خواطر سياسية ( كلام في الممنوع )
الجزء الرابع
تأليف : إبراهيم أبو عواد
-1-
إن الإرهاب البروتستنتي هو عسكرة السياسة المعتمدة على مخيال القيم الإنجيلية، وهذا الأمر يعكس سقوط العلمانية ، وكونها مجرد شعار وقناع لا أكثر . فالتأسيس البنائي في الإنجيل المعتمد على مبدأ الفصل بين السلطة الدينية والسلطة السياسية مُكرَّس بشدة حيث ينص على إعطاء ما لله لله ، وما لقيصر لقيصر . لكن مبدأ الفصل غير مستعمل كإجراء تطبيقي ، لأن القيم الدينية المتطرفة للمجتمع الأمريكي جرى تسييسها بقسوة بالغة، وبأداء استحواذي على النصوص قائم على وضع الدِّين من أجل تسييس الاحتلال وشرعنةِ الاضطهاد،فعند متَّى ( 12: 30 ): (( من ليس معي فهو ضدي )). وهذا المبدأ قامت أمريكا بجعله الأساس الفكري للإرهاب اليهودي المسيطِر على مفاصل الحسم والنفوذ في الإدارة الأمريكية . وكلما تجذَّرت انهياراتُ بلاد العم سام بوصفها حالةً شاذة عن المسار الحضاري الحقيقي ، وباعتبارها بؤرة الأيديولوجي الإنجيلي المتصهيِن الذي يرتدي قناعَ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ، رسخت علامات النهاية الحاسمة للإمبراطورية العنصرية التي تُدعى أمريكا . فوظيفةُ شرفاء العالَم هو الإسراع في وأد حضارة إبادة الهنود الحمر عن طريق استهداف كل أماكن نفوذها في أصقاع الأرض من أجل إلجامها ، وردِّها إلى زاوية ضيقة في المربَّع المحاصَر ، وإذا وصل العالَمُ إلى هذه الدرجة من الأداء المتفوق في مواجهة شذوذ الولايات المفكَّكة الأمريكية عن المسار الإنساني الراقي فإن العدو الصهيوني سيصبح أثراً إثر عَيْن.
-2-
إن كوكب الأرض تحكمه عصابة من المهرجين والقتلة والمجانين ومافيا ما يسمى بالعالم الحر لا شرف لهم غير الرصيد البنكي .
-3-
إن النظام الأيديولوجي الأمريكي ينسى إرهابَه في لهاثه المتواصل نحو السيطرة على العالَم ، وتأسيس حلم الإمبراطورية الذي تبخر إلى غير رجعة بعد أن دقَّت الأزمةُ المالية العالمية المسمارَ الأول في نعش هذه الحضارة الغريبة عن الأرض المضادة لقيمة الحياة والحب والأخلاق والمستقبل . والمفاجأة السعيدة هي أن أمريكا لم تكوِّن دولةً طوال تاريخها بالمعنى التأصيلي الفعلي ، بل كان الكيان السياسي الذي يحتويها عبارة عن مجاز غباري قائم على جبل من جثث الهنود الحمر المتجمدة في العراء ، ولم يظهر من جبل الجليد سوى قمته التي تم تلميعها ، وتقديمها على أنها ذروة الحضارة الإنسانية الراقية المتحضرة.
