احتقار المرأة ووأد البنات في الجاهلية
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
facebook.com/abuawwad1982
...................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
facebook.com/abuawwad1982
...................
المرأةُ في الجاهلية كانت محل الانتقاص
والتعيير ، فهي الحلقةُ الأضعف في المجتمع ، والطائرُ ذو الجناح المكسور. وقد
نَسجت عقليةُ الجاهليةِ البدائيةُ ألاعيبها حول المرأة، وكرَّست العبثَ بالكيان
الأُنثوي ، وجذَّرت احتقارَ إنسانية المرأة ، فصارت المرأةُ عُرضةً للسخرية والشتم
.
فعن أبي ذَر _ رضي الله عنه _ قال : كان
بَيْني وبين رَجل كلام ، وكانت أُمُّه أعجمية ، فنلتُ منها، فَذَكَرَني إلى النبي
صلى الله عليه وسلم ، فقال لي: (( أساببتَ فلاناً))، قلتُ: نعم، قال: (( أفنلتَ من
أُمِّه ؟ ))، قلتُ : نعم ، قال : (( إنك امرؤ فيك جاهلية )){(1)}.
فالأم ككيان أنثوي _ حسب المنظور الجاهلي _
عُرضة للسب ومحل لكل منقصة . فلا هي ذات مكانة ولا هي تنجو من عبث العابثين . وهذا
مرده إلى الصورة السلبية للمرأة في النسق الجاهلي غير الأخلاقي . فهي لا تعدو عن
كونها سِلعةً رخيصةً ، ومتعة مؤقتة ، ودمية متبرجة في أكف الرجال .
وهذا الحديثُ لا يَنفي المكانةَ السامية
لأبي ذَر رضي الله عنه،ولكنه يُصحِّح خطأَ هذا الصحابي.
فالتعييرُ من
أخلاق الجاهلية ، ويجب على المسْلم أن يُطهِّر نَفْسَه من كل شوائب الجاهلية التي
كَثُر فيها تنقيص الآباء والأُمهات بدافع العصبية القَبَلية ، والتمييز على أساس
العِرْق والجِنس واللون .
ولا يمكن تجاهل عملية "وأْد
البنات" في البيئة الجاهلية، فهذه عقيدةٌ راسخة، وسلوكٌ اجتماعي ثابت . وهذه
الجريمة فِعل طبيعي في مجتمع يُصنِّف الأنثى كوصمة عارٍ ينبغي مَحْوها من الوجود .
لقد تجلَّى احتقارُ المرأة ( الأنثى ) في
شريعة "وأْد البنات" التي رَفضت منح حق الحياة للأنثى باعتبارها رمزاً
للعار والذل والفقر . فوأدُ البنات هو تلخيص لفلسفة المجتمع الجاهلي المتطرف في
ذكوريته ، الوحشي في تعامله مع الأنثى، والذي لا يتورع عن تصفيتها جسدياً . فلا
يوجد احترام لحياة الإنسان ، ولا يوجد رحمة في التعامل مع الأنثى ، ذلك الكائن
الضعيف المهمَّش .
قال الله
تعالى : } قد خسر الذين قَتلوا أولادَهم
سفهاً بغير عِلْم وحَرَّموا ما رزقهم اللهُ افتراءً على الله {[
الأنعام : 140] .
(( نَزلت في
ربيعة ومضر وبعض العرب من غيرهم، كانوا يدفنون البناتِ أحياء مخافة السَّبي والفقر
)){(2)}.
أي إن هؤلاء
الجهلة الذين قتلوا أولادَهم ( وأدوا بناتهم ) بكل طيش وسَفهٍ وقلة عقل ، وحرَّموا
طيباتِ ما أحل اللهُ لهم من الأنعام كالبحيرة والسائبة كذباً على الله تعالى،
واعتداءً على شريعته ، قد باؤوا بالخسران في الحياة الدنيا( قتلوا أولادهم
وضيَّقوا على أنفسهم وحَرَموها من الاستمتاع بالحلال )، وخسروا الآخرةَ أيضاً
حينما يُعذَّبون في الجحيم. فقد جعلوا عقولَهم الناقصة مصدرَ التشريع ، وراحوا
يخترعون أحكاماً ما أنزل اللهُ بها من سلطان وألزموا أنفسهم بها جهلاً وعدواناً .
