كوابيس هند بنت النعمان / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
...................
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
...................
بِاسْمِ الحبِّ يُقْتَلُ الحبُّ / وَدَاعاً
لِكُلِّ النِّساءِ / قَد مَاتَ الجنودُ في الخنادقِ / الحزنُ الشاسعُ/ والطريقُ
إلى الصَّوْمَعةِ في شِتاءِ الدِّماءِ/ أُصيبَ الشفقُ بالملاريا / لكنَّ الغروبَ
لا يَزالُ رُومانسياً / نتعلمُ أبجديةَ الحطبِ مِن أكواخِ العَبيدِ / والفراشاتُ
تتساقطُ في حُفرتي /
أيها العُشبُ اليتيمُ /
لا تَحْزَنْ لأنَّ أُمَّكَ تنتظرُ أمامَ الحواجزِ العسكريةِ / كُلُّ القتلى يَشْربونَ
الشَّايَ / مَعَ الشجرِ العائدِ مِنَ المجازِرِ / تختبئُ الأدغالُ في بِنطالِ
الشَّلالِ / والصُّقورُ تَشربُ دَمَ الغيومِ / في أغنياتِ العارِ / أنا شَجرةٌ
عَلى الطريقِ لا الطريقُ / أنا عُصْفورٌ عَلى الأسلاكِ الشائكةِ لا الْمُعْتَقَلُ
/ أَنقذتُ غابةَ اللازَوَرْدِ مِنَ الاحتراقِ / وَلَم أَعْرِفْ أنَّ عِشْقَها
سَيَحْرِقُني / أَنقذتُ مِدْخنةَ الْحُلْمِ مِنَ الجليدِ / ولم أَعْرِفْ أنَّ
حَليبَ البُحيراتِ مَسْمومٌ / حَقَّاً / سَوْفَ تُقْطَفُ الوردةُ / وَهِيَ في
ذِرْوَةِ غُرورِها /
في رِئتي غُرْبةُ السَّنابلِ/
وَجَاءَتْ غُرْبتي مِن احمرارِ الشَّفقِ / أوْردتي كُوخٌ للطيورِ المذعورةِ / يا
صَوْتَ أُمِّي الطالعَ مِنَ الضبابِ / كَيْفَ أَشُمُّكَ وَقَدْ سَرَقَ شَجَرُ
الليلِ حَوَاسِّي ؟/ بَشَرٌ يَحْلُمونَ باللحمِ المخصَّصِ لِكِلابِ الخليفةِ /
اختيارُ المرأةِ في حُكومةِ الشَّواذِّ جِنْسياً / حَسَبَ حَجْمِ صَدْرِها /
المسابحُ في قَصْرِ الإمبراطورِ / والشعبُ لا يَجِدُ مَاءً للشُّرْبِ/ تُباعُ
المرأةُ لِمَن يَدْفَعُ أكثرَ / انتهى الضَّحِكُ في مَدينتي المحاصَرَةِ /
والأشجارُ تَحْبَلُ بالدُّموعِ / تنمو المسدَّساتُ على أغصانِ الفَجْرِ /
والفقراءُ يَخْبِزُونَ أحزانَهم/ تاريخي قَتيلٌ / سُلِخَ لَحْمُهُ عَن ضَوْئِهِ /
وَسُكِبَت المجاعاتُ في عِظَامِ القَمَرِ / أُحَرِّرُ العصافيرَ مِن عُرُوقي / أنا
مَلِكُ القُشَعريرةِ في حَفْلةِ الرَّقْصِ القاتلِ / وَالبَدْوُ الرُّحَّلُ يَلْعَبُونَ
القِمَارَ في جِيَفِ النُّسورِ/ سَتَكُونُ الأجسادُ رَايةً مُنَكَّسَةً/ وتأتي
