سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] بحوث في الفكر الإسلامي [16] التناقض في التوراة والإنجيل [17] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [18] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [19] عقائد العرب في الجاهلية[20]فلسفة المعلقات العشر[21] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [22] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [23] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [24]مشكلات الحضارة الأمريكية [25]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[26] سيناميس (الساكنة في عيوني)[27] خواطر في زمن السراب [28] أشباح الميناء المهجور (رواية)[29]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

16‏/01‏/2014

آيات القتل والقتال في القرآن الكريم / الجزء الثالث

آيات القتل والقتال في القرآن الكريم / الجزء الثالث

من كتاب/ قضايا تهم كل مسلم

تأليف: إبراهيم أبو عواد .

...............

} كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ {
 [ البقرة : 216]
     فُرض على المؤمنين القتالُ وهو كُرْهٌ لهم . وهذا يدل على عمق المشاعر الإنسانية في نفوس المؤمنين ، إذ لو كان متعطشين للقتل وسفكِ الدماء لأحبوا القتالَ . وهذا يدل أيضاً على منظومة الرحمة في الإسلام ، وأن القتال إنما جاء ضمن سياق ضيّق لتحقيق مصلحة إنسانية عاجلة وآجلة على حَد سَواء .
     قال الطبري في تفسيره ( 2/ 357 ) : (( فُرِض عليكم القتال ، يعني قتال المشركين ، وهو كُره لكم . واختلف أهل العلم في الذين عُنوا بفرض القتال، فقال بعضهم: عنى بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون غيرهم ...قال آخرون: هو على كل واحد حتى يقوم به من في قيامه الكفاية ، فيسقط فرض ذلك حينئذ عن باقي المسلمين ، كالصلاة على الجنائز ، وغسلهم الموتى ، ودفنهم ، وعلى هذا عامة علماء المسلمين )) اهـ .
     الصوابُ هو أن القتال فُرض على كل واحد حتى يقوم به من في قيامه الكفاية ، فقد أَطبقت الأُمةُ على ذلك ، فصار حُجّةً لازمة .
     وهذه الآية } كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ { تدل على أن طبيعة المسلم هي نَفْسها طبيعة الإنسان . فالمسلمُ ليس متعطشاً للقتل وسفك الدماء وقتال الناس ، وأكل لحوم البشر كما يتم تصويره من قبل الجهات المغرِضة . فالقتال مكروهٌ بالنسبة للنفس البشرية ، ومن باب أولى بالنسبة لنفسية المسلم ، لكنّ الأمرَ الذي فُرِض عليك يجب أن تحمل مسؤوليته بكل أمانة وإخلاص تحقيقاً للعدل والسعادة على كوكب الأرض ، وتطهيرِه من العناصر السامة المتمثلة في بعض البشر الذين يسعون في الأرض فساداً ، ويريدون تدمير العالَم وإفساده . فالكلبُ المسعور لا يُعامَل معه بالرحمة والحنان ، وإنما يُعامَل بإطلاق النار عليه . كما أن العضو الفاسد في الجسم الإنسان يتم بَتْرُه إذا كان فسادُه سينتقل إلى باقي الجسم . وبالتالي ، فلا بد من وضع القتال في نِصابه الصحيح لكي يعم السلامُ والأمن على سطح البسيطة ، ويسود العدلُ والإخاء . وبالطبع فبعض البشر أسوأ حالاً من الحيوانات . قال الله تعالى : } أَمْ تَحْسَبُ أَن أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَل سَبِيلاً { [الفُرقان: 44] .
     وتظل  مسألة  القتال ( الجهاد ) في الوضع الطبيعي فرض كفاية ، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين ، إلا في حالة النفير العام ، حيث يتواجد عدو لا يمكن لفئة من المسلمين أن تدحره ، وعندها تنتقل فَرْضيةُ الجهاد على شكل دوائر ، فأولاً : يجاهد أهل المنطقة ، فإن لم يقدروا فليجاهد أهل الدولة، فإن لم يقدروا فلتجاهد الدول المحيطة، وهكذا حتى تشمل كُل أرجاء العالَم الإسلامي.
} وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ {
 [ آل عمران : 121]
     قال القرطبي في تفسيره ( 4/ 180 ) : (( والجمهور على أنها غزوة أُحُد )) اهـ .
     إن النبي صلى الله عليه وسلم قد خرجَ في الساعات الأُولى من الصبح إلى أُحُد . يُنَزّل المؤمنين أماكنَهم لقتال عدوهم . 
     وهذه الآية الشريفة متعلقة بمعركة بين المسلمين والكفار ، أي حرب ضد الكفار المحارِبين المسلّحين ، فهم ليسوا أبرياء أو مدنيين . فغزوة أُحُد هي كفاح مسلّح ضد إرهاب الكفار الذين يريدون استئصال دولة الإسلام مستخدمين كل الوسائل المدنية والعسكرية، وإبادة أتباعها، وبالتالي قام النظام الإسلامي بحماية نفسه من هذه الهجمة، فكان القتال. وكلمة مقاعد تدل على التثبيت والرسوخ كأنهم قاعدون على كراسي أو مقاعد لا يتزحزحون ، والثباتُ هو المقصود .
     وقال الحافظ في الفتح ( 7/ 347 ) : (( وقوله: غدوت، أي خرجت أول النهار، والعامل في إِذْ مضمر تقديره واذكر إذ غدوت ، وقوله : تُبوئ المؤمنين ، أي تنزلهم ، وأصله من المآب وهو المرجع ، والمقاعد جمع مقعد والمراد به مكان القعود )) اهـ .
} وَكَأَين مِن نبِي قَاتَلَ مَعَهُ رِبيونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ {
 [ آل عمران : 146] .
     قد يتوهم البعضُ أن الأنبياء قادمون للقتال العبثي ، واستخدامِ العنف ضد الآخرين دون وجه حق بشكل يخالف حقوق الإنسان ! . وهذه الفِرْية التي يرددها أصحاب التفكير المنقوص ليست مستغربة في ظل سقوط المنهج العلمي المنصِف .
     فالنبي _ أي نَبي _ هو القائد الأعلى لأُمّته ، وعليه أن يتخذ إجراءات للدفاع عنها بوسائل عنيفة في بعض الحالات . والعنفُ بمفهومه الفكري ليس مذموماً على الإطلاق ، بل هو واجب التطبيق في حالات خاصة لكي يتعدل مسار الآخرين ، ولئلا تحدث فتنة في المجتمع تأكل اليابسَ والأخضر . فلا بد من العنف في موضعه الصحيح لكي تستمر الحياةُ مستقيمةً خالية من كل المعوّقات ، ولكي يتسنى للناس العيش بسلام وطمأنينة ، وتترسخ استمرارية العيش بعد تطهير الوضع الإنساني من العناصر الشاذة عن المسار الحضاري للبشرية . وهو عنف محمودٌ إذا طُبّق بشروطه الشرعية .
     وبالنسبة للآية الشريفة معناها: كَمْ مِن نَبِي قاتل معه جموعٌ كثيرة وأتباع مخلِصون ، فما ضعفوا أو استسلموا للمصاعب والآلام التي واجهوها .
     وهؤلاء الأتباع المخلِصون ما ضَعفوا ، ولم يَرفعوا الرايةَ البيضاءَ رغم كل الشدائد الرهيبة ، ولم تسقطْ عزائمهم بسبب القتل أو الجراح . وقال ابن الجوزي في زاد المسير ( 1/ 472) : (( وفي معنى الربيين خمسة أقوال: أحدها_ أنهم الألوف... والثاني_ الجماعات الكثيرة... والثالث_ أنهم الفقهاء والعلماء... والرابع _ أنهم الأتباع ... والخامس _ أنهم المتألهون العارفون بالله تعالى )) .
} وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتم لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ {
 [ آل عمران : 157]
     إن هذه الآية دعوة للقتال في سبيل الله تعالى ضمن الضوابط الشرعية ، ولا تتضمن حَضّاً على الإبادة أو تشجيع قتل الآخرين لأنهم مخالِفون في العقيدة . بل هي قاعدة عامة لوضع السيف في موضعه اللائق الصحيح، وتأصيل قاعدة الجهاد الماضي إلى يوم القيامة ، والمبني وفق الكتاب والسنة الصحيحة . ولا يَخفَى أن الموت والحياة بيد الله تعالى . وإذا حانت مَنِيّةُ الإنسان فلا يمكن ردّها .
