سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

03‏/09‏/2015

وجود الله ووحدانيته وربوبيته

وجود الله ووحدانيته وربوبيته

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

................................

     إن وجود الله ثابتٌ عقلاً ونقلاً . فالدلائلُ الماثلة في الكون تشير _ بلا ريب _ إلى وجود خالق مبدِع. وكل هذه المصنوعات من حولنا، والتي تسير وفق دقة متناهية ، ونظامٍ لا يعتريه اضطراب ، تدل على وجود صانعٍ لها . فلا يُعقَل أن تكون الطبيعةُ هي العقل المسيِّر لكل هذه الموجودات ، إذ إنها بحاجة إلى من يُسيِّرها . كما أن الصدفة عاجزة تماماً عن اختراع أنظمة كَوْنية دقيقة وبالغة التركيب .
     كما أن الفطرة الإنسانية السوية مجبولة على التوجه إلى اللهِ خالقها . فالنقصُ الإنساني والحاجة البشرية يسير باتجاه الإيمان بالله تعالى صاحب القوة العظمى المسيطرة على كل شيء . لكن الكفرَ عناد . فهؤلاء الملاحدة هم _ في واقع الأمر_ يقمعون فطرتَهم ، ويتحايلون على أنفسهم عبر خداعها وإقناعها بالإلحاد . لكنهم _ في قرارة أنفسهم _ يؤمنون بوجود الله تعالى . لكن المصالح الشخصية الآنية ، وضغطَ الشهوات البشرية ، والنفسَ الأمارة بالسوء ، وحبائلَ الشيطان ، كلها تؤدي إلى إنكار وجود الله تعالى .
     وكما قال أحدهم : البعرةُ تدل على البعير ، وأثرُ الأقدام على المسير . أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدل على اللطيف الخبير ؟! .
فيا عجباً كيف يُعْصَى الإِلهُ          أم  كيف  يَجْحَدُه  الجاحدُ
وفي  كـلِّ  شيءٍ  له  آيةٌ          تدلُّ  على  أنه  واحــدُ
     وقد قدَّم القرآنُ الكريم دلائل واضحة على وجود الله تعالى ، وأظهر الحججَ ، ولفتَ انتباهَ الناس إلى المظاهر الكَوْنية لكي يتفكروا فيها ، ويدركوا أنها ما كانت لتأتيَ عبثاً . كما حثَّهم على التدبر في السُّنن الكونية، والإشاراتِ الطبيعية المنتشرة بكثافة في كل مكان، وأمام أعين الناس كلهم . وفي هذا تحريك للعقل البشري كيف يفكِّر في القوة المحرِّكة للظواهر الكَوْنية المختلفة ، فالعقلُ هو مناط التكليف ، والقادر على معرفة الله تعالى ، إذا كان عقلاً طاهراً يسعى إلى معرفة الحق بدون أهواء مسترشداً بالهداية الربانية .
     قال الله تعالى: } كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يُحييكم ثم إليه تُرجَعون { [البقرة: 28] .
     إن اللهَ تعالى قد وضَّح مسألة الإحياء والإماتة لكي يتفكر الناسُ فيها ، ويستدلوا على عظيم القدرة الإلهية في الإحياء والإماتة . فالحياةُ والموت مشهدان ماثلان أمام العيان ينبغي للفرد أن يتفكر بهما وبما وراءهما ، وبالقوةِ القادرة على منح الحياة وسلبها دون صعوبة أو تناقض .
     قال الطبري في تفسيره ( 1/ 222 ) : (( ووبَّخهم واحتج عليهم في نكيرهم ما أنكروا من ذلك ، وجحودهم ما جحدوا بقلوبهم المريضة . فقال : كيف تكفرون بالله فتجحدون قدرته على إحيائكم بعد إماتتكم لبعث القيامة ... وقد كنتم نطفاً أمواتاً في أصلاب آبائكم ، فأنشأكم خلقاً سوياً ، وجعلكم أحياء ثم أماتكم بعد إنشائكم . فقد علمتم أن من فعل ذلك بقدرته غير معجزه بالقدرة التي فعل ذلك بكم إحياؤكم بعد إماتتكم، وإعادتكم بعد إفنائكم، وحشركم إليه لمجازاتكم بأعمالكم )) اهـ .
