حركة فتح ( الفشل في الحرب والفشل في السلام )
كتبها : إبراهيم أبو عواد
لقد كان ياسر عرفات عبئاً ثقيلاً على القضية الفلسطينية في حياته وبعد مماته بسبب أدائه الضعيف في الساحة السياسية والحربية فلم يحقق إنجازاتٍ حقيقية للقضية ، وقد انتهت مغامراته الطائشة الدكتاتورية المتفردة بالقرار الفلسطيني إلى اتفاقية أوسلو التي حكمت بالإعدام على الثورة الفلسطينية من أجل دولة كرتونية ذات سلطة سياسية وهمية فاسدة مالياً وأخلاقياً خاضعة للاحتلال الصهيوني تنفِّذ أجندة تعليماتٍ أمريكية صهيونية من أجل بعض المكاسب الاقتصادية والرواتب آخر الشهر والمزايا والمظاهر البراقة للمسؤولين العائشين في سيارات المرسيدس على حساب دموع الأرامل وأطفال المخيمات والفقراء والأيتام .
واتفاقيات السلام عبارة عن تجارةٍ رائجة ، وسمسرةٍ تدر أرباحاً وفيرة على مهندسيها دون باقي الشعب، وصناعةٍ تأتي بالامتيازات المادية للطبقة السياسية المتنفذة في ظل ازدياد فقر الشعب، لذا فهي بعيدة عن معنى السلام الحقيقي ونشر الخير والعدالة والأخوة البشرية ، وهي لا تعدو عن كونها بيعاً للبلادِ مقابل بعض الأرباح المادية التي تصب في جيوب المسؤولين الذين يزدادون ثراءً ، ويزداد الشعب فقراً . وإذا لم يلتزم الوطنُ العربي بالجهاد والمقاوَمة للحفاظ على هويته العربية الإسلامية وتعزيز مكانتها ، فلا شك أنه ذاهب إلى مزابل التاريخ حكاماً ومحكومين .
وما يسمى بسلام الشجعان عبارة عن محاولة لذر الرماد في العيون ، فلم يكن هناك سلام ولم يكن هناك شجعان . ففي أيلول 1970م اصطدم عرفات بالنظام الأردني فأخرج الفلسطينيين من الأردن، واصطدم مع اللبنانيين فأخرج الفلسطينيين من لبنان 1982م ، وأيَّد الغزو الصَّدامي للكويت فأخرج الفلسطينيين من الكويت ، فبدلاً من أن يعيد اللاجئين إلى فلسطين ، طرد الفلسطينيين من الدول العربية .
ومع يقيني التام أن عرفات تم جره إلى اتفاقية السلام بعد أن فقد كل أوراقه التي كان يُقاتِل بها خصوصاً بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ، وحرب الخليج التي شَطَبَتْ صدام حسين ، وجعلت دول الخليج تمنع المساعدات المالية عن منظمة التحرير بسبب تأييد عرفات للغزو الصَّدامي ، وتخاذل الأنظمة العربية الكرتونية ، واغتيال خليل الوزير ( أبو جهاد)، وغياب صلاح خلف ( أبو إياد ) ، وازدياد الضغط الأمريكي عليه، وغياب الدعم العربي والإسلامي، والخيارات الخاطئة للقيادة الفلسطينية، والتفرد بالقرار ، وانتشار القيادات غير الشريفة التي باعتْ فلسطين لتظل في سيارات المرسيدس، هم وعائلاتهم . كل هذه العوامل مجتمعة وغيرها أوصلت عرفات إلى الطريق المغلق، فوجد وجهَه أمام الحائط ، فلم يعد قادراً على التقدم ولا التأخر. وهذا جعله يرضخ لاتفاقية أوسلو التي كانت مكسباً حقيقياً للصهاينة وخسارة حقيقية للفلسطينيين .