-4-
الديمقراطية التي يُبشِّر بها رعاةُ البقر هي بقرة حلوب تغدو وسيلةَ ابتزاز للجائعين والعطشى الذين ينظرون إلى الديمقراطية على أنها وسيلة لكسب العيش ، أي الحصول على رضا السيد الأمريكي ، وبالتالي نيل المساعدات والامتيازات والحضور في المحافل الدولية . وعلى الرغم من أن المساعدات المالية المقدَّمة للدول المتخلفة _ بفعل انتشار فلسفة طواغيت الدولة البوليسية_ تذهب إلى جيوب المسؤولين الكبار بمباركة رؤوس الأنظمة القمعية الحاكمة إلا أن استجداء عطف الدول الكبرى وأموالها يظل حافزاً رئيسياً لهذه الدول النامية ( النائمة ) لاعتناق الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية السياسية والانتخابات النزيهة وحرية التعبير ودولة القانون والمؤسسات _ ظاهرياً _ . وفي واقع الأمر فهذه شعارات ظاهرية شكلية وهمية لابتزاز أكبر قَدْر ممكن من العطايا من الدول الغربية المتقدمة ، والظهور أمام الرأي العام العالمي بمظهر مواكبة العصر ، والمضي قدماً في النهضة والإعمار والازدهار . والمشكلة أن أمريكا تعرف هذا جيداً ، كيف لا وهي التي زرعت الطواغيتَ في العالَم ليظلوا رجالها في أماكن نفوذها . ولكن النظام الأمريكي هو نظامٌ كافر بالديمقراطية وحرية الفكر، ففي الوقت الذي يُسمَح للأفراد بإنكار الله _ مثلاً_ ويُعتبَر حرية فكر، لا يُسمَح بانتقاد أكذوبة الهولوكوست ، أو حتى التشكيك بأرقام هذه المحرقة الأسطورية التي ليس لها وجود على أرض الواقع . وهذه النقطة تعكس فلسفة التعامل الأمريكي مع المعطيات . ويمكن تعميم تطبيقها على " صناعة الديمقراطية " التي تنتهجها أمريكا للتدخل في باقي الدول ، وابتزازها أكثر فأكثر . ومن هنا صار أدق تعريف للديمقراطية هو الابتزاز المتبادَل ضمن تقاطع المصالح بين النظام الأمريكي القمعي المتقدِّم والأنظمةِ البوليسية القمعية المتخلفة.
-5-
إن التعريف العلمي المنهجي للشعارات المغرِضة في منظومة الاحتلال الأمريكي ينحو منحىً فكرياً دقيقاً بدون أقنعة ، فتصير التعريفات الدقيقة الدالة على المعاني كالآتي :
أ ) الديمقراطية : الحكم بالقوانين الوضعية مع إقامة قطيعة مع الشريعة السماوية ، وتنظيم مفاصل الدولة بحيث لا تجرؤ على رفع رأسها أمام السيد الأمريكي الذي يواصل إصدار أوامره دون مناقشة أو رفض . والنظام الانتخابي للأساس الفلسفي للديمقراطية يسمح بفوز كل الناس إلا الإسلاميين، فإذا فاز الإسلاميون فيتم التضييق عليهم ، ومحاصرتهم ، وتصنيفهم كإرهابيين ظلاميين رجعيين ... إلخ .ومحاربتهم بطريق مباشرة( الإرهاب الأمريكي الموجَّه ضدهم دون وسيط ) أو غير مباشرة ( استخدام الأعراب المرتزقة في هرم السلطة السياسية الفاسدة لحصارهم والوقوف ضدهم ) ، وفي المرات القادمة يصار إلى تزوير الانتخابات لإقصاء الإسلاميين بالتنسيق مع السفير الأمريكي ( الحاكم الفعلي في الوطن العربي ) . وفي هذا الصدد نجد مثالين واضحين: فوز حركة حماس التي كانت ضحية مؤامرات مافيا اتفاقية أوسلو بزعامة العميل محمود عباس وعصابته الحاكمة ، وفوز الإسلاميين في الجزائر الذين كانوا ضحية إرهاب جنرالات الجيش الذين يأتمرون بأمر سيدهم السفير الفرنسي . في باريس .
ب) الحرب على الإرهاب : وهي تعني الحرب على الإسلام والمسلمين، والعمل على شَيْطنته لتنفير الناس منه عن طريق وصمه بالإرهاب ، وقتلِ الأبرياء ، وتدميرِ قيم ما يسمى بالعالَم الحر ( أمريكا وأوروبا ) .
ج) العولمة : هي الأمركة ، أي إجبار الناس على تقديس أمريكا ، والرقص على إيقاعها دون مناقشة ، واعتناقِ كل قيمها الروحية والمادية ، والانسلاخ من الهوية العربية الإسلامية ضمن منهجية التغريب الأنجلوسكسوني والفرنكوفوني ، اعتماداً على تفوق العِرْق الأمريكي القادم لفرض شروطه على باقي الشعوب والْحَجْر عليهم لأنهم فاقدو أهلية التصرف ، فأمريكا وحدها تملك أهلية التصرف ! .
