سيغريد أوندست والخيانة الزوجية
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 14/10/2016
......................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 14/10/2016
......................
وُلِدَت الأديبة النرويجية سيغريد أوندست (
1882_ 1949) في الدنمارك . ولكنَّ عائلتها انتقلت إلى النرويج عام 1924 . وفي عام 1940 هربت من النرويج
إلى الولايات المتحدة ، بسبب مُعارَضتها للنازية ، والغَزْوِ الألماني للنرويج .
ولكنها عادت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. حَصلت على جائزة نوبل للآداب عام
1928 ، بعد النجاح الكبير لروايتها " أولاف أودنسن " ( 1925_ 1927) .
نشأتْ في مدينة ( كريستيانيا ) التي سُمِّيت فيما بعد أوسلو ، وصارت عاصمة
النرويج . والدُها كان عالَم آثار ، وأمها ابنة محامي دنماركي . وقد عاشت في مناخ
عائلي يَسُوده القلق والاضطراب وغياب الإيمان ، لأنَّ وَالِدَيْهَا كانا مِنَ
الملحدين . كان لوالدها تأثير كبير عليها ، فقد وجَّهها نحو أساطير التاريخ
الإسكندنافي. وشَكَّلَ مَوْتُه وهي في الحادية عشرة من العُمر صَدمةً كبيرةً لها،
وأثَّر سلباً على الوضع الاقتصادي للعائلة ، مِمَّا دفعها إلى التخلي عن الأمل في
التعليم الجامعي . وفي سِن السادسة عشرة ، حصلت على وظيفة سكرتيرة في شركة هندسية
لتساعد عائلتها مادياً . وعِندَما بلغت الخامسة والعشرين ، انضمَّت إلى اتحاد
المؤلفين النرويجيين .
بَدأت الكتابةَ الروائية في مطلع شبابها، حيث إِنها كتبت روايةً عن العصور
الوُسطى للدنمارك، ولكنَّ دُور النشر رَفَضَتْهَا ، ولَم تقتنع بموهبتها وأسلوبها
. وبعد عامين من هذه الحادثة ، كتبت روايةً أخرى ليس لها علاقة بالعصور الوُسطى ،
وإنما تصف حياةَ امرأةٍ واقعيةٍ . وقد رُفِضَتْ مِن قِبَل الناشرين في بداية الأمر
، ثُمَّ تَحَمَّسَ لها أحد الناشرين بعد صعوباتٍ كثيرة ، فوافق على طباعتها . وهذه
الرواية هي " السيدة مارتا أولي " ( 1907) ، وكانت الجملة الافتتاحية
فيها على لسان بطلة الرواية : (( كُنتُ
خائنةً لِزَوْجي )) . وهذه الجملةُ الصادمة أثارتْ زَوبعةً في المجتمع النرويجي ،
وأحدثتْ فَضيحةً هائلةً ، وحقَّقتْ شُهرةً واسعة للكاتبة وهي في الخامسة والعشرين
، وأصبحت قادرةً على العَيش مِن كتاباتها .
انتشرت هذه الرواية بين القُرَّاء بسرعة فائقة ، ونَجحت بشكل أسطوريٍّ ،
لأنَّها كَشفت العلاقات المستورة في المجتمع ، والتي يَنبغي أن تظل طَي الكِتمان .
وفَضحت الروايةُ نِفاقَ المجتمع المتغطِّي بالفضيلة والطهارة ، والذي يَحْصُر
مَعنَى الشرف في جسد المرأة ، وأظهرتْ عواطفَ المرأةِ وحاجاتها المعنوية والجسدية
، وأثارتْ عاصفةً مِن الأسئلة المتعلِّقة بالصراع بين الإنسان وأشواقه الروحية،
وحَذَّرَتْ مِن مَوت الأحاسيس والذكريات، وضياعِ الإنسان في الفراغ العاطفيِّ
الموحِش، وأظهرتْ تناقضاتِ النَّفْس البشرية ، وحَيرةَ الإنسان بين المبادئ
والغرائز .
وفي عام 1911 ، أصدرتْ رواية " جيني " ، وهي بمثابة سيرة ذاتية ،
حيث تَتحدَّث فِيها عن رحلتها إلى إيطاليا بعد نجاحاتها الهائلة في عالَم الأدب ،
وقصةِ الحب التي جمعتها بالرَّسام سفارستاد الذي تَزَوَّجَتْهُ وانفصلتْ عنه فِيما
بَعْد كَي تَتفرَّغ لكتاباتها وتربية أطفالها .
ثُمَّ جاءت روايتها الملحمية " كريستين " ( 1920_ 1922) ، التي
تقع في ثلاثة مجلدات ، وتَتحدَّث عن الحياة في الدول الإسكندنافية في العصور
الوسطى ، وتَدور أحداثها في محيط نرويجي كاثوليكي مندمج مع المشاعر الإنسانية
الشخصية . ومِنَ الواضح أنَّ هذه الرواية أثَّرت بشكل مباشر على الحياة الشخصية
للكاتبة ، إِذ إِنها قَد اعتنقت الكاثوليكية عام 1924 ، أي بعد كتابة هذه الرواية
. وهذا فاقمَ غُربتها ، لأنَّ الغالبية الساحقة من سكان النرويج من البروتستانت .
اكْتَوَت الكاتبةُ بنار السياسة، فقد قامت بالتبرع بقيمة جائزة نوبل لدعم
المجهود الحربي لفنلندا ( وهي دولة إسكندنافية ) في عام 1940 ، وذلك بعد غزو
الاتحاد السوفييتي لفنلندا فيما عُرف بحرب الشتاء . ثُمَّ أُجبرت على الهروب بعد
غَزْو ألمانيا للنرويج في نفس العام ، فهربت إلى السويد وأمريكا ، وشجَّعت من
هُناك المقاومة النرويجية ضد الاحتلال النازي. وقد انتقدها هتلر بشدة منذ العام
1930 ، وقامت النازية بحظر مؤلفاتها . وقد قُتل ابنها البِكْر أندرس ( الملازم
الثاني في الجيش النرويجي ) وهو في السابعة والعشرين في اشتباك مع القوات الألمانية
.
عادت إلى النرويج بعد التحرير عام 1945 ، وتُوُفِّيَت بعد أربع سنوات .
وحَظِيَتْ بتكريم هائل . فقد سُمِّيَت فُوَّهة على سطح كوكب الزُّهرة باسمها.
وَوُضِعَتْ صورتها على العُملة النرويجية فئة 500 كرونة . وقامت السويد بوضع
صورتها على الطوابع في عام 1998 ، باعتبارها رمزاً لحرية الدُّول الإسكندنافية .
ويمكن القَول إن الأفكار في كتاباتها تَدور حَوْلَ أربعة مبادئ رئيسية : 1_
العلاقات الإشكالية بين الآباء والأبناء ، وبين الرجال والنساء . 2_ الإعجاب
بثقافة القرون الوسطى المسيحية للدول الإسكندنافية . 3_ الصراع النفسي في داخل
الإنسان ومشكلاته الجنسية . 4_ اعتماد
الكاثوليكية كمرجعية للأفكار والمجتمع .