المؤسسة العسكرية المصرية ومشكلات سيناء
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي اللندنية 16/9/2013
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي اللندنية 16/9/2013
إن السلطة العسكرية في مصر لم تستوعب دروس
الماضي. فهي تنتهج سياسة " كسر العظم " دون وجود أي أفق للحوار، أو جمع
الأطراف على كلمة سواء . وهذه الخطيئة تتضح بشكل صارخ في سيناء . حيث يَدفع الجيشُ
المصري بتعزيزات عسكرية إلى هذه المنطقة الحساسة في ظل غياب تام للحلول السياسية .
ومن الواضح أن الجيش المصري _ يرمي من وراء هذه العملية الأمنية _ إلى إظهار قبضته
الحديدية في رسالة واضحة إلى الأطراف الداخلية . وهذه الرسالة مفادها أن الجيش هو
المؤسسة الوحيدة القادرة على فرض الأمن ، وإحلال السلام ، وإدارة البلاد من الألف
إلى الياء. وهذه رسالة بالغة الخطورة لأنها تنسف النظام السياسي المصري برمته ،
وتجعل الأطرافَ السياسية متفرجين_ لا أكثر ولا أقل _. مما يؤدي إلى عسكرة السياسة
بالكامل، وتولي الجنرالات إدارة البلاد ، ورسم حاضرها ومستقبلها . وهنا تكمن مشكلة
مصر الحقيقية ، وتظهر حالة الانفصام في شخصية صانع القرار .
فالمؤسسة العسكرية التي تَحكم مصر هي بُنية تراتبية ذات طبقات متماسكة تخضع
للأوامر واللوائح بشكل صارم ، وكل طبقة تتلقى الأوامر من الطبقة التي تعلوها دون
نقاش . وهذا النظام الصارم معتمد لدى جميع المؤسسات العسكرية في العالَم . إذ إن
أساس العمل العسكري لا يعترف بالحوار أو المناقشة أو الاستدراك على أوامر القادة.
فيجب السمعُ والطاعة وتلقي الأوامر وتنفيذها دون تأخير، وكل معارَضة تُعتبر خيانة
، وكل رأي آخر يُعتبر محاولة انشقاق . وهذه الفلسفة العسكرية تتعارض _ جُملة
وتفصيلاً _ مع العمل السياسي . فالسياسةُ تعتمد على الأخذ والعطاء وتنازل الأطراف
للوصول إلى حلول وسط ، والجلوس على طاولة المفاوضات ، وانتهاج مبدأ الحوار ، والاستماع
للرأي والرأي الآخر ، ووجودُ سُلطة ومعارَضة دون اللجوء إلى التخوين أو الطعن في
وطنية الموالين أو المعارِضين .
والخطأ الكارثي أن المؤسسة العسكرية المصرية تريد لعب الدورَيْن معاً ،
وهذا مستحيل نظرياً وواقعياً ، لأن الضِّدين لا يجتمعان . فالجيشُ المصري المسؤول
عن حماية البلاد من أي عدوان خارجي ، اقتحم عالَم السياسة على غير بصيرة ، فأعلن
خارطة الطريق ، ونصَّب رئيساً مؤقتاً وحكومةً ، ونشر الدبابات والجنود في الشوارع
. وهذه الانتقال من الخارج إلى الداخل ، ومن الثكنات إلى الطرقات ، سيلغي دورَ
الجيش الوطني ، ويَسحبه إلى حرب استنزاف داخلية طويلة الأمد ، تكلِّفه الكثير من
الأرواح والوقت والجهد والمال . ولا يخفى أن مصر في أمس الحاجة للموارد من أجل
الوقوف على قدمَيْها .
والمؤسف أننا نسمع عن إجراءات عسكرية في سيناء ، دون وجود أية مبادرات
سياسية . وهنا يختفي صوتُ العقل تماماً ، ويعلو صوتُ الرصاص . والواجبُ أن تتولى
الحكومةُ المصرية موضوع سيناء ، وتطرح مبادرة سياسية تعتمد على الحوار مع شيوخ
القبائل ، والوقوف على حاجات أبناء المنطقة الذين تم تهميشهم لمدة طويلة ، وتنفيذ
مشروعات تنموية عاجلة لاجتثاث التطرف من جذوره .
ولا يمكن القضاء على الفكر المتطرف بالبنادق والطائرات ، بل يتم القضاء
عليه بإزالة أسبابه ( الفقر / الجهل / المرض ) . فالفكرُ لا يُجابَه إلا بالفكر .
والتطرفُ فكرٌ منحرف لن يُهزَم إلا أمام فكر التنمية الحقيقية لا الشعاراتية . أمَّا
معالجة أعراض المرض ونسيان أصل المرض ، فهو مضيعة للوقت ، وتبذير للموارد الوطنية
.
وينبغي الانتباه إلى أن سيناء ذات بُنية عشائرية ، ولا بد من احترام هذه
البنية الاجتماعية ، وإشراكها في منظومة المواطنة . ولا ننسى أن سكان سيناء هم
مواطنون مصريون ، ولم يتم استيرادهم من الخارج ، ولم يأتوا من كوكب آخر . وبالتالي
فإن الحكومة المصرية تتحمل مسؤولية حمايتهم، وتوفير الحياة الكريمة لهم ، ودمجهم
بشكل كامل في النسيج الشعبي ، وعدم تصنيفهم كمواطنين درجة ثانية .
أمَّا اعتماد الحل الأمني فلا فائدة منه ، وهو _ في واقع الأمر _ مشكلة
وليس حلاً ، لأنه يُدمِّر الاقتصاد بالكامل ، فرؤوس الأموال تهرب من أماكن
النزاعات ، والمناطق غير المستقرة . كما أنه يقضي على السياحة التي تُعتبر من أبرز
الموارد المالية لمصر ، وهو تشويه لصورة مصر في الداخل والخارج . ففي الداخل ،
يَنظر الكثيرون إلى أن الجيش يَقتل أبناء جِلدته. وفي الخارج ، يتم تصوير مصر
كدولة فاشلة غير مستقرة . فعلى قادة مصر أن يتعلموا من أخطاء الآخرين ، وألا
يحاولوا إعادة اختراع العجلة . والعاقلُ من اتعظ بغيره .