سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

28‏/02‏/2012

التوسل والاستغاثة بالأنبياء والصالحين

التوسل والاستغاثة بالأنبياء والصالحين
للكاتب / إبراهيم أبو عواد

للأسف فقد انتشر في هذا العصر فئات لا تملك إلا ترديد ما يقوله الآخرون دون إعمال لعقولهم ، فتراهم يُكَفِّرون لأدنى سوء فهم أو سوء تصور، وكما قيل الحكم على الشيء فرع عن تصوره . وتارة يرمون بالبدعة أناساً لا ذنب لهم سوى اجتهادات صائبة مبنية على الكتاب والسنة الصحيحة . وهناك أشخاص ظهروا في هذا العصر يسمون أنفسهم بالسلفيين زاعمين أنهم سائرون وفق منهج السلف الصالح _ رضوان الله عليهم _ ، وهم أبعد ما يكونون عن السلف الصالح . وبصراحة أنا لا أشك في إخلاصهم وبحثهم عن الحقيقة، ولكنهم وقعوا في كوارث كثيرة ، ومما زاد الطين بِلَّة إلصاق تلك الكوارث بأسيادنا السلف الصالح . ودعوى الانتماء إلى السلف الصالح دعوى عريضة يتبناها الكثيرون ، ولكن ما نصيبها من الحقيقة ؟ ، هذا هو السؤال المحوري الذي يجب أن نسأله لأنفسنا ، وكما قيل :

والدعاوى إنْ لم تُقيموا عليها بيِّناتٍ أبناؤُها أدعيــــاءُ

وفي واقع الأمر فإن هؤلاء الأشخاص هم تَيْمِيُّون_ نسبة إلى ابن تيمية الحراني_، يرون السلف من منظار ابن تيمية ، فأفكارهم راجعة إلى ابن تيمية على وجه التمحيص والتدقيق وليس للسلف الصالح ، لذا فمن الخطأ تسميتهم بالسلفيين ، والصواب تسميتهم بالتَّيْمِيِّين .

وكلٌّ يَدَّعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا

وإنني أدعوهم إلى توسيع صدورهم للرأي المخالف ، وعدم التقوقع في شرنقة ابن تيمية وظله التابع ابن قيم الجوزية. فخطأ كارثي أن نلغيَ تاريخاً إسلامياً حافلاً بالعلماء سلفاً وخلفاً بجرة قلم ، ولا نعرف إلا أقوال ابن تيمية الحراني الخطيرة ، وكأن السلف والخلف أطفال صغار يلعبون في الشارع لا عقول لديهم ولا علم عندهم. وترى هذه الفئة في كل واد يهيمون ، يرمون الناس بالشرك تارة ، وبالبدعة تارة أخرى . وما وُجدوا في مكان إلا أثاروا الفتنة فيه ، ظناً منهم أنهم على الحق المطْلَق وغيرهم على الباطل المطْلَق ، وهذا هو الإرهاب الفكري في أبشع صوره . وبعد كل هذا يزعمون أنهم متبعون للسلف الصالح. وهذا مجانب للحقيقة، فسلفنا الصالح علماء جهابذة يتبعون الكتاب والسنة الصحيحة، ويُعملون عقولهم في استنباط الأدلة والأحكام، يتعاملون مع الناس باحترام وتوقير، ولا ينظرون إليهم نظرة دونية . وكلهم بلا استثناء لسان حالهم يقول : رأينا صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب . لَعَمْرِ الإله هذا هو تواضع الأئمة الأعلام البعيدين كل البعد عن التعصب والتنطع .

والذي دعاني لهذه التوطئة هو محاربة الذين يسمون أنفسهم بالسلفيين للتوسل والاستغاثة بالأنبياء والصالحين ، زاعمين أنها من الشِّرك . وهم بذلك شذوا عن جمهور المسلمين ، وخالفوا الكتاب والسنة الصحيحة ، لا لشيء سوى أن إمامهم ابن تيمية أدلى بدلوه في الموضوع وحَرَّمه ، فما حرَّمه ابنُ تيمية فهو حرام عندهم، وما أحله فهو حلال. وإنني أدعوهم إلى إعادة تمحيص أفكار ابن تيمية ، خصوصاً العقائد الباطلة التي يعتنقها.

ولندخل إلى صلب الموضوع ، فنقول وبالله التوفيق إن التوسل لغةً معناه اتخاذ الوسيلة . يُقال ( تَوَسَّل )بكذا: اتخذه وسيلة.[ انظر المعجم الوجيز ، ص 669 ، مجمع اللغة العربية بالقاهرة ] . أما أدلة التوسل فهي ثابتة في القرآن والسنة الصحيحة .

الأدلة من القرآن على جواز التوسل :

[1] قال اللهُ تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ )) [ المائدة : 35] .

قال القرطبي في تفسيره ( 6/ 159 ) : (( الوسيلة هي القربة ، عن أبي وائل والحسن ومجاهد وقتادة وعطاء والسدي وابن زيد وعبد الله بن كثير وهي فعيلة من تَوَسَّلْتُ إليه أي تَقَرَّبْتُ)) اهـ.

وقال ابن كثير في تفسيره ( 2/ 53 ) عن معنى كلمة الوسيلة : (( قال سفيان الثوري عن طلحة عن عطاء عن ابن عباس : أي القربة ، وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله ابن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد، وقال قتادة : أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه )).

وقال ابن مفلح المقدسي في الفروع ( 2/ 127 ) : (( ويجوز التوسل بصالح، وقيل يستحب . قال أحمد في منسكه الذي كتبه للمروذي إنه يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه ، وجزم به في المستوعب وغيره، وجعلها شيخنا كمسألة اليمين به. قال: والتوسل بالإيمان به وطاعته ومحبته والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وبدعائه وشفاعته ونحوه مما هو من فعله،وأفعال العباد المأمور بها في حقه مشروع، وهو من الوسيلة المأمور بها في قوله تعالى: اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة )) اهـ .

قلتُ: يتضح لنا من النصوص السابقة أن معنى الوسيلة هي القربة. أي إننا نتقرب إلى الله تعالى بعبادتنا وطاعتنا . وقد يسأل أحدهم : وما علاقة هذا بالتوسل ؟!. فنقول له : دعنا نسألك أيهما أعظم صلاتك وعبادتك أم النبي صلى الله عليه وسلم ؟ . فإن قال : صلاتي أعظم ، فقد كفر إجماعاً وخرج من الإسلام . وإن قال النبي صلى الله عليه وسلم ، قلنا له : صدقتَ ، وبما أنك تتوسل بالقربة ( الطاعة والعمل الصالح) وهي مفضول ، فكيف تمنع التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو الفاضل ؟! .

ولنتأمل قول ابن مفلح المقدسي وهو من أئمة الحنابلة الذين ينتسب إليهم غالبيةُ من يسمون أنفسهم بالسلفيين . فهو يقول : إنه يجوز التوسل بصالح . ونحن نقول : فكيف بسيد الأنبياء والصالحين صلى الله عليه وسلم ؟! . كما أنه نقل أنه يُستحب التوسل . وأرجو أن تتأمل كلام الإمام أحمد ، فهو غاية في الأهمية والروعة . إذ إنه يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه ، وهذا أمر مجزوم به كما يتضح من سياق الكلام . فعلى الذين يرمون المتوسلين بسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك أن يرموا الإمام أحمد وباقي الأئمة بالشِّرك قبل أن يُعَمِّموا هذيانهم على باقي المسلمين ! .

[2] قال اللهُ تعالى: (( أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ )) [الإسراء: 57] .

قال القرطبي في تفسيره ( 10/ 279 ) : (( أعلمهم الله تعالى أن المعبودين يبتغون القربة إلى ربهم )) اهـ.

وقال الطبري ( 15/ 104 ) : (( يبتغي المدعوون أرباباً إلى ربهم القربة والزلفة لأنهم أهل إيمان به ، والمشركون بالله يعبدونهم من دون الله أيهم أقرب ، أيهم بصالح أعماله واجتهاده في عبادته أقرب عنده زلفة )) اهـ .

وقد وضحنا سابقاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من الأعمال الصالحة ، وبما أننا نتوسل إلى الله تعالى بعبادتنا وهي المفضول، فكيف لا نتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو الفاضل ؟!.

[3] قال الله تعالى : (( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَّحِيماً ))[ النِّساء : 64] .

فقد عَلَّق اللهُ تعالى قبول استغفارهم باستغفاره عليه الصلاة والسلام. وذلك صريح في الدلالة على جواز التوسل به كما يُفهم من قوله تعالى : (( لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَّحِيماً )) .

والآية واضحة وقاطعة في طلب المجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ إن ( جاءوك ) واقعة في حيز الشرط مما يدل على العموم .

قال الشوكاني في إرشاد الفحول ( 1/ 213 ) : (( قال إمام الحرمين الجويني وابن القشيري إن أعلى صيغ العموم أسماء الشرط والنكرة في النفي )) اهـ .

وتخصيص الآية بحاجة إلى دليل ولا دليل . قال الإمام الغزالي في المستصفى ( 1/ 201 ) : (( واللفظ عام في صيغته فلا يزول ظهوره بمجرد الوهم ، لكن يكفي في التخصيص أدنى دليل ، لكنه لو لم يرد إلا بهذا اللفظ ولم يرد دليل مخصص لوجب التعميم في الطرفين على مذهب من يرى صيغ العموم حجة )) اهـ .

وقد اعترض محمد بن صالح العثيمين على الاستدلال بالآية ، فقال في كتابه فتاوي مهمة لعموم الأمة ( 3 / 100): (( ( إذ ) هذه ظرف لما مضى وليست ظرفاً للمستقبل. لم يقل الله : ولو أنهم إذا ظلموا ، بل قال : إذ ظلموا . فالآية تتحدث عن أمر وقع في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ))اهـ .

وهذا الكلام مردود ويحتوي على أخطاء لغوية واضحة ، ومثل هذا الكلام يدل على عدم إلمام بعلوم قواعد اللغة العربية ودلالات الألفاظ ومستلزماتها. وإليك تفنيده بالآتي : إن ( إذ ) تُستعمل في الماضي كما تُستعمل في المستقبل أيضاً . والأدلة على استعمالها في المستقبل كثيرة ، منها قوله تعالى : (( وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ ))[ الأنعام : 30] ، وقوله تعالى : (( وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا )) [ سبأ: 51] .

