ماهية التحولات في العوالم الشعرية
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد .
اللغةُ الشعرية هي قوةٌ موجودة وقائمة
بذاتها سواءٌ تم التعبير عنها أم لا . والشاعرُ هو شاعرٌ قبل أن يَكتب الشِّعرَ ،
لأن الوجود سابق على التواجد . أي إن وجود البذرة الخفية سابقٌ على وجود الشجرة
الظاهرة. والبذرةُ الشعرية تمتلك شرعيةَ وجودها حتى لو لم تَظهر في حيز الوجود ،
تماماً كالجنين الموجود في بطن أمه ، فهو يمتلك شرعيةَ وجوده حتى لو لم يظهر للعلن
ويأخذ مكانه تحت الشمس . وهذه الأفكار المركزية شديدة الأهمية في عالَم الفكر
الشعري، لأنها بمثابة أعمدة البِناء .
وكما أن
البِناء لا يمكن أن يَقوم بدون أعمدة، فإن القصيدة لا يمكن أن تقوم بدون قواعد
فلسفية راسخة . فالأساسُ المتين هو الذي يَمنح الثقةَ لباقي العناصر ذات الطبيعة
الفَوْقية . وعليه ، يصير الحلمُ الشعري بحد ذاته انقلاباً وجودياً حاسماً في
البنى التاريخية للشعور الإنساني ، ولغوياتِ النَّص .
ومن الأهمية
بمكان أن ندرك أن القصيدة _ أولاً وأخيراً _ هي جَسَدٌ حي لا يموت ، ويَملك
القدرةَ على التَّجسُّد والتجسيد . وهذان القطبان ( التجسد " الفعل " /
التجسيد " التفعيل " ) يضمنان تحولَ الأنساق اللغوية إلى أنساق اجتماعية
واقعية ذات فاعلية محورية ، كما يَضمنان تحويلَ الشكل الشعري المتنوع إلى أشكال
إنسانية لا نهائية تملكَ مزايا الخلاص والتخليص ، خلاصُ الفرد والجماعة عن طريق
تخليص الفرد من ضغط الجماعة ، وتخليص الجماعة من انتقادات الفرد .
وكلُّ هذه
الفعاليات الفكرية تُفرِز نتائج أساسية تصبح _ فيما بعد_ مُسلَّمات بفعل شرعية
المضمون الذاتي للفكرة، وشرعيةِ الأمر الواقع. فيصبح الحلمُ هو الحالِمَ ، والفعلُ
هو الفاعل ، والقصيدةُ هي الشاعر ، والشاعرُ كُلَّ الناس سواه. وهذه الأبنية
الاجتماعية للرمزية الحالمة تتداخل مع المنظور الذي يَصهر امتداداتِ الحلم في طبقات
القصيدة التفاعلية . وبالطبع ، فهذه عملية لا تنتهي ، لأن القصيدة هي عملية حَفْر
متواصلة ، وتنقيب لا ينتهي .
إننا نحفر
موتنا في عظام القصيدة لنحصل على الحياة المقطَّرة مخيالياً وواقعياً ، والتي
تمنحنا الخلودَ ، ونحفر خنادقَ أحزاننا في رياح اللغة لننتزع الضوءَ من أشد
اللحظات ظلاماً .