وهذا الأمر يعكس جهلَ العرب الذين كانوا يئدون بناتهم ، ويَحرمون أنفسهم من الأولاد زينةِ
الحياة الدنيا ، ويُدمِّرون حياتهم بأيديهم .
والمضحك
المبكي في الأمر أن عرب الجاهلية كانوا يئدون بناتهم في حين أنهم يَعتنون بأنعامهم
، ويُوفِّرون لها الحياة الهانئة. وهذا يدل على الرُّتبة المتدنية للإنسان وعدم
احترام كيانه ووجوده .
وفي زاد
المسير لابن الجوزي ( 3/ 134) : (( وقال قتادة : كان أهلُ الجاهلية يَقتل أحدُهم بِنْتَه
مخافة السَّبي والفاقة ، ويغذو كلبَه )) اهـ .
وفي صحيح
البخاري ( 3/ 1297 ) : عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ قال : إذا سَرَّكَ أن تعلم جهلَ
العرب ، فاقرأْ ما فوق الثلاثين ومائة في سورة الأنعام } قد خسر الذين قَتلوا أولادَهم
سفهاً بغير عِلْم { إلى قَوْله : } قد
ضلوا وما كانوا مهتدين {.
وقال الله
تعالى : } وإذا الموؤدةُ سُئِلت (8)
بأيِّ ذَنبٍ قُتِلت (9) {[
التكوير ] .
فالموؤدةُ (
المدفونة حيةً مخافة العار أو الحاجة ) تُسأل يوم القيامة على أي ذَنْب قُتلت وهي
المظلومة، وهذا تهديدٌ لقاتلها الظالم . وسُمِّيت الموؤدة بهذا الاسم لأنه حينما
يُطرَح عليها التراب فيؤودها ، أي يثقلها حتى تموت .
وقال
القرطبي في تفسيره ( 19/ 202) : (( وكانوا يدفنون بناتهم أحياء لخصلتَيْن ، إحداهما:
كانوا يقولون : إن الملائكة بنات الله ، فألحقوا البنات به . والثانية : إمَّا مخافة
الحاجة الإملاق ، وإمَّا خوفاً من السبي والاسترقاق ... وقال ابن عباس : كانت المرأة
في الجاهلية إذا حملت حفرت حفرة ، وتمخضت على رأسها ، فإن وَلدت جارية رَمت بها في
الحفرة ، وردَّت التراب عليها، وإن وَلدت غلاماً حَبَسَتْهُ )) اهـ .
والوأدُ
مرتبطٌ بالإناث ، لأن الذكور يُنظَر إليهم كقوة مستقبلية ، وسندٍ عائلي ، وطاقةٍ
قادرة على الاكتساب وتحصيلِ الأموال ، وتدبُّر أمورهم في كل الأوضاع. فالمجتمعُ
الجاهلي يمارس سُلطته الذكورية بكل تطرف . وحينما يتجذر التطرف فإن الضغط سوف
يتركز على الطرف الأضعف ، لذلك كانت الأنثى هي الخاسرة الأُولى في هذه اللعبة
القاتلة .
قال الحافظ
في الفتح ( 10/ 406 ) : (( ويقال إن أول من فعل ذلك _ يعني وأد البنات _ قيس بن عاصم
التميمي ، وكان بعض أعدائه أغار عليه فأسر بِنته فاتخذها لنفْسه ، ثم حصل بينهم صلحٌ
، فَخَيَّر ابنته فاختارت زوجَها ، فآلى قيس على نفْسه أن لا تولد له بنت إلا دفنها
حَيَّةً ، فتبعه العرب في ذلك )) اهـ .
فهذا الفِعل
الطائش الذي وُلد في ساعة غضب تحوَّل إلى شريعة مُلزِمة للعرب جميعاً ، الذين
يَسيرون على غير هُدى ، والذين يَتبعون كلَّ دعوى هدَّامة تحت ضغط العصبية
القَبَلية والأهواء الشخصية دون تفكير في الأمور. وهذا هو الجهل بِعَيْنه،وأقصى
درجات التطرف والتقليد الأعمى.
وعن عمر بن الخطاب
في قَوْل الله _ تبارك وتعالى _: } وإذا الموؤدةُ سُئِلت {
، قال : جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : يا رسول الله ،
إني وَأدتُ بَناتٍ لي في الجاهلية ، فقال : (( أعْتِقْ عن كل واحدة منهنَّ رَقبة
)) ، قال : يا رسول الله ، إني صاحبُ إبل ، قال : (( فانحرْ عن كل واحدة منهنَّ بَدَنة
)){(3)}.
