سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] بحوث في الفكر الإسلامي [16] التناقض في التوراة والإنجيل [17] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [18] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [19] عقائد العرب في الجاهلية[20]فلسفة المعلقات العشر[21] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [22] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [23] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [24]مشكلات الحضارة الأمريكية [25]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[26] سيناميس (الساكنة في عيوني)[27] خواطر في زمن السراب [28] أشباح الميناء المهجور (رواية)[29]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

10‏/05‏/2014

الزواج في الجاهلية

الزواج في الجاهلية

من كتاب / الأساس الفكري للجاهلية

تأليف: إبراهيم أبو عواد .

facebook.com/abuawwad1982

............................


     تُعتبَر المرأة في العصر الجاهلي مجرد وسيلة للتكاثر وآلة للتفريخ وجزءاً من الأثاث المنزلي _ لا أكثر ولا أقل _ . فالتجمع الجاهلي ذكوري قمعي من الدرجة الأولى . فالامتيازات القَبَلية كلها تُمنَح للرجل بوصفه السَّيد المطْلق في البيئة البدائية العشائرية المبنية على الظلم والاضطهاد والانغلاق، والتي تدور حول محور واحد هو الذَّكَر . فالأفكار الخاطئة المتوارثة والمناوئة للآخر الأنثى ، تجعل للذكر الحظوة والمكانة ، وللأنثى العار والمهانة والازدراء . وكل ذلك إنما يرجع إلى الأنساق الفكرية التحطيمية للكيان البشري ، والتي لا تحترم كينونةَ الفرد ، بل تقمعها وتلغيها لصالح الذكر . وهذا امتداد لعقلية التخلف الضاربة جذورها في أعماق الجماعة الجاهلية.  
     قال عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه _ : (( والله إِن كُنا في الجاهلية ما نَعد للنساء أمراً حتى أنزل الله فيهن ما أَنزل وقسم لهن ما قسم )){(1)}.
     وهكذا نجد أن طبيعة التفكير البدائي داخل المحيط الوثني تفترض أن المرأة ليست بشيء ، وأنها غير ذات أهمية. فلما جاءت الشريعة المحمَّدية الإسلامية بيَّنت أن للنساء حقوقاً، وعليهنَّ واجبات، وأن الله تعالى أنزل فيهن قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة، لدرجة أن هناك سورة في القرآن الكريم تحمل اسم النساء . أضف إلى هذا ما قسم اللهُ لهن من الحقوق المعنوية والمادية في المواريث والوصية والذمة المالية المستقلة ، وحق اختيار الزوج ، ومباشرة الأعمال التجارية وغير ذلك ، فقد كانت النساء لا يُورّثن في البيئة الجاهلية، ولم يكن يَجْرُؤْنَ على المطالبة بنصيبهن من الميراث خضوعاً للعادات والتقاليد التالفة .
     وحينما جاء الإسلام أعطى المرأة كامل حقوقها التي تحترم كيانها . فالمرأة في الإسلام لها ذمة مالية مستقلة ، ومن حقها ممارسة التجارة ومباشرة الأعمال التجارية كالبيع والشراء دون ضغط من أحد. كما أنها تتحكم في مالها كما تشاء ما دامت عاقلة ، وليس لأحد _ مهما كانت قرابته _ أن يسلبها إياه ، أو أن يُحوِّل مجراه ، أو أن يأخذ منه شيئاً دون طيب نفس . وليس للجماعة ولا لولي الأمر الذي يمثلها أن يتدخل في الشؤون الخاصة للأفراد رجالاً أو نساء ، ما دام أنه لم تُنتهَك حرمة أمر ديني . 
     وأعفى الإسلام المرأة من عِبء الإنفاق على بيتها ، وأوجب على الرجل الإنفاق على البيت، فإن أنفقت المرأة فهذا فضل منها ، وإن لم تنفق فلا تثريب عليها . ومن هنا يتبين لنا لماذا لا يجوز للرجل إعطاء الزكاة لامرأته، إذ إن من الواجب عليه الإنفاق على زوجته . أما الزوجة فيحق لها إعطاء الزكاة لزوجها إذا كان من الأصناف التي تُعطى لهم الزكاة لأنها غير مطالبة بالإنفاق عليه .
     ففي صحيح البخاري ( 2/ 531 ): عن أبي سعيد الخدري_ رضي الله عنه _: أن زينب امرأة ابن مسعود قالت : يا نبي الله ، إنك أَمرتَ اليوم بالصدقة وكان عندي حُلي لي ، فأردتُ أن أتصدق به ، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقتُ به عليهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( صدق ابن مسعود، زَوْجك وولدك أحق من تصدقتِ به عليهم )) .