     لقد وجَّه اللهُ تعالى فكرَ الناس إلى مشاهدات حسية من صميم حياتهم . فالنطفةُ كيانٌ ميت لا وزن له . وحينما تخرج من أصلاب الرجال إلى أرحام النساء ثم تحدث الولادة ، فإن هذه النطفة تصير كائناً حياً ذا لحم ودم وقلب ودماغ وأعضاء متكاملة وأجهزة بالغة التعقيد والدقة منتظمة في عملها بلا تضاد . فهذه العمليةُ الباهرة التي تشتمل على الخروج من الموت إلى الحياة تشير إلى قدرة الخالق تعالى غير المحصورة . وبعد انتهاء فترة الحياة المقدَّرة فإن الإنسان ينتقل إلى الموت . وبالطبع فالإنسان لا يختار ميلاده ولا وفاته . وهذا يشير إلى وجود قوة قاهرة للإنسان الخاضع _ بإرادته ورغم أنفه_. وبالتأكيد فهذه القوة هي قوة الله تعالى الذي لا يعجزه الإحياء ولا الإماتة.
     وقال ابن كثير في تفسيره ( 3/ 114 ) : (( أي : كيف تجحدون ربكم ودلالته عليكم ظاهرة جلية ، كل أحد يعلمها من نفسه، فإنه ما من أحد من المخلوقات إلا ويعلم أنه كان معدوماً ثم وُجِد ، وليس وجوده من نفسه ولا مستنداً إلى شيء من المخلوقات ، لأنه بمثابته ، فعلم إسناد إيجاده إلى خالقه ، وهو الله لا إله إلا هو خالق كل شيء )) اهـ .
     وكلُّ إنسان _ بغض النظر عن عقيدته _ مقتنع تماماً بأنه لم يكن موجوداً ثم وُجِد ، وأنه سائر إلى الموت . والعجيبُ أنك ترى الملاحدة ينكرون وجودَ الله تعالى لكنهم لا ينكرون الموتَ . ولو أنهم أعملوا عقولَهم لأدركوا أن الموتَ خاضع لقوة عليا تتحكم فيه ، وتحدد موعدَه ، وهذه قوة الله خالقِ الحياة والموت .  
     قال الله تعالى: } وهو الذي خلق من الماء بَشراً فجعله نَسَباً وصِهْراً وكان ربُّكَ قديراً { [ الفُرْقان : 54].
     وتتجلى قدرةُ الله تعالى في إيجاد الإنسان ذي الأجهزة بالغة التعقيد من ماء مهين ( المني ) ، ثم يتدرج الإنسان في مراحل النمو المختلفة بكل تراكيبها المتطورة . وكل ذلك من نطفة بالغة الصغر.  
     فهذا الكائنُ البشري الذي يصبح نسباً وصِهراً مرجعه إلى أصل بسيط ( حيوان منوي ) . وهنا تتجلى القدرةُ الإلهية اللامحدودة التي تجعل من اللاشيء شيئاً ذا قيمة . فعلى المرء أن يتساءل عن مصدر القلب والعقل وهذه الأعضاء البشرية المتناسقة ، من أين انبثقت ؟ . وكيف صدرت عن هذا الماء ( المني ) ؟ . لكن العَظَمةَ لا تكمن في طبيعة الماء ، بل في القدرة التي جعلت من الماء كائناً حياً يُفكِّر ويتحرك ويمارس نشاطاته الحياتية بكل يُسر اعتماداً على أجهزته العضوية المتكاملة.
     قال ابن كثير في تفسيره ( 3/ 429 ) : (( أي : خلق الإنسانَ من نطفة ضعيفة ، فسوَّاه وعَدَله وجعله كامل الخِلقة ذكراً وأنثى كما يشاء ... فهو في ابتداء أمره ولد نسيب ، ثم يتزوج فيصير صهراً ثم يصير له أصهار وأختان وقرابات وكل ذلك من ماء مهين )) اهـ .
     وهذه العلاقات الاجتماعية المختلطة والمنصهرة من علامات وجود الله تعالى ووحدانيته وربوبيته . فقد أوجد اللهُ تعالى الإنسانَ من نطفة لا وزن لها ، وهيَّأ لها رَحِماً حاضنة لها ، ثم يولد الإنسان ، ويكبر ، ويتزوج . وهذه المنظومة المتكاملة لم تتشكل وفق عبقرية الإنسان ومواهبه . فالإنسانُ عاجز عن خلق أصغر عضو في جسمه ، بل هو عاجز عن معرفة أسراره جسده وحقيقة روحه وطريقة عمل أعضائه المعقدة . فهذه المنظومةُ البشرية خاضعة لنظام إلهي مُحكَم لحفظ النسل، وإعمار الأرض . إنها النظامُ الاجتماعي المتماسك : النَّسَب والصِّهْر {(1)}.