[4] والمراد من التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين والطلب منهم هو استشفاعهم ، وقد أخبر اللهُ تعالى أنهم يملكون الشفاعة بقوله تعالى : (( وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ )) [الزخرف: 86] .

ومن المعلوم أن شهادة الحق هي كلمة الإخلاص " لا إله إلا الله " . فما المانع من طلب شيء مما ملكوه بإذنه تعالى ؟! . فيجوز أن تطلب منهم أن يعطوك مما أعطاهم اللهُ تعالى ، أما الممنوع هو طلب الشفاعة من الأصنام التي لا تملك من أمرها شيئاً . وليكن معلوماً أننا لا نطلب من غير اللهِ ما لا يقدر عليه إلا الله.كما أنه من القواعد الأساسية في الإسلام أن الفاعل الحقيقي الوحيد في الكون هو الله تعالى وحده ، ولا يوجد شيء استقلالي خارج عن مشيئته ، وهذا لا ينفي وجود أسباب ومسبِّبات لها دور في تحريك الكون خاضع لإرادة الله تعالى .

الأدلة من السُّنة :

[1] في الحديث الصحيح عن سيدنا عثمان بن حنيف : أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: ادع الله أن يعافني، فقال : (( إن شئتَ أَخَّرْتَ ذلك وهو خير وإن شئتَ دعوتُ ))، قال : فادعه، قال : فأمره أن يتوضأ فيحسن ركعتين ويدعوَ بهذا الدعاء فيقول : (( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني توجهتُ بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي ، اللهم شفعه فيَّ ، وشفعني فيه )) [ رواه الحاكم في مستدركه ( 1/ 458 ) برقم ( 1180 ) وصحَّحه، وصححه ابن خزيمة ( 2/ 225 ) برقم ( 1219 ) ] .

فهذا الحديث الشريف واضح في جواز التوسل ، ولو كان شِرْكاً كما يزعم البعض لما أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرجلَ الضرير بفعله . [ ينبغي التروي والتثبت في إطلاق الحكم ، خصوصاً الأحكام المتعلقة بالكفر أو الشرك ، لأن هذه الأحكام يترتب عليها مسائل غاية في الخطورة ، فالشرك نوعان : مخرج من الملة، وغير مخرج من الملة . وإذا تورَّط المرء بالشِّرك المخرج من الملة ينبغي نصحه إن كان جاهلاً ، أو استتابته إن كان عالماً بما يقول ، فإن أبى فالقتل . ولا يجوز إطلاق لفظة الشرك على أمور خلافية، لأن مسألة بهذا الحجم تحتاج إلى دليل ثابت قطعي الورود والدلالة في آن معاً ] .

وقد يعتقد البعض أنه لا حق للخلق على الخالق ، فكيف نقول " أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد " . وهذه المسألة فيها تفصيل دقيق ، (( قوله لأنه لا حق للخلق على الخالق ، قد يقال إنه لا حق لهم وجوباً على الله تعالى، لكن الله _سبحانه وتعالى_ جعل لهم حقاً من فضله ، أو يراد بالحق الحرمة والعظمة ، فيكون من باب الوسيلة . وقد قال تعالى : (( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ )) [ المائدة : 35]... ذكر العلامة المناوي في حديث : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة ، عن العز بن عبد السلام أنه ينبغي كونه مقصوراً على النبي، وأن لا يُقسَم على الله بغيره ، وأن يكون من خصائصه . قال : وقال السبكي : يحسن التوسل بالنبي إلى ربه ، ولم ينكره أحد من السلف ولا الخلف ، إلا ابن تيمية فابتدع ما لم يقله عالم قبله ))[حاشية ابن عابدين ( 6/ 397) ] .

قال الحصني في دفع شُبَه من شبَّه وتمرد ( 1/79 ): (( فهذا حديث صحيح صريح في التوسل والاستجابة ، وليس فيه أنه فعل ذلك في حضرة النبي، وليس فيه التقييد بزمن حياته ، ولا أنه خاص بذلك الرَّجل ، بل إطلاقه . يدل على أن هذا التوسل مستمر بعد وفاته شفقة عليهم لأنه بهم رؤوف رحيم، ولاحتياجهم إلى ذلك في حاجاتهم. ويدل على ذلك أن عثمان بن حنيف راوي الحديث هو وغيره فهموا التعميم ولهذا استعمله هو وغيره بعد وفاته كما رواه الطبراني في معجمه الكبير في ترجمة عثمان بن حنيف _رضي الله عنه _ )) اهـ .

والتوسل مستمر بعد وفاته ، بدليل أن راوي الحديث الصحابي الجليل عثمان بن حنيف قام بتعميمه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكما هو مقرَّر فإن فهم الراوي مقدَّم إلا إذا ظهرت قرينة معارِضة ولا قرينة معارِضة في هذا الحديث.

فقد روى الطبراني في الكبير ( 9/ 30 ) : عن أبي أمامة ابن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف : أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان _ رضي الله عنه_ في حاجة له ، فكان عثمان لا يلتفت إليه ، ولا ينظر في حاجته، فلقي ابن حنيف فشكى ذلك إليه ، فقال له عثمان بن حنيف : ائت الميضأة فتوضأ ، ثم ائت المسجد فصلى فيه ركعتين ، ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فتقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك . ورح حتى أروح معك ، فانطلق الرَّجل فصنع ما قال له ، ثم أتى باب عثمان بن عفان _ رضي الله عنه_ ، فجاء البواب حتى أخذ بيده ، فأدخله على عثمان بن عفان _رضي الله عنه_ فأجلسه معه على الطنفسة ، فقال : حاجتك فذكر حاجته وقضاها له، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كان الساعة ، وقال : ما كانت لك من حاجة فاذكرها[ قال المنذري في الترغيب والترهيب ( 1/ 273 ) : (( قال الطبراني بعد ذكر الإشارة : والحديث صحيح )) اهـ . وقال الهيثمي في المجمع ( 2/ 279) : (( روى الترمذي وابنُ ماجة طرفاً من آخره خالياً عن القصة ، وقد قال الطبراني عقبه : والحديث صحيح بعد ذكر طرقه التي رُوي بها )) اهـ . قلتُ : وقد فهم الصحابي الجليل عثمان بن حنيف _ رضي الله عنه _ التوسل في حال حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته . وتفسيره مُقدَّم وقوي الحجة. قال النووي في شرحه على صحيح مسلم (10/158) : (( ومذهب الشافعي ومحققي الأصوليين أن تفسير الراوي مُقدَّم إذا لم يخالف الظاهر )) اهـ . وقال الحافظ في الفتح ( 1/ 159 ) : (( واستنبط ابن المنير... أن تفسير الراوي أرجح من تفسير غيره )). وقال النووي في المجموع ( 1/ 491 ) : (( ولأن تفسير الراوي إذا لم يخالف الظاهر يجب قبوله على المذهب الصحيح لأهل الأصول )) اهـ . وقال الآمدي في الإحكام ( 4/ 277 ) في حال اقتران الخبر بتفسير الراوي : ((تفسير الراوي بفعله أو قوله فإنه يكون مُرَجِّحاً على ما ليس كذلك ، لأن الراوي للخبر يكون أعرف وأعلم بما رواه )) اهـ ] .

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي ( 10/ 25) : (( وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين : وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله إلى الله _ عز وجل _ ، مع اعتقاد أن الفاعل هو الله _ سبحانه وتعالى_ ، وأنه المعطي المانع ، ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن . اهـ . وقال فيها في شرح قول صاحب العمدة : ويتوسل إلى الله بأنبيائه والصالحين ... ومن التوسل بالأنبياء ما أخرجه الترمذي من حديث عثمان بن حنيف_رضي الله عنه _ أن أعمى أتى النبي فذكر الحديث ، ثم قال: وأما التوسل بالصالحين فمنه ما ثبت في الصحيح أن الصحابة استسقوا بالعباس _ رضي الله عنه _ عم رسول الله )) اهـ .

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 1/ 221 ) : (( فيحمل قول القائل " أسألك بنبيك محمد" على أنه أراد إني أسألك بإيماني به وبمحبته وأتوسل إليك بإيماني به ومحبته ونحو ذلك ، وقد ذكرتم أن هذا جائز بلا نزاع ، قيل من أراد هذا المعنى فهو مصيب في ذلك بلا نزاع ، وإذا حمل على هذا المعنى كلام من توسَّل بالنبي بعد مماته من السلف كما نقل عن بعض الصحابة والتابعين ، وعن الإمام أحمد وغيره كان هذا حسناً ، وحينئذ فلا يكون في المسألة نزاع ، ولكن كثيراً من العوام يطلقون هذا اللفظ ، ولا يريدون هذا المعنى ، فهؤلاء الذين أنكر عليهم من أنكر . وهذا كما أن الصحابة كانوا يريدون بالتوسل به التوسل بدعائه وشفاعته، وهذا جائز بلا نزاع)) اهـ.

قلتُ : على ابن تيمية أن يكون أكثر دقةً ، فقوله : (( ولكن كثيراً من العوام يطلقون هذا اللفظ ، ولا يريدون هذا المعنى ، فهؤلاء الذين أنكر عليهم من أنكر )) فيه حكم على النوايا ، وهذا غير مقبول ، لأن أحكام الشَّرع تُجرَى على الظاهر ، وحساب السرائر عند الله تعالى . وما أدراك أنهم لا يريدون هذا المعنى على فرض التسليم بكلامك ؟! . (( أفلا شَقَقْتَ عن قلبه )) [ رواه مسلم ( 1/ 96 ) . وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 2/ 107 ) : ((فيه دليل للقاعدة المعروفة فى الفقه والاصول أن الاحكام يعمل فيها بالظواهر والله يتولى السرائر ))اهـ. وقال الحافظ في الفتح ( 12/ 273 ) : ((وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر ، والله يتولى السرائر )) اهـ ] .