     والمرأة عنصر ضعيف في المجتمع ، لا تملك القوةَ لأخذ حقها بيدها أو المطالبة به بشكل واضح ومتماسك . وقد صانت الشريعةُ مكانةَ المرأة وحَفظت حقوقَها لئلا تصبح الأنثى هي الحلقة المسحوقة في زحمة الحياة اليومية ، وضجيجِ اللهاث وراء المادة . لذا ليس غريباً أن يحفظ الإسلامُ أموالَ النساء، ويؤسس تشريعاتٍ خاصة بذلك. فالإسلامُ لا يَقبل الاستغلال ولا يُبرِّره بأي شكل. وهذا يدل على منهجية احترام حقوق المرأة المعنوية والمادية، وصيانتها من عبث العابثين، واستغلالِ الذين يرون في المرأةَ فريسةً سهلة .
     قال اللهُ تعالى : } وآتوا النساءَ صَدُقاتهن نِحْلةً  {[ النساء : 4] .
     فقد أوجب اللهُ تعالى على الرجال إعطاءَ النساء مهورهن كاملةً . وجعل _ سبحانه _ هذا الأمرَ فريضةً واجبة لا مجال للتلاعب بها أو الالتفاف حولها .
     وقال المطرزي في المغرب في ترتيب المعرب ( 2/ 292) : (( ( نحَله ) كذا : أي أعطاه إياه بِطِيبةٍ من نفْسه من غيرِ عِوَض ... و( النِحْلة ) : العَطِية )) اهـ .
     وقد كانوا في الجاهلية يستغلون المرأةَ أبشع استغلال ، فلا يُعطونها من المهر شيئاً ، بل يأخذونه كاملاً . وبالطبع فالمرأةُ لا تملك غير الرضوخ للأمر الواقع ، فهي لم تتعود على المطالبة بحقها ، كما أن المجتمع العربي البدائي موغل في الذكورية المناوئة للأنوثة . فالعربُ البدائيون لم يكونوا يقيمون وزناً للمرأة ، فهم يَنظرون إليها على أنها عنصر هامشي يتلقى الأوامرَ ويُنفِّذها بلا تفكير أو معارَضة .
     وفي زاد المسير( 2/ 10و11):(( قَوْله تعالى :} وآتوا النساءَ صَدُقاتهن نِحْلةً { اختلفوا فيمن خُوطِب بهذا على قَوْلَيْن : أحدهما _ أنهم الأزواج ، وهو قول الجمهور . واحتجوا بأن الخطاب للناكحين قد تقدم ، وهذا معطوف عليه . وقال مقاتل : كان الرجل يتزوج بلا مَهر ، فيقول : أَرِثُكِ وتَرِثيني ، فتقول المرأة : نعم . فَنَزَلتْ هذه الآية ، والثاني : أنه مُتَوَجِّه إلى الأولياء ، ثم فيه قَوْلان : أحدهما أن الرجل كان إذا زَوّج أَيِّمة جاز صداقها دونها، فَنُهوا بهذه الآية ، هذا قول أبي صالح، واختاره الفراء وابن قتيبة . والثاني أن الرجل كان يُعطي الرجلَ أُخته ويأخذ أُخته مكانها مِن غَيْر مَهر، فَنُهوا عن هذا بهذه الآية، رواه أبو سليمان التيمي عن بعض أشياخه )) اهـ .
     وعدمُ الزواج بلا مَهْر هو استغلال للمرأة، ومحاولة التفافية للاستمتاع بها مجاناً، وما رضوخُ المرأة لهذا الأمر إلا تسليمٌ بِحُكم الأمر الواقع في مجتمع ذكوري لا يَرْحم ، ولا يُدخِل المرأةَ في حساباته ، ولا يَعترف بالقيمة الإنسانية لها . فهي مجرد جسد جِنسي ، ووعاء للشهوة ، وآلة ميكانيكية للتفريخ .
     ويَظهر الاستغلال أيضاً في تزويج الأيِّمة ، وهي التي سبقَ لها الزواج ، فإما أن تكون أرملة أو مُطلقة . وقال الحافظ في الفتح ( 1/ 83 ) : (( وقِيل : مَن لا زَوْج لها ولو كانت بِكراً )) اهـ .
