لا يخفى أن زيارة السيد خالد مشعل للأردن ولقاءه برأس النظام الأردني ، لم تجيء صدفةً أو من أجل تبادل القبلات والتقاط الصور التذكارية . فهذه الزيارة تأتي في وقت شديد الحساسية بالنسبة للوطن العربي الذي يعيش مناخاً ثورياً غير مسبوق انبثق من الربيع العربي الذي صنعه المواطن العادي الذي كان عبداً فصار سَيِّداً .
وقد بدأ التمهيد لهذه الزيارة بتصريحات رئيس الوزراء الأردني عون الخصاونة الذي اعتبر أن إغلاق مكتب حماس في عَمَّان وإبعاد قادتها لم يكن قانونياً . وفي واقع الأمر فلا شيء يَحدث في الأردن استناداً إلى القانون . فالقوانين في العالَم العربي عبارة عن علكة تُمضَغ في وسائل الإعلام ، ثم تُرمَى في الأرشيف . ولا يوجد دستورٌ معتمد سوى مزاج الحاكم العربي .
ويمكن القول إن أفضل تفسير لاقتراب النظام الأردني من حماس هو المثل الشهير " مُكرَه أخوك لا بطل ". فالأردنُّ الرسمي وجد نفسه محشوراً في الزاوية في ظل الربيع العربي ، ومعزولاً في جزيرة تحيط بها الأعاصير من كل الجهات ، بالإضافة إلى ضغوطات الشارع المتصاعدة ، فأراد أن يكسر إحدى حلقات هذه العزلة ، فقرر أن ينفتح على حركة حماس ( الإخوان المسلمين ) من أجل تحقيق مكاسب ذاتية تساعده على الوقوف في وجه رياح التغيير التي تعصف بالمنطقة .
ومن أبرز هذه المكاسب خطب ود الحركة الإسلامية في الأردن_ التي تتزعم المعارضةَ وتسيطر على الحراك الشعبي _ ، وتلطيف الأجواء معها لكي تخف حدة مطالبها ، وتهدأ وتيرة تجييشها للشارع . وكما يقال : اليد التي لا تقدر على قطعها قَبِّلْها .
كما أن النظام الأردني قد استوعب مسارات الربيع العربي التي أوصلت الإسلاميين إلى سُدَّة الحكم . خصوصاً سيطرة الإخوان المسلمين على مقاليد السُّلطة في أكبر دولة عربية ( مصر ). لذا فإن النظام الأردني يريد بعث رسائل الانفتاح والتعاون مع الحكَّام الجدد في الوطن العربي ، الذين انتقلوا من كراسي التعذيب في السجون إلى كراسي السُّلطة في مؤسسات الدولة .
ولا شك أن انفتاح الأردن الرسمي على حركة حماس من شأنه الضغط على إسرائيل والسُّلطة الفلسطينية. فإسرائيل التي تصنف حركة حماس كمنظمة إرهابية، تسعى جاهدة إلى تهميشها وإقصائها وضرب طوق من العزلة حولها. ومدُّ الأردن لجسور التعاون مع هذه "المنظمة الإرهابية" يجعل الأردن مالكاً لورقة ضغط على إسرائيل يستخدمها متى أراد . لكنها لن تكون ورقة ضغط كبيرة . فالنظام الأردني لم يُقدم على هذه الخطوة إلا بعد أن أخذ ضوءاً أخضر وإذناً مسبقاً من الإدارة الأمريكية .
ولا يمكن تجاهل أن العلاقة بين الأردن وحماس _ رغم أنها مُقنَّنة _ ، تزيد الضغط على السُّلطة الفلسطينية ( حركة فتح ) ، وتجعلها تحسب للأردن ألف حساب . ولا ينبغي الاستخفاف بقدرة الأردن على محاصرة السُّلطة الفلسطينية إذا أراد ذلك . ولنتذكر أن التصريحات النارية للسيد فاروق القدومي ، والتي هاجمت رئيسَ السُّلطة الفلسطينية واتهمته بقتل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، قد انطلقت من الأردن . وبالطبع ، فلا يمكن للقدومي أن يتكلم بهذه اللغة النارية التي تحمل سَيْلاً من الاتهامات لولا وجود تنسيق مسبق مع السُّلطات الأردنية . وقد أحدثت تلك التصريحات دوياً هائلاً في أنحاء العالَم ، وخلطت الأوراق ، وجعلت السيد محمود عباس مرتبكاً ، وفي موقف الدفاع عن النفس. إذن، الأردن قادر على توجيه الرسائل ، ويريد إمساك العصا من المنتصف ، وفتح كل الأبواب . وفي النهاية سيختار ما فيه مصلحته ، وسيقف مع الطرف الذي يُوفِّر له أعلى قَدْر من الأرباح .
وإذا انتقلنا إلى الجانب الآخر ، وجدنا أن حركة حماس قد أحرزت نقاطاً عديدة نابعة من تحسين العلاقات مع الأردن . فهي قد وَسَّعت دائرة تواجدها من الخليج إلى المحيط ، وكَرَّست اسمها أكثر فأكثر . فصار السيد مشعل يُستقبَل استقبال رؤساء الدول ، وقد رأيناه في مصر يقوم بوساطة بين الجامعة العربية والرئيس السوري . وسبق أن رأينا السيد إسماعيل هنية يتجول في تونس ويُلقي خطبة الجمعة . فحلقةُ الأردن تضاف إلى باقي الحلقات العربية .
وبالطبع، فإن حركة حماس قد عَزَّزت موقفها أمام حركة فتح ، فلم يعد السيد عباس_وحده_ يُستقبَل من قِبَل ملك الأردن، بل أيضاً السيد مشعل صار في نفس الرتبة .
وفي ضوء هذه التغييرات الديناميكية نخلص إلى أن تحسين العلاقات بين النظام الأردني وحماس سيعود بالنفع على الطرفين على الرغم من الإبقاء على منطقة عازلة بين الطرفين، يمكن أن نُسَمِّيها منطقة أمان . فالنظامُ الأردني لا يريد تطبيعاً كاملاً مع حماس خوفاً من التماهي مع الحركة الإسلامية الأردنية المسيطرة على الشارع ، وبالتالي تشكيل خطر على وجود النظام الأردني _ حسب اعتقاد صناع القرار الذين يعتبرون أنفسهم حُماة العرش وملكيين أكثر من الملك _ . وأيضاً فإن حركة حماس تعرف أن الأردن محمية أمريكية ، ومرتبط مباشرةً بالسياسات الإسرائيلية والأمريكية . لذلك فإن الطرفين سيُبقيان على حاجز فاصل بينهما ، ويحفظان خط الرجعة .