لِمَن تتعطر الجثة في المساء ؟ / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
....................
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
....................
بُرْجُ الكَنيسةِ مِن عِظَامِ الرَّاهباتِ /
والقَنَّاصُ عَلى سَطْحِ الدَّيْرِ انتصرَ على الفَرَائِسِ والعَرَائِسِ/
والأعلامُ مُنَكَّسَةٌ بَيْنَ الكَنَائِسِ والعَوَانِسِ/ والموْجُ يَرْعَى
قَطِيعاً مِنَ الهياكِلِ العَظْمِيَّةِ/ السَّفينةُ تَغْرَقُ / لَكِنَّ
البَحَّارةَ يَتَغَزَّلُونَ بِابْنَةِ القُرْصَانِ / رَمْلُ البَحْرِ هُوَ
النَّخاسُ الحزينُ/ يَبْكي في سُوقِ النِّخاسةِ بَعْدَ بَيْعِ الجواري /
كالْمُهَرِّجِ الوَحيدِ الذي يَبْكي بَعْدَ رَحيلِ لاعباتِ السِّيرك /
دُمُوعُ أُمِّي في المزهرِيَّةِ /
والمزهرِيَّةُ تَحْتَ أنقاضِ بَيْتِنا / وَالمرايا الكريستالِيَّةُ مِن شَظَايا
جَمَاجِمِ الأطفالِ / والنُّسورُ تَرْحَلُ مِن أعلامِ الدُّوَيْلاتِ اللقيطةِ إلى
أكوامِ القُمامةِ / بَحْثاً عَن جُثَثِ القَتْلى الْمَنْسِيَّةِ / وَالْجُثَثُ في
الشَّوارعِ أكثرُ مِن سَيَّاراتِ التاكسي / وَدَاعاً يَا حَفَّارَ القُبورِ /
ذَهَبْتَ إلى دِيدانِ التُّرابِ والنَّعناعِ حَوْلَ شَوَاهِدِ القُبورِ /
وَنَسِيتَ طَيْفَكَ عَلى أجسادِ النِّساءِ البَاكياتِ عِندَ سُورِ المقبرةِ /
أيُّها المنبوذُ في الأحكامِ العُرْفِيَّةِ وَقَوَانِينِ الطوارئِ / أشجارُ
المقابرِ لا تَحْفَظُ كَلِمَاتِ النَّشيدِ الوَطَنِيِّ / وَحُكومةُ الوَحْدةِ
الوَطنيةِ لَن تَضَعَ صُورَتَكَ عَلى طَوَابِعِ البَريدِ / كَمْ أنتَ وَحيد /
يَا شَجَرَ الغابةِ اللازَوَرْدِيَّةِ /
احْتَرَقْتَ بالصَّدَمَاتِ العَاطِفِيَّةِ / وَذَهَبْتَ إلى الاحتضارِ
الأُرْجُوَانِيِّ / وَلَم تَتْرُكْ للعُشَّاقِ تِذْكَاراً / مَا فَائِدةُ أَن
نُعَلِّقَ سَاعَةَ الحائِطِ عَلى أشجارِ المقابرِ ؟ / مَا فَائِدَةُ رَبطةِ
العُنُقِ الْمُلَوَّنةِ بَيْنَ حِيطانِ الزِّنزانةِ العَمْياءِ ؟ /
يَا حَفَّارَ القُبورِ / كُلُّ أصدقائِكَ
مَاتوا / فَمَن سَيَحْفِرُ قَبْرَكَ عِندَما تَمُوتُ ؟ / كُلَّمَا نَظَرْتُ في
المِرْآةِ رَأَيْتُ صُورَةَ قَاتِلِي / فلا تُشْفِقْ عَلَيَّ يا رَمْلَ البَحْرِ /
ولا تَرْحَمْنِي يا شَاطِئَ الوَدَاعِ / كُلُّنا نَبْحَثُ عَن رَصاصةِ الرَّحمةِ
بَيْنَ أكوامِ الْجُثَثِ/ سَتُكَفِّنُ الفَراشةُ العَمْياءُ النَّسْرَ القَتيلَ
بَيْنَ النَّيازكِ والدَّبابيسِ / فلا تَحْزَنْ عَلى الضَّحِيَّةِ يَا مَرْفَأ
السَّرابِ / سَوْفَ تَتَقَمَّصُ الضَّحِيَّةُ قَاتِلَهَا / ويَكْسِرُ الخريفُ
المرايا لِكَيْلا يَرَى وَجْهَهُ / سَتَظَلُّ ضَفائرُ أُمَّهَاتِنا في
مَزْهَرِيَّاتِ الشِّتاءِ / وتَظَلُّ جَثامينُ آبائِنا على الأثاثِ
الْمُسْتَعْمَلِ / فَاشْرَب الشَّايَ الأخضرَ يَا دَمي الأخضرَ بَيْنَ وُجوهِ
المساءِ وأقنعةِ البَحْرِ /
وَدَاعاً يَا طَيْفَ الشِّتاءِ في الليلِ
السَّحيقِ / وُجوهُ القَتيلاتِ تَلتصِقُ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ / وضَوْءُ
القَمَرِ يَأكُلُ لُحُومَ الأراملِ في المِيناءِ البَعيدِ/ ظِلالُ أشجارِ المقابرِ
عَلى خُدودِ النِّساءِ / واليَمامُ يَصطادُ الكُحْلَ الأزرقَ مِن عُيونِ
اليتيماتِ/اكْسِرِي مِرْآتَكِ أيتها الْمُسَافِرَةُ قَبْلَ أن يَكْسِرَها
البَحْرُ/ مَا فَائِدةُ المِرْآةِ والاحتضارُ يَنْزِعُ وَمِيضَ عَيْنَيْكِ
زَهْرَةً زَهْرَةً ؟ / اكْتُبِي وَصِيَّتَكِ بِأُسْلُوبِ المحكومِ
بالإعدامِ/الأمطارُ تَشُمُّ رَائحةَ الجثثِ المحترِقةِ في أبجديةِ الزَّوابعِ/وَعِطْرُ
أبي القَتيلِ يَسِيلُ عَلى أصابعي.