وبدلاً من أن تلاحق سلطاتُ الاحتلال القادةَ الفلسطينيين في أصقاع العالَم ، أحضرتهم إلى الداخل في قفص حديدي، وفرضت عليهم شروطَها بعد أن صاروا في قبضتها لأنهم محاصَرون في سجن قاسٍ لا يملكون أن يقولوا لا ، فقد وقعوا في الفخ، وصاروا داخل القفص ، وتحول الثائرُ إلى موظف يفكر في الراتب الشهري، وتحول المقاوِم إلى مقاوِل. ليس هذا فحسب، بل تحولت السلطة الفلسطينية إلى جيش لحد، تقبض على المقاوِمين ، وتُسلِّمهم لأعدائهم الصهاينة من أجل نيل الرضا ، وزيادة المخصصات المالية التي تصب في جيوب المسؤولين دون وصولها إلى باقي الشعب .
لكن هذا الأمر ليس نهاية المطاف ، فالصراع كَوْني شامل على أرض فلسطين التي تجسِّد الصدامَ بين الهلال والصليب في المنظور العمومي لأن اليهود في العالَم كله لا وزن حضارياً لهم، وهم تحصيل حاصل وعبء هامشي لا تاريخ لهم ، ولا أهمية لهم ، فعدد اليهود في العالَم أقل من عدد سكان القاهرة . وبالتالي فإن المعركة الحقيقية بين الإسلام والغرب الصليبي الذي زرع قطيعَ اليهود في فلسطين .
وبعد أن أعلن عرفات موتَ حركة فتح الثورية المناضِلة ، وظهور حركة فتح النائمة في أحضان الاحتلال التي تنازلت عن الكفاح المسلح ، ظهرت حركة حماس بقوة بالغة مرتكزة إلى عقيدة إسلامية جهادية بأيدي أناس يعرفون ما يفعلون ، بعكس حركة فتح التي قادها أناس يفتقدون إلى العقيدةِ الصادقة ومؤهلاتِ القيادة والتنظيرِ والزعامة_ رغم وجود الأحرار والشرفاء فيها_ ، فمن هزيمة في الأردن ( 1970م ) إلى هزيمة في لبنان ( 1982م ) إلى هزيمة في أوسلو ( 1993م ) ضمن فوضى هزائم الجيوش العربية . فالشعب الفلسطيني الذي كتب تاريخَ شمس المقاوَمة والتضحية يستحق قادةً شرفاء مؤهَّلين للقيادة لا يركعون أمام الدولار ، وصولجانِ الإدارة الصهيونية والأمريكية المتصهيِنة .
إن ما قامت به حركة حماس من عمليات نوعية ممتازة ضد اليهود الإرهابيين الذين يحتلون فلسطين يعكس مدى الإصرار والعزيمة التي تتمتع بها كشمعة في وسط كهف مظلم ما زالت محتفظة بضوئها رغم الرياح من كل الجهات ، والخياناتِ التي تتكاثر في أُطر صفقات بيع فلسطين التي تتبناها بعض الأنظمة العربية المتاجرة بالقضية، والتي بنت مجدَها الوهمي على المتاجرة بفلسطين ، واللعبِ على كل حبال السياسة . فالخيانات أتت من الأعراب قبل الأغراب .
والخيانة المؤلمة تكون حينما تأتي من أبناء جِلْدتنا ، فكما قال الشاعر :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على الحر من وقع الحسام المهند
فنحن نجد أن بعض الأنظمة العربية المتواطئة لها دور محوري في قتل الفلسطينيين وحصارهم في الحرب على غزة نهاية 2008م، وذلك عائد إلى عاملَيْن : الأول _ أن بعض الأنظمة العربية تتقاضى مساعداتٍ أمريكية مقابل أن تدير ظهرَها للقضايا العربية والإسلامية ، وأن تظل خنجرَ غدر في ظهر المقاوَمة وحركات التحرر. والثاني _ أن بعض الأنظمة العربية تعتقد أن وجود حماس ( الإخوان المسلمين ) حاكمة في غزة يُشكِّل خطراً عليها ، خصوصاً في ظل وجود الإخوان المسلمين كقوة سياسية أولى في الشارع العربي ، كما أن حماس يُنْظَر إليها كحليف قوي لإيران ، وهذا يزعج الأنظمةَ العربية الداعمة للكيان الصهيوني للحفاظ على عروشها .