     فالمجتمعُ الجاهلي يَنظر إلى الأيِّمة كعِبء زائد ، وحِمل ثقيل ينبغي التخلص منه في أقرب فرصة. فكانَ الرجلَ إذا زوّج هذه المرأةَ المسحوقة استغلها أبشع استغلال، إذ إن تركيزه على صداقها ، والمالَ الذي يُمكن أن يَكْسبه بسببها . وهكذا صارت المرأةُ سِلعةً للبيع ، وسبباً رئيسياً للحصول على الثروة والمنفعة المادية .
     وأيضاً ، يُمثِّل إعطاء الرجل أُخته لِرَجل آخر وأخذ أُخته من غير مَهر ، شكلاً للابتزاز والاستغلال والوصول إلى المتعة بأقل تكلفة ممكنة ، وفي كل الحالات تكون المرأةُ هي الحلقة الأضعف ، والفريسة الخانعة ، والصيد السهل ، والشهوة المجانية.
     وفي العُجاب في بيان الأسباب( 2/ 829 ) عن الكلبي وجماعة قالوا عن الآية السابقة : (( هذا خطاب للأولياء.وذلك أن وَلِي المرأة كان إذا زَوّجها، فإن كانت معهم في العشيرة لم يعطها من مهرها قليلاً ولا كثيراً ، وإن كان زوجها غريباً حملوها إليه على بعير ولا يعطونها من مهرها غير ذلك ، وكذلك كانوا يقولون لمن وُلدت له بنتاً : هنيئاً لك النافحة ، أي يأخذ في مهرها إبلاً يَضُمها إلى إبله ، فَيُكَثِّرها بها ، فنهاهم اللهُ عن ذلك ، وأمر بأن يُعطَى الحق لأهله )) اهـ .
     إن المرأة العربية كانت في مَوْضع الشراء والبيع ، والعَرْض والطلب . فهي سِلْعةٌ يُسعَى لترويجها بُغية جني أكبر قَدْر من الأرباح. وهي لا تَعدو عن كَوْنها مشروعاً تجارياً استثمارياً لزيادة أرصدة أوليائها من الإبل        ( عصب الاقتصاد العربي ). وهذا يشير إلى المكانة المتدنية للمرأة ، وأن هناك ثقافةً مجتمعية مسعورة تتمحور حول استغلالها وامتهانها .
     وقد ألغى الإسلامُ هذه المظاهر اللاإنسانية ، وحمى المرأةَ من الذئاب البشرية ، ووضع التشريعاتِ الخالدة لحفظ حقوقها .
     ولنُعرِّج على مسألة الزواج ( النكاح ) في الجاهلية لنعلم مقدار الظلم الذي لحق بالمرأة . فهي سِلعة رائجة ضمن تجارة رسمية تُوَفِّر المتعةَ للرجل بأقل تكلفة .
     ففي صحيح البخاري ( 5/ 1970 ): عن أم المؤمنين السيدة عائشة_عليها السلام _ قالت : (( إن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء ، فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها، ونكاح آخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبداً حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه ، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح نكاح الاستبضاع، ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها ، فإذا حملت ووضعت ومَر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم ، فلم يستطع رَجل منهم أن يمتنع ، حتى يجتمعوا عندها تقول لهم : قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان ، تسمي من أحبت باسمه ، فيلحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل ، ونكاح رابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا كُن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علماً فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لهم القافة ثم ألحقوا ولدها بالذي يَرَوْن ، فالتاط به ودعي ابنه ، لا يمتنع من ذلك . فلما بُعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاحَ الجاهلية كله ، إلا نكاح الناس اليوم )) .
     إذن ، كانت الفلسفة الاجتماعية في الجاهلية تتمحور حول موضوع النِّكاح( الزواج ) . وهذا غير مستغرب، لأن الزواج هو العنصر الأشد تأثيراً في الحِراك الاجتماعي.كما أن مركزية الزواج تدور حول المرأة ، وهي الموضوع الأكثر حضوراً في سياسة القمع الجاهلية ، باعتبار أن المرأة هي نقطة الضعف ، والكائن المكسور مهيض الجناح ، والذي يَسهل قهره واستعباده .
     فالنوعُ الأول من النكاح هو المعروف لدى جميع الناس. فهم يَسعون إلى تكوين أُسر ، وإشباع الرغبة الجنسية ، وأن يُخلِّدوا ذِكْرهم عبر التكاثر وإنجاب الأبناء والأحفاد . وهذه حاجة نفسية إنسانية في كل العصور تَجري منذ بدء الخليقة بلا نكير أو اعتراض .