الرمالُ مِن توابيتِ الغروبِ / كما يأتي النبيذُ الفَرنسيُّ مِن عِنَبِ الجزائرِ/
أخافُ مِن نَفْسي / لأنَّ شَخصاً غَريباً يَعيشُ في دَاخِلي / رَقَصْنا مَعَ
الغَجَرِ في إِشبيليةَ/ وجاءَ مَوْعِدُ طَرْدِنا / قَتَلْنا الْحُبَّ في طُرقاتِ
الوَخْزِ / وجاءَ مَوْعِدُ إِعدامِنا / ستذهبُ الفَتياتُ إلى الاحتضارِ/ وتظلُّ
رائحةُ العِطْرِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ / مَحْكُومونَ بالحنين / والحمَامُ الزاجلُ
يَنْقُلُ أحكامَ الإعدامِ /
في دَاخِلي فَراشاتٌ
تَموتُ / وأنا أمشي إلى تاريخِ السُّفنِ الغارقةِ / أُخَزِّنُ في أكياسِ الطحينِ
الدُّموعَ النازفةَ مِن ثُقوبِ الحِيطان / وأَخْبِزُ المطرَ بأحزاني / الأوامرُ
العسكريةُ تائهةٌ بَيْنَ الماضي والمضارِعِ / والطواويسُ سَكَنَتْ في عُشِّ
النَّسْرِ المقتولِ / يتشظى الثلجُ في أعصابي مِثْلَ أكواخِ الصفيحِ /
والذِّكرياتُ تحتفلُ بِهَزِيمةِ جَيْشِها في المعركةِ / العُشبُ النابتُ في دَمي /
يَحْمِلُ مُسدَّساً خَالياً مِنَ الرصاصِ / وآبارُ النِّفطِ في جِلْدي خاليةٌ مِنَ
الرصاصِ /
أُصيبَ العازِفُ
بالشَّلَلِ/ وَبَقِيَ البيانو وَحيداً / الذُّعرُ يَخلعُ رِئةَ النهرِ/ وَشَراييني
مُزَيَّنةٌ بالطحالبِ / يَتسلقُ البنفسجُ أبراجَ الجثثِ / والرِّمالُ تُطْلِقُ
النارَ على البحرِ الأعزلِ/ البُيوتُ مُعْتِمَةٌ/ والقُشَعريرةُ تُضِيءُ المكانَ/
المهرِّجُونَ يَضْحَكُون / والسِّيركُ يَحترقُ / لا تسأليني أيتها الهِضابُ عَن
عِيَارِ المسدَّسِ / الذي سَتَنْتَحِرِينَ بِهِ / الرَّعدُ يَصطادُ الأسماكَ مِن
دَمي/ أَدْرُسُ مَعَ سَجَّاني دَوْرَ راقصاتِ الباليه في النظريةِ النِّسبيةِ/
خَرجتُ مِن قَفَصي الصَّدْرِيِّ / أَجُرُّ قُبَّعةَ الصحراءِ/ ضَيَّعْتَني يا نهرَ
الجماجمِ الرشيقةِ/ دَمَّرْتني بِكُلِّ هُدوء / جَسَدي العَراءُ الْمُرُّ /
وَالرِّيحُ تَنْخُرُ كَستناءَ الأراملِ / لا أَمْلِكُ غَيْرَ شَظايا رُوحي /
وَجَوَارحي المجروحةُ تَرْقُعُ ثِيابي / لا بَيْتٌ للنوارسِ سِوَى مِدْخنةِ الثلجِ
/ ولا قَبيلةٌ للمطرِ سِوى أعضائي المتجمِّدةِ / الجوعُ يُطَوِّقُ البُحيرةَ /
والقِرْميدُ ذاكرةٌ لاكتئابِ المداخِنِ / والصَّمْتُ يَبْسُطُ جَناحَيْهِ عَلى
الجثامين / لكنَّ بُكاءَ النِّساءِ يَتفجَّرُ في لِيالي الشِّتاءِ /
أيها الأنيقُ في غابةِ
