كارل غيلوروب وعقدة النقص
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 29/7/2016
.....................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 29/7/2016
.....................
إن الشاعر كارل غيلوروب ( 1857_ 1919) أول
دنماركي يفوز بجائزة نوبل للآداب في عام 1917 . وقد تقاسم الجائزة مع مواطنه هنريك
بونتوبيدان .
وُلد غيلوروب في أسرة
مُثقفة ذات مكانة اجتماعية، فوالده كاهن مُتعمِّق في عِلم اللاهوت ، وله أتباع
يُؤمنون بكلامه ، ويثقون بأفعاله. وهذا المناخ الدِّيني لم يكن معزولاً عن المجتمع
، بل كان مناخاً ممتلئاً بالقيم الوطنية والعاطفية ذات النَّزعة المثالية .
وفي سن الثالثة عشرة ،
حدثت الانعطافة الكبرى في حياة غيلوروب ، فقد تصادم مع عقيدته، وثار على الميراث
الروحي لعائلته ، وتمرَّد على خلفيته الفكرية ، وتخاصم مع بيئته التي نشأ فيها .
وصار من أتباع الكاتب جورج برانديس الذي يكتب روايات جريئة حول الجِنس المشاع
والإلحاد.
ومعَ مرور الوقت، بدأ
غيلوروب يراجع حساباته متأثِّراً بأصوله الاجتماعية وخلفيته الدينية . وهذه
المراجعة الفكرية بدأت تدريجياً ، وانتهت برفض تام لخط سَير الكاتب برانديس .
وبعد القطيعة الشاملة
بينه وبين أستاذه ومُلْهِمه ، استعادَ غيلوروب المناخ الديني ، والجو العاطفي ،
والبُنية الوجدانية ، ووجد نفْسه مُنْجَذِباً إلى الثقافة الألمانية باعتبارها
الثقافة المركزية العالية ، صاحبة الحضور الطاغي أوروبياً وعالمياً ، بعكس الثقافة
الدنماركية التي تُعتبَر ثقافة محلية لا وزن لها خارج حدود الدنمارك .
لقد أحسَّ غيلوروب بأنه
ينتمي إلى بُنية ثقافية مُتدنِّية، وسيطرت عليه عُقدة الشعور بالنقص، فأراد
الانتماء إلى أُمَّة ذات مكانة عالمية ، لذلك اختار ألمانيا وطناً له على الصعيدين
الروحي والمادي ، ولم يجد أيَّة عقبة في طريقه ، فقد كانت زوجته ألمانية . وهذا
سهَّل عليه الأمر .
وفي عام 1892 ، استقرَّ
في ألمانيا ، وصار يُصنِّف نفْسه كمواطن ألماني . وهذا الأمر جعل أبناء شعبه
ينظرون إليه كخائن وعميل ، وصار مكروهاً في بلاده ، ومنبوذاً من قِبَل اليمين
واليسار في الدنمارك . وقد كان انتماؤه الجديد إلى ألمانيا حقيقياً لا مصلحياً،
فقد آمنَ بأهداف الإمبراطورية الألمانية بشكل كامل، وتشرَّب العواطف الألمانية
بشكل تام لا لَبْسَ فيه . وهذا الأمر تجلَّى بوضوح في الفترة التي سبقت الحرب
العالمية الأولى ( 1914_ 1918) ، إذ إنَّه اقتنع تماماً بأهداف ألمانيا في الحرب ،
وتبنَّى وجهة نظرها كاملةً غير منقوصة .
لقد كتب غيلوروب الشِّعر
والرواية والمقالة. ومن أهم أعماله المبكِّرة رواية ( المتعلِّم الألماني ) التي
تشير إلى حِدَّة الصراع الفكري . إذ إنها تحكي قصة شاب ينتقل إلى الإلحاد بعدما
كان عالِماً دينياً ومُثقَّفاً . وقد تكون هذه الرواية المبكِّرة بمثابة السيرة الذاتية
للكاتب مع تغيير أسماء الشخوص والأمكنة . ومن المعلوم أن الرواية الأولى لأي كاتب
هي بمثابة سيرته الذاتية ، وتجربته الشخصية ، مع الاختلاف في مقدار الواقع والخيال
.
كما أنه تأثَّر بالبوذية
بشكل واضح ، واحتلَّت الثقافة الشرقية جزءاً كبيراً من حياته ، وهذا التأثر يبرز
في روايته ( الحاج / 1906 ) ، وهي تحكي رحلة ابن تاجر هندي من الازدهار الدنيوي
والشهوات الجسدية إلى الرهبنة والانقطاع عن الدنيا ، مروراً بالتقلبات الفكرية
والعقبات الاجتماعية . وبعد تجاوز التحديات ، يلتقي براهب غريب ومجهول ، كان في
الحقيقة بوذا .
مِن أبرز أعماله الأدبية
: سنة واحدة من التشرد ( 1885) ، مينا ( 1889 ) ، على الحدود ( 1897) ، الغصن
الذهبي ( 1917) .