مصر ما بعد الإخوان
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة الزمان اللندنية 9/7/2013
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة الزمان اللندنية 9/7/2013
إن نهاية تجربة " الإخوان " في
حُكم مصر جاءت درامية ومتسارعة الأحداث وقصيرة للغاية . ولكنْ ينبغي تحليل هذه
الظاهرة بعيداً عن فكرة حب الإخوان أو كرههم . بدايةً ، ينبغي أن نَعرف أن وصول " الإخوان
" [ القوة الأكثر تنظيماً في ساحة العمل السياسي الإسلامي ] إلى سُدَّة
الحُكم هو خط أحمر . وإذا حصل في بعض الحالات فيجب إفشالهم من اليوم الأول بغض
النظر عن كَوْنهم ملائكة أو شياطين ، ودون اعتبار للإنجازات أو الإخفاقات .
فوجودُهم تهديد حقيقي لمصالح الغرب وأمريكا خصوصاً . فالمشروعُ الإسلامي يستند إلى
عقيدة مبنية على العِزَّة ، والكرامة ، والاكتفاء الذاتي ، والجهاد ضد المحتلين ،
وتحرير الأراضي المغتصَبة. وهذه القيم تتعارض جُملةً وتفصيلاً مع قيم الغرب الذي
يحتل الوطن العربي احتلالاً غير مباشر ، وتشكل خطراً على وجوده ومصالحه . فيجب
شَيْطنة المشروع الإسلامي ، واعتباره عدواً يجب التصدي له بكل حُزم . فالغربُ لا
يَسمح لأحد أن يتحداه ويرفع رأسَه ، وإلا فإن الحصار ينتظره . وهذا مبدأ غربي عام
وثابت يشمل جميع الأمم والأشخاص _ مهما كانت العقيدة أو العِرق أو الثقافة _ . وقد
يعتقد البعض أن هذا الكلام يخضع لنظرية المؤامرة ، فنقول إنه فِعلاً كذلك .
والأمثلة التاريخية صادقة لا شك فيها . فالزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر (
1918م _ 1970م ) تحدى أمريكا فحاصره الغربُ بالكامل، وتمت مهاجمة مصر في عام 1956م
، وتخلت أمريكا عن تمويل السد العالي . وملك السعودية الراحل فيصل بن
عبد العزيز (1906م - 1975م) كان قد هدد الغربَ بإغلاق جميع آبار النفط إذا لم تعد
القدس للمسلمين ، وفي عام 1973م قاد حملة قوية ترمي إلى قطع النفط عن أمريكا
والدول التي تدعم " إسرائيل"، وقامت مجلة " التايم " الأمريكية
بتسميته "رَجل العام" ، فتم قتلُه والتخلص منه . والزعيم الفلسطيني
الراحل ياسر عرفات ( 1929م _ 2004م ) رفض الإملاءات الأمريكية فحُوصِر في مقره ،
وتخلى عنه الأشقاء قبل الأعداء ، وتم قتلُه بالسُّم . كما أن الدول التي تتحدى
الغربَ وترفض أوامرَه مصيرها الحصار الخانق والتجويع، مثل : إيران ، كوريا
الشمالية ، كوبا ...إلخ .
وما حَدث في الحالة المصرية إبَّان حُكم
" الإخوان " _ رغم أخطائهم الكارثية _ ، هو حصار مصر من الداخل والخارج
. فالكثيرُ من القنوات التلفزيونية المصرية شَنَّت ولا تزال حرباً على مدار الساعة
على " الإخوان " ، حتى إن الرئيس الشرعي
المنتخَب محمد مرسي كان يُشتَم في قنوات بلاده ، وهذا لم يَحصل في أية دولة في
العالَم . كما أن رجال الأعمال النافذين نَجحوا في تهريب المليارات إلى الخارج ،
عدا عن آلاف الاعتصامات والإضرابات ، وفي هذا الجو من الطبيعي أن ينهار الاقتصاد ،
ويَهرب المستثمرون ، ويزداد السخط الشعبي ، وينهار القطاع السياحي الذي يُعتبَر
أحد دعامات الاقتصاد . أمَّا الحصارُ الخارجي ، فكان أشده على الإطلاق حصار دول
الخليج ، ونخص بالذِّكر ( السعودية ، الإمارات ، الكويت ) التي تركت مصر تواجه
مصيرها لوحدها دون مد يد العون لها ، كما أن صندوق النقد الدولي المسيطر عليه من
قبل أمريكا ، ماطل كثيراً في منح القروض لمصر على عكس ما كان يَحدث قبل مجيء
" الإخوان " إلى السُّلطة . وهذا كله مؤشر باهر على وضع العربة أمام
الحصان ، ووجود نيَّة مبيَّتة لإفشال " المشروع الإسلامي " مع الاعتراف
بأخطاء أتباع هذا المشروع ، وعدم تبرير هذه الأخطاء .