الراهباتِ العَمْياواتِ / سَوْفَ يَشْنُقُكَ المطرُ بِرَبطةِ عُنُقِكَ / أزرعُ
القمحَ في أحزاني/ وَيَحْصِدُهُ الشفقُ / افْرَحْ يَا أبي / سَأحصلُ على رَاتبِ
النهرِ بَعْدَ مَوْتِهِ / سَتُغَطِّي رَائِحةُ التَّبْغِ رَائحةَ الجثثِ /
مَشَيْتُ في دِمائي / ومشى الخريفُ في أَوْردتي / تُهَرْوِلُ الأشجارُ في قُرى
الملاريا / وكانَ الرَّمْلُ يُضاجِعُ الصحراءَ تَحْتَ المطرِ / أنا مَعَكم /
وَلَسْتُ مِنكم / أنا السرابُ / عَرَقي الأرصفةُ / وَدَمْعي الغاباتُ / أنا مِن
سَرابٍ / وأشلائي ظِلالٌ لِحُزْنِ الرياحِ / وأحزانُ أبي تُعَبِّدُ طَريقي إلى شمسِ
المقابرِ / وكانَ طُموحي أن أُطْلِقَ النارَ على الوَسْواسِ القَهْرِيِّ / قَرْيتي
تَركضُ في التُّوتِ السِّريِّ / وَحَليبُ التِّلالِ يَصُبُّ في آبارِ النِّفطِ /
أشلائي طَباشيرُ مَنْسِيَّةٌ في مَدْرسةٍ مَجْهولةٍ/ جُيُوبِي مَليئةٌ بِدَماءِ
القَبائلِ / وَخَاليةٌ مِن إسطبلاتِ البُكاءِ / خَطَبْتُ الأزقةَ / وَطَلَّقْتُ
الشُّطآنَ / لا سُلْطةٌ للشُّموعِ إلا عَلى الغبارِ / ولا سِيادةٌ للطيورِ
الجارحةِ إلا عَلى جَوارحي /
ما أجْمَلَكَ أيها
القَتيلُ تَحْتَ ظِلالِ النوارسِ / أتفجَّرُ مِن الدَّاخِلِ / وأشلائي مملكةُ الفراشاتِ
المنفِيَّةِ / ابْتَلِعْ لَحمي أيها الغروبُ/ إِنَّ الحشراتِ لا تَعْرِفُ مَواعيدَ
المجاعةِ / أغنامي مَريضةٌ بِالوَهْمِ / وَجُمجمتي على رَأْسِ رُمْحٍ / في
مَتْحَفٍ مَهجورٍ / فِقراتُ ظَهْري تَدورُ كالرَّحى في حُقولِ الإقطاعيين / سِرْتُ
سَارت الجوَّافةُ في رَقصةِ البارودِ / وأُنثى الصَّقْرِ نَسِيَتْ خَلْخالَها / في
الطرقاتِ الْمُتْعَبَةِ / صَابونُ الليلِ في أرحامِ المقاصِلِ / وَعِندما تَموتُ
الشُّطْآنُ بِسَرطانِ الثَّدْيِ / سَتظلُّ قُمصانُ النَّوْمِ في خِزانةِ البَحْرِ
/ جَسَدٌ مَنبوذٌ / رُوحٌ مَشْروخةٌ / يَنمو الصدى في مَقَابِرِنا اللوْزِيَّةِ /
خَجَلُ المرايا مِثْلُ خَجَلِ الفَتَياتِ في لَيْلةِ الدُّخْلةِ / وَخَجَلُ
سَجَّاني مِثْلُ خَجَلِ الأنهارِ / حِينَ يَسْبَحُ فِيها المصْلوبونَ العُراةُ /
تَضاريسُ قَلْبي أطيافٌ للدُّودِ / والوَجَعُ طَيْفُ البحَّارةِ الغارقينَ في
دُموعِ زَوْجاتهم / رِئتي الخيْمةُ الأخيرةُ / والدُّروبُ الحزينةُ هِيَ
الطِّفْلَةُ اليَتيمةُ / التي أَنْجَبَتْها الصَّحاري البلوريةُ / يَضَعُ
