رعيان الغنم يحكمون قطعان الغنم
المؤلف : إبراهيم أبو عواد
سوف يستمر حصار الإسلاميين عن طريق تزوير الانتخابات ، وهو إجراء وقائي متَّبع في الدول العربية المتخلفة للحيلولة دون وصول الإسلاميين . أما إن كانت الانتخابات نزيهة وهذه عملية استثنائية لا القاعدة ، فيتم حصارهم في السُّلطة من قبل الغرب وأنظمته العربية المتواطئة بشتى الوسائل ، من تجويع وإغلاق حدود وتضييق على الناس، وهذا كله من باب العقاب الجماعي للناخبين الذين أَتَوْا بهذه السُّلطة . فكأن الرسالة الموجَّهة لهؤلاء الناس العاديين هي أن انتخاب الإسلاميين سيجلب لكم الجوع والعطش والفقر والحرمان، فابْتَعِدُوا عنهم. وهي كذلك رسالة خارجية لكي يحذر الناخبون في البلاد الأخرى من انتخاب الإسلاميين ، لأن ذلك _ كما يُروَّج _ سيجلب لهم الشقاء والانهيار الاجتماعي بكل تفريعاته السياسية والاقتصادية . وهكذا فنحن أمام خطة منهجية تتم ضمن إجراءات محددة ، وخطواتٍ تقابلية بين الأنظمة العربية والغربية . وقد رأينا النظام المصري العميل كيف أَغلق المعابرَ، وقامت بإبادةِ شعب غزة ، وقتلِ الناسِ ، بأوامر أمريكية صهيونية مباشرة . والأمر كذلك ينسحب على جيش لحد الفلسطيني ( حركة فتح العميلة )الذي يُنفِّذ أجندةً أمريكية صهيونية لقتل الفلسطينيين، وملاحقةِ رجالِ المقاومة في كل مكان ، وتقديم المعلومات الأمنية الحساسة لأجهزة الأمن الصهيونية .
وهذه الأحداث وغيرها تدل على أن الديمقراطية الغربية انتقائية ذات أغراض سياسية محضة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول والضغطِ عليها لتحقيق مكاسب شخصية. وليست الديمقراطية إلا صنماً من تمر ، يُقدِّسه الغربُ ، ثم يأكله إذا جاع.
والغربُ عموماً عبارة عن شركة استثمارية للاتجار بالبشرِ ، وامتصاصِ دماء الشعوب ، وسكب جثث الناس في صناديق الاقتراع لتحقيق أكبر نسبة فوز في الانتخابات، وهذا الهوس الذي يشبه عبادةَ الحاكم العربي للكرسي لا يتعلق باحترام الإنسان أو حقه في احترام خياره الانتخابي ، بل يتعلق باحترام صوت الناخب ما دام في صالح السُّلطة ، أما إن حاد الفردُ عن تقديس نظام الحكم فيتم تصنيفه كمواطن خارج على القانون ، وإرهابي خطر على أمن المجتمع ، وفردٍ فاسد ضد حقوق الإنسان ، والحريةِ ، والقيمِ الاجتماعية. وبالطبع سيتم تصفيته بعد هذه المقدمة الهجومية، إما روحياً أو مادياً. والمواطن دائماً على حق ما دام يؤيد السُّلطةَ الحاكمةَ ، أما إن بدَّل مواقفَه فهو على باطل . وبالنسبة للسُّلطة الحاكمة فهي على حق دائماً تتمتع بالقداسة والعصمة ، ولا تُسْأَل عما تفعل . وهذه هي فلسفة الانهيار الشامل على الصعيدين : الشخصي الذاتي والعمومي الكلي .
والمؤسف في هذه السياقات أن الشعب العربي قد اعتاد على الهزائم ، فصار يتضايق من الانتصارات أو صار عاجزاً عن تصديق حصول الانتصار ، وهذا هو التدجين الذاتي ، أي إن الفرد يقمع نفسَه بنفسه ليكرس القمعَ المجتمعي تاريخاً لاستمرارية علاقات تحول البشر إلى أغنام في مجتمع بدوي منهار عاجز عن دخول التاريخ أو الحياة ، لكنه يتواجد في الهامش الضيق قامعاً مقموعاً بلا أدنى مقومات الحياة الكريمة .
ومن خلال التعريفات المنهجية السابقة نجد أن انتحار النظام الحاكم أدى إلى تفشي ظاهرة الفوضى الحاكمة المرتدية قناع النظام . كما أن غياب النخب الحاكمة التي تنتشل الشعبَ من المستنقع أدى إلى ظهور عصابات حاكمة تتاجر بالوطن والتنمية والأخلاق والمستقبل .
