .

04‏/12‏/2011

أهمية القصيدة كجسر اجتماعي

أهمية القصيدة كجسر اجتماعي
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 28/11/2011
لا يمكن للنص الشعري أن يَصهر المراحلَ ويتجاوز الموانعَ الاجتماعية إلا إذا بُنِيَ على قاعدة ثقافية متينة . وهذه القاعدةُ تتكون من عنصرين رئيسيَّيْن : التقاط الملاحظة واصطياد اللحظة . وهذان العنصران يعملان على تجسيم البؤر الذهنية وتجسيدها واقعاً ملموساً. فالنصُّ الشعري رادار يرى ما لا يراه الناسُ ، ويلتقط عناصر البيئة ويعيد إنتاجها. كما أنه يصطاد اللحظةَ الآنية وينقلها عبر الحقب التاريخية المختلفة متجاوزاً الجغرافيا. وهذا يشير إلى أن النَّص الشعري لا يترك الزمان والمكان يَمُرَّان دون امتصاصهما حتى الرمق الأخير، وإعادة صناعتهما على شكل قصيدة لا تعتمد على التجريد الخيالي المفرِط في الذاتية، وإنما تعتمد على ذاكرة موروث الحلم القابل للتحقق. فالقصيدةُ زمنٌ متميز لا يخضع لعقارب الساعة ، فالشِّعرُ له نظام توقيت خاص به أشبه بالنهر الذي يشق مجراه وفق رؤيته الخصوصية . وبالتالي فإن الشِّعر يغدو توهجاً للحلم المجتمعي في قلب الكابوس القامع ، ويغدو _ كذلك _ مرحلةً انتقالية حاسمة ، تنقل المجتمعَ من استهلاكية الجسد المحاصَر بالأوهام إلى صناعة المعنى الكَوْني الهادر ، وهكذا يتحرر الحلم والحالم من تبعية الأساطير التي ترتدي قناعَ الحضارة . وهنا تبرز ضرورة التصاق الحلم البشري بالبنية المعرفية من أجل تجميع شظايا الإنسان وترميم كيانه الممزَّق ، وإعادة التلاحم الحقيقي لا الشعاراتي إلى أوصال المجتمع المتنافر . مِمَّا يُكرِّس الطبيعةَ الاجتماعية للقصيدة كنظام ثوري يحضن اللبابَ والقشورَ معاً ، ويضع كلَّ جزء في مساره ، ويعيد الأنوية الإنسانية إلى مداراتها. وهذا يساهم _ بشكل كبير _ في إنهاء حالة الشَّلَل الكامن في أوصال المجتمع الذي صار يُقاتِل نفسَه ، ويلهثُ وراء القطار العالمي دون أن يصل إليه . وعلى القصيدة أن تكون الجسرَ الرابط بين السُّلطة الشعبية والسلطة السياسية من أجل إحداث تغيير حقيقي في المجتمع لا صوري . والعقبةُ الصادمة في هذا السياق أن كثيراً من الأفكار الاجتماعية تُنقَل في متواليات عابثة تُعمِّق حالةَ التشقق في روح الأشياء التي تنعكس شروخاً في ذاكرة الفرد التائه بين الأضداد ، والذي فقد القدرة على التخيُّل والإبداع ، وعجز عن تحديد نقطتي البداية والنهاية في طريقه . وبالطبع ، لن يذهب بعيداً مَن لا يَعرف إلى أين هو ذاهب . وهنا تظهر أهمية القصيدة في جسر الهوة بين الفرد وذاته ، والفردِ ومجتمعه . وهذا التجسير ضروري للغاية لأنه يُنهي حالة الغربة التي يحياها الفرد في مجتمعه ، وينهي _ كذلك _ حالةَ العزلة التي يعيشها المجتمع في محيطه العالمي المفتوح على كل الاحتمالات والأزمات .