الضَّبابُ في إِصْبَعِ الحقولِ خَاتَمَ الخطوبةِ/ وَضَحِكاتُ الصَّبايا تَسيلُ على
النِّصالِ الرَّماديةِ / للمِدْخنةِ أشجارُ دِمائنا / أُلقي السُّؤالَ على
السُّؤالِ / لماذا مَرَرْتَ أيها المساءُ المذبوحُ في حَارتِنا / ولم تُلْقِ
التَّحيةَ على أصدقائكَ القُدامى / الذينَ ماتوا في الحياةِ وعاشوا في الموْتِ ؟ /
يَا أنا / مَن القَتيلُ
فِينا؟/ قَتَلْنا الْحُسَيْن / وَحَلُمْنا بالمهديِّ المنتظَرِ / العناكبُ التي
تَسيرُ على جِلْدي / هِيَ ظِلالي السِّريةُ / يَزُورني البُكاءُ في ليالي
الشِّتاءِ / وَأَزُورُ قَبري في أعيادِ اليمامِ / أُطْلِقُ رَصاصةَ الرَّحمةِ على
جَسَدِ البُحيرةِ / والغروبُ يُطْلِقُ أحزاني على رَصاصةِ الرَّحمةِ / الحزنُ هُوَ
الْمَلِكُ / وأنا وَلِيُّ العَهْدِ / تَجُرُّ جُثماني خُيولُ القُشَعريرةِ /
وَظِلالُ القَمرِ على النُّعوشِ الْمُسْتَعْمَلَةِ / أزرعُ الأشجارَ في دَمِ
الرِّياحِ/ فاطمئِن أيها الرُّكامُ / سَوْفَ تَنْبُتُ الجماجمُ على أغصانِ المطرِ
/ ويأكلُ الجرادُ لَحْمَ الشَّفقِ/ وابتسمْ أيها الفَراغُ / سَيَقَعُ دَمِي
الساخنُ في العصيرِ الباردِ /
أيها المنْسِيُّ بَيْنَ
سَلالِمِ الرَّمادِ/ جِسْمي رَحيلُ البَرقوقِ إلى خَيَالِ الدُّودِ / فاقتلني أيها
الخريفُ شَابَّاً / لأظلَّ شَابَّاً إلى الأبدِ / الحزنُ خَيْمتي في انطفاءاتِ
المطرِ / بَدأتُ أشجاراً / فَهَل تتمزَّقُ أجنحةُ الصَّقْرِ على مرايا السَّياراتِ
؟ / الليلُ قَلْبُ الحطبِ / وَبَيْنَنا أشواقُ الرَّعدِ وأحزانٌ غامضةٌ / رُبَّما
يَقْتُلُني العَسَسُ في ذَلِكَ المساءِ الغامضِ / كَيَمامةٍ تَبكي على أُرجوحةِ
الظهيرةِ / هَل ستبكي عَلَيَّ دِيدانُ الحقلِ ؟ / حَقيبةُ السَّفَرِ عِندَ بابِ
غُرْفتي / والبَعوضُ يتشمَّسُ على عَقاربِ السَّاعةِ / ذاكرتي بِلا جُدْران /
وَجُدْرانُ غُرْفتي جَرادةٌ مَشْلولةٌ /
خَرَجْتُ مِن لحمي
جائعاً / عَطَشي يَحْمِلُني إلى عَطَشٍ/ وَجُيوبي خَاليةٌ إِلا مِن ذِكْرياتِ
النَّخيلِ/ نُفَتِّشُ في جُيوبِ الجنودِ القتلى/ عَن نُقودٍ لا تَحْمِلُ صُوَرَ
الخليفةِ / والراهباتُ يَبْحَثْنَ في مَساميرِ الصليبِ / عَن خُبْزِ العَشاءِ
الأخيرِ / مَشَيْتُ والمساءُ يَتقمَّصُني / نَزَلَتْ مِن ذاكرتي دُموعٌ / لا
أَعْرِفُ جِنْسِيَّتَها / الأزهارُ في نُعاسِ الصُّقورِ / تبكي على الشجرِ