     وتتوالى الإشارات الإلهية التي تدفع الإنسانَ إلى التفكر في الظواهر الطبيعية من حوله ، ليدرك عظمةَ الخالق الذي يسيطر عليها ويتحكم فيها .
     فقال تعالى : } وآيةٌ لهم الأرضُ الميْتة أحيَيْناها وأخرجنا منها حَبَّاً فمنه يأكلون { [ يس : 33] .
     إن القرآن يُسلِّط الضوءَ على الظواهر الطبيعية المشاهَدة والملموسة . لكنَّ الإنسان من فَرْط رؤيته للأشياء لم يعد يرى الأشياء ويتفكر فيها ، ويدرك عَظَمةَ القدرة التي تُحرِّكها . فالأرضُ الميتة التي تكون كالجثة الهامدة ، تراها تعود إلى الحياة ، ويخرج منها الْحَبُّ ، فيأكل الناس . فعمليةُ الإحياء هذه دليل مادي واقعي يجريه اللهُ تعالى أمام عيون كل الناس لكي يتفكروا في حياتهم وموتهم وبعثهم ، وأن الذي أحيا الأرضَ بعد موتها وأخرج منها الحبَّ ، قادرٌ على إحياء الأموات وإخراجهم من التراب . والقرآنُ _ بذلك _ يُرَسِّخ في النفوس المعاني المشاهَدة بأم العيون لكي يؤمن الناسُ بالمعاني الغَيْبِيَّة التي تُرى بالقلوب لا الأبصار . وهذه الدلائل الباهرة الواضحة للعيان تثير في النفس الإنسانية الأسئلة العميقة التي تقود إلى الإيمان بوجود الله تعالى وقدرته اللامحدودة . فمشهد الأرض الميتة كيف تعود إلى الحياة ، ويخرج منها الحبُّ ليأكل الناس يدل على مشهد انبعاث الناس من قبورهم يوم البعث والنشور . فالقادرُ على إحياء الأرض الميتة لن يعجز عن إحياء الموتى . والقادرُ على إخراج الحب من قلب الأرض الميتة قادرٌ على إخراج الموتى من جوف قبورهم . فالمشاهِدُ المحسوسةُ في عالم الشَّهادة تتجذر في النفس الإنسانية لكي يتجذر الإيمانُ بالمشاهِد في عالم الغيب التي يُسمَع عنها ولم تُرَ رأي العين .
     قال القرطبي ( 15/ 26 ): (( نبَّههم اللهُ تعالى بهذا على إحياء الموتى ، وذكَّرهم توحيده ، وكمال قدرته . وهي الأرض الميتة أحياها بالنبات وإخراج الحب منها، فمنه _ أي : من الحب _ يأكلون وبه يتغذون )) اهـ .
     وتنتقل الصورُ من الأرض الموات إلى الفضاء الرحب . فكل الأكوان يسيطر عليها اللهُ تعالى ، فهو موجدها من العدم ، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .
     قال الله تعالى : } وهو الذي خلق الليلَ والنهارَ والشمسَ والقمرَ كلٌّ في فَلَكٍ يَسْبحون { [ الأنبياء : 33] .
     إن هذه المظاهر الكَوْنية الهائلة لا تأتي عبثاً أو بمحض الصدفة . فالليلُ وُجد لكي ترتاح فيه الخلائقُ من التعب ، وتأخذ قسطاً من الراحة ، حيث تستعيد نشاطها وحيويتها لمواصلة أعمالها الحياتية الرامية إلى الإعمار والتعمير . والنهارُ هو وقت النشاط والاندفاع والانطلاق في مسالك الأرض. والشمسُ تبعث الطاقة في الأرض وتنشر النور على البشر لكي تستمر الحياة دون عوائق، أما القمرُ فيمارس وظيفته في الإنارة . كما أن الشمس والقمر يُعتمَد عليهما في إجراءات العمليات الحسابية الخاصة بالشهور والسنوات .
     قال القرطبي ( 11/ 251 ) : (( ذكَّرهم نعمة أخرى : جعل لهم الليل ليسكنوا فيه ، والنهار ليتصرفوا فيها لمعايشهم ... وجعل الشمس آية النهار ، والقمر آية الليل ، لتعلم الشهور والسنون والحساب.كل ( يعني من الشمس والقمر والنجوم والكواكب والليل والنهار ) في فلك يسبحون ، أي يجرون ويسيرون بسرعة كالسابح في الماء )) اهـ .