كما أن ابن تيمية اخترع بدعة التفريق بين التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم والتوسل بالإيمان به . وهذه البدعة لا معنى لها . فنحن لا نؤمن بمحمد بن عبد الله لأنه محمد بن عبد الله ، فهناك الكثير من الكفار يحملون اسم محمد بن عبد الله ، أو محمد عبد الله ، في كل زمان ومكان . وإنما نؤمن به لأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالتوسل في واقع الأمر توسل بالأعمال الصالحة ، إذ لا يكون الصالح صالحاً إلا بأعماله ، فلا معنى لفصل الذات عن الأعمال . وحتى على فرض أن المعنى لم يكن حاضراً في قلب الإنسان ساعة التوسل ، فهو كامنٌ في عقيدته : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فلا معنى لبدعة التفريق بين ذات النبي صلى الله عليه وسلم الطاهرة ، والإيمان به .

وقد قال الله تعالى : (( واتَّقوا اللهَ الذي تساءلون به والأرحامَ )) [ النساء: 1] .

قال ابن كثير في تفسيره ( 1/ 449 ) : (( أي واتقوا الله بطاعتكم إياه . قال إبراهيم ومجاهد والحسن : الذي تساءلون به ، أي كما يقال أسألك بالله وبالرَّحم . وقال الضحاك : واتقوا الله الذي تعاقدون وتعاهدون به ، واتقوا الأرحام أن تقطعوها ولكن بروها وصلوها ، قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن والضحاك والربيع وغير واحد . وقرأ بعضهم : والأرحام بالخفض على العطف على الضمير في به ، أي تساءلون بالله وبالأرحام ، كما قال مجاهد وغيره )) اهـ .

وقال القرطبي في تفسيره ( 5/ 3) : (( سألتك بالله والرَّحم . هكذا فسره الحسن والنخعي ومجاهد ، وهو الصحيح )) اهـ .

عن ابن عباس _ رضي الله عنهما_ قال : جاء أبو سفيان إلى رسول الله r فقال : يا محمد أنشدك الله والرَّحم. [ رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 428 ) برقم ( 3488 ) وصححه ، ووافقه الذهبي. وصححه ابن حبان ( 3/ 247 ) برقم ( 967 ) ] .

قلتُ : ومن الواضح أن هذه العبارة " أنشدك الله والرَّحم " شرعية لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على أبي سفيان . ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر الباطل ، ولا يسكت عليه . فسكوت النبي صلى الله عليه وسلم أو عدم إنكاره هو تشريع يُعتمَد على أنه جواز .

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 12/ 5 ) : (( وقد اتفق الأصوليون على أنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على خطأ في الأحكام ))اهـ. وقال الحافظ في الفتح ( 2/ 443 ) : (( لكن عدم إنكاره دال على تسويغ مثل ذلك على الوجه الذي أقره ، إذ لا يقر على باطل )) اهـ .

وقال القرطبي في تفسيره ( 5/ 4) : (( قال القشيري : النهي إنما جاء في الحلف بغير الله ، وهذا توسل إلى الغير بحق الرَّحم ، فلا نهي فيه ... وقد قيل هذا إقسام بالرَّحم أي اتقوا الله ، وحق الرحم كما تقول افعل كذا وحق أبيك ، وقد جاء في التنزيل : والنجم ، والطور، والتين ، لعمرك. وهذا تكلف . قلت : لا تكلف فيه فإنه لا يبعد أن يكون والأرحام من هذا القبيل فيكون أقسم بها كما أقسم بمخلوقاته الدالة على وحدانيته وقدرته تأكيداً لها حتى قرنها بنفسه والله أعلم )) اهـ .

قلتُ : لنا وقفة مع هذا الكلام . فالله تعالى أقسم في القرآن الكريم بالشمس ، فقال تعالى : (( والشَّمسِ وضحاها )) [ الشمس: 1]. فهل يجوز للمسلم أن يقول لشخص ما : أسألك بالشَّمسِ أن تساعدني ، أو ما شابه هذه العبارة ؟ . الجواب : بالقطع لا يجوز لأن هذا حلف بغير الله تعالى مع أن الله تعالى أقسم بالشمس في القرآن ، لأن الله تعالى يقسم بما شاء ، ولا يحق للمسلم أن يفعل ذلك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((من حلف بغير الله فقد كفر )) [ رواه الحاكم في المستدرك ( 1/ 65 ) برقم ( 45 ) وصحَّحه ، ووافقه الذهبي . وقال الحافظ في الفتح ( 11/ 531 ) : (( والتعبير بقوله فقد كفر أو أشرك للمبالغة في الزجر والتغليظ في ذلك ، وقد تمسك به من قال بتحريم ذلك ... قال العلماء : السر في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه، والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده . _ أما اليمين بغير الله تعالى _ فقد ثبت المنع فيها . وهل المنع للتحريم ؟ . قولان ثم المالكية ، كذا قال ابن دقيق العيد ، والمشهور عندهم الكراهة . والخلاف أيضاً ثم الحنابلة ، لكن المشهور عندهم التحريم ، وبه جزم الظاهرية . وقال ابن عبد البر : لا يجوز الحلف بغير الله بالإجماع، ومراده بنفي الجواز الكراهة أعم من التحريم والتنزيه ، فإنه قال في موضع آخر : أجمع العلماء على أن اليمين بغير الله مكروهة منهي عنها ، لا يجوز لأحد الحلف بها . والخلاف موجود ثم الشافعية من أجل قول الشافعي : أخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية فأشعر بالتردد ، وجمهور أصحابه على أنه للتنزيه . وقال إمام الحرمين : المذهب القطع بالكراهة ، وجزم غيره بالتفصيل، فإن اعتقد في المحلوف فيه من التعظيم ما يعتقده في الله حرم الحلف به، وكان بذلك الاعتقاد كافراً ، وعليه يتنزل الحديث المذكور ، وأما إذا حلف بغير الله لاعتقاده تعظيم المحلوف به على ما يليق به من التعظيم فلا يكفر بذلك )) اهـ . ].

أما أبو سفيان فقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم بالله والرَّحم، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فصار ذلك تشريعاً بالجواز. وهذه العبارة صالحة للاستخدام في كلام البشر . وهذا ينقل المعنى من الحلف إلى معنى آخر مقبول ، وهو أن عبارة " أسألك بالرَّحم " أو " بحق الرَّحم " تحوي باء السبب ، فيكون معنى العبارة، أسألك بسبب الرَّحم الذي بيننا أو بسبب حق الرَّحم الواجب عليك أن تفعل كذا وكذا . وهذا المعنى المقبول ، والله أعلم . ووفق هذا المعنى لو قال شخص : أنشد الله ومحمداً ، أو أسألك بالله ومحمد ، فيظهر لي أن هذا جائز، لأن محمداً أعظم من الرَّحم، كما أنه في الحالتين لا يوجد حلف، فيكون المعنى هو التوسل إلى الغير بحق محمد ، وهو حق الإيمان بالله وطاعته ، وحقه على الناس ، ووجوب تعظيمه من قبلهم ، وأنه سبب إلى الهداية الإلهية ، قادنا إلى الخير ... إلخ هذه المعاني الطاهرة .

ووفق هذا المعنى الدقيق يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ... )) ، أي اللهم إني أسألك بإيماني بهذا النبي العظيم ، وبسبب أنك هَدَيْتنا به إلى طريق الحق ... . مع الانتباه إلى أنه لا تفريق مطلقاً بين ذات النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان به، لأن محمداً صلى الله عليه وسلم اكتسب منزلته الرفيعة من كونه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأحب مخلوقاته إليه _سبحانه _، وهذا المعنى هو الراسخ في النفوس حال التوسل أو الاستغاثة. وأن التفريق بين ذات النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان به بدعةٌ اخترعها ابن تيمية من بنات أفكاره بلا دليل مُعتبَر . أضف إلى هذا أدلة من اعتبر التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم كاليمين به .

وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 1/ 264 ) : (( جاء رجل إلى عبد الملك بن سعيد ابن أبجر، فجس بطنه ، فقال : بك داء لا يبرأ ، قال : ما هو ، قال : الدبيلة. قال فتحول الرجل فقال: الله الله الله ربي لا أشرك به شيئاً ، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، تسليماً يا محمد ، إني أتوجه بك إلى ربك وربي يرحمني مما بي . قال: فجس بطنه، فقال : قد برئت ، ما بك علة . قلتُ _ أي ابن تيمية _ : فهذا الدعاء ونحوه قد رُوي أنه دعا به السلف ، ونقل عن أحمد بن حنبل فى منسك المروذي التوسل بالنبي في الدعاء ، ونها عنه آخرون . فإن كان مقصود المتوسلين التوسل بالإيمان به وبمحبته وبموالاته وبطاعته فلا نزاع بين الطائفتين، وإن كان مقصودهم التوسل بذاته . فهو محل النزاع ، وما تنازعوا فيه يرد إلى الله والرسول، وليس مجرد كون الدعاء حصل به المقصود ما يدل على أنه سائغ فى الشريعة ، فإن كثيراً من الناس يدعون من دون الله من الكواكب والمخلوقين ، ويحصل ما يحصل من غرضهم . وبعض الناس يقصدون الدعاء ثم الأوثان والكنائس وغير ذلك ويدعو الثماثيل التي في الكنائس، ويحصل ما يحصل من غرضه، وبعض الناس يدعو باتفاق المسلمين ، ويحصل ما يحصل من غرضهم ، فحصول الغرض ببعض الأمور لا يستلزم إباحته وإن كان الغرض مباحاً )) اهـ .

قلتُ : هذا الكلام لنا معه وقفات :

أ) قوله " ونها عنه آخرون " . هلا قال لنا ابن تيمية من هؤلاء الآخرون الذين نهوا عنه ؟، فالتوسل ثابتٌ لم ينه عنه سوى ابن تيمية نفسه الذي ابتدع بدعة سيئة بمنعه التوسل، وخالف إمام مذهبه ، وكل العلماء المعتبَرين ، من أجل هواجس وخيالات وشكوك مَرَضية تدور في رأسه حول مفهومه المتطرف للشرك .

