إيفو أندريتش ومعاداة الإسلام
للكاتب / إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 11/5/2017
................
للكاتب / إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 11/5/2017
................
وُلد إيفو
أندريتش( 1892_ 1975) في مدينة ترافنيك في البوسنة . وهو أديب وسياسي بوسني _
يوغسلافي مُعاصر . هو بوسني الأصل ، ولكنه أعلن أنه صِربي بعد الحرب العالمية
الثانية، بسبب انتمائه إلى صرب البوسنة .
تُوُفِّيَ والده وهو ابن عامَيْن، وأنهى
دراسته الثانوية بصعوبة في مدينة سراييفو ( عاصمة البوسنة والهرسك ) ، ودرس الأدب
والتاريخ في زَغْرِب ( عاصمة كرواتيا ) في الفترة 1912_ 1913 ، وفيينا ( عاصمة
النمسا ) في الفترة 1913_ 1914.
نشأ أندريتش في بيئة متمازجة من المسلمين والمسيحيين واليهود ، وهذا الأمر
ترك بصمةً مُؤثِّرة في رواياته . بدأ حياته سياسياً في خدمة الأهداف التوسعية لمملكة صربيا .
وأسَّس في أواخر عام 1911 " منظمة الشبيبة السِّرية " التي عُرفت لاحقاً
باسم " البوسنة الفتاة " بعد أن تمكنت من اغتيال ولي عهد النمسا في
سراييفو(1914).وكان ذلك سبباً في اندلاع الحرب العالمية الأولى.
في نهاية الحرب ، وتقديراً
لخدماته ، تَبَوَّأ أندريتش مكانةً سياسيةً في الدولة الجديدة ( مملكة يوغسلافيا )
التي كانت قد توسَّعت عن مملكة صربيا . وفي عام 1920 ، انتقل إلى العمل الدبلوماسي
في الخارج ، وتنقَّل في بلدان كثيرة .
حصل على الدكتوراة من جامعة
غراتس النمساوية عام 1924عن أطروحته " تطور الحياة الروحية في البوسنة تحت
تأثير الحكم التركي " . وفي عام 1937 ، أصبح نائباً لوزير الخارجية . واختير
في عام 1939سفيراً ليوغسلافيا في برلين . وفي عام 1941 ، عاد إلى بلغراد ( عاصمة
صربيا ) بعد الغزو الألماني ليوغسلافيا ، وعاش هُناك في عُزلة تامة خلال سنوات
الحرب العالمية الثانية ، مُفضِّلاً أن يتفرَّغ لكتابة رواياته ، لئلا يُؤخَذ عليه
أي موقف من الحرب الدائرة .
في عام 1946، حصل على جائزة
الدولة عن روايته" جسر على نهر درينا ". وفي العام نفسه، أصبح رئيساً
لاتحاد الكتاب في يوغسلافيا . وتُعتبَر روايته " الفناء الملعون " (
1954) أهم رواياته على الإطلاق،وهي التي ساهمت بشكل كبير في منحه جائزة نوبل
للآداب(1961). وهي رواية تتَّسم بالواقعية الفلسفية والتاريخية، إلى جانب النَّزعة
الإنسانية ، مع التأكيد على القيم الروحية ، وأهمية الحضارات القديمة والحديثة .
وتحكي الرواية قصة راهب مسيحي مسجون في سجن تركي في إسطنبول(عاصمة الخلافة
الإسلامية)، حيث يتعرَّف إلى باشا تركي مسكون بهاجس أحد السلاطين القدماء ، كما
تُقدِّم الرواية شخصيات متنوعة مِثل : اليهودي المتشكِّك ، وقراقوش التركي غريب
الأطوار ، والرُّهبان الحاسدون في الدَّير البعيد في البوسنة .
لاقت رواياته رواجاً عالمياً
بعد فوزه بجائزة نوبل . وبعد عام 1967 ، أُثيرت أسئلة كثيرة حول نقاط غامضة في
نشاطه السياسي المشبوه ، وحول مواقفه المعادية للإسلام والمسلمين في يوغسلافيا ،
سواءٌ أثناء عمله في الخارجية ( 1937_ 1939) ، أو في رواياته .
تتميَّز رواياته ، وخاصة "
جسر على نهر درينا " ( 1945). و" وقائع مدينة ترافنيك " ( 1945)، باعتمادها على مصادر تاريخية
مُتحيِّزة وانتقائية وغَير مَوثوقة، تخدم الخط السياسي للمؤلف . ويَبدو هذا الموقف
واضحاً في أُطروحته للدكتوراة التي رَفض أندريتش أن تُترجَم أو تُنشَر وهو حَي.
وهذا الرفض يحمل دلالة شديدة الخطورة ، ويُثير أسئلة حول مَصادره ومواقفه الفكرية
وطبيعة كتاباته .
لقد كانت العلاقة بين الشرق
والغرب هي الموضوع الأساسي في كتابات أندريتش . ومن الواضح أن هذا الموضوع كان
يُسيطر على تفكيره وتفاصيل حياته . وقد كانت كلمة " الجسر " مُهيمنة على
أعماله الأدبية ، وكأنه يَقصد ذلك الجسر الرمزي الواصل بين الحضارات والأمم
والشعوب . لقد أرادَ صناعة جسر يصل بين الشرق والغرب ، ولكنَّ المشكلة تَكمن في
طبيعة هذا الجسر ، حيث إِنَّه شَيَّده وفق أفكاره الذاتية ووجهة نظره الشخصية ،
دُون تقديم أفكار الآخرين بشكل صحيح، ولا عَرْض وُجهة نظر الطرف الآخَر بأمانة
ودِقَّة . والتحيُّز الواضح وغيابُ الموضوعية جَعلاه عُرضةً لسهام النقد ،
والتشكيك في مصادره الفكرية والتاريخية .
وقد كان التاريخُ قيمةً أساسية
في أعماله الأدبية ، تُسيطر على تفكيره . وهذا يُفسِّر اهتمامه الشديد بالرواية
التاريخية ، والعودة إلى الماضي . فعلى سبيل المثال لا الحصر ، رواية "
الفناء الملعون " تَدور أحداثها في عام 1432م ، وتَحكي عن رَجل تُخيِّل نَفْسُه
تناسخاً روحياً مع جمشيد ( ابن السلطان محمد الفاتح ) . وروايته " وقائع
مدينة ترافنيك " تدور أحداثها في عام 1560م، وتحكي عن الثورات التي قامت في
المدينة للانفصال عن الحكم العثماني في تلك الفترة. وروايته " جسر على نهر
درينا " تدور أحداثُها عام 1571 ، وتحكي عن الأحداث التي شهدتها مدينة
فيتشيغراد . وهذا الجسر الحجري الشهير أُقيم على نهر درينا بمدينة فيتشيغراد ،
وكان الغرض من إقامته أن يربط بين البوسنة والصرب ، وهما يومئذ إقليمان من أقاليم
الإمبراطورية العثمانية .