     والنوعُ الثاني هو نِكاح الاستبضاع . فَيَطلب الرجلُ من زوجته أن تذهب إلى رَجل ما لكي يُجامعها طمعاً في قدوم ولد فاضل نفيس يتمتع بصفات النجابة . وهذا التصرف يبدو غريباً ، وذلك لأن المجتمع الجاهلي يتحلى بقيم الفروسية والشرف والتفاخر بالآباء وسيادة القبيلة ... إلخ . ولكنْ ينبغي رؤية الجانب الآخر من حياة بعض العرب في الجاهلية الذين ارتكبوا الكوارثَ على كل الأصعدة ، وغطسوا في الدياثة ( عدم الغَيْرة ) لدرجة أن يطلب الرجلُ من زوجته الذهاب إلى رَجل آخر لكي يمارس معها الجنس . وكل هذه الأمور ستبدو عاديةً في ظل غياب الهداية الربانية .
     وقال العيني في عمدة القاري ( 20/ 122) : (( فاستبضعي ، أي اطلبي منه المباضعة أي المجامعة ، وهي مشتقة من البُضْع وهو الفَرْج ... وكانوا يطلبون ذلك اكتساباً من ماء الفحل، وكانوا يطلبونه من أشرافهم ورؤسائهم وأكابرهم )) اهـ.
     والنوعُ الثالث، يجتمع ما دون العشرة رِجال ، فَيَدخلون على المرأة فيُجامعونها، وبعد أن تَحبل وتلد ، تطلب هؤلاء الرِّجال، وتنسب الولدَ إلى الرجل الذي تحبه، فلا يَقدر الرجل على التهرب ، والولدُ يُلحَق به . وهذا العشق الغريزي  الفوضوي يَعكس انتكاسة أهل الجاهلية على مستوى العاطفة وترجمتها إلى فعل جنسي .
     والنوعُ الرابع ، حيث يجتمع الرِّجالُ فيدخلون على الزواني أصحابِ الرايات التي تُعلّق على الأبواب كإشارة إلى ممارسة الزنا. وهذا النوعُ هو تقنين للزنا وإعلان رسمي للبِغاء دون نكير . إنها تجارة بالرقيق الأبيض في وضح النهار . وفي هذا دلالةٌ على التطرف الجنسي في المجتمع الجاهلي ، ونظرةِ الاحتقار الموجّهة للمرأة .
     وقال الحافظ في الفتح ( 9/ 185) : (( القافة جمع قائف ... وهو الذي يعرف شبة الولد بالوالد بالآثار الخفية...قوله فالتاطته أي استلحقته به، وأصل اللوط بفتح اللام ، اللصوق )) اهـ.
     إن الجاهلية قد لعبت بالمرأة ، وحولتها إلى كومة غرائز ملقاة في يد من يشاء. حتى إن النكاح في الجاهلية كان عدة أنواع ، وهذا التنوع إنما هو لاستغلال المرأة واللعب بعواطفها ، واستغلال كيانها البشري أبشع استغلال. وفي نكاح الاستبضاع بلغ الزوج الدرك الأسفل من الإنسانية ، فهو يأمر زوجته أن تذهب إلى شخص ما ليستمتع بها ويضاجعها ، متناسياً كل عادات النخوة والشهامة والغيرة على العِرض، حتى قبل مجيء الرسالة المحمَّدية الإسلامية . وإنما يفعل ذلك طمعاً في نجابة الولد . ودخول الرهط من الرجال على المرأة ، كلهم يصيبونها ، فهذا قمة القذارة والانحطاط المادي والمعنوي . وما تفعله الزواني من نصب الرايات لاصطياد الرجال يُعتبر الغاية في استغلال المرأة والمتاجرة بالطاقة الجنسية {(2)}، تلك النعمة العظيمة التي منحنا إياها اللهُ تعالى لبقاء النوع الإنساني وإعمار الأرض .
     وقد ألغت الشريعةُ الإسلامية نكاحَ الجاهلية إلا نكاح الناس اليوم . وأعطى الإسلامُ للمرأة حق تزويج نفْسها لمن تشاء دون ولي . قال الله تعالى : ] وَإِذَا طَلقْتُمُ النسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُن فَلا تَعْضُلُوهُن أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُن إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ [ [  البقرة  : 232] . وقال اللهُ تعالى :] فَإِن طَلقَهَا فَلا تَحِل لَهُ مِن بَعْدُ حَتى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [ [البقرة: 230] .
     ففي هاتين الآيتين إسناد الزواج إلى المرأة ، والأصل في الإسناد أن يكون إلى الفاعل الحقيقي{(3)}.