وهذا الحصار الخانق يعيدنا إلى حصار حركة
حماس بعد فوزها في الانتخابات عام 2006م بشكل نزيه وشفاف باعتراف العالَم . فكانت
النتيجة أن حُوصِر قطاع غزة ، وتم تجويعه ، ولا يزال . فلا يوجد موقف يمر دون ثمن
، والصمودُ له ضريبة يجب دفعُها .
إن الأمم التي لا تَقدر على إطعام نفسها ،
لا تَقدر على حُكم نفسها . ومصر هي أكبر مستورد للقمح في العالَم ، وتعاني من
أزمات متكاثرة لا حصر لها على كافة الصُّعد. وهذه المشكلات لا يمكن حلها بقراءة
القرآن أو الإنجيل ، أو دعاء الله تعالى بقلوب صادقة . ونحن لا نقلِّل من الجانب
التعبدي ، ولكن السماء لا تُمطِر ذهباً ولا فضة ، ولو كانت الأدعيةُ لوحدها قادرة
على التغيير لتحرَّرت فلسطين منذ عقود ! . فلا بد من العمل على أرض الواقع لإيجاد
حلول حقيقية للمشكلات .
وإنني أدعو " الإخوان " والحركات
الإسلامية عموماً إلى استيعاب هذا الدرس القاسي ، ومعرفة موازين القوى العالمية
والإقليمية ، والانخراط في العمل السياسي مع الاستفادة من أخطاء الماضي ، وتغليبُ
مصلحة البلاد على المصلحة الشخصية ، وتقدير قوة الخصوم وعدم العيش في عالَم
الأمنيات، فالعالَمُ تسوده شريعة الغابُ، والقويُّ يأكل الضعيفَ ، والغايةُ تبرِّر
الوسيلةَ، والغرب يَكيل بمكيالَيْن ، ويميل مع الرياح حيث مالت ، وهو يلهث وراء
مصلحته بغض النظر عن الاعتبارات الأخلاقية . وللأسف ، لا توجد في السياسة أخلاق .
وبعد إنهاء حُكم " الإخوان " في
مصر ، سوف يُكسَر الحصارُ على مصر ، وتَهبط المليارات عليها ، فها هي دول الخليج
التي تكاد تطير فرحاً بسبب التخلص من " كابوس الإخوان " تعد حُزمة
مساعدات عاجلة لتقديمها إلى مصر. وسوف ترمي بكامل ثقلها في مصر لانتشال الاقتصاد،
وقيادة الاستثمارات ، وتوفير الدعم السياسي لها . ولا أستبعد أن تقوم بتسديد ديون
مصر أو جزء كبير منها . إذن ، فالكرمُ العربي القادم من الخليج سوف يحل في أرض
الكنانة . كما أن الغرب سوف يندفع إلى مساعدة مصر ، فتزدهر الحياة ، وتعود السياحة
إلى سابق عهدها أو أفضل ، ويرجع رجالُ الأعمال مع مشاريعهم الجديدة . والأقباط
الذين يُسيطرون على ثلث الاقتصاد المصري سوف يضخون الدماءَ في شرايين الاقتصاد ،
وتدور العجلةُ من جديد . والآن .. كل طلبات مصر مُجابة بعد التخلص من "
الإخوان " الذين تتم شَيْطنتهم ونعتهم بالجهل والغباء وعدم القدرة على إدارة
مفاصل الدولة . هذا هو قانون اللعبة .