وإذا لم يقم أصحاب الفكر المنهجي برمي حجر في بركة الماء الراكدة ، فإن المجتمع سيزداد غرقاً ، ويتقدم في أعماق الاضمحلال. فالوطنُ أضحى سوق سوداء للمتاجرة بالشعارات الوطنية والإنسانية ، وتسويق دماء المواطنين في صناديق الاقتراع مع أن النتائج محسومة سلفاً ضمن منهجية تزوير الانتخابات . والحاكم ذو وجود عَرَضي يأتي ويذهب ، أما الشعب فهو الجوهر الذي يتوجب عليه أن يأخذ زمام المبادرة لانتشال نفسه من قرون التخلف والانحطاط والفساد بكافة أشكاله . وفي حال استمرار النفاق الاجتماعي فإن الشعب هو الخاسر الأكبر ، لأنه قامر بوجوده ومستقبله من أجل الوهم ، وضحَّى بكل ما يملك من أجل العاجزين عن الدفاع عنه، ورمى أوراقه كاملةً على طاولة المقامرين المحترفين مع أنه لا يتقن قواعد لعبة اللصوصية باسم الوطن ، وألقى كافة ملابسه من أجل وعود بالاستجمام تحت الشمس ، لكنه بقي عارياً تحت المطر .
وفي ظل هذا الانهيار المتداعي الشامل تبخر وجود المستقبل المشرق في الأذهان، لأن البقاء على قيد الحياة صار هو الإنجاز المصيري الحاسم في العقلية الشَّعْبية، حيث المواطن يقضي حياته يلهث وراء كسرة الخبز ، وقد لا يحصِّلها . وهذا أدى إلى تحول الإنسان إلى آلة ميكانيكية استهلاكية تعمل على الأزرار ، وتنتظر الأوامر لتنفذها بدون مناقشة ، لأن الآمر هو مالك الخبز . وهذه خلاصة عقلية الأنظمة البوليسية القامعة التي تعتنق قاعدة " جوِّعْ كلبَك يتبعك " دستوراً لها من أجل حفاظها على وجود النظام ( الفوضى الحاكمة ) واستمراره بأي ثمن ، وبغض النظر عمن يدفع الثمن .
لكننا نستطيع أن نقول كخاتمة لهذا البحث إن الإسلام مغيَّبٌ تماماً عن كوكب الأرض . ويوجد مسلمون بلا إسلام ، وهذا نتيجة طبيعية لحالة الانهيار التراكمي الذي ضرب الأمَّة طوال قرون، حيث السفينة بلا ربان ، والتائه بلا بوصلة . وحالة الذل التي تحياها الأمَّة ما كانت لتتكرس لولا الطابور الخامس الموزَّع في بلادنا من قمة هرم السُّلطة حتى القاعدة . والذئب تجرَّأ على الغنم لأن الراعي عدو الغنم . وفي صحيح مسلم : عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( بدأ الإسلام غريباً ، وسيعود كما بدأ غريباً ، فطوبى للغرباء )) .
إن المشكلة الأساسية في العالَم العربي تتمثل في الحاكم العربي العميل ( العدو القريب ) الذي حوَّل الوطنَ العربي من وردة الحضارة إلى مقبرة الحضارة . فالسياسات الحكومية المستمدة من ذهنية القائد الرمز الزعيم الأوحد الرئيس الملهَم ... إلخ ، قد كرَّست الفسادَ كسياسة منهجية لا غنى عنها من قمة هرم السلطة حتى القاعدة.
ولا يخفى أن وجود الحاكم العربي في المنطقة غير أصيل ، لأن الكل يعلم أن الذين يحكمون في العالمَ العربي المنهار هم مجموعة من الأشخاص الذين تمت زراعتهم في المنطقة لتنفيذ أجندة خارجية ضد الهوية العربية الإسلامية ، وقد وضعتهم جهات أجنبية لخدمة مشاريعها مقابل الحفاظ على الكرسي . وهم مستمرون في الحكم لأن الشعوب العربية تفتقد إلى المنهج الثوري في الإصلاح والتغيير . ومن هنا يمكن الوصول إلى تعريف جديد للوطن العربي بأنه تكتل لرعيان الغنم الذين يحكمون قطيعاً من الغنم .
إن الوضع في العالم العربي بالغ السوء ، ولكن بسبب حجم الكوارث المتوالية لم يعد يشعر الفرد بخطورتها ، وكأنه قد وصل إلى مرحلة البلادة أو انتحار الشعور . وفي ظل هكذا وضع ليس غريباً أن يطردنا الله تعالى من فلسطين ، لأن الأمة الإسلامية غثاء كغثاء السيل لا تقدر أن تحرِّر ذبابةً ، فلا تطلب منها قيادة الدبابة .
