يُثيرُ الاعترافُ الإسرائيليُّ بِدُوَيْلَةِ
" أرض الصومال " ( صوماليلاند ) جدلًا واسعًا في الأوساطِ السِّياسيةِ
والإعلامية . فالإقليمُ الذي أعلنَ انفصالَه عَن الصومال عام 1991 ، لا يَحظى حتى
اليوم باعترافٍ دَوْلي رَسْمي. كما أنَّ إسرائيل لَمْ تُعلِن _ حتى وقتٍ قريبٍ _
اعترافًا قانونيًّا صريحًا بِه .
يحتلُّ إقليمُ أرضِ الصومالِ مَوقعًا
جُغرافيًّا بالغَ الحساسية على خليجِ عدن ، بالقُربِ مِنْ مَضيقِ بابِ المَنْدِب ،
أحد أهم الممرات البحرية العالمية ، هذا الموقع جعله محط اهتمام قوى دَوْلية
وإقليمية تَسعى إلى تأمينِ طُرقِ التجارة والطاقة ، ومُراقبةِ التحركات العسكرية
في البحر الأحمر ، وبناءِ قواعد لوجستية أو استخباراتية في منطقة تُعاني مِنْ
هَشاشة الدَّولة وضعفِ السيطرة المركزية .
إسرائيل تنظر إلى البحر الأحمر باعتباره
امتدادًا لأمنها القومي ، وأيُّ مَوطئ قدم سياسي أو أمني في هذه المنطقة يُعَدُّ
مَكسبًا إستراتيجيًّا كبيرًا . ومُنْذُ تأسيسها ، تبنَّت إسرائيل سِياسة تقوم على
تفكيك العُزلة الإقليمية ، عبر بناء علاقات مع أطراف غير تقليدية في مُحيط عربي
أوْ إسلامي مُعادٍ ، وقد شملَ ذلك تاريخيًّا التحالفَ معَ أطراف غير عربية ( إيران
قبل عام 1979 ، وتركيا سابقًا ، وإثيوبيا ) ، ودعم كِيانات انفصالية أوْ أقليات في
دُوَل عربية وأفريقية .
في هذا السياقِ ، يُمكِن فهمُ الاهتمام بأرض
الصومال كَجُزْء مِنْ إستراتيجية الأطراف ، إقامة علاقات مع كِيان يَسعى إلى الاعتراف
الدَّوْلي ، ومُسْتعد لتقديم تنازلات سِياسية أوْ أمنية مُقابِل دعم دُبلوماسي .
تُعاني منطقة القرن الأفريقي من نشاط
مُكثَّف لجماعات مُسلَّحة،بعضها يرتبط بتنظيمات تُصنِّفها إسرائيل كتهديدات غير
مُباشرة ، سواء عبر استهداف المِلاحة أو عبر علاقاتها بِمَحْوَر إقليمي مُعادٍ لتل
أبيب . والاعترافُ _ أو حتى التقارب السياسي _ مع أرض الصومال يُتيحُ لإسرائيل
تبادلًا إستخباراتيًّا حول تحركات الجماعات المُسلَّحة ، ومُراقبة خُطوط المِلاحة
في خليج عدن ، ومُواجهة النفوذ الإيراني في البحر الأحمر وشرق أفريقيا . ومِن هذا
المنظور ، لا يَبْدو الاعتراف مسألة رمزية ، بَل أداة أمنية بامتياز .
أرض الصومال تُعاني مِنْ عُزلة دَوْلية
خانقة رغم استقرارها النسبي مُقارنة ببقية الصومال . هذه العُزلة تَجعل قيادتها
أكثر استعدادًا لعلاقات مع قوى مثيرة للجدل دَوْليًّا ، مُقابل وعود بالاعتراف
والدعم الاقتصادي . وإسرائيل تُدرِك هذه المُعادلة جيدًا ، وسوف تستغل حاجة
الإقليم إلى الشرعية عبر تقديم دعم دبلوماسي في المحافل الغربية ، وفتح قنوات
اقتصادية وتقنية ، وتسويق نفسها كشريك قادر على تسريع قَبول الإقليم دَوْليًّا .
هُنا تتحول إسرائيل من دولة تبحث عن اعتراف إلى دولة تَمنحه _ وَلَوْ جُزئيًّا _ ،
مِمَّا يُعزِّز نفوذها السياسي .
أيَّة خُطوة إسرائيلية تُجاه أرض الصومال تحمل رسائل غير مُباشرة إلى أطراف أُخْرى . إلى الصومال الفيدرالي : الضغط غير المُباشر عبر التعامل مع كِيان انفصالي.إلى الدول العربية المُطلة على البحر الأحمر: إسرائيل لاعب حاضر في أمن الممرات البحرية . إلى القوى الكُبرى: تل أبيب شريك قادر على ملء فراغات النفوذ في مناطق هَشَّة .