لقد سعى هذا
الصحابي الجليل إلى تطهير نفْسه ، مع أن الإسلام يَجُبُّ ما قَبْله . وهذه الجرائم
الشنيعة التي ارتكبها في الجاهلية تشير إلى حجم الانهيار الدِّيني والأخلاقي
والإنساني . فقد وَأَدَ بناته بلا رحمة ، ودفنهنَّ وهُنَّ على قيد الحياة بلا شفقة
. وقد كان هذا السلوك الإجرامي فِعلاً عادياً لا يَدعو إلى القلق ، ولا يُثير في
المجتمع أيةَ مشكلات . فالعقلُ الجمعي في البيئة الجاهلية مبنيٌّ على معاداة
الأنثى ، وتصنيفها ككائن غير مرغوب فيه ، وينبغي التخلص منه بأسرع وقت .
وفي صحيح
البخاري ( 3/ 1392 ) : عن أسماء بنت أبي بكر _ رضي الله عنهما _ قالت : (( رأيتُ زيد
بن عمرو بن نفيل{(4)} قائماً مُسنِداً ظهره إلى الكعبة ، يقول : يا معاشر قريش ، والله ما مِنكم على دِين إبراهيم غَيْري . وكان يُحيي
الموءودةَ ، يقول للرَّجل إذا أراد أن يَقتل ابنته : لا تقتلها ، أنا أَكْفِيكها مؤونتها
فيأخذها، فإذا ترعرعت قال لأبيها : إن شئتَ دفعتُها إليك وإن شئتَ كَفَيْتُكَ مؤونتها
)) .
وهذا إن دل
على شيء فهو يدل على مكارم الأخلاق الجليلة المنبثقة من دِين التوحيد ( دِين
إبراهيم صلى الله عليه وسلم ) . فزيد بن عمرو بن نفيل على الرغم من حياته وموته في
الحقبة الجاهلية ( قبل البعثة المحمَّدية الإسلامية ) إلا أن كان متمسكاً
بالحنيفية ( الميل عن الباطل إلى الحق ) . ومع أن الجاهلية كانت تعج بالمغريات
والانحلال الأخلاقي وعبادة الأوثان ، إلا أنه اختطَّ لنفْسه مساراً مخالفاً لبني
قومه مُؤْثراً الآخرة على الدنيا . وهذا جعله يعارض وَأْدَ البنات ، بل ذهب أبعد
من هذا حينما كان يعرض على الأب أن يتكفل بمؤونة ابنته خوفاً من قتلها . وكل هذا
الإصرار على الحق في محيط مريض بالكفر والفساد جعل منه قدوةً في الصلاح والإصلاح ،
لذلك يُبعَث يوم القيامة أُمَّةً لوحده ، ومصيره إلى الجنة لأنه قضى حياته مشعلاً
للنور والهداية ونشر الفضيلة ، ومات على التوحيد الخالص دون أن يتلوَّث بالشِّرك
وسوءِ الأخلاق .
إن وَأْدَ
البنات كان ثقافةً اجتماعية سائدة . وهي تعكس السقوطَ العقائدي ، والانتكاسة
الأخلاقية ، وضغط الحياة المادية الفجة على سلوك الأفراد . الأمر الذي جعلهم
محصورين في دائرة رد الفعل دون أن يُفكِّروا في تغيير أوضاعهم ، أو تنظيم حياتهم
بما يتناسب مع إمكانياتهم .
وقد أكرم
اللهُ تعالى المرأةَ _ أُمَّاً وبنتاً _ ، ورفع من شأنها ، ومنع الإساءةَ إليها .
فعن المغيرة بن شعبة _ رضي الله عنه_ قال
: قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله حَرَّم عليكم عُقوقَ الأمهات ، ووأْدَ
البنات )){(5)}.
وقد خُصَّ
بالذِّكْر الأمهات ، لأن العقوق مرتبط بهن بسبب ضعفهن ، كما أن بِر الأم مقدَّم
على بِر الأب، وحُرْمتها أعظم من حُرْمة الأب. وعقوقُ الأمهات من الكبائر _ بإجماع
العلماء _ .