ب) هلا قال لنا ابن تيمية من هم العلماء في تاريخ الإسلام الذين فرَّقوا بين ذات النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان به ومحبته وتقديره ، فكل المسلمين على مدار التاريخ يُعظِّمون سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم لأنه رسول الله ، وأعظم مخلوقاته . وينظرون إليه بلا تفريق بين ذاته وأعماله ، أو بين ذاته والإيمان به . وبدعة التفريق اخترعها ابن تيمية ليتوصل إلى ما يريد إثباته من خياله المريض ، وهذه المسألة ليست محل نزاع كما زعم ابن تيمية، لأن المسائل في محل النزاع تكون بين وجوه متعددة بين أهل العلم، وهذه المسألة متفق عليه شذَّ عنها ابن تيمية وأتباعه فيما بعد ، فلا عبرة بهذا الشذوذ الراجع إلى الهوى لا الدليل .

ج) أما ما قاله ابن تيمية من أن الكثيرين يدعون الكواكب والأوثان وتماثيل الكنائس ... إلخ ، فنقول إن القياس مع الفارق باطل . وهل تريد أن تساوي بين سيد الكائنات محمد صلى الله عليه وسلم الذي ورد التوسل والاستغاثة به في أدلة شرعية صحيحة ساطعة مع الأوثان والكواكب التي من يدعوها يخرج من الملة قولاً واحداً ؟!. كما أن التوسل والاستغاثة بالمخلوقات ليست دعاءً لهم ، لأن الدعاء لله تعالى وحده .

د) إن ابن تيمية يجهل تماماً القاعدة التي تقول إن التَّرك ليس من دلائل التحريم ، ولا حتى من دلائل الكراهة . فلو ترك النبي صلى الله عليه وسلم فعلَ أمرٍ ما ، أو ترك صحابته _ رضوان الله عليهم_ فعلَ شيء ما ، فهذا ليس دليلاً على تحريم ذلك الأمر أو كراهته ، لأن الأحكام الشرعية بما فيها الحرمة والكراهية تثبت بالنصوص الشرعية ، وليس بالتَّرك .

[2] وفي صحيح البخاري ( 5/ 2228) ، وصحيح مسلم ( 4/ 2099 ) عن ابن عمر _ رضي الله عنهما_ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر ، فمالوا إلى غار في الجبل ، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل ، فأطبقت عليهم، فقال بعضهم لبعض : انظروا أعمالاً عملتموها لله صالحة فادعوا الله بها لعله يُفرِّجها ... )) .

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 17/ 56 ) : (( استدل أصحابنا بهذا على أنه يستحب للانسان أن يدعو في حال كربه وفي دعاء الاستسقاء وغيره بصالح عمله ويتوسل إلى الله تعالى به ، لأن هؤلاء فعلوه فاستجيب لهم ، وذكره النبي صلى الله عليه وسلم في معرض الثناء عليهم ، وجميل فضائلهم )) اهـ .

قلتُ: ولو كان التوسل بغير الله تعالى شِرْكاً لكان هؤلاء القوم مشركين لأنهم توسَّلوا بأعمالهم الصالحة، أي توسَّلوا بغير الله تعالى، وهذا باطل نَقْلاً وعقلاً. ونحن في هذا المقام نسأل أيهما أعظم : أعمال الإنسان الصالحة أم النبي صلى الله عليه وسلم ؟! ، وبالقطع فالإجابة هي النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن قال غير هذا كفر . فمن باب أولى أن يكون التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم جائزاً وهو الفاضل ، إذا كان التوسل جائزاً بالأعمال الصالحة وهي المفضول .

وفي الغنية عن الكلام وأهله ( 1/ 9) : (( كل واحد منهم توسل إلى الله بأعظم عمل عمله فارتفعت الصخرة ، فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز أو كان شِرْكاً ، كما يزعمه المتشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ، ومن قال بقوله من أتباعه، لم تحصل الإجابة من الله لهم، ولا سكت النبي صلى الله عليه وسلم عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم )) اهـ .

[3] عن أنس _ رضي الله عنه _ : أن عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه _ كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال : اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم رآه فاسقنا قال فيُسْقَوْن [ رواه البخاري ( 1/ 342 ) برقم ( 964 ) ] . قلتُ : وفيه جواز التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل .

لكن هذا الكلام لم يعجب ابن تيمية المسترسل في تدعيم بدعته المانعة للتوسل، فقال في مجموع الفتاوى ( 1/ 319 ) : (( وقد قال عمر اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم رآه فاسقنا، فجعلوا هذا بدلاً عن ذلك لما تعذر أن يتوسلوا به على الوجه المشروع الذي كانوا يفعلونه )) اهـ .

قلتُ : هذا الكلام يُرد عليه من ناحيتين . أولاهما : أن الصحابة _ رضوان الله عليهم _ لم يجعلوا التوسل بالعباس بدلاً عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فالنبي حي يُرزَق يسمع ويرى ، وسوف نثبت هذا الكلام لاحقاً . وثانيهما : أنه لم يتعذر أن يتوسلوا به بعد موته . كل ما في الأمر أن الأمر دليل على التوسل بالمفضول مع وجود الفاضل . ولو كان ابن تيمية ضليعاً في علم أصول الفقه لما قال ما قال. إذ إنه مقرر في الأصول أن فعل الشيء لا يعني منع ما عداه . بمعنى آخر أن التوسل بسيدنا العباس لا يعني منع التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم .

وفي كتاب دفع شُبَه من شبَّه وتمرد ( 1/ 65 ) : (( فإن عمر _ رضي الله عنه _ إنما قصد أن يقدم العباس ، ويباشر الدعاء بنفسه ، وهذا لا يتصور حصوله من غير الحي ، أي الحياة الدنيوية ، وأما التوسل برسول الله فلا نُسلِّم أن عمر _ رضي الله عنه_ تركه بعد موته. وتقديم العباس ليدعوَ للناس لا ينفي جواز التوسل به مع ذلك )) اهـ .

أقوال العلماء في تجويز التوسل :

[1] قال المرداوي في الإنصاف( 2/ 456 ) : (( يجوز التوسل بالرجل الصالح على الصحيح من المذهب وقيل يستحب)) اهـ . قلتُ : فما بالك بسيد الصالحين ؟!.

[2] قال الطحطاوي الحنفي في حاشيته على مراقي الفلاح (1/360 ) : (( ذكر بعض العارفين أن الأدب في التوسل أن يتوسل بالصاحبين ( أبو بكر وعمر ) إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ثم به إلى حضرة الحق جل جلاله وتعاظمت أسماؤه فإن مراعاة لواسطة عليها مدار قضاء الحاجات )) .

[3] قال سيدنا الإمام الشافعي وهو يتوسل بآل البيت _ عليهم الصلاة والسلام_ ويعقد عليهم رجاءه :

آلُ النبي ذريعـــتي وهمو إليه وسيلــتي

أرجو بهم أُعطى غـداً بيدي اليمين صحيفتي

والذريعة : مفرد ذرائع ، يُقال : هو ذريعتي إلى فلان : أي هو وسيلتي. ويُقال: تذرع بذريعة : أي توسل بوسيلة [ انظر ديوان الإمام الشافعي ، ص 50 ، دار الأرقم ] . فهل هذا شِرْك من الإمام الشافعي أم هو عين التوحيد الخالص المبني على الكتاب والسنة الصحيحة ؟ .

[4] قال الإمام النووي في المجموع ( 8/ 202و203 ) : (( ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويتوسل به في حق نفسه، ويستشفع به إلى ربه_سبحانه وتعالى_. ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب وسائر أصحابنا عن العتبي مستحسنين له قال : كنتُ جالسـاً ثم قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال السلام عليك يا رسول الله ، سمعتُ الله يقول : (( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَّحِيماً )) [ النِّساء : 64]. وقد جئتك مستغفراً من ذنبي مستشفعاً بك إلى ربي ، ثم أنشأ يقول :

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنـه فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثم انصرف فحملتني عيناي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال : يا عتبي الحق الأعرابي فبشره بأن الله تعالى قد غفر له )) اهـ .

قلتُ : وبالطبع فإن الأحكام الشرعية لا تثبت بالرؤى لاحتمال اشتباه الكلام على الرائي ، لكن العِبرة بأنهم يَرْوون هذا الكلام مستحسنين له ، موافقين عليه .

أدلة الاستغاثة :

[1] إن الاستغاثة بالأسباب من حيث إنها أسباب عادية مع الإيمان أن الله تعالى وحده هو المؤثِّر أمرٌ شرعي قد جاء في القرآن الكريم ، فقال تعالى: (( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ )) [ البقرة: 45] . فهذه الآية الواضحة فيها أمر على الاستعانة بالصبر والصلاة من حيث إنهما سببان عاديان لا تأثير لهما دون مشيئة الله تعالى . فالخالق تعالى أمر بالاستعانة بالأسباب ، ولم يُسَمِّ ذلك شِرْكاً . ومعلومٌ أن النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من الصبر والصلاة ، فيجوز الاستعانة والاستغاثة به .

[2] قال تعالى : (( فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ ))[ القَصَص: 15] .

قال التجاني في كتابه الفوز والنجاة في الهجرة إلى الله ( ص 206) : (( فنسب اللهُ تعالى الاستغاثة إلى غيره من المخلوقين. وهذا دليل واضح كالشمس على جوازها . فإن قيل إن المستغاث به في هذه الآية حي وله قدرة،وإنما كلامنا في الميت. أُجيب بأن نسبة القدرة إليه_أي إلى المخلوق_ إن كانت استقلالاً فهي كفر . وإن كانت بقدرته تعالى على أن يكون هو السبب والوسيلة ليس إلا . فلا فرق بين الحي والميت، فإن الميت له كرامة. وإذا لم تُنسَب الإغاثة إلى الله تعالى حقيقة وإلى غيره مجازاً كانت الاستغاثة ممنوعة )) اهـ .

[3] ما رواه البخاري في صحيحه ( 2/ 536 ) : عن سيدنا ابن عمر _ رضي الله عنهما _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد )) .