     وهكذا نرى أن الإسلام تصدى للهلوسات الجاهلية والتخريف والمهزلة الوثنية في العلاقات الاجتماعية . ومن أهم العلاقات الاجتماعية الزواج {(4)} ، لذلك حرص الإسلام على إلغاء كل ما يمس المرأة من سوء، أو يخدش كرامتها وإنسانيتها ، فألغى نكاح الجاهلية إلا نكاح الناس اليوم تأسيساً لمرحلة جديدة من التعامل مع الإنسان من منطلق احترام كينونته، وانتشالاً للأفراد من مستنقع الجاهلية الآسن، ومنظومة العادات والتقاليد والانحرافات الوثنية .
     لقد أعلنَ الإسلامُ حرباً مفتوحةً على التقاليد الجاهلية التي تَضطهد الأنثى ، وتَنظر إليها كلُقمة سائغة ، وفريسة سهلة ، ووضعَ الشرائعَ لحماية وجودها وحقوقها . وهذا واضحٌ في نصوص القرآن والسنة .
     ومِن العناصر الضعيفة في المجتمع اليتيمةُ ، فهي أنثى مكسورة ، تَجد نَفْسَها وحيدةً في غابة الرجال الذين يتربصون بها ، ويَنتظرون الفرصةَ المناسبة للانقضاض عليها ، أو الاستحواذ على مالها . والإسلامُ لم يَتْركها تواجِه مصيرها بنفْسها ، بل أحاطها بسياج من الحماية .
     قال اللهُ تعالى : ] ويَستفتونك في النساء قُل اللهُ يُفتيكم فيهن وما يُتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كُتب لهن وترغبون أن تنكحوهن [[ النساء : 127] .
     يُوضح اللهُ تعالى للمؤمنين قضيةَ اليتيماتِ اللواتي يُرغَب في نكاحهن لجمالهن أو مالهن ، ولا يتم دَفْعُ مهورهن ، وذلك بسبب ضعفهن ، واستغلالاً لوضعهن الاجتماعي . وقد نهى اللهُ تعالى عن هذا الفعل الشنيع الذي يدل على الابتزاز ، واستغلالِ نقاط ضعف الآخرين .
     وعن السيدة عائشة _ رضي الله عنها _ : في قَوْله تعالى : ] وما يُتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كُتب لهن وترغبون أن تنكحوهن [. قالت : (( هذا في اليتيمة التي تكون عند الرجل ، لعلها أن تكون شريكته في ماله وهو أَوْلى بها ، فيرغب عنها أن يَنكحها فيعضلها لمالها ، ولا يُنكحها غَيْرَه كراهية أن يشركه أحد في مالها )){(5)}.
     إن هذا الرجل يُركِّز بشكلٍ كامل على مال اليتيمة ، فهو ليس مَعْنياً بوجودها الإنساني ، أو مشاعرها ، أو أحلامها ، وإنما هو معنيٌّ بالسيطرة على مالها بكل الوسائل . وإذا لم يَرغب أن يتزوجها، وذلك لقُبحها، أو عدم حُبِّه لها، فإنه يَمنعها من الزواج بشخص آخر لئلا يُسيطر زَوْجُها على مالها ، فيصبح له شريكاً ، مما قد يُؤدي إلى خسارة مالية جسيمة .
     وفي الدر المنثور ( 2/ 709) : (( وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال : كان الرجل في الجاهلية تكون عِنده اليتيمة ، فَيُلقي عليها ثَوْبَه ، فإذا فَعل ذلك لم يَقْدر أحدٌ أن يتزوجها أبداً، فإن كانت جميلة وهَوِيَها ، تزوجها وأكل مالها، وإن كانت دميمة منعها الرجال أبداً حتى تموت، فإذا ماتت وَرِثها، فحرّم اللهُ ذلك ونهى عنه، وكانوا لا يُورّثون الصغار ولا البنات ، وذلك قَوْله : ] لا تؤتونهن ما كُتب لهن [ ، فنهى الله عنه ، وبَيّن لكل ذي سهم سَهْمه ، صغيراً كان ، أو كبيراً )) اهـ .
     إن إلقاء الثوب على اليتيمة مؤشرٌ واضح على اعتبار المرأة بضاعةً ومِلْكاً شخصياً ، دون أي اعتبار لشخصيتها الاعتبارية ، أو كيانها الأنثوي ، أو مشاعرها الإنسانية . وهذا الفِعل ( إلقاء الثوب ) بمثابة حَجْز المرأة وسَجنها ، لمنع الآخرين من الاقتراب منها ، أو التفكيرِ بالزواج منها .
وإذا كانت اليتيمة جميلةً ، وأحبها الرجل ، فعندئذ يتزوجها لتحقيق مصلحته الشخصية ، فيَستمتع بها ، ويأكل مالَها