     وقال الطبري في تفسيره ( 3/ 492 ) : (( لا تكونوا أيها المؤمنون في شك من أن الأمور كلها بيد الله وأن إليه الإحياء والإماتة كما شك المنافقون في ذلك ، ولكن جاهدوا في سبيل الله ، وقاتلوا أعداء الله على يقين منكم بأنه لا يُقتَل في حرب ، ولا يموت في سَفر إلا من بلغ أجله وحانت وفاته . ثم وعدهم على جهادهم في سبيله المغفرة والرحمة )) اهـ .
} فَالذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفرَن عَنْهُمْ سَيئَاتِهِمْ {
 [ آل عمران : 195]
     فالذين هَاجروا من أوطانهم ( دار الشرك ) وأتوا إلى دار الإيمان ، وأُخرِجوا من ديارهم ظُلماً وعدواناً بسبب إيمانهم ، وقَاتَلوا أعداءَ الله ، وقُتلوا في سبيل الله . فهؤلاء على خير عظيم . وقد وَعَدهم اللهُ بتكفير سَيئاتهم . ووعدُ الله لا يتخلف .
     وقال الطبري في تفسيره ( 3/ 555): ((} فالذين هاجروا { قومَهم من أهل الكفر وعشيرتهم في الله إلى إخوانهم من أهل الإيمان بالله والتصديق برسوله ، } وأُخرِجوا من ديارهم { ، وهم المهاجرون الذين أَخرجهم مشركو قريش من ديارهم بمكة ، } وأُوذوا في سبيلي {، يعني وأُوذوا في طاعتهم ربهم ، وعبادتهم إياه مخلصين له الدين، وذلك هو سبيل الله التي آذى فيها المشركون من أهل مكة المؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم من أهلها )) اهـ .
     إن الآيةَ تتحدث عن ظلم فظيع وقعَ على المؤمنين . فهم هاجروا أوطانهم ، وتركوا كل ما يملكون بعد أشد أنواع التنكيل والمعاناة على يد الكفار ، وتم إخراجهم من ديارهم قسراً وظلماً ، وتم إيذاؤهم بكل وحشية. لذا فمن الطبيعي جداً أن يُقاتِلوا دفاعاً عن وجودهم الإنساني وما يتعلق به ، بل يجب عليهم أن يُقاتِلوا ، حتى لو قُتِلوا . فعند الله تعالى الجائزة الكبرى لأنهم قاموا بتنفيذ أوامر الله العدلِ الذي يمقت الظلمَ . فرد الظلمِ كان بالسيف الذي وُضِع في موضعه الصحيح النهائي والحاسم .
} فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدنيَا بِالآخِرَةِ {
 [ النساء : 74]
     إِن اللهَ تعالى يحض المؤمنين على قتال الأعداء من أهل الكفر . وهذا القتالُ ليس نزوةً عابرة ، أو شهوةً ساديةً مَرَضِية . إنه قتال في سبيل الله من أجل إعلاء راية الإسلام . وهذا الهدفُ الجليل لا يَقْدر على تنفيذه إلا المؤمنون الذين يبيعون الحياةَ الدنيا الفانية بالحياة الآخرة الباقية .
     والآيةُ تقدّم قاعدةً عامة للجهاد في سبيل الله تعالى ضمن الضوابط ، وضمن التعريف الشرعي الدقيق لمفهوم الجهاد في نصوص الكتاب والسنة الصحيحة . وبالتأكيد فهي ليست دعوةً للقتل الفوضوي ، أو الإبادة الجماعية ، أو ممارسة ترويع الأبرياء وإرهابهم . بل دعوة صريحة لتوضيح شرعية استخدام السيف في الحالات الخاصة .
     وفي تفسير البغوي ( 1/ 249 ) : (( قيل : نَزلت في المنافقين ، ومعنى يَشرون أي : يشترون، يعني الذين يختارون الدنيا على الآخرة ، معناه : آمِنوا ثم قاتِلوا . وقيل: نزلت في المؤمنين المخلِصين معناه : فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون، أي : يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة ، ويختارون الآخرة )).