د) حقوق الإنسان : منح كل إنسان حرية أن يفعل ما يحلو له ، فالشواذ جنسياً أحرار في اختيارهم ، وينبغي احترامهم ، وعدم جرح مشاعرهم المرهفة ، وتسهيل الوسائل لممارسة شذوذهم دون التعرض لحقوقهم المكفولة في الدساتير الغربية . كما أن المرأة من حقها العيش كما يحلو لها ، تمارس الجنس مع من تشاء ، وتتعرى كما تشاء ، ما دامت أنها مختارة غير مُجبَرَة . ولكن تُمنَع المرأة المسلمة من ارتداء الحجاب بحجة أنه رمز ديني في حين أن المرأة النصرانية تتبختر وهي تضع الصليب على صدرها بكل حرية .
هـ) حرية الفكر: ضمان حرية الفرد في الإلحاد ، أو التطاول على الذات الإلهية ، والاستهزاء بالأنبياء ، والشعائر الدينية، وأن يكتب ما يحلو له دون ضابط أو رادع بذريعة العقلية المتفتحة ، وحرية الفكر الذي لا حدود له ، ولكن لا يحق له أن يتطاول على أمريكا أو التصدي للاحتلال الصهيوني لفلسطين، أو الانتقاص من القيم الغربية المقدَّسة ، أو إنكار أكذوبة الهولوكوست . لأن أدلجة الإرهاب اليهودي النازي يغدو إنجيلاً حقيراً مقدَّساً لدى المحافظين الجدد سواءٌ كانوا مسؤولين أو مواطنين عاديين .
و) دولة القانون والمؤسسات : هي شرعية الدولة البوليسية الموالية قلباً وقالباً لأمريكا ، والتي يتحكم بها الطاغوت وأعوانه العائشون_كالطفيليات_ على ثروات الشعب المنهوبة، وتنسيق انتخابات مزوَّرة بمباركة أمريكية مستترة تضمن تنحية الإسلاميين خاصةً والمعارِضين عموماً ، أو جعل عدة أشخاص منهم كديكور ديمقراطي أمام الرأي العام العالمي، وكل هذا من أجل تحسين صورة النظام الدكتاتوري القمعي.
ز ) حقوق المرأة : حق المرأة في التعري، وممارسة أنشطتها كما يحلو لها بلا ضابط ديني أو اجتماعي في إطار العادات والتقاليد ، فكلما ارتدت المرأة تنورة أقصر صارت أكثر حرية وتمرداً على ذكورية المجتمع ، وهكذا تجد نفسها . والعجيب أن المرأة نفسها لا تحترم المرأة. فمثلاً في عروض الأزياء حينما تكون المصممة امرأة سيكون عرض الأزياء أشد عرياً. حتى الكاتبات البدويات الضعيفات اللواتي لا يمتلكن مستوى ثقافة عالياً يكرِّسن عدم احترام المرأة عن طريق تقليد الآخر ونسخ أفكار الغرب دون إبداع ، مثل نوال السعداوي وغادة السمان وحنان الشيخ وأحلام مستغانمي ... إلخ . وانظر أيضاً إلى المخرجة المصرية ضحلة المستوى إيناس الدغيدي ، فكونها امرأة يفترض بها أن تدعم قضيةَ المرأة، ولكن أفلامها مغرقة في العري الفاضح الخارج على النص ، وتصوير المرأة كسلعة رخيصة في أيدي الرجال ، وتشويه صورة المجتمع عبر تسليط الضوء على النماذج الشاذة ، وهذا يدل على أن المرأة تحتقر المرأةَ .
ح ) التنمية : وهذا المصطلح الطريف المثير للضحك يُقصَد به تكديس الأموال في يد طبقة صغيرة جداً من المجتمع ، وإفقار الغالبية الساحقة من المجتمع . فكل النشاطات التنموية في المجتمع أنشطة حقيقية ، لكن المواطن العادي لا يستفيد منها ، بل تذهب الفوائد الجمة إلى الطبقة المتنفذة، في حين أن الشعب يزداد فقراً ، وهذه الحالة الخطيرة تدل على وجود اقتصاد مُعَافى ومجتمع مريض . وبعبارة أخرى أن الأموال تتكدس في يد أفراد معدودين محسوبين على النظام الحاكم غالباً، أما الشعب فيتم تخديره بشعارات التنمية والتطوير وتوزيع الدخل والعدالة الاجتماعية ، من أجل كسب مزيد من الوقت لتحويل الدولة إلى إسطبلات خاصة ، ومزارع شخصية للمتنفذين . وكل هذا سيدفع الشعب ثمنَه من حاضره ومستقبله أضعافاً مضاعفة .