قال الحافظ في الفتح ( 11/ 441 ): (( وفيه أن الناس يوم القيامة يستصحبون حالهم في الدنيا من التوسل إلى الله تعالى في حوائجهم بأنبيائهم )) اهـ .

[4] عن سيدنا أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من نَفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نَفَّس اللهُ عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يَسَّر على مُعْسِر يَسَّر اللهُ عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه )) [رواه مسلم ( 4/ 2074 ) برقم ( 2699 ) ] .

[5] عن سيدنا عبد الله بن عمر _ رضي الله عنهما _ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ومن فَرَّج عن مسلم كربة فَرَّج اللهُ عنه كربة من كربات يوم القيامة )) [ متفق عليه. البخاري ( 2/ 862 ) برقم ( 2310 )، ومسلم ( 4/ 1996 ) برقم ( 2580 ) ] .

قد يسأل أحدهم ما علاقة الحديثين السابقين بالاستغاثة ؟. فنقول إن النبي صلى الله عليه وسلم نسب تنفيس الكربات وتفريجها والتيسير إلى غير الله تعالى إسناداً للفعل إلى السبب . وهو ما يسمى في علوم البلاغة بالمجاز العقلي ، من أجل رفع الحرج عن أمته . وبالتالي يجوز نسب الإغاثة إلى غير الله تعالى من باب المجاز العقلي كما وَضَّحنا قياساً على ما سبق . فإذا قال أحدهم نفعني النبيُّ أو الوليُّ أو أغاثني ، أو قال : أنا مُفرِّج الكربات وكاشف الهموم بإذن الله تعالى ، فلا يعنون إلا هذا الإسناد المجازي .

وقد ورد في القرآن الكريم أمثلة واضحة على المجاز العقلي ، منها قوله تعالى عن كلام سيدنا المسيح صلى الله عليه وسلم : (( وأُحْي الموتى بإذن الله )) [ آل عمران : 49]. فانظر كيف نسب سيدنا المسيحُ صلى الله عليه وسلم إحياء الموتى ( وهي من أعظم الأمور) إلى نفسه مقيِّداً الأمر بإذن الله تعالى. وقوله تعالى : (( وإذا حضر القسمةَ أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه )) [ النساء : 8]. فانظر كيف نسب اللهُ تعالى الرزق إلى العباد بغض النظر عن كونهم أحياءً أو أمواتاً ، لأن فعل الرِّزق أُسْنِد إلى مخلوق، مع أن الرزاق اسم من أسماء الله تعالى ، والرزق بيده وحده .

قال الزركشي في البرهان في علوم القرآن ( 2/ 256 ) : (( نوعا المجاز ، وله سببان أحدهما الشبه ويسمى المجاز اللغوي وهو الذي يتكلم فيه الأصولي ، والثاني الملابسة وهذا هو الذي يتكلم فيه أهل اللسان ويسمى المجاز العقلي ، وهو أن تسند الكلمة ما هي له أصالة بضرب من التأويل كسب زيد أباه إذا كان سبباً فيه )) اهـ .

[6] ومن المقطوع به عند أئمة المسلمين المعتبَرين أن النبي صلى الله عليه وسلم يُستغاث به . قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة ( 1/ 181 ) : (( ومنهم من ينسبه _ أي ابن تيمية _ إلى الزندقة لقوله إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يُستغاث به . وأن في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم )) اهـ .

فانظر إلى وصف الزندقة الذي أطلقه الأئمة المعتبَرون على مانع الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وقد عدوا ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم . مما يبرهن على أن موضوع الاستغاثة كان محسوماً ومقطوعاً به ومُوافقاً عليه عند العلماء الربانيين قبل أن يأتيَ ابن تيمية الحراني ببدعته . وهذا يعكس أن ابن تيمية قد خالف علماءَ عصره الأثبات ، لا كما يعتقد بعض الجهال أن العلماء كانوا في ضلال مبين حتى جاء ابن تيمية لينير لهم الطريق .

[7] أصاب الناس قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا ، فأتي الرجل في المنام فقيل له : ائت عمر فأقرئه السلام وأخبره أنكم مسقيون [رواه ابن أبي شيبة ( 6/ 356 ) برقم ( 32002 ) ، وصححه ابن كثير في البداية والنهاية ( 7/ 92 )، ووافقه الحافظ في الفتح ( 2/ 495) ] .

قال الحافظ في الفتح ( 2/ 496 ): (( وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال ابن الحارث المزني أحد الصحابة )) اهـ .

قال محمد السيد التجاني في كتابه الفوز والنجاة ( ص 209) : (( فهذه الرؤيا وإن كانت حقاً لا تثبت بها الأحكام لإمكان اشتباه الكلام على الرائي ))اهـ.

قلت : وإنما الاستدلال بفعل أحد الصحابة الذي جاء قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وطلب منه أن يستسقيَ لأمته ، ولا يخفى أن هذه استغاثة. والمسجد ممتلئ بأكابر الصحابة ، فلم يُنكر عليه أحد. وهذا إجماع سكوتي وفيه دلالة قاطعة على اعتقاد أئمتنا الصحابة _ رضوان الله عليهم_ أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره ، وأنه يُستغاث به . إذ لو كان ميتاً لكان مخاطبته مضيعة للوقت . فانتبه ! . وقد يقول أحدهم إن الإجماع السكوتي دلالته ظنية لا يقينية ، فنقول له إن كلامك هذا صحيح لكنه لا ينطبق على هذه الحالة ، لأن المسجد مليء بالصحابة ، ولم يعترض منهم أي أحد ، فلو كان الأمر منكراً لاعترض أحدهم على الأقل، وإذا قلنا بأن الأمر منكر والصحابة كلهم ساكتون عليه ، فهذا طعن لا يليق بالصحابة الكرام_ رضي الله عنهم _ . وهذا دليلٌ باهر على أن لا فرق بين الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم حياً وميتاً، لأن الأنبياء _ عليهم الصلاة والسلام _ على وجه التحقيق أحياء في قبورهم، وأحياء عند ربهم .

[8] عن ابن عباس قال : (( إن لله ملائكة فضلاً سوى الحفظة ، يكتبون ما سقط من ورق الشجر ، فإذا أصابت أحدكم عرجة في سفر ، فليناد : أعينوا عباد الله ، رحمكم الله )) [ رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح( 6/ 91) برقم ( 29721 ) . وقال الهيثمي في المجمع ( 10/ 132) بعد أن عقد باباً أسماه " ما يقول إذا انفلتت دابته أو أراد غوثاً أو أضل شيئاً ": (( رواه الطبراني ورجاله ثقات ))اهـ. وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 3/ 7) : (( فكل عرجة نزلة )). ] .

قلتُ : ولا يخفى أن هذا الكلام استغاثة بغير الله تعالى ، وبمخلوقات لا نراهم ، مع اعتقاد أن الفاعل الحقيقي والمؤثِّر هو الله تعالى وحده . وهذا الحديث له حكم المرفوع ، لأنه أمر غيبي لا يمكن لابن عباس _ رضي الله عنهما_ أن يعلمه دون أن يكون قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم .

[9] وفي صحيح البخاري ( 3/ 1227 ) : عن سعيد بن جبير قال ابن عباس عن السيدة هاجر _ رضي الله عنها_ في قصة زمزم : (( فلما أشرفتْ على المروة سمعتْ صوتاً ... فقالت : قد أسمعت ، إن كان عندك غواث )) .

قلتُ : وقد طلبت الغوث من مخلوق لا تراه ، وإنما تسمع صوتاً يدل عليه ، فاستغاثت به، أي إنها استغاثت بغير الله تعالى. وهذا دليل آخر على جواز الاستغاثة بالمخلوقين مع اعتقاد أن الله تعالى هو الفاعل .

إثبات حياة الأنبياء والأولياء :

[1] قال اللهُ _تبارك وتعالى_: (( وَلا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَآءٌ وَلَكِن لا تَشْعُرُونَ )) [ البقرة : 154] . وقال الله تعالى : (( ولا تحسبنَّ الذين قُتِلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزَقون )) [ آل عمران : 169].

قال القرطبي في تفسيره ( 2/ 173 ) : (( والشهداء أحياء كما قال الله تعالى وليس معناه أنهم سيحيون إذ لو كان كذلك لم يكن بين الشهداء وبين غيرهم فرق إذ كل أحد سيحيا ويدل على هذا قوله تعالى ولكن لا تشعرون )) اهـ .

فالشهداءُ أحياء يُرزَقون . ومن البديهي أن الأحياء لهم قدرة وتأثير خاضع لمشيئة الله تعالى . فإذا ثبت الشيء ثبتت لوازمه . وبما أن الحياة ثابتة ، إذاً ، لوازمها ثابتة أيضاً . ومن كان هذا حاله فكيف يتعذر عليه تقديم العون والإغاثة والمساعدة بأمر الله تعالى ؟! . ومن المعلوم من الدين بالضرورة أن الأنبياء أعظم من الشهداء،فمن باب أولى أن يكونوا أحياء، وكذلك أولياء الله تعالى. فمن تَوَسَّل بالأنبياء والأولياء واستغاث بهم، لم يتوسل أو يستغث بموتى على وجه التحقيق، بل بأحياء لهم قدرة وتأثير غير استقلالي ، وإنما خاضع لمشيئة الله تعالى وقدرته . فالواجب اعتقاده أن المراد من الاستغاثة والتوسل بالأنبياء والصالحين هو أنهم أسباب ووسائل لنيل المقصود ، وأن الله تعالى هو الفاعل المختار كرامة لهم ، لا أنهم الفاعلون استقلالاً .

لذلك كانت كل خصائص النبوة محفوظة للنبي حياً وميتاً بما فيها من معجزات وغيرها . وكذلك كرامات الأولياء باقية في حياتهم ومماتهم. وكل من جاز التبرك به حياً جاز التبرك به ميتاً. مع الانتباه إلى أن إطلاق لفظة الميت على النبي أو الولي من باب المجاز، وإلا فهم على وجه التحقيق غير موتى ، وإنما نحن الموتى ! .