} فَإِن تَوَلوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتموهُمْ {
 [ النساء : 89]
     إن الفئةَ الشاذةَ المقصودة في الآية هي المنافقون ، فإن أعرَضوا عن التوحيد والهجرة في سبيل الله ، فيجب أخذُهم وقتلُهم حيث وُجدوا ، سواءٌ في حِل أم حَرَم .
     وهؤلاء المنافِقون قد رُفِع عنهم الأمان ، وتم إهدار دمائهم ، لأنهم طابور خامس ينخر في جسد الأمة الداخلي ، فكان لزاماً على المسلمين أن يتصدوا لهؤلاء الكفار المحارِبين الذين يمارسون لعبتهم السرية في نخر أساسات الدولة الإسلامية ، وبالتالي فهم ليسوا أبرياء أو مدنيين ، بل هم أشد إرهاباً من الكافر الحامل للسلاح. وقتلُهم إنما هو قتل أعداء يمارسون هدماً حقيقياً في أساسات الدولة ، لذلك فهُم مُدانون بتهمة الخيانة العظمى التي عقوبتها القتل . وهذه هي العدالة التامة .
     وفي زاد المسير ( 2/ 156 ) : (( واعلم أن الناس في الهجرة على ثلاثة أضرب: مَن تجب عليه وهو الذي لا يَقدر على إظهار الإسلام في دار الحرب خوفاً على نَفْسه ، وهو قادر على الهجرة ، فتجب عليه ... والثاني : مَن لا تجب عليه بل تستحب له وهو من كان قادراً على إظهار دِينه في دار الحرب ، والثالث : مَن لا تستحب له وهو الضعيف الذي لا يَقْدر على إظهار دِينه ، ولا على الحركة ، كالشيخ الفاني )) اهـ .
} فَإِن لم يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السلَمَ وَيَكُفوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ {
 [ النساء : 91]
     فإن لم يجتنبوكم ، ويَخضعوا لكم ، ويستسلموا لأمركم ، ويمتنعوا عن قتالكم ، فخذوهم أَسرى واقتلوهم حيث وَجدتموهم.فهؤلاء فئةٌ شاذة يجب استئصالها من المجتمع الإنساني لئلا تُفسِده.
     نلاحظ من سياق الآية الشريفة أن أهلَ الكفر هم المعتدون عبر قيامهم بإجراءات حربية تستهدف استئصالَ الوجود الإسلامي ، وقد حدّد اللهُ تعالى مسألةَ الأخذ والقتل في حالة عدم اعتزالهم القتال ، ورفض الصلح ، ومواصلتهم للقتال. ومع أُناس مثل هؤلاء هل يُفترَض بالمسلمين أن يقدموا لهم باقات الورود شكراً على إرهابهم وجرائمهم ؟! . بالطبع لا ، فتلك حماقة وتخاذل . فيجب أخذهم وقتلهم أينما وُجِدوا لأن الكافر المحارِب يُقتَل أينما وُجِد في هذا العالَم تحقيقاً لمفهوم جدوى الحياة ، واستمرارية التواجد البشري دون منغّصات ، فالذي يرفض أن يكون إنساناً ، ويصر أن يكون وحشاً مفترِساً ضد الأبرياء يجب أن يُقتَل لكي يتواصل الآخرون مع إنسانيتهم دون عوائق ، وهذا ما فعله المسلمون ويَفعلونه . فساحةُ المعركة ضد الأعداء هي العالَم كله . فالمسلمون يَسعون إلى عالَم طاهر نقي من الأوبئة الفكرية والعقائد الإرهابية التي يعتنقها الذين يقتلون الإنسانَ ، ويتشدقون بحقوق الإنسان. فلن يُسمَح لأي منحرف أن يلوّث هذه الأرض بحجّة أنه حُر في اختياره . ولو كان الأمر كذلك لكان تاجر المخدرات حراً في اختياره ، ولكان اللص حراً في تنفيذ سرقاته ، وهذا لا يقول به عاقل .
     قال أبو السعود في تفسيره ( 2/ 214) : (( فإن لم يعتزلوكم بالكَف عن التعرض لكم بوجه ما ، ويلقوا إليكم السلم ، أي لم يُلقوا إليكم الصلح والعهد بل نبذوه إليكم ، ويكفوا أيديهم ، أي لم يكفوها عن قتالكم ، فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم ، أي تمكنتم منهم )) اهـ .
