أهمية القصيدة كجسر اجتماعي
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 28/11/2011
لا يمكن للنص الشعري أن يَصهر المراحلَ ويتجاوز الموانعَ الاجتماعية إلا إذا بُنِيَ على قاعدة ثقافية متينة . وهذه القاعدةُ تتكون من عنصرين رئيسيَّيْن : التقاط الملاحظة واصطياد اللحظة . وهذان العنصران يعملان على تجسيم البؤر الذهنية وتجسيدها واقعاً ملموساً. فالنصُّ الشعري رادار يرى ما لا يراه الناسُ ، ويلتقط عناصر البيئة ويعيد إنتاجها. كما أنه يصطاد اللحظةَ الآنية وينقلها عبر الحقب التاريخية المختلفة متجاوزاً الجغرافيا. وهذا يشير إلى أن النَّص الشعري لا يترك الزمان والمكان يَمُرَّان دون امتصاصهما حتى الرمق الأخير، وإعادة صناعتهما على شكل قصيدة لا تعتمد على التجريد الخيالي المفرِط في الذاتية، وإنما تعتمد على ذاكرة موروث الحلم القابل للتحقق. فالقصيدةُ زمنٌ متميز لا يخضع لعقارب الساعة ، فالشِّعرُ له نظام توقيت خاص به أشبه بالنهر الذي يشق مجراه وفق رؤيته الخصوصية . وبالتالي فإن الشِّعر يغدو توهجاً للحلم المجتمعي في قلب الكابوس القامع ، ويغدو _ كذلك _ مرحلةً انتقالية حاسمة ، تنقل المجتمعَ من استهلاكية الجسد المحاصَر بالأوهام إلى صناعة المعنى الكَوْني الهادر ، وهكذا يتحرر الحلم والحالم من تبعية الأساطير التي ترتدي قناعَ الحضارة . وهنا تبرز ضرورة التصاق الحلم البشري بالبنية المعرفية من أجل تجميع شظايا الإنسان وترميم كيانه الممزَّق ، وإعادة التلاحم الحقيقي لا الشعاراتي إلى أوصال المجتمع المتنافر . مِمَّا يُكرِّس الطبيعةَ الاجتماعية للقصيدة كنظام ثوري يحضن اللبابَ والقشورَ معاً ، ويضع كلَّ جزء في مساره ، ويعيد الأنوية الإنسانية إلى مداراتها. وهذا يساهم _ بشكل كبير _ في إنهاء حالة الشَّلَل الكامن في أوصال المجتمع الذي صار يُقاتِل نفسَه ، ويلهثُ وراء القطار العالمي دون أن يصل إليه .
وعلى القصيدة أن تكون الجسرَ الرابط بين السُّلطة الشعبية والسلطة السياسية من أجل إحداث تغيير حقيقي في المجتمع لا صوري . والعقبةُ الصادمة في هذا السياق أن كثيراً من الأفكار الاجتماعية تُنقَل في متواليات عابثة تُعمِّق حالةَ التشقق في روح الأشياء التي تنعكس شروخاً في ذاكرة الفرد التائه بين الأضداد ، والذي فقد القدرة على التخيُّل والإبداع ، وعجز عن تحديد نقطتي البداية والنهاية في طريقه . وبالطبع ، لن يذهب بعيداً مَن لا يَعرف إلى أين هو ذاهب .
وهنا تظهر أهمية القصيدة في جسر الهوة بين الفرد وذاته ، والفردِ ومجتمعه . وهذا التجسير ضروري للغاية لأنه يُنهي حالة الغربة التي يحياها الفرد في مجتمعه ، وينهي _ كذلك _ حالةَ العزلة التي يعيشها المجتمع في محيطه العالمي المفتوح على كل الاحتمالات والأزمات .