قال ابن حزم في المحلى ( 1/ 25 ) : [ وأما الشهداء فإن الله عز وجل يقول (( وَلا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَآءٌ وَلَكِن لا تَشْعُرُونَ )) ... ولا خلاف بين المسلمين في أن الأنبياء عليهم السلام أرفع قدراً ودرجة وأتم فضيلة عند الله عز وجل وأعلى كرامة من كل مَن دونهم، ومن خالف في هذا فليس مسلماً ] اهـ .

وقال الحافظ في الفتح ( 6/ 444 ) : (( الأنبياء أحياء عند الله، وإن كانوا في صورة الأموات بالنسبة إلى أهل الدنيا. وقد ثبت ذلك للشهداء، ولا شك أن الأنبياء أرفع رتبة من الشهداء ، وورد التصريح بأن الشهداء ممن استثنى الله )) اهـ .

[2] كما يجب علينا أن نعتقد أن أجساد الأنبياء محفوظة لا تبلى، فهذه الأجساد الطاهرة النقية التي عاشت في طاعة الله تعالى، وماتت كذلك ، إنما هي أجساد عامرة بنور الإيمان ، وحرامٌ على الأرض أن تأكلها ، فعن سيدنا أوس بن أوس الثقفي _ رضي الله عنه _ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( فإن صلاتكم معروضة عليَّ )) ، قالوا : وكيف صلاتنا تُعرَض عليك وقد أرمتَ ؟ ، قال : (( إن الله عز وجل قد حَرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء )) [رواه الحاكم ( 1/ 413 ) برقم ( 1029 ) وصحَّحه ، ووافقه الذهبي ] .

وقد يظهر إشكال عند البعض بسبب الحديث الصحيح التالي : عن سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ما من أحد يُسَلِّمُ عليَّ إلا رد اللهُ عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام)) [ رواه أبو داود ( 2/ 218 ) برقم ( 2041 )، والبيهقي ( 5/ 245 ) برقم ( 10050)، والطبراني في الأوسط ( 3/ 262 ) برقم ( 3092 ). قال الحافظ في الفتح ( 6/ 488) : (( ورواته ثقات )) اهـ. وقال النووي في المجموع ( 8/ 200 ) : (( رواه أبو داود بإسناد صحيح )) اهـ . ] .

وقال الحافظ في الفتح ( 6/ 488) : (( ووجه الإشكال فيه أن ظاهره أن عود الروح إلى الجسد يقتضي انفصالها عنه وهو الموت . وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة أحدها أن المراد بقوله : (( رد الله عليَّ روحي )) أن رد روحه كانت سابقة عقب دفنه لا أنها تعاد ثم تنزع ثم تعاد )) .

قلتُ : ومحال أن تنقطع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم طوال اليوم ، إذ إنه لا يخلو هذا الكوكب من وجود مسلم يصلِّي عليه في النهار أو الليل . إذن ، فالنبي صلى الله عليه وسلم ذو حياة متصلة لا تنقطع .

[3] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( حياتي خيرٌ لكم تُحْدِثون ويُحْدَث لكم ، ووفاتي خيرٌ لكم تُعرَض عليَّ أعمالكم فما رأيتُ من خير حمدتُ الله عليه ، وما رأيتُ من شر استغفرتُ لكم ))[ قال الحافظ الهيثمي في المجمع ( 9/ 24 ) : (( رواه البزار ورجاله رجال الصحيح )) اهـ ، وقال عنه الحافظ العراقي في طرح التثريب ( 3/ 297 ) : (( إسناده جيد )) ، وصححه السيوطي في الخصائص ( 2/ 281 ) ].

قلتُ : واعتماداً على هذا الحديث فإن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم بعد وفاته سوف يعرض عليه كما تُعرَض عليه كل الأعمال ، وسوف يعلم به لا محالة ، وحاشاه صلى الله عليه وسلم أن يُخيِّب من وضع ثقته فيه بعد الله تعالى .

وقال الإمام السبكي في الطبقات ( 1/ 327 ) : (( والناس من خمسمائة وثلاث وستين سنة يخطبون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وهو صلى الله عليه وسلم حاضر يُبصِر ويَسمع )) اهـ .

وقال السبكي: (( حياة الأنبياء والشهداء كحياتهم في الدنيا، ويشهد له صلاة موسى عليه السلام في قبره ، فإن الصلاة تستدعي جسداً حياً ، المذكورة في الأنبياء ليلة الإسراء كلها صفات الأجسام ، ولا يلزم من كونها حياة حقيقية أن تكون الأبدان معها كما كانت في الدنيا من الاحتياج إلى الطعام والشراب.وأما الإدراكات كالعلم والسمع فلا شك أن ذلك ثابت لهم ولسائر الموتى ))[ السيرة الحلبية ( 2/ 432 ) ] .

[5] وفي الحديث الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الأنبياء أحياء في قبورهم يُصَلُّون ))[ رواه أبو يعلى ( 6/ 147 ) برقم ( 3425 ). قال الهيثمي في المجمع ( 8/ 211 ) : (( ورجال أبي يعلى ثقات والحديث له طرق )) اهـ . وقال الشوكاني في نيل الأوطار ( 3/ 305 ) : (( وقد ذهب جماعة من المحققين إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حي بعد وفاته ، وأنه يُسَرُّ بطاعات أمته ، وأن الأنبياء لا يبلون ، مع أن مطلق الإدراك كالعلم والسماع ثابت لسائر الموتى ...وقد ثبت في الحديث أن الأنبياء أحياء في قبورهم ، رواه المنذري وصححه البيهقي )) اهـ . وقال الحارث التميمي في اعتقاد الإمام المبجَّل ابن حنبل ( 1/ 303 ) : (( وكان يقول إن الأنبياء أحياء في قبورهم يُصَلُّون )) اهـ . ] .

قال الحافظ في الفتح ( 6 / 487 ) : (( وقد جمع البيهقي كتاباً لطيفاً في حياة الأنبياء في قبورهم ، أورد فيه حديث أنس : الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون. أخرجه من طريق يحيى بن أبي كثير وهو من رجال الصحيح عن المستلم بن سعيد وقد وثقه أحمد وابن حبان عن الحجاج الأسود وهو بن أبي زياد البصري وقد وثقه أحمد وابن معين عن ثابت عنه وأخرجه أيضا أبو يعلى في مسنده من هذا الوجه )) اهـ .

[6] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مررتُ على موسى ليلة أُسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره ))[ رواه مسلم ( 4/ 1845 ) برقم ( 2375 )] .

وقال المناوي في فيض القدير ( 5/ 519 و520 ) : (( أي يدعو الله ، ويثني عليه ، ويذكره، فالمراد الصلاة اللغوية ، وقيل المراد الشرعية ، وعليه القرطبي ، فقال : الحديث بظاهره يدل على أنه رآه رؤية حقيقية في اليقظة، وأنه حي في قبره يصلي الصلاة التي يصليها في الحياة، وذلك ممكن ولا مانع من ذلك ، لأنه إلى الآن في الدنيا ، وهي دار تعبد . فإن قيل : كيف يصلون بعد الموت وليس تلك حالة تكليف ؟، قلنا : ذلك ليس بحكم التكليف ، بل بحكم الإكرام والتشريف، لأنهم حُبِّب إليهم في الدنيا الصلاة فلزموها ، ثم توفوا وهم على ذلك ، فتشرفوا بإبقاء ما كانوا يحيون عليه، فتكون عبادتهم إلهامية كعبادة الملائكة لا تكليفية، ويدل عليه خبر : يموت الرجل على ما عاش عليه، ويحشر على ما مات عليه _ [رواه مسلم ( 4/ 2206 ) بلفظ : (( يُبعَث كل عبد على ما مات عليه )) .] _ . ولا تدافع بين هذا وبين رؤيته إياه تلك الليلة في السماء لأن للأنبياء مراتع ومسارح يتصرفون فيما شاؤوا ثم يرجعون ، أو لأن أرواح الأنبياء بعد مفارقة البدن في الرفيق الأعلى ، ولها إشراف على البدن وتعلق به يتمكنون من التصرف والتقرب، بحيث يرد السلام على المسلِّم . وبهذا التعلق رآه يصلي في قبره ، ورآه في السماء ، فلا يلزم كون موسى عرج به من قبره ، ثم رد إليه بل ذلك مقام روحه واستقرارها، وقبره مقام بدنه واستقراره إلى يوم معاد الأرواح لأبدانها، فرآه يصلي في قبره ، ورآه في السماء ، أي كما أن نبينا بالرفيق الأعلى، وبدنه في ضريحه يرد السلام على من سلَّم عليه . ومن كثف إدراكه ، وغلظ طبعه عن إدراك هذا فلينظر إلى السماء في علوها وتعلقها وتأثيرها في الأرض ، وحياة النبات والحيوان ، وإلى النار كيف تؤثر في الجسم البعيد مع أن الارتباط الذي بين الروح والبدن أقوى وأتم وألطف ، وإذا تأملت هذه الكلمات علمت أن لا حاجة إلى ما أبدى في هذا المقام من التكلفات والتأويلات البعيدة التي منها أن هذا كان رؤية منام أو تمثيل أو إخبار عن وحي لا رؤية عين )) اهـ .

[7] وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن المسيح صلى الله عليه وسلم آخر الزمان : (( لئن قام على قبري فقال : يا محمد ، لأجيبنَّه ))[ رواه أبو يعلى ( 11/ 462 ).وقال الهيثمي في المجمع ( 8/ 211 ):(( هو في الصحيح باختصار، رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح )) اهـ ].

قلتُ: ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم ميتاً أو عدماً لكانت مخاطبته مضيعة الوقت، فانظر إلى الخطاب ، وانظر إلى قدرة النبي صلى الله عليه وسلم على الإجابة،فهذا دليلٌ باهر على الحياة والسَّمع والكلام بعد الموت.

قال الألوسي في روح المعاني ( 22/ 35 ) : (( وبقاء النبوة والرسالة بعد الموت في حقه وحق غيره من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام حقيقة مما ذهب إليه غير واحد ، فإن المتصف بهما وكذا بالإيمان هو الروح وهي باقية لا تتغير بموت البدن . نعم ذهب الأشعري كما قال النسفي إلى أنهما بعد الموت باقيان حكماً... وجوز أن يكون ذلك بالاجتماع معه_ عليه الصلاة والسلام_ روحانية ولا بدع في ذلك ، فقد وقعت رؤيته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لغير واحد من الكاملين من هذه الأمة، والأخذ منه يقظة )) اهـ .