القَتيلِ/ تُوَزِّعُ البُروقُ دَمِي عَلى شُيوخِ القَبائلِ / كَما يُوَزِّعُ الْمُخْبِرُونَ
البطاطا المقليةَ في مَطاعمِ الوَجَباتِ السَّريعةِ / صَارَتْ أعلامُ القَبائلِ ثِياباً
للرَّقْصِ/ وَتُزَيِّنُ الإماءُ سُوقَ النِّخاسةِ بالجوازاتِ الدُّبْلوماسيةِ /
وَالحمَامُ يَبيضُ في قَفَصِي الصَّدْرِيِّ / وَلاعِباتُ التِّنسِ يَسْتَعْمِلْنَ
مُزِيلَ العَرَقِ / أثناءَ حَفْلةِ إِعدامي /
في ليالي الشِّتاءِ
تنفجرُ ذِكْرياتُ العِشْقِ / فازرعْ جَسَدَ الفراشةِ بالألغامِ / قَبْلَ أن
يَكْسِرَ الهلعُ رُموشَنا / وَضَعْتُ استقالتي على مَكتبِ النَّهْرِ / فلا
تَحْقِدي عَلَيَّ يا سَيِّدةَ الصَّنَوْبَرِ/ كُلَّما نَظرتُ في عَيْنَيْكِ رَأيتُ
تفاحَ المجازرِ / يَتَفَجَّرُ دَمي مِن حِجارةِ قَرْيتي خَوْخاً ومُسدَّساتٍ /
مَاتت الحضارةُ / والتاريخُ مَشْغولٌ بِتَحْميلِ الجثثِ في عَرَباتِ الرِّيحِ /
وَالبَقُّ أَكَلَ البراويزَ على الحِيطان / وانتحرت الذِّكرياتُ / مَطَرٌ يَنْحِتُ
شَواهِدَ القُبورِ / وَدَمُ الحيْضِ يَسيلُ على النَّظاراتِ السَّوْداءِ /
عِندما تَضيعُ الدُّوَلُ / أَقِمْ
دَوْلَتَكَ في قَلْبِ امرأةٍ / وَكُن قَريباً مِن الحبِّ القاتلِ / سَيَجْرِفُ
الموْجُ كُثبانَ الذِّكرياتِ / وَتَظَلُّ الصحراءُ بِلا رِمالٍ / أحزانُ النِّساءِ
في الليالي الباردةِ / فاعشقْ لَمَعانَ الرُّخامِ في مقابرِ الفراولةِ / قَبْلَ أن
يَكْسِرَ الخريفُ مَزْهرياتِ قُلوبِنا / سَأَكُونُ قَتيلاً مَشْهوراً تَحْتَ
شَمْسٍ غَريبةٍ / وأنا لَسْتُ أنا / لكني الْمَلِكُ الْمُتَوَّجُ عَلى رَمْلِ
البَحْرِ /
يا شَاطِئَ الفراشاتِ الحزينةِ / قُلْ
لِلبُحيراتِ المحروقةِ / إِنَّ العُشاقَ يَسْكُبُونَ دُموعَهم في المزهرياتِ
المخدوشةِ / أغنياتُ الظِّلِّ الحجَريِّ / ورائحةُ الأُنوثةِ المنسِيَّةُ / ضَاعَت
النُّعوشُ التِّذكاريةُ في حُقولِ القُطْنِ/ والأراملُ يَخْلَعْنَ بَلاطَ أوْردتي
كالزِّنزانةِ الانفراديةِ / والغُزاةُ يَتَقاسَمُونَ المهامَّ الأمنيةَ / لِمَنْعِ
الشَّغبِ في جِنازتي / وغاباتُ البارودِ تَمْشي في عِظامي / تَختلطُ دَقَّاتُ
قَلْبي بِدَقَّاتِ الساعةِ في حُقولِ الدَّمِ / وأنا تائهٌ بَيْنَ رَجْفةِ الحبِّ
الأوَّلِ / وَرِعشَةِ الموْتِ الأوَّلِ / العارُ المرصَّعُ بالمومياواتِ / أنا
الأبُ الرُّوحِيُّ لِحَبْلِ المِشْنقةِ/ وَسَوْفَ أُدْفَنُ ذَاتَ مَساءٍ عِندَ