     فهذه الظواهر ذات تماس مباشر مع حياة الإنسان . لكن كثرة المشاهدة قد تجعل الإنسانَ غارقاً في الاعتيادية ، حيث يتعود على وجود الشمس والقمر والنهار والليل ...إلخ، دون التفكر في هذا النظام البديع ، فتصبح النجوم والكواكب وتعاقب الليل والنهار _ في عيون البعض _ مظهراً عادياً خاضعاً لقوانين الفيزياء والكيمياء دون النظر بالبصيرة لإدراك عظمة محرِّك المكوَّنات السماوية الباهرة .
     فينبغي للعاقل أن ينظر إلى ما وراء الأشياء، ويتفكر في أنظمة عملها وضوابطها ، والإشاراتِ التي تحملها، وأن لا يغرق في الاعتيادية والتعود على رؤية الأشياء دون تحليلها وإيجادِ روابط بينها. فلا يوجد شيء في الكون وُجِد بشكل عبثي أو بالصدفة . إذ إن كل عنصر موجود لأداء وظيفة محدَّدة خلقها اللهُ تعالى ، ووضَّح معالمها وحدودَها بكل دقة وانتظام . لكن المشكلة تكمن في العيون الميتة التي تُبصِر بلا بصيرة .  
     قال الله تعالى : } خلق السماواتِ بغير عَمَدٍ تَرَوْنها وألقى في الأرض رواسيَ أن تميد بكم وبثَّ فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماءً فأنبتنا فيها من كل زَوْجٍ كريم (10) هذا خلقُ الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين (11) { [ لقمان ] .
     فاللهُ تعالى خلق السماوات بغير أعمدة ، وهذا واضح أمام كل ناظر . وفي ذلك تتجلى طلاقة القدرة الإلهية وعدم محدوديتها . وهذه الصورُ الكَوْنية الباهرة من شأنها هداية العقل البشري إلى الإيمان بالله تعالى والامتثال لأوامره ، وإخلاص العبادة له ، وتوحيده الخالص الذي لا تشوبه أية شِركيات صغيرة أو كبيرة . فالسماواتُ العظيمة محمولةٌ بلطف الله تعالى ومقهورةٌ في قبضته . واللهُ غنيٌّ عن الأسباب ، فلا يحتاج _ سبحانه _ إلى أعمدة لكي تحمل سماواته .
     قال ابن كثير ( 2/ 656 ) : (( يخبر الله تعالى عن كمال قدرته ، وعظيم سلطانه ، أنه الذي بإذنه وأمره رفع السموات بغير عمد ، بل بإذنه وأمره وتسخيره رفعها عن الأرض بعداً لا تُنال ولا تدرك مداها . فالسماء الدنيا محيطة بجميع الأرض ، وما حولها من الماء والهواء ، من جميع نواحيها وجهاتها )) اهـ .
     وألقى اللهُ تعالى في الأرض جبالاً راسيات تحافظ على توازن الأرض وثباتها . فهذه الجبال بمثابة الأوتاد للخيمة. وهذا مظهر من مظاهر رحمته بخلقه، وتفرده بالحكم والأمر، مما يدل على وحدانيته وربوبيته . فهو يعتني بعباده ، ويحافظ على حياتهم ، ولا يتركهم يدبِّرون لأنفسهم فهم لا يحسنون التدبير ، وليس لهم القدرة على التحكم في الأنظمة الكَوْنية الأرضية والسماوية .
     وقد ذرأ اللهُ تعالى في الأرض من أنواع الحيوانات على اختلاف حجومها وأشكالها وقوتها ، ونشرها في الأرض . وكلُّ دابة تعرف وظيفتها بدقة ، وتؤدي عملَها في هذا النظام البيئي البديع . فاللهُ تعالى لم ينسَ الدواب ، وحاشاه أن ينسى . فهو رب جميع الخلائق بلا استثناء ، يعتني بهم ، ويزوِّدهم بالأجهزة العضوية والتركيبِ الجسماني لكي تسهل حياتهم في البيئات المختلفة .
     قال الله تعالى : } واللهُ خلق كلَّ دابةٍ من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رِجلَيْن ومنهم من يمشي على أربع { [ النور : 45] .