[8] وفي صحيح مسلم ( 1/ 152) برقم ( 166) : عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بوادي الأزرق ، فقال : (( أي واد هذا ؟ )) ، فقالوا : هذا وادي الأزرق ، قال : (( كأني أنظر إلى موسى عليه السلام هابطاً من الثنية، وله جؤار إلى الله بالتلبية )) ، ثم أتى على ثنية هرشي فقال: (( أي ثنية هذه ؟ )) ، قالوا : ثنية هرشي ، قال: (( كأني أنظر إلى يونس بن متى عليه السلام على ناقة حمراء جعدة عليه جبة من صوف خطام ناقته خلبة وهو يُلَبِّي )) .

قال الحافظ في الفتح ( 6/ 487 ) شارحاً الحديث : (( وقد قيل عن ذلك أجوبة أحدها : أن الأنبياء أفضل من الشهداء، والشهداء أحياء عند ربهم فكذلك الأنبياء، فلا يبعد أن يصلوا ويحجوا ويتقربوا إلى الله بما استطاعوا ما دامت الدنيا وهي دار تكليف باقية. ثانيها : أنه صلى الله عليه وسلم أُري حالهم التي كانوا في حياتهم عليها ، فمثلوا له كيف كانوا، وكيف كان حجهم وتلبيتهم ... وثالثها : أن يكون أخبر عما أوحي إليه صلى الله عليه وسلم من أمرهم وما كان منهم ، فلهذا أدخل حرف التشبيه في الرواية ، وحيث أطلقها فهي محمولة على ذلك ، والله أعلم )) اهـ .

[9]ومن المسلَّم به أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى إماماً بالأنبياء_عليهم الصلاة والسلام _في الإسراء ، وهذا متواتر . مما يدل دلالة قاطعة على أنهم أحياء يُرزَقون ، ولهم أفعال وأقوال .

وقد ورد في الحديث الصحيح عن ابن عباس مرفوعاً : (( ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم في الدنيا إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ))[ قال ابن كثير في تفسيره ( 3/ 439 ) : (( رواه ابن عبد البر مصححاً له )) اهـ. وقال المناوي في فيض القدير ( 5/ 487 ) : (( وأفاد الحافظ العراقي أن ابن عبد البر خرَّجه في التمهيد والاستذكار بإسناد صحيح من حديث ابن عباس ، وممن صحَّحه عبد الحق بلفظ : ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام )) اهـ . وفي كنز العمال ( 15/ 1020):(( عن أبي هريرة وسنده جيد )) اهـ . وفي عمدة القاري ( 8/ 69 ) : (( عند ابن عبد البر بسند صحيح))اهـ. قلتُ: مع الانتباه إلى اختلاف ألفاظ هذا الحديث التي يصححها العلماء. وشذ الألباني فضعَّفه بلفظ: (( ما من عبد يمر بقبر...))في الجامع الصغير( 1/ 1199)،والسلسلة الضعيفة برقم ( 9/ 495) على الرغم من أن إمامه ابن تيمية صححه في مجموع الفتاوى ( 24/ 173) بلفظ : (( وما من رجل يمر بقبر الرجل ... )) اهـ .].

قلتُ : إذا كان هذا حال المسلم العادي ، فما بالك بالأنبياء ؟! .

وقال الألوسي في روح المعاني ( 15/ 163 ) : (( ليس نصاً في أن الروح على القبر، إذ يُفهَم منه أن الذي في القبر حقيقته النفسانية المتصلة بالروح اتصالاً لا يعلم كنهه إلا الله تعالى . وللروح مع ذلك أحوال وأطوار لا يعلمها إلا الله تعالى، فقد تكون مستغرقة بمشاهدة جمال الله تعالى وجلاله سبحانه ، ونحو ذلك . وقد تصحو عن ذلك الاستغراق ، وهو المراد برد الروح في خبر ما من أحد يُسلِّم عليَّ إلا رد الله تعالى روحي فأرد عليه السلام ، والذي ينبغي أن يُعَوَّل عليه مع ما ذكر أن الأرواح وإن اختلف مستقرها بمعنى محلها الذي أُعطيته بفضل الله تعالى جزاء عملها لكن لها جولاناً في مُلْك الله تعالى حيث شاء جل جلاله ، ولا يكون إلا بعد الإذن وهي متفاوتة في ذلك حسب تفاوتها في القرب والزلفى من الله تعالى ، حتى إن بعض الأرواح الطاهرة لتظهر فيراها من شاء الله تعالى من الأحياء يقظة ، وأن أرواح الموتى تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ، وقد تتلاقى أرواح الأموات والأحياء مناماً، ولا يمكن ذلك إلا من يجعل الرؤيا خيالات لا أصل لها ، وذلك لا يلتفت إليه ، لكن لا ينبغي أن يبنى على ذلك حكم شرعي لاحتمال عدم الصحة وإن قامت قرينة عليها)) اهـ.

تفنيد شبهات المعارِضين للتوسل والاستغاثة :

_ بدايةً يجب أن نعلم أن البعض لا يُعْمِل عقله بالمرة ، لذلك تراه يتعصب لأقوال الرجال . وفي رأيي المتواضع أن الشبهات التي أثارها ابن تيمية ونَسَّقها قد رددنا عليها رداً علمياً دقيقاً . وسوف نستمر في الرد على باقي الشبهات ، مع اعتقادنا أننا نسفنا كل الشبهات بما قدمناه من أدلة دامغة، إلا أن القلوب ضعيفة والشُّبه خطافة_ كما يقولون _. وللأسف فإنهم عمدوا إلى آيات نزلت في عبدة الأصنام، فَطَبَّقوها على المسلمين الموحِّدين ، وهم بذلك يكونون قد استلهموا أحد مبادئ الخوارج التي استباحت دماء المسلمين .

[1] احتجوا بالآية الشريفة : (( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُوا مِن دُونِ اللهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَآئهِمْ غَافِلُونَ )) [ الأحقاف: 5]. فقالوا إن التوسل أو الاستغاثة دعاءٌ لغير الله تعالى ، وبالتالي ففاعلها كافر خالد في النار ! ، وهم بهذا نقلوا المسألة من مسائل الفروع إلى مسائل العقيدة ، فَكَفَّروا المسلمين الموحِّدين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

فنقول رداً على استدلالهم بالآية الشريفة السابقة إن التوسل والاستغاثة ليسا دعاء لغير الله ، فالدعاء إنما يكون لله تعالى وحده . وكما هو معلوم فإن القياس مع الفارق باطل . أما بالنسبة إلى تأويل الآية الشريفة ، فقال قال الطبري في تفسيره ( 26 / 4 ) : (( يدعو من دون الله آلهة لا تستجيب له إلى يوم القيامة يقول لا تجيب دعاءه أبداً لأنها حجر أو خشب أو نحو ذلك )) اهـ .

ونحن عندما نتوسل ونستغيث بالأنبياء والصالحين ، لا نستغيث بآلهة مع الله تعالى، بل بعباد مُكَرَّمين قريبين من الله تعالى سمح لنا الشرعُ بالتوسل والاستغاثة بهم ، مع اعتقادنا أن الفاعل المؤثِّر هو الله تعالى وحده . وهكذا يتهاوى استدلالهم .

[2] احتجوا كذلك بقوله تعالى : (( إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَآءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ )) [ فاطر : 14] .

قال الطبري ( 22/ 125 ) : (( إن تدعوا أيها الناس هؤلاء الآلهة التي تعبدونها من دون الله لا يسمعوا دعاءكم لأنها جماد لا تفهم عنكم ما تقولون ، ولو سمعوا ما استجابوا لكم ، يقول ولو سمعوا دعاءكم إياهم وفهموا عنكم أنها قولكم بأن جعل لهم سمع يسمعون به ما استجابوا لكم ، لأنها ليست ناطقة وليس كل سامع قولاً متيسراً له الجواب عنه )) اهـ .

فنلاحظ أن الآية نزلت في المشركين الذين اتخذوا آلهة مع الله تعالى ، وهذا منفيٌّ عن المسلمين الموحِّدين الذين يتوسلون ويستغيثون بالأنبياء والصالحين على أنهم عباد لله كرام لا آلهة مع الله تعالى ، فما ينطبق على المشركين لا ينطبق على المسلمين . فمن العبث محاولة إسقاط مفاهيم الآيات المتعلقة بالمشركين وأوضاعهم العقدية على المسلمين. وللأسف فهذه منهجية بعض الذين يسمون أنفسهم علماء وأئمة ، وهم أبعد ما يكونون عن منهجية العلماء الرَّبانيين العاملين الذين يُقدِّسون الكتاب والسنة الصحيحة لا أقوال السلف أو الخلف .

[3] احتجوا بقوله تعالى : (( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ )) [ يونس : 18] .

قال القرطبي ( 8/ 308 ) : (( فلا يشفع أحدٌ نبيٌّ ولا غيره إلا بإذنه سبحانه ، وهذا رد على الكفار في قولهم فيما عبدوه من دون الله هؤلاء شفعاؤنا عند الله فأعلمهم الله أن أحداً لا يشفع لأحد إلا بإذنه فكيف بشفاعة أصنام لا تعقل )) اهـ .

وهكذا يتضح أن هذه الآية نزلت في الكفار الذين اتخذوا الأصنام لكي تشفع لهم عند الله تعالى، فهم ذهبوا إلى أصنام آلهة لكي تشفع لهم عند الله ، وهذا شِرْك واضح ، فهم لا يؤمنون بوحدانية الله جل وعلا، وأقكارهم بُنِيت على الشِّرك ، وما بُني على باطل فهو باطل . أما الأنبياء والصالحون فيشفعون عند الله تعالى بإذنه [انظر أنواع الشفاعات ، كتاب سفينة النجاة في عقيدة الأئمة الهداة ، ص 376_ 389 ] .