-6-
معتقل أقفاص غوانتانامو يُذكِّر العالَم بسجون النازية والشيوعية . وللأسف فأمريكا هي دولة نازية بوليسية حقيقية قمعية ، وكل المكياج الإعلامي على وجهها من أجل إبراز خديعة جَمال روحها المشرقة المتقدمة الحرة ذهب أدراج الرياح. فلم يعد هناك أدنى فرق بين بلاد العم سام ( أرض الأحلام الوهمية) والدول المتخلفة التي تحكمها الأنظمة الدكتاتورية في مشارق الأرض ومغاربها.
-7-
الأداء الهستيري الطاغوتي لسياسات إدارة عسكرة المجتمع الأمريكي المنعكسة على أصقاع العالَم أدَّى إلى تجذير الكراهية ضد أمريكا باعتبارها رمزاً للظلم والطغيان لا الحرية والإبداع والجمال .
-8-
إرهاب تنظيم القاعدة انعكاس طبيعي لإرهاب الأنظمة العربية تجاه شعوبها ، وإرهاب الغرب ضد الإسلام والمسلمين .
-9-
الربان المستبد الذي كان يقود سفينة القراصنة منفرداً متشبثاً برأيه قد أوصل السفينةَ إلى اللاهدف ، وبالتالي فإن القراصنة أَزاحوه عن القيادة واسْتَلَمُوا زمامَ المبادرة في محاولة فاشلة منهم لقيادة السفينة إلى بر الأمان .
-10-
مفردات السياسة القمعية الأمريكية،وخرافات الحرب الاستباقية، تتماهى مع مغامرات جيمس بوند وأفلام الحركة التي تنتجها هوليود . فعقلية راعي البقر ما زالت ترسم سياساتٍ عالمية تمس مصيرَ كوكب الأرض برمته.
-11-
أمريكا بلا حضارة أو تاريخ أو دِين ، فهي كيان مصطنع _ مثل الكيان الصهيوني _ قام على جثث السكان الأصليين ، وصار فيما بعد مجرد شركة استثمارية تدر أرباحاً على المساهمين فيها ، وهي بذلك ليست بأكثر من آلة ميكانيكية بلا روح تمنحك حفنةً من الدولارات. وهكذا يتبين أن التاريخ الحضاري الأمريكي هو تاريخ الدولار فقط ، والأمريكان يتحركون تبعاً لبوصلة الدولار ، فلا رابط يربطهم مع هذه الأرض التي قامت فيها ناطحاتُ السحاب على جماجم الهنود الحمر إلا المنفعة المادية البحتة ، وبعدها سيمضي كل منهم إلى حال سبيله باتجاه منفعة مادية جديدة إذا غابت شمس الدولار ، وهذا بدأ يحصل بشكل تدريجي متسارع . وأمريكا لم تكن ولن تكون أُمَّاً في يوم من الأيام تحضن أبناءها ، وتعتني بهم ، بل هي أشبه ما تكون بخادمة تعتني بأبناء غيرها لكي تحصل على راتبها آخر الشهر . هذا بالضبط هو التأصيل الدقيق لهذه الحالة الإمبراطورية الشاذة عن مسار التاريخ الحضاري البشري . فالأم هي من تضطلع بمسؤولية الحمل والولادة والتربية والتنشئة الصالحة ، فهي لا تُربِّي أبناءها من أجل المال أو رضا الآخرين ، بل تربيهم لأنهم أبناؤها خرجوا منها وأحاطوا بها ، والتصق تاريخها بتاريخهم منذ الولادة حتى الموتِ .
-12-
إن مشروع الاحتلال الأمريكي والسيطرة على موارد الطاقة تحت ما يسمى بالحرب الاستباقية ، يهدف إلى إصدار أحكام على النوايا والضمائر ، ومحاكمة نظرات العيون ، وحركات الإنسان ، عبر تحويلها إلى أداء مؤدلَج عسكرياً لمنح شرعية التدخل العسكري المباشر ، فالمتهم مُدان _ عند أمريكا_ سواءٌ ثبتت براءته أم لا ، وسواء دافع عن نفسه أم لم يدافع ، لأن وحدة الأدلجة العسكرية الاستباقية تنبع من قناعة مسبقة محددة ضمن أهدافها الاحتلالية لا تقبل المناقشة أو التغيير .