     فهذا التنوعُ في طبيعة الخلق ، وتعدد الأشكال والمظاهر في نظام بيئي لا اضطراب فيه ولا تعارض ، يشير إلى القدرة الإلهية والحكمةِ الربانية . فاللهُ تعالى لم يخلق مخلوقاته لكي يَحشرهم في الزاوية ويقضيَ عليهم ويضطرهم إلى أضيق المسالك . بل فتح لهم طريقَ اليُسر . فهو _ سبحانه _ خلق الدوابَّ وفق أشكال مختلفة ، وزوَّدها بأعضاء متباينة ، لكي تتأقلم مع بيئتها . فالكائناتُ الصحراوية بحاجة إلى أسلوب حياة يختلف عن أسلوب الكائنات العائشة في الأماكن الباردة . ومن هنا اختلفت طبيعة خلق الأجسام الحيوانية . وهكذا تتجلى الحكمةُ الإلهية في توفير سُبل العيش الهانئ للدواب على اختلاف بيئاتها . والذي يرزق الدوابَّ ولا ينساها ، وهي كائنات غير عاقلة ، فكيف ينسى عبادَه الذين شَرَّفهم بالعقل وكَلَّفهم بإعمار الأرض ؟!.
     قال ابن كثير في تفسيره ( 3/ 398 ) : (( يذكر تعالى قدرته التامة وسلطانه العظيم في خلقه أنواع المخلوقات على اختلاف أشكالها وألوانها وحركاتها وسكناتها من ماء واحد } فمنهم من يمشي على بطنه { كالحية وما شاكلها } ومنهم من يمشي على رِجلَيْن { كالإنسان والطير} ومنهم من يمشي على أربع { كالأنعام وسائر الحيوانات )) اهـ .
     واللهُ تعالى أنزل من السماء ماءً فأخرج النباتَ حسن المنظر . وفي هذا النبات فائدة للإنسان والحيوان والبيئة . ولو اجتمعت الخلائق على إنزال الماء من السماء لعجزت عن ذلك . كما أن جميع علماء الأرصاد الجوية لا يقدرون على تحديد ساعة نزول المطر ، لكنهم يدرسون الأحداث الجوية الظاهرة للعيان ، ثم يبنون حساباتهم على التقريب والاحتمالات .
     وكل المشاهَدات الكَوْنية مكشوفة للعيون البشرية ، فليست من عالم الغيب ، وليست من خيالات الشعراء وصورهم الفنية ، وما هي بالمجاز اللغوي المعتمد على قوة المخيلة . بل هي صور واقعية يراها المؤمن والكافر على السواء ، وموجودة عبر كل أطوار التاريخ ، وفي كل البيئات .
     وقد تحدى اللهُ تعالى عبادَه وهو يعلم عجزَهم . فقال تعالى : } فأروني ماذا خلق الذين من دونه { ، أي الأصنام والأنداد المعبودون من دون الله تعالى . وبالطبع فلا خالق إلا الله تعالى . ولا معبود بحق إلا الله تعالى .
     فكلُّ شخص يعبد غيرَ الله تعالى عليه أن يُقدِّم أسماءَ مخلوقات إلهه . فالنصارى الذين يَعبدون المسيحَ صلى الله عليه وسلم عليهم أن يُخبرونا ما هي مخلوقات المسيح التي أوجدها . واليهودُ الذين عَبدوا العجلَ ينبغي أن يقولوا لنا ماذا خلق العجلُ . والهندوسُ الذين يُقدِّسون البقر عليهم أن يُقدِّموا قائمة بالمخلوقات التي أوجدها البقرُ . وعبدةُ الأصنام المقتنعون بآلهتهم من دون الله ، ينبغي أن يخبرونا عن قدرة الأصنام على الخلق والإبداع ... إلخ . وحينما يتذكر الفردُ هذا المنظور الفكري المعتمد على المنطق والحجَّة ، سيدرك أن الله تعالى هو الخالق الْمُنَزَّه عن الشريك أو المساعِد . وكلُّ ما سوى الله تعالى هو عبدٌ لله تعالى ومخلوقٌ ضعيف فقير إلى سَيِّده الخالقِ العظيم _ سبحانه _ . وكما قال الشاعر :  ألا كل شيء ما خلا الله باطل .
...........الحاشية...................

{(1)} في تفسير القرطبي ( 13/ 60 ) : (( قال ابن العربي : النسب عبارة عن خلط الماء بين الذكر والأنثى على وجه الشرع، فإن كان بمعصية كان خلقاً مطلقاً ، ولم يكن نسباً محققاً )) اهـ . وفي فتح القدير للشوكاني ( 4/ 118 ) : (( قال الفراء والزجاج : واشتقاق الصهر من صهرت الشيء : إذا خلطته . وسميت المناكح صهراً لاختلاط الناس بها . وقيل : الصهر قرابة النكاح . فقرابة الزوجة هم الأختان، وقرابة الزوج هم الأحماء والأصهار )) اهـ. وفي فتح الباري ( 9/ 132 ) : (( قال الفراء : النسب من لا يحل نكاحه ، والصهر من يحل نكاحه )) .