رومان رولان محرر المسرح من البورجوازية
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي ، لندن ، 27/7/2016
..........................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي ، لندن ، 27/7/2016
..........................
الأديب الفرنسي رومان
رولان ( 1866_ 1944) ، هو أحد أبرز قادة الفكر المدافعين عن السلام العالمي وحقوق
الإنسان . حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1915 ، تقديراً لأعماله الأدبية التي تمتاز
بالمثالية النبيلة ، والقيم الإنسانية ، والشعور الوجداني ، والمحبة بين الشعوب .
وُلد في بلدة كلاميسي من أسرة ريفية برجوازية عريقة . وتلقى تعليمه في مسقط
رأسه ، ثم انتقل إلى باريس عام 1886 ، والتحق بمدرسة النورمال العليا . وأكمل دراسته حتى حصل على شهادة
الدكتوراه في الآداب عام 1895 ، وكان موضوعها " أصول المسرح
الغنائي الحديث " . ثُمَّ عُيِّن أستاذاً لتاريخ الفن في مدرسة النورمال
العليا . وبعد ذلك تَمَّ تعيينه أستاذاً في جامعة السوربون العريقة ، حيث أدخل
مادة تاريخ الموسيقى ، وبقي في الجامعة حتى عام 1911 .
بدأ حياته الأدبية بكتابة عدد كبير من
المسرحيات، ولم يكن هذا الأمر عفوياً أو صُدفةً، بل كان عن إصرار مسبق وتخطيط دقيق
، وتنفيذاً للأفكار المسيطرة على عقله ، والتي تتعلق بضرورة تجديد الفن المسرحي
وفق الفلسفة التي شرحها في سلسلة مقالات كتبها بعنوان " مسرح الشعب "
عام 1900 . وقد ارتبط اسمه بالمسرح الشعبي الذي
دعا إليه ، ونظَّر له . ومع أن رولان لم يكن أول من طرح
مفهوم " مسرح الشعب " ، إلا أنه مارس دوراً مهماً في تثبيت فكرته
وتطبيقها.
إن
المنهج الفكري لهذا الكاتب يقوم على دراسة حياة العظماء الذين رأى فيهم قُدوةً
سامية ، ومَثَلاً أعلى ، واعتبرهم النموذج الرفيع الذي يجب أن يصل إليه الفرد ،
لذلك كتب عن بيتهوفن وتولستوي وغاندي وغيرهم ، وقد كان صديقاً شخصياً لغاندي .
أمَّا فلسفته الإبداعية فتقوم على تحرير
المسرح من برجوازيته ، ورفض المسرح الكلاسيكي . لذلك رفض فكرة توجُّه المسرح
البرجوازي إلى النخبة ، وشدَّد على أهمية استعادة الطابع الاحتفالي الجماعي ، وتحويل
العَرْض المسرحي إلى احتفال ثَوري وتظاهرة شعبية . وقد آمنَ بأن الفن المسرحي هو
انعكاس لأفكار العصر الْمُعاش .
كان في مقالاته مُتجرِّداً من الوطنية
العمياء والقَومية العنصرية ، فلم يتأثر بالحماسة الخادعة التي كانت تنتشر في
الأمم الأوروبية المتحاربة في الحربين العالميتين . وكان دائم السخرية من المفكرين
ورجال الدِّين الذين خدعوا أبناء جِلْدتهم ، وخانوا المبادئ النبيلة ، وقد كان
بإمكانهم تأدية مهمتهم الإنسانية الإصلاحية في الحياة على أكمل وجه .
وقد اعتبره الكثيرون من النقاد كاتباً
عالمياً ، يحمل هَمَّاً إنسانياً عاماً ، وفكراً كَوْنياً ، فلم يكتب لأمَّة مُعيَّنة ولا لشعب خاص . بل كتب للعالَم أجمع ، ونظر إلى
الأمم والشعوب كعائلة إنسانية واحدة ، لا تُمزِّقها حدود ، ولا تُفرِّقها لهجات .
كان رومان رولان واحداً من
أكثر المثقفين اليساريين تأثيراً في فرنسا وأوروبا في فترة ما بين الحربين
العالميتين ، وقاد مجموعة من التظاهرات الأممية التي رفضت الحرب والفاشية ، ودعت
إلى السلام العالمي ، والأخوَّة بين البشر . وقد رفض الحروب بشكل قاطع . وعندما
قامت الحرب العالمية الأولى عام 1914 ، كان موجوداً في جنيف ، وكتب عدداً من
المقالات ، وطالب فيها بحقن الدماء ، وعودة السلام ، وإنقاذ أرواح الشباب الأبرياء
الذين يُقتَلون ضمن لعبة يمارسها السياسيون . وهذا الموقف المعارض للحرب سَبَّبَ
له الكثير من المتاعب ، وأكسبه عداوة شريحة واسعة من أبناء وطنه ، وأثارت الصحافة
القومية الرأي العام ضِدَّه . كما استنكر الوحشية الألمانية التي أحرقت بلدة لوفان
البلجيكية في رسالة وجَّهها للكاتب الألماني هاوبتمان .
ولم يكتفِ بهذا ، بل هاجم
النازيين أيضاً في الحرب العالمية الثانية التي اندلعت عام 1939 ، واعتبر النظامَ
النازي عدواً للإنسانية والتاريخ والحضارة ، وقائماً على امتهان كرامة الشعوب ،
واحتقار الحياة الإنسانية ، وتدمير مُنجَزات الحضارة ، مُبَيِّناً أن الفكر
الألماني الذي مجَّده ، ولا يزال يُمجِّده ، هو الفكر الذي يدعو إلى المساواة بين
الأمم . وهذا الموقف الحاسم أثار حفيظة النازيين ، وجعلهم يُصنِّفون هذا الكاتب
كعدو ، فتمَّ وضع اسمه في القائمة السوداء . لذلك ، بِمُجرَّد دخول النازيين فرنسا
، تَمَّ القبض عليه ، وأُرسِل إلى معسكرات
الاعتقال في ألمانيا ، مِمَّا عجَّل بموته بعد
أسابيع من تحرير فرنسا .
لقد رفض رومان رولان الأفكار
القومية العنصرية التي سيطرت على أوروبا في النصف الأول من القرن العشرين ، وكان
يأمل أن يرى أوروبا مُوحَّدة تحت شعار السلام والتحرر الفكري الإنساني . وقد طالب
فرنسا وألمانيا باحترام حقوق الإنسان أثناء الحرب العالمية
الأولى في منشوره " خارج الْمُعترَك " ، وطرح موقفه الرافض للصراع الأوروبي _ الأوروبي في مجموعة من المقالات .
الأولى في منشوره " خارج الْمُعترَك " ، وطرح موقفه الرافض للصراع الأوروبي _ الأوروبي في مجموعة من المقالات .
من أبرز مسرحياته : الذئاب ( 1898 )، انتصار
العقل ( 1899 ) ، دانتون ( 1900 ) ، انتصار الحرية ( 1917 ). ومن أبرز كتبه التي
تتناول سِيَر المشاهير : حياة بيتهوفن ( 1903) ، حياة تولستوي ( 1913) ، مهاتما
غاندي ( 1926) .