قَبْرِ أُستاذي / سَتَذْبَحُ الرِّياحُ نَفْسَها بالسَّيْفِ الذي عَشِقَتْهُ /
والبَقُّ التهمَ خَشَبَ البَراويز / أشكالُ ذَبْحي مَزْهرياتٌ للغُرباءِ / وأنا
الغريبُ بَيْنَ عُروقي والصَّنَوْبَرِ المنبوذِ /
لا تَحْزَنْ أيها الرَّمْلُ / لَمعانُ
عُيونِكَ سَيَكْسِرُ بَلاطَ سِجْنِكَ / لكنَّ الزوابعَ لم تَتْرُكْ لَنا فُرصةً /
للبُكاءِ أمامَ قُبور أُمهاتنا / تعيشُ ظِلالُنا في ممالكِ الطاعون / حَيْثُ
يَسيلُ دَمُ الحيْضِ تَحْتَ المطرِ / أُبَلِّطُ زِنزانةَ الرُّوحِ/ وَأسمعُ بُكاءَ
امرأةٍ يأتي مِن شُقوقِ الليلِ/ تاريخُ الأعاصيرِ المزوَّرُ / لَوْحةٌ اشترتها
أميرةُ الأنقاضِ بأموالِ الشَّعْبِ / وقالتْ لِعَشيقِها إِنَّها قَد رَسَمَتْهَا /
والأسرى لم يَجِدوا ظِلالَهم / لِكَي يَرْسُموا ضَفائرَ أُمَّهاتهم على قُيودِهم /
الرِّياحُ تَدْفِنُ النِّفاياتِ النوويةَ في صُداعِ الشَّفَقِ / أركضُ في شوارعِ
الليلِ / فأتزوجُ أحزانَ الأرصفةِ / رَمَيْنا جُثَثَ الجنودِ في البُحيرةِ /
وَرَاياتُ القبائلِ صَارَتْ مَلابِسَ داخليةً للسَّبايا / مُحْسِنٌ يتكفلُ
بِنَفَقَاتِ جِنازةِ اليَمامِ / والهِضابُ نَسِيَت الجثثَ المسْتَعْمَلَةَ على
الأثاثِ المسْتَعْمَلِ / وَيَعْلو صُراخُ النِّساءِ في الأقبيةِ البَاردةِ /
تَصْنَعُ البَناتُ صُلبانَهنَّ مِن السِّيراميك/ لَم تنتظرني هِندُ بِنْتُ
النُّعمان في الصَّوْمَعةِ/ ولَم تنتظرني الأمُّ تيريزا في غُرفةِ الاعترافِ /
كانت الرِّمالُ تَنْقُلُ النهرَ إلى المستشفى / والطحالبُ تَخْرُجُ مِن ثُقوبِ
جِلْدي / يا مَن تَعيشُ في حُفَرِ المجاري / وَتَحْلُمُ بِجَدائلِ الملِكَاتِ /
أيها المنْفِيُّ في دَمِكَ / المقتولُ على ضِفافِ زَفيرِكَ / يا وَرْدةً تتلاشى في
مِدْخنةِ الدَّيْرِ / إِنَّ اكتئابَ الراهباتِ أكبرُ مِن الصَّليبِ / أيها
المحكومُ بالحنين / سترى ضَفائرَ أُمِّكَ مُعلَّقةً على حَبْلِ مِشْنَقَتِكَ /
فِرَاشُ الاحتضارِ جاهزٌ دائماً / والراهباتُ يَخْدِمْنَ ضُيوفَ الكاردينالِ
رَغْماً عَنْهُنَّ /
ألغيتُ دَساتيرَ صَالةِ
القِمارِ / والضَّبابُ يُحَطِّمُ الأرقامَ القِيَاسيةَ الْمُسَجَّلَةَ بِاسْمِ
الرَّمادِ / ذَلِكَ الغريبُ سَيأتي مِن عُروقِنا / يُعيدُ الألوانَ لِمَلامِحِ
العَصافيرِ / وَيَزرعُ رِقابَنا في ضَوْءٍ يَقتلعُ مِقْصلةَ الغِرْبان / أجسادُ