ووأدُ
البنات من الكبائر المهلِكة لأنه قتلٌ للنَّفْس التي حرَّم اللهُ قتلَها ، وقطعٌ
للرَّحم ، ويعكس عدم الرضا بقضاء الله وقَدَره . لذلك كان التحريمُ مشدَّداً في
كلا الحالتَيْن : عقوق الأمهات ووأد البنات .
ومن الأهمية بمكان توضيح كراهية التجمع الجاهلي للأنثى ، وتفضيل الذَّكر على الأنثى دون
وجه حق. ولم يقف الأمر عند التفضيل، بل تعدَّاه إلى وأد البنات وقتلهن شر قِتلة .
وقد كان الوأد مستعملاً في قبائل العرب قاطبة . وكانت مذاهب العرب مختلفة في وأد
البنات ، فمنهم من كان يئد البنات لمزيد الغَيرة ، ومخافة لحوق العار بهم من أجلهن
، ومنهم من كان يئد من البنات من كانت زرقاء أو شيماء ( سوداء ) أو برشاء ( برصاء
) أو كسحاء ( عرجاء ) تشاؤماً منهم بهذه الصفات ، ومنهم من كان يقتل أولاده خشية
الإنفاق وخوف الفقر ، وهم الفقراء من بعض قبائل العرب، فكان يشتريهم بعض سُراة
العرب وأشرافهم، ومنهم من كان يَنذر_ إذا بلغ بنوه عشرة _ نحر واحداً منهم كما فعل
عبد المطلب ، ومنهم من يقول : الملائكة بنات الله _ سبحانه وتعالى _ فألحقوا
البنات به تعالى، فهو عز وجل أحق بهن _ على حد زعمهم _{(6)}.
قال اللهُ تعالى : ] وَيَجْعَلُونَ للهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم ما
يَشْتَهُونَ . وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدَّاً
وَهُوَ كَظِيمٌ . يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ
أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا
يَحْكُمُونَ [ [ النَّحل : 57_ 59] .
إن هذه الآيات الكريمة توضح صورة الإنسان
الذي يُبَشَّر بالأنثى . فوجهه يغدو أسْود وهو كظيم ، أي يكظم حنقه وغضبه وحزنه ،
وبعد كل هذا يختفي عن الأنظار ، ويحرص على ألا يراه أحد ، ثم يفكر أيمسك الأنثى أم
يئدها ، وكيف ستكون طريقة الوأد .
وقال القرطبي في تفسيره ( 10/ 104): (( ] وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَى [ أي أُخبِر أحدهم بولادة بنت ] ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدَّاً [ أي متغيراً ، وليس يريد السواد
الذي هو ضد البياض، وإنما هو كناية عن غَمِّه بالبنت . والعربُ تقول لكل من لقي مكروهاً
: قد اسْوَدَّ وجهُه غَمَّاً وحزناً ، قاله الزجاج . وحكى الماوردي أن المراد سواد
اللون ، قال : وهو قول الجمهور )) اهـ .
وقال الأبشيهي في المستطرف ( 2/ 173) : (( وبمكة جبل يقال له أبو دلامة
، كانت قُرَيْش تئد فيه البنات . وقيل إن صعصعة جَد الفرزدق كان يشتري البنات ويفديهنَّ
من القتل ، كل بنت بناقتين عشراوَيْن وجمل ، وفاخر الفرزدقُ رَجلاً عند بعض خلفاء بني
أمية ، فقال : أنا ابن مُحي الموتى ، فأنكر
الرَّجلُ ذلك ، فقال : إن الله تعالى يقول : } وَمَن أحياها فكأنما أحيا الناسَ جميعاً { [ المائدة : 32] )) اهـ
.
إن الذي يَصون النَّفْس
البشرية من القتل ، فقد ساهمَ في إعمار الأرض ، وحفظِ البشرية من الأذى ، وبالتالي
فكأنه أحيا الناسَ جميعاً ، وحماهم من كل سوء .
والجدير بالذِّكْر أن الناس في عصرنا قد
أصابهم لوثة كراهية البنات ، والنظر إلى المرأة نظرة دونية،وأنها فاقدة للمزايا
الإنسانية والكرامة البشرية، وأنها كائن غير مرغوب فيه ، وهذه خصلات جاهلية ذميمة
هادفة إلى قتل الروح والحياة السوية في الأنثى . وللأسف فقد تم نقلها إلى واقعنا
المعاصر . لذا سَمَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم البناتِ بلاء لأن الناس يكرهونهن
.