وإليك الآيات القرآنية الشريفة التي احتج بها القائلون بمنع التوسل والاستغاثة بلا حجة مُعتبَرة مع تعليق سريع على كل آية : (( ما نعبدهم إلا لِيُقرِّبونا إلى الله زُلْفى )) [ الزُّمر :3] . لقد صرَّحت الآيةُ بأن هناك عبادة لأشخاص ، وهذا غير موجود في التوسل والاستغاثة ، وبالتالي يسقط الاستدلال بها في هذا السياق .

(( فلا تدعوا مع الله أحداً ))[ الجن : 18] . هذا دعاء شِرْكي مع الله تعالى ، وإشراك الخلق مع الخالق، والمتوسل والمستغيث يعلم أن لا شريك لله تعالى ، وإنما هو إله واحد ، فيسقط الاستدلال. (( والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء ))[ الرعد: 14] . هذا دعاء لمن لا يستجيب ، والمتوسل أو المستغيث لا يدعو إلا الله تعالى ، ولا يشرك به أحداً ، فالنافع والضار هو الله تعالى وحده. (( يومَ لا تملك نَفْسٌ لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله ))[ الانفطار: 19]. لا وجه للاستدلال بهذه الآية على منع التوسل أو الاستغاثة ، لأنها تقرر أن الله تعالى هو المتصرف وحده بهذا الكون ، وهذا ما يؤمن به المتوسِّل والمستغيث ، ولا يجادل فيه . (( ليس لك من الأمر شيء ))[ آل عمران : 128] . هذه الآية توضح أن الأمر كله لله تعالى وحده ، وأن الله تعالى يفعل ما يريد ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ينفِّذ مشيئة الله تعالى خاضعاً بإرادته ورغم أنفه. ولا يكون الإنسان مسلماً بدون هذه العقيدة ، ولكننا نقول إن الله تعالى قادر على إجراء النفع والضرر على أيدي عباده من باب الأسباب والمسبِّبات . (( قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً )) [ الأعراف: 188] . هذه الآية توضح أن النافع والضار هو الله تعالى وحده ، وهذا ما يقوله المتوسل والمستغيث ، لكن العباد قادرون على النفع والضرر بإذن الله تعالى .

وهكذا يتضح أن استدلالهم بعيد كل البعد عن المقصود ، وأنهم يحاولون بشكل غريب إنزال فهمهم القاصر للآيات على أحداث الواقع بلا أدنى علاقة .

ملاحظات مستفادة من بحثنا :

[1] كل من جاز التبرك به حياً جاز التبرك به ميتاً .

[2] رؤية الأنبياء والأولياء في المنام واليقظة غير متعذرة ، بل هي جائزة نقلاً وعقلاً ، ولكنها تحدث لفئة قليلة من المقرَّبين . وهي أمور ممكنة لا يلزم من جواز وقوعها محال ، وكل ما كان هذا شأنه فهو جائز الوقوع .

[3] من أنكر حياة الأنبياء أو الصديقين أو الشهداء فهو مرتد يُستتاب لتكذيبه القرآن الكريم. فإن تاب تاب وإلا قُتل حداً. قال اللهُ تعالى : (( وَلا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَآءٌ وَلَكِن لا تَشْعُرُونَ )) [ البقرة : 154]. وفي آية أخرى : (( ولا تحسبنَّ الذين قُتِلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربهم يُرزَقون )) [ آل عمران : 169]. فأثبت تعالى لهم الحياة بشكل عام في قبورهم وعند ربهم.وفي آية أخرى أثبت أن النبيين والصديقين أفضل من الشهداء ، فدل على أنهم أكمل حالاً، وأحسن مقاماً، فإذا كان المفضول حياً، فالفاضل لا بد أن يكون حياً . قال تعالى: (( فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء )) [ النساء : 69] .

[4] من أنكر التوسل والاستغاثة فهو على خطر عظيم لرده الأدلة الواضحة .

[5] لا واسطة بين المخلوق والخالق، وهذا لا ينفي جواز التوسل والاستغاثة بالأنبياء والأولياء.

[6] المقصود من التوسل والاستغاثة هو التبرك والاستشفاع،والتبرك بالشيء غير التقرب به كما لا يخفى.

[7] لو كان التوسل والاستغاثة بعد اعتقاد أن المؤثِّر هو الله تعالى وحده شِرْكاً كما يزعم البعض ، لكانت معاونة بعضنا بعضاً في قضاء المصالح شركاً . وهذا باطل بالضرورة .

[8] لماذا تجعل الطالب من الأنبياء والأولياء مشركاً ولا تجعله مشركاً عندما يطلب من الوزير أو الأمير ؟، فإن الله تعالى لا شريك له في أمور الدنيا ولا في أمور الآخرة .

[9] وفي كتاب الفوز والنجاة في الهجرة إلى الله ( ص 202و203 ) : (( قال الرَّملي : الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين والأولياء والعلماء والصالحين جائزة ، وللرسل والأنبياء والأولياء والصالحين إغاثة بعد موتهم . لأن معجزة الأنبياء وكرامات الأولياء لا تنقطع بموتهم . أما الأنبياء فلأنهم أحياء في قبورهم يصلون ويحجون كما وردت به الأخبار، وتكون الإغاثة منهم معجزة لهم. والشهداء أيضاً أحياء شوهدوا نهاراً جهاراً يقاتلون الكفار. وأما الأولياء فهي كرامة لهم . فإن أهل الحق على أنه يقع من الأولياء بقصد وبغير قصد أمور خارقة للعادة يجريها الله تعالى بسببهم . والدليل على جوازها أنها أمور ممكنة لا يلزم من جواز وقوعها محال ، وكل ما كان هذا شأنه فهو جائز الوقوع ... وقد جرت خوارق على أيدي الصحابة والتابعين ومن بعدهم لا يمكن إنكارها لتواتر مجموعها. وبالجملة ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي، لا فارق بينهما إلا التحدي . اهـ .

أما الشرك فهو أن تطلب من غير الله على أنه إله مع الله يعطي ويمنع بغير إذنه ... ولا شك أن من استغاث بالولي أو النبي لم يستغث به على أنه شريك لله أو يفعل بغير إذن الله ، حتى لو فرضنا أن ذلك لم يكن حاضراً في نفسه فهو كامن فيها بمقتضى قوله : لا إله إلا الله ... بل عرفنا أن هناك مقرَّبين وغير مقرَّبين ، وهناك من تُجاب دعوته وتُرجى شفاعته ، ومن ليس كذلك. ولهذا كان صلى الله عليه وسلم الشفيع الأعظم في الآخرة ، وبعده الأنبياء والأولياء والعلماء كما جاء في السنة ... ثم تقول بعد ذلك إن المتوسل إلى الله معترف بمقتضى توسله أن المعطي والمانع إنما هو الله ، ولكنه يقول : إن الولي أو النبي أقرب إلى الله مني ، وله عند الله جاه وحُرمة ، وذلك حق لا نزاع فيه ... وفي إمكان روح الولي أن تدعوَ له ، وتطلب من الله قضاء حاجته . والأرواح عند المسلمين باقية بعد الموت ، ولها أفعال وأقوال في البرزخ ، وطالما جاءت في المنام فأرشدت المسترشدين ، وأغاثت الملهوفين . ولا نزال نقول : ما الفرق بين الطلب من الأنبياء وغيرهم من أهل الدنيا ؟، وهل هناك فرق بين أمور الدنيا وأمورِ الآخرة ، وبين الأحياء والأموات عند المسلمين الذين يعتقدون بقاء الأرواح وعدم فنائها ، بمقتضى ما دلت عليه الأحاديث المتواترة في عذاب القبر ونعيمه ، وفي حياة الأنبياء)) اهـ .

قلتُ : هذا الكلام خاص بالأنبياء والصديقين والشهداء الذين ثبتت لهم الحياة بعد الموت بنص القرآن الكريم. وهم أحياء في قبورهم ، وأحياء عند ربهم . وبما أن المسلم العادي الميت في قبره يرد السلام على من سلَّم عليه ، فما بالك بالأنبياء والصديقين والشهداء الذين هم أحياء في قبورهم وعند ربهم ؟! ، ومما لا شك فيه أن حالهم عند ربهم أعظم وأكمل من حالهم في قبورهم . كما أن الحياة بعد الموت أثبتناها ، وهذا نَص عام شامل لمن في القبر ، ومن عند ربه تعالى ، والمسألة تظل على عمومها حتى يرد دليل التخصيص ولا دليل .

[10] إن الاستغاثة بالله تعالى والتوجه إليه مباشرة هي الأفضل والأعظم ، وهذا لا يضاد التوسل والاستغاثة بالمخلوقين في نطاق قدرتهم .

وهكذا أخي المسلم يتضح لك الموضوع مُؤَصَّلاً وفق الكتاب والسنة الصحيحة . وتذكر أن الرجال يُعرَفون بالحق، والحق لا يُعرَف بالرجال . وقد يَسَّرْنا عليك الأمر بما قدمنا من براهين جلية ودلائل قاطعة تشفي كل مشتاق إلى الشفاء . أما المتعصبون الذين يرمون الناس بالشرك والبدعة فهم أبعد ما يكونون عن منهج الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . وإنني أدعو إخواننا الذين يسمون أنفسهم بالسلفيين إلى تمييز مقولات السلف الصالح عن مقولات ابن تيمية وابن القيم ، وهذا هو اللبس المريع الذي وقع فيه الكثيرون . وأدعوهم كذلك على مقارعة الحجَّة بالحجة بعيداً عن رمي العلماء المخالفين لهم بالجهل والبدعة والشِّرك دون وجه حق .

فعن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن ما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى إذا رئيت بهجته عليه وكان ردئاً للإسلام غَيَّره إلى ما شاء الله ، فانسلخ منه ونبذه وراء ظهره ، وسعى على جاره بالسيف ، ورماه بالشِّرْك )) ، قال : قلتُ : يا نبي الله ، أيهما أولى بالشرك المرمي أم الرامي ؟ قال : (( بل الرامي ))[ صحَّحه ابن حِبَّان ( 1/ 281 ) ، وقال ابن كثير في تفسيره ( 2/ 351): (( إسناد جيد )) ] .