النظام الشعري وثورية اللغة
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .
كلُّ لغةٍ اجتماعيةٍ هي نظام شِعري غامض يتضح أثناء
عملية التنقيب في منجم الرموز الإنسانية . ولا تقف عمليةُ التنقيب عند الظواهر
المعرفية ، وإنما تمتد إلى اكتشاف كَيْنونة الشعور ، وأطوارِ الفكر الثقافي .
الأمرُ الذي يُمهِّد الطريقَ أمام لغويات الأداء الاجتماعي كي تنتشر في الجسد
الشعري ، وتَكسر الحصارَ المفروض على التفسير الزمكاني للأبجدية الوجدانية . مما
يَمنحنا فرصةً حقيقية لبناء تصور جديد لثورية اللغة ، وتكوين مفاهيم ذاتية للكُمون
الشعوري في وجدانية النص .
إن النص
الشعري هو التشابك المعرفي للنصوص. وكلُّ صوتٍ هو _بالضرورة_ صدى قديم ، وكلُّ
حركة هي تلبية لنداء قديم يَنبعث فينا على شكل إشراقاتٍ لغوية عابرة للزمكان.
والكتابةُ الإبداعية هي تجسيد لغوي مُقْتَبَس من كَيْنونة الرائي ، واندلاعِ
الرؤية الجوانية المتمردة على انهيارات العقل السُّلْطوي الذي تمثله المجتمعات
المقموعة القامعة .
وعلى الرغم
من كَوْن النص عملاً جماعياً يشترك كل الناس في كتابته، وما على الشَّاعر الرائي
إلا تدوينه، إلا أن الشَّخْصنة _ باعتبارها أحاديةَ المدلول وسياسةً للتكوُّن
العقلاني للأبجدية _ لها وزنها الذي لا يمكن تهميشه ، وذلك راجع إلى عدم إمكانية
تجاوز الفردية الشِّعرية في مشروع بناء الكل. فالجزءُ _ مهما كان صغيراً _ لا
نستطيع تجاوزه ، لأن صرح المعقولات الزمكانية الوجدانية الكلية لا يقوم إلا على
الجزء باعتباره النواة المركزية ، والمنبع الحقيقي للأمواج الفكرية .
وإذا تضافر
الجزءُ والكل ضمن منظومة تكاملية متآلفة ، فإن عقلَ القصيدة الرائي سينجح في تشييد
التلاحم الوظيفي للأبجدية المتكوِّنة من شظايا روحِ النص ، والمبنيةِ على تطبيقات
المنحى الرمزي التصاعدي ، مما يؤدي إلى إحداث انقلاب جذري في المضامين اللغوية .
وبالطبع ، فهذا الانقلاب يَحمل في جَوْفه تجديداً لجغرافية النص الحتمي ، وبوصلةً
وجودية تشير إلى اتجاهات الأنسنة التثويرية .