فعن السيدة عائشة _ عليها السلام _ أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : (( مَن ابْتُلِيَ من البنات بشيء ، فأحسن إليهنَّ ، كُنَّ له سِتراً من النار )){(7)}.
فهذا هَدْي نبوي شريف لتحبيب البنات إلى
نفوس الناس . وتسمية البنات بلاءً فيه نوع من الاختبار الإلهي للإنسان ، هل يشكر
أم يكفر ؟!. والشريعة أوجدت كل السُّبل لزرع محبة البنات خصوصاً والذرية عموماً في
النَّفْس البشرية . فمن أحسن إلى البنات تربيةً وتعليماً كن له حجاباً واقياً من
النار . إنها لفرصة كبرى أن يغدوَ الإنسان في طريق المحبة ، واحترام كينونة
الإنسان سواءٌ كان ذَكَراً أم أنثى. وإذا وصل الفرد إلى هذه المرحلة فإنه سيقوم
بواجب الشكر لله تعالى على نعمائه وعطاياه في كل الأحوال.قال الحافظ في الفتح (
10/ 429 ) : (( وفي الحديث تأكيد حق البنات لما فيهنَّ من الضعف غالباً عن القيام بمصالح
أنفسهن ، بخلاف الذكور لما فيهم من قوة البدن وجزالة الرأي وإمكان التصرف في الأمور
المحتاج إليها في أكثر الأحوال )) اهـ .
والنسق الجاهلي كان تياراً ضاغطاً على
المرأة ، فقادها إلى الجهل والعزلة ، لأنه حجبها عن تلقي العِلم ، والاضطلاع
بمسؤولية إنشاء جيل متعلم واعٍ. فالمرأة الجاهلية تفتقد إلى المستوى العلمي السامي
، فهي محصورة في عالم الأوهام وانعدام المعارف نتيجة ضغط البيئة الاجتماعية
القاتلة المحيطة بالطبيعة الأنثوية الغارقة في إفرازات الشعوذة ، والتقاليد
الوثنية البالية ، والتعاليم الجاهلية الابتزازية .
ففي تفسير الطبري ( 3/ 15 ) أن سعيد بن جبير
قال : (( كانت المرأة في الجاهلية تَنذر إن وَلدت ولداً أن تجعله في اليهود تلتمس
بذلك طول بقائه )) اهـ .
وهذه الرؤية المتخلفة
تدل على حجم الضغط الاجتماعي المسلَّط على المرأة المقتنعة _ بفعل إفرازات البيئة
المحيطة _ أن وجود الولد في اليهود يطيل بقاءه . مما يشير إلى دور الأوهام
والعواطف غير المنطقية في توجيه السلوك المجتمعي نحو عناصر سلبية بفعل الجهل
المستشري في الجماعة البشرية ، والذي ينعكس بشكل مرعب على عقلية المرأة ( الأم )
التي يُفترَض بها أنها صانعة الأجيال .
...............الحاشية....................
{(1)} رواه
البخاري ( 5/ 2248 ) واللفظ له ، ومسلم ( 3/ 1282 ) .
{(2)} تفسير
البغوي ( 1/ 194 ) ، والكشاف للزمخشري ( 1/ 380 ) .
{(3)} رواه
البزار في مسنده ( 1/ 355) برقم ( 238 ) .
وقال الهيثمي في المجمع ( 7/ 283 ) :
(( رواه البزار والطبراني ، ورجال البزار رجال الصحيح
غير حسين بن مهدي الأيلي وهو ثقة )) .
{(4)} قال ابن حجر في تهذيب التهذيب( 3/ 363
):(( زيد بن عمرو
بن نفيل العدوي، ابن عم عمر ابن الخطاب أمير المؤمنين، ووالد سعيد بن زيد أحد العشرة
))اهـ. قلتُ: وقد تُوفِّي زيد على التوحيد قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد ذَكَره النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( يُبعَث يوم القيامة أُمَّةً وَحْدَه بَيْني وبَيْن
عيسى )) [ سنن النسائي الكبرى (5/ 54) ] . وقال
العراقي في تخريج الإحياء ( 1/ 236) : سنده جَيِّد .
{(5)} متفق عليه . البخاري( 2/848)
. ومسلم ( 3/ 1340 ) .
{(6)} انظر بلوغ الأرب في أحوال
العرب للآلوسي .
{(7)} متفق عليه. واللفظ لمسلم ( 4/ 2027 ) . البخاري ( 2/ 514) .