ولنعقد مقارنةً سريعة بين الكيان الصهيوني والكيانات الأعرابية ، فسوف نجد أن العنصرية أو التعذيب في الكيان الصهيوني يُعتبران رفاهيةً مقارنة مع ما يحصل في الوطن العربي الذي يحتاج إلى وقت طويل للوصول إلى عدالة العدو الصهيوني . وحينما يدار الوطن العربي كما يدار الكيان الصهيوني سيزول الكيانُ الصهيوني الأكثرُ عدالةً وحريةً من كل الدول العربية بلا استثناء .
وقد قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 28/ 146) : (( ولهذا قيل إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة. ويقال : الدنيا تدوم مع العدل والكفر ، ولا تدوم مع الظلم والإسلام )) اهـ .
والانهيار الكامن في العقلية البدوية الأعرابية يتضح بصورة صاعقة في دور جيوشنا البدوية التي تحرس الكيانَ الصهيوني نظير راتب آخر الشهر . وهذا يعكس حجم الانهيار والاختراق في المؤسسة العسكرية العربية التي ينبغي على الحركات الإسلامية اختراقها كي تقود الانقلابَ المناسب في الوقت المناسب لأن التعويل على هذه الأنظمة العميلة مضيعة للوقت والجهد. وانتظار إخلاص الحكومات التي تتلقى الأوامر من الخارج كمن ينتظر قدوم الموتى لكي يساعدوه في حياته المعاشة .
والمضحك المبكي أن بعض الحكام العرب لا يعرف خارطة فلسطين على الخارطة ، ومع هذا فهم يتشدقون بالدفاع عن فلسطين وإنقاذها ومساعدة أهلها رغم أنهم جزء لا يتجزأ من مؤامرة بيع فلسطين .
وهذا الجو الدكتاتوري داخل متواليات الاحتقان السياسي أفقد ثقةَ الناس بحكامهم رغم مسلسل النفاق الاجتماعي والمديح الكاذب والانحناء على أعتاب السلاطين لقاء بعض الأعطيات . وفي حال سمعتَ الطاغيةَ يستخدم لفظة" الوطن " فاعلم أنه يقصد حساباته المالية السرية . لأن ما يسمى بالوطن هو إسطبل أو مزرعة شخصية لرأس الدولة وأسرته والموالين له . إن "الوطن" صار مصطلحاً معلَّباً هلامياً يتم احتكاره من قبل السُّلطة اللصوصية الحاكمة لتبرير استغلالها وظلمها .
والخوف الأساسي لا يأتي من الأعداء الذين يحملون أسماء " جورج " أو" موشيه" ، وإنما يأتي من الأعداء الذين قدَّموا سيرتهم الذاتية للشيطان ، ويحملون أسماء مثل " عبد الرحمن " أو " محمد " . فهؤلاء المنافقون هم الأشد خطورةً لأنهم ينخرون البنيان من الداخل باستعمالهم للكلام المعسول ، والمتاجرة بقضايا الأمَّة .
والذي يديم حكم الطواغيت في المنطقة هو ثقافة الرعب التي نربِّي عليها أبناءنا. مما أدى إلى عودة الفراعنة الآلهة الحاكمين على جماجم الشعوب الخرساء . وقد رأينا كيف ينكسون الأعلام في حالة وفاة الطغاة ، مما يدل على أن الشعب والوطن مزرعة شخصية للحاكم لا أكثر ولا أقل . وكلما اتَّسعت الفجوة بين الحكومة والشعبِ كان هذا دليلاً على أن اللصوص هم الذين يحكمون.
والمضحك المبكي أن أوطاننا تشنقُ المجاهدين ثم تبحثُ عن رجالٍ يُدافعون عنها. وهذه آخر صرعات عبقرية الأنظمة الجاهلية المعاصرة . وهذا المفهوم يقودنا إلى فهم أكثر تشريحاً للجاهلية . ففي الجاهلية القديمة كان الناس يعبدون الأصنام الحجرية ، أما في جاهلية القرن الحادي والعشرين فيعبدون الأصنام البشرية . وقد عادت الأصنام الجاهلية بأسماء عصرية، فأمريكا هي هُبَل، وبريطانيا هي اللات، وفرنسا هي العزى . هذا مثلث الشيطان الصنمي الوثني المعاصر المكسور . ولكني أقول : لولا الإسلام لكنتُ أول من يكفر بالأمة العربية .