الفُقراءِ سَجَّادٌ للعَرباتِ العَسكريةِ / وَرُموشُ اليتيماتِ استراحةٌ
صَحْراويةٌ للجُنودِ الخاسرين / رَجفةُ العِشْقِ في مَمالكِ الجرادِ / وخَلاخيلُ
الإِمَاءِ تترسَّبُ في بَراميلِ البَارودِ /
لا تَحْزَنْ على الثلجِ
/ حِينَ يَشْنُقُ نَفْسَهُ بِجَديلةِ أُمِّهِ / إِنَّ جَدَائِلَ أُمَّهاتِنا
حِبَالُ مَشانِقِنا / هَذهِ جَماجِمُنا مَصابيحُ عَلى أسْوارِ الطوفان / والأمطارُ
سَوْفَ تَنطفئُ في قِمَّةِ لَمَعَانِها / أُصغي إلى كَلامِ الزَّيْتُونِ المحاصَرِ
في أعيادِ الرُّعْبِ / نَحْنُ قَشُّ الإسْطبلاتِ/ نُوَرَّثُ كالجواري في بَلاطِ
الخلفاءِ / بِعْنا حَنَاجِرَنا في السُّوقِ السَّوْداءِ / مِن أجْلِ الرَّاتبِ
الشَّهْرِيِّ / مِتْنا قَبْلَ أن نَموتَ / نَحْنُ حُفاةٌ نرتدي عُرْيَنا / نَخجلُ
مِن أسماءِ آبائنا / وَنَفتخرُ بِقُبَّعاتِ السُّياحِ /
كَلا / هذا زَمَنٌ لا يُرَوِّضُهُ
السَّلاطين / زَمَنٌ اختلطَ بِدِمائنا / فصارَ شَجَراً أمامَ ذَاكرةِ الإبادةِ /
مُنْتَصَفُ الليلِ / وَمُنْتَصَفُ النَّزيفِ / يَنمو وَبَرُ الجِمَالِ على خُدودِ
الأيتامِ / قَفَصي الصَّدْرِيُّ زِنزانةٌ مَكْسورةٌ / وَرُموشي بُندقيةٌ آلِيَّةٌ
/ لم تَلْمَسْها لاعبةُ التِّنسِ / المساءُ يُخَبِّئُ الفُقراءَ بَيْنَ شَعراتِ
رُموشِهِ / وَجُروحُ الشَّفَقِ طَريقٌ لِعَرَباتِ نَقْلِ الجنودِ/ لم يَلْتقِ
القَمرُ والشَّمْسُ وَجْهاً لِوَجْهٍ / وأنا الْتَقَيْتُ مَعَ البَحْرِ في لَحْظةٍ/
نَسِيَتْهَا مِلَفَّاتُ البُوليسِ السِّياسِيِّ/ سيأتي النِّسيانُ مِن سُعالِ
الْخُلْجانِ / يُقَبِّلُني قَمْحُ الموانِئِ/ بَيْنَما يُساقُ إلى الذَّبْحِ
البطيءِ/ مَا المنفَى إلا أنا / العِشْقُ مَسافةٌ بَيْنَ نَعْشَيْنِ مِن القَصْدير
/ وأنا أركضُ بَيْنَ جُثتي الناعمةِ وَظِلالِها الخشِنةِ / مِكْياجٌ غَامِضٌ عَلى
عُشْبِ الأضرحةِ / وَكُلما سَألتُ عَن فَراشةٍ / عَرَفْتُ أنها مَاتتْ /
سَيَقْتُلُكَ البَحْرُ يا صَديقي / وَلَكِنْ / ابْقَ عَاشِقاً لَهُ /
تكتحلُ أراملُ الجنودِ
بالبارودِ / والحشَراتُ تُغطِّي جُثمانَ قَوْسِ قُزَحَ / والْحُبُّ هُرُوبُنا
الأبَديُّ وعَذابُنا اللذيذُ / فَاهْرُبْ مِن الْحُبِّ كي نلتقيَ في متاهةِ اللوزِ
/ واخْتَرْ رَقْمَ قَبْرٍ مُمَيَّزاً / كَي تُحِبَّكَ ابنةُ حفَّارِ القُبور .