الابتلاء والفتن اختبار للمؤمن
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
facebook.com/abuawwad1982
....................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
facebook.com/abuawwad1982
....................
إن الابتلاء يجسِّد
اختباراً حقيقياً لإيمان المؤمن ، ومدى التزامه بالشريعة ، وقدرته على الصبر
والتحمل والعملِ تحت ضغط الأزمات . فالشدائدُ تكشف عن معادن الرجال ، تماماً كما
النار التي تكشف عن الذهب الحقيقي وتفصله عن الشوائب . فلا توجد درجات إيمانية في
الجنة بدون اختبارات دنيوية وعملياتِ تمحيص وغَرْبلة . فمنظومةُ الاختبارات في
الدنيا تكشف عن قوة القلب الحامل للعقيدة . ففي السراء يكون كلُّ الناس ثابتين
واثقين ضاحكين ، لكن الأزمات هي المحك الحقيقي للكشف عن المعدن النفيس .
وأشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الذين يلونهم
في المنزلة وهكذا . كما أن الإنسان كلما علت مكانته الإيمانية كان بلاؤه أشد. فعن سعد
بن أبي وقاص قال : سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أشد الناس بلاءً ؟، قال : (( النبيون
ثم الأمثل فالأمثل ، يُبتلى الرَّجل على حسب دِينه ، إن كان صَلْبَ الدين اشتد بلاؤه
، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه ، فما يبرح البلاء على العبد حتى يدعه يمشي
على الأرض ليس عليه خطيئة )){(1)}.
لذلك يكون البلاءُ حسب إمكانيات الشخص
وقدراته ، وهو _ بحد ذاته _ عملية تطهير للنفس الإنسانية مما علق فيها من آثام
وثغرات ، وتنقية للجسد الآدمي مما علق به من خطايا وأوساخ معنوية جراء تتابع
الذنوب عبر الأزمنة . وبذلك تكون الفتن للصابرين فرصةً ذهبية لتكفير ذنوبهم ،
والعودة أنقياء طاهرين ، بعد أن يَخلعوا ثوبَ الخطيئة .
قال الله تعالى : } ولنبلونَّكم بشيء من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس
والثمرات وبشِّر الصابرين {[ البقرة : 155] .
وهذا الكلام الإلهي مُوَجَّه للصحابة _ رضي
الله عنهم _ . أي إن الله تعالى سيبتليهم بشيء من الخوف حيث يفتقدون الأمان ،
والجوعِ حيث لا يجدون الطعامَ ، وتقل الأموال في أيديهم ، وتنقص القوى البشرية ( يقل
عدد الأنفس ) ، وتقل الثمرات حيث الأشجار يضعف إنتاجُها أو لا تعود تُنتج . وفي
هذا إشارة واضحة إلى أن الدنيا دار بلاء واختبار ، نعيمها مشوب بالكَدَر ،
ونعومتها مختلطة بالخشونة ، وفرحها ممزوج بالحزن .
ومن صبر على هذا الابتلاء فله البشرى والفوز
ورفع الدرجات ، ومن سخط وضجر فعليه سخطه ، ورجع خائباً صِفر اليدين في الدنيا
والآخرة .
وفي صحيح مسلم ( 2/ 631 ): عن أم سلمة_ رضي
الله عنها_ قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ما مِن مسلم تصيبه
مصيبة ، فيقول ما أمره الله : } إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون { [ البقرة : 156] ، اللهم
أجرني في مصيبتي ، واخلفْ لي خيراً منها . إلا أخلف الله له خيراً منها )) .
فالمسلمُ متصل بالله تعالى في السراء
والضراء . وهو يعبد خالقَه تعالى لأنه أهلٌ لأن يُعبَد ، لا لنيل مكاسب دنيوية
دنيئة ، أو تحقيق أرباح مالية ، أو تحصيل مكانة اجتماعية . فالعبادةُ التي هي حق
الله على العبيد غير مرتبطة بالسراء والضراء في حياة المسلم . فعلى المؤمن أن يعبد
خالقَه تعالى ويلتزم بذلك بغض النظر عما يحصل له في الدنيا ، خيراً أو شراً .
فالإيمانُ ليس بورصةً يتحدد شكلُها وفق الربح الدنيوي أو الخسارة . إن الإيمان
نظام متكامل لا يخدشه متاع الدنيا الزائل .
وفي صحيح مسلم ( 4/ 2295 ) : عن صهيب قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير ، وليس ذاك
لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سَرَّاء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان
خيراً له )) .
وقال الله تعالى : } ورفع بعضَكم فوق بعض درجاتٍ ليبلوَكم في ما آتاكم { [ الأنعام : 165] .