وهكذا ضاع الدور العربي تماماً فلم يعد له وزن على الساحة العالمية أو الإقليمية، وذلك بسبب السياسات الخاطئة الفاسدة مالياً وإدارياً التي تحكم الوطنَ العربي الذي صار دولةً بوليسية كرتونية ، فالتعذيب في السجون ، والاقتصاد منهوب، والتعليم منهار ، وتهجير الأدمغة إلى الخارج مستمر، ونشر الفقر والجهل متواصل بشكل منهجي. مما جعل إيران تكون اللاعب الرئيسي على الأرض العربية .
وعلى الصعيد الإعلامي نجد أن بعض القنوات الفضائية المشبوهة الناطقة باسم رعيان الغنم وبرميلِ النفط تقوم بدور أمريكي متصهيِن، فهي تسمي الشهداء بالقتلى ، وتسمي العمليات الاستشهادية بالانتحارية ، كما تصف حركات المقاومة في فلسطين والعراق وأفغانستان بالإرهاب ، وتتخذ موقفاً معادياً للأمة العربية عبر تأييد الكيان الصهيوني ومن يقف وراءه. ومثال ذلك قناة " العبرية " التي تعتمد على أثداء مذيعاتها المكشوفة لجذب الجمهور . وهذا يدل على حجم الاختراق الصهيوني ، خصوصاً مع مستواها الأخلاقي المتدني ، فالملابس الفاضحة للمذيعات والمراسِلات اللواتي هنَّ أشبه بعارضات أزياء . وهذه عودة لعصر الجواري اللواتي يكشفن أجسادَهن مقابل راتب آخر الشهر ، وتحقيق ما يسمى بحقوق المرأة عن طريق تحولها إلى سلعة على شاشة التلفاز . ولا يمكن للمذيعة أن تظهر بهذا الشكل بدون أوامر بذلك ومباركة من إدارة القناة الفضائية وهم مجموعة من رعيان الغنم المتصهينين .
وإذا عدنا إلى موضوع حركة حماس فقد قَتلت بمفردها من الإرهابيين الصهاينة أكثر من كل الجيوش العربية وكل الفصائلِ المنضوية تحت " منظمة التحرير " مجتمعةً في كل تاريخها ، ولو وضعنا إنجازات الأمة العربية جمعاء في مقاومة الاحتلال الصهيوني لفلسطين طوال القرن العشرين في كفة ، وإنجازات حركة حماس في كفة ، لرجحت كفة حماس ، والذي يريد التحقق من هذا الكلام فليراجع الإحصائيات الدقيقة الموثَّقة .
وهذا يدل على أن العقيدة الصادقة الراسخة في النفوس هي الأساس في عملية التحرر والتحرير. وما قامت به حماس _ رغم كل المؤامرات عليها من سلطة أوسلو والنظامِ المصري الإرهابي وبعضِ الأنظمة العربية والعالَمِ الغربي الذي يسمي نفسَه حراً _ ما زالت واقفة على رجليها في جزيرة في وسط المحيط وحولها الأعاصير من كل الجهات ، فهي ترفض الموت والاستسلام في محيط من المقابر التي تُسَمَّى دولاً عربية ، وهي متنصلة من عروبتها .وهذا إن دل على شيء فيدل على وجود رجال يُقاتِلون بدافع العقيدة الصادقة، وليس من أجل راتب آخر الشهر ، أو تنفيذاً لأمر الطاغية الفلاني .
وهذا يعكس خطةً طموحة للسلام العالمي تمر على جثث الغزاة الصهاينة الذين يُشكِّلون خطراً حقيقياً على العالَم تماماً كأمهم أمريكا، ونحن حينما نطمح إلى عالَم بلا أمريكا فإن هذا يعني _ضمنياً_ عالَماً بدون الكيان الصهيوني ، فخطة السلام العالمية لتعزيز الحرية وحقوق الإنسان على كوكبنا تنبع من جعل جثث الصهاينة جسراً تعبر عليه البشرية نحو الخير والإنسانية والعالَم الحر الحقيقي بعيداً عن مؤامرات اليهود على مدار التاريخ . وهذه الخطة الرائعة ستعيد رسمَ الخارطة العالمية وفق مقياس الحرية والسلام والأخوة بين البشر .