} إنما جزاءُ الذين يُحارِبون اللهَ ورسولَه ويَسْعَوْن في الأرض فساداً أن يُقَتلوا أو يُصَلبوا أو تُقَطع أيديهم وأرجلهم مِن خِلاف أو يُنفَوْا من الأرض  {
 [ المائدة : 33]
     فجزاءُ الذين يُحارِبون الشريعةَ الإلهية والمسلمين ، وينشرون الفساد وسفك الدماء في الأرض أن يُقتَلوا عقوبةً لهم ، أو يُصلَبوا ، أو تُقطع أيديهم اليمنى وأرجلهم اليسرى ، أو يُنفوا من بلدٍ إلى بلد. وقال الحافظ في الفتح ( 8/ 274 ) : (( وفسّره الجمهور هنا بالذي يقطع الطريق على الناس مُسْلماً أو كافراً )) اهـ .
     وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 11/ 153) : (( واختلف العلماء في المراد بهذه الآية الكريمة  . فقال مالك : هي على التخيير ، فيخير الإمام بين هذه الأمور إلا أن يكون المحارِب قد قَتل فيتحتم قتله . وقال أبو حنيفة وأبو مصعب المالكي : الإمام بالخيار وإن قَتلوا،وقال الشافعي وآخرون : هي على التقسيم ، فإن قَتلوا ولم يأخذوا المال قُتلوا ، وإن قَتلوا وأخذوا المالَ قُتلوا وصُلبوا، فإن أَخذوا المالَ ولم يَقتلوا قُطعت أيديهم وأرجلهم من خِلاف، فإن أخافوا السبيل ولم يأخذوا شيئاً ولم يَقتلوا طُلبوا حتى يُعزّروا ، وهو المراد بالنفي عندنا )) اهـ .
     وبما أن ضرر هذه الجرائم مختلف ، وتأثيرها متفاوت، فقد كانت عقوباتها مختلفة، لكي تتناسب العقوبة مع الجريمة دون إفراط أو تفريط . والناظرُ في حَد المحاربة قد يظن _ للوهلة الأولى _ أنه قاسٍ وعنيف . ولكنْ ينبغي النظر إلى الأمر من كل زواياه إذا أردنا تكوين صورة صحيحة . فالحِرابةُ _ قطع الطريق _ هي تمرّد مسلّح لإرباك المجتمع ، وإشاعة الفوضى والقتل ، وانتهاك الأعراض ، وانتزاع الأموال من أصحابها دون وجه حق .
     وهذه الجريمةُ الكبرى لا بد من التصدي لها بحزم حفاظاً على أرواح الناس وممتلكاتهم ومجرى الحياة دون عوائق . وسوى ذلك ستنتشر الفوضى في المجتمع ، ويعمُّ القتل والسلب والنهب بكل أريحية ، ودون رادع .
     والحدودُ شُرعت من أجل ردع الناس ، وإحاطة المجتمع بسياجٍ واق ضد الجريمة والمجرمين والذي يُفكرون في ارتكاب الجرائم ، وليس من أجل تحويل الأفراد إلى مشلولين ومُعاقين . فالحدودُ هي عقوباتٌ حازمة تجعل الأفراد يُفكرون ألف مرة في عاقبة ارتكاب الجرائم ، وبالتالي يَطردون فكرة الجريمة من أذهانهم خوفاً من العقوبة الحاسمة. ودرهمُ وقاية خير من قنطار علاج.
     أمّا التساهل في العقوبة سيؤدي إلى جرأة الناس على ارتكاب الجرائم ، لعلمهم أن الطريق مفتوح بسهولة ، والعقوبةُ بسيطة لا تستحق أن يُخاف منها . وكما قيل : مَن أَمِنَ العقوبةَ أساءَ الأدب .
     وعن أنس _ رضي الله عنه_: أن نفراً من عكل _اسم قبيلة_ ثمانية قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبايعوه على الإسلام ، فاستوخموا الأرض ، وسقمت أجسامهم ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : (( ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من أبوالها وألبانها ؟ )) ، فقالوا : بلى ، فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحّوا ، فقتلوا الراعي ، وطردوا الإبلَ ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهم ، فأُدرِكوا فجيء بهم ، فأمر بهم فَقُطعت أيديهم وأرجلهم ، وسمر أعينهم ، ثم نُبذوا في الشمس حتى ماتوا .[ متفق عليه. مسلم ( 3/ 1296) برقم ( 1671) ، والبخاري ( 6/ 2528) برقم ( 6503) .
" فاستوخموا الأرض" : استثقلوها ، ولم يوافق هواؤها أبدانهم . " سمر أعينهم " : أحمى لهم مسامير الحديد ، ثم كَحّلهم بها .   ] .
     فهؤلاء النّفر قابلوا الإحسان بالإساءة ، وقابلوا المساعدةَ النبوية بالخيانة . فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد إنقاذهم من مأزقهم ، وإخراجهم من أزمتهم ، وإنهاء معاناتهم. فَعَرض عليهم الخروج مع راعي الإبل للتزود من أبوالها وألبانها من أجل أن يستعيدوا عافيتهم ، وحالتهم المعنوية والجسمانية . وقد خرجوا مع الراعي وشربوا من أبوال الإبل وألبانها ، فلمّا عادت إليهم الصحة ما كان منهم إلا أن قَتلوا الراعي ، وطَردوا الإبلَ . وإنهم بهذا الفعل يُعلِنون الحربَ على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، لذلك فقد استحقوا العقوبة الحازمة التي توقفهم عند حَدّهم ، وتَردع الآخرين .
     وقال السيوطي في شرحه لسُنن النسائي ( 7/ 93): (( وإنما فعل بهم ذلك لأنهم فعلوا بالرعاة وقتلوهم فجازاهم على صنيعهم بمثلة . وقيل : إن هذا كان قبل أن تنزل الحدود ، فلمّا نزلت نهى عن المثلة )) اهـ .

     لقد اتخذ البعضُ هذه الآية الشريفة لِبَثّ ما يعتقده إجراء قاسياً ومخالفاً لحقوق الإنسان . فالقتل أو الصلب أو قطع الأطراف من خلاف أو النفي للذين يحارِبون اللهَ تعالى ورسولَه صلى الله عليه وسلم من وجهة نظره القاصرة تُعتبَر اعتداءً على حقوق الإنسان ، وهذا مردود من أوجه : الأول _ أن هذه العقوبات عقوبات رادعة وفعالة ، وهي أصلاً موجودة لإثارة الخوف والرعب في قلوب الذين يمارسون الأفعال الشريرة ، أو يريدون ممارستها . فهذه العقوباتُ متعلقة بالردع بدرجة أكبر من التطبيق . والردعُ ينبغي أن يكون واضحاً وحاسماً لأننا نتحدث عن مجتمع عالمي بأسره، أمّا أن يقوم الإنسان بقتل الأبرياء ثم يجلس في السجن بضعة سنين ويخرج ، فهذا يعني ضياع المجتمع لأنه يُكرّم المجرمين ، ويمنحهم إجراء مخففاً مكافأة على أفعالهم الإجرامية ، فلا بد من الحزم ، فالذي يرتكب جُرْماً لا بد أن يدفع ثمنَ استهتاره بأرواح الآخرين ، وكأنها مُلْكٌ شخصي له . ومن هنا كانت الحدود رادعة وفاعلة، ومن بينها القتل. وتطبيق هذه الحدود ليس بهذه السهولة ، فلا بد أن تتحقق شروط صارمة جداً ونادرة جداً حتى يتم التطبيق . لذلك في كل تاريخ الدولة الإسلامية كانت الحدود المقامة محصورة جداً تجاه أُناس فرّطوا عن سبق الإصرار والترصد . الثاني _ أن السياق التاريخي للآية المنضوي تحت سبب النزول يحدّد طبيعةَ فهمنا لهذه الآية . الثالث_ أن الذين يحتجون بهذه الآية لِبَثّ أفكارهم المنحرفة بأن الإسلام يأمر بقتل كل ما هو غير مسلم لا يعرفون أن هذه الآية تشمل المسلمين والكفار على السواء ، وهو قول الجمهور .