فاللهُ تعالى قد خالف بين أحوال العباد من
حيث الغنى والفقر ، والعلم والجهل ، والقوة والضعف . فالدنيا مبنية على التفاوت
بين العباد . وكل ذلك من أجل الاختبار ، وتمييز الغث من السمين ، ومن يصبر ومن
يسخط ، ومن يشكر ومن يكفر . فعلى المرء أن يستغل نقاطَ قوته ، ويحاول قَدْر
الاستطاعة تحويل نقاط ضعفه إلى نقاط قوة . والكمالُ للهِ تعالى .
وفي صحيح مسلم ( 4/ 2098 ) : عن أبي سعيد الخدري
_ رضي الله عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الدنيا حُلْوة خَضِرة ، وإن
الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون )) .
فهذه الدنيا منظرها فتَّان ومُحبَّب للنفس
بما فيها من زينة ولمعان . وهي دار ابتلاء واختبار . وإن الله تعالى جعل الناس
مُسْتَخْلَفين فيها ، أي أنهم خَلَفوا الأممَ السابقة ، ووصلت إليهم الأمور ، من
أجل الامتحان والابتلاء. وإن الله تعالى ناظر إليهم كيف يعملون ( من الذي سيؤدي
شكرَ النعم فيفوز ، ومن الذي سيجحدها فيخسر ) .
قال الله تعالى : } أَحَسِبَ الناسُ أن يُترَكوا أن يقولوا آمنَّا وهم لا يُفتنون { [ العنكبوت : 2] .
وهذا الاستفهام الإنكاري معناه : هل يظن
الناسُ أن لا يتعرضوا للامتحان بمجرد أن يقولوا بألسنتهم نحن مؤمنون ؟ . فلا بد
للعمل أن يُصَدِّق قولَهم . فالفتنةُ هي الكاشفة عن صدق إيمانهم من عدمه .
وهناك مسألة غاية في الدقة ، وهي اعتقاد
الكثيرين أن البلاء مرتبط مع الضراء فقط . وهذا فهمٌ قاصر ، لأن البلاء مرتبط
بالسراء والضراء ، والعلمِ والجهل ، والغنى والفقر . فأحياناً يكون ابتلاءُ النعيم
أشد من ابتلاء الشقاء .
قال الله تعالى : } ونبلوكم بالشر والخير فِتْنةً {[ الأنبياء : 35 ] .
وهذه الآية تدل على أن البلاء يكون بالشر (
المصائب ) تارةً لبيان الصابرين ، وتارةً بالخير ( النِّعم ) لبيان الشاكرين .
وهكذا يتضح الشاكر من الكافر ، والصابر من الساخط ، والصادق من الكاذب .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوَّذ
بالله تعالى فيقول: (( وأعوذ بكَ من فِتنة الغنى ، وأعوذ بك من فتنة الفقر )){(2)}.
وفي هذا إشارة واضحة إلى أن الغنى والفقر
يتساويان في كَوْنهما اختباراً إلهياً للعبد لبيان درجة إيمانه عند الشدائد ،
وثباتِ قلبه عند الفتن العاصفة . والمؤمنُ من يثبت عند الغنى ، فيقوم بشكر النعمة
على أكمل وجه ، ليس باللسان فحسب ، بل بالعمل التطبيقي . فيُخرج الزكاةَ ، ويساعد
الفقراء ، ولا يتكبر عليهم ، ولا يبذِّر ثروته . أما الفقير فعليه بالصبر قولاً
وفعلاً ، فلا يَسخط ، وعليه أن يسعى في طلب الرزق ، فلا يَقنط ، ولا يَعجز ، ولا
يشكو ربَّه إلى الناس . ومن التزم بالمثابرة والقناعة فهو على خير ، ومن هاج وثار
على قضاءِ الله وقَدَره فسوف تكون ثورته وبالاً عليه .
فالناجح في الدنيا والآخرة هو الذي يثبت عند
الفتن ، ولا يترك الشدائدَ تلعب به يمنةً ويسرة. فالدهرُ يومان : يومٌ لك ، ويوم
عليك . فإذا كان لك فلا تبطر ، وإذا كان عليك فاصطبر . فكلاهما سينحسر .
..........الحاشية..........
{(1)} رواه الحاكم في المستدرك( 1/ 100) برقم ( 121) . وصححه ابن كثير في
تفسيره ( 3/ 536 ) .
{(2)} متفق عليه واللفظ للبخاري( 5/ 2344)برقم ( 6015).ومسلم ( 4/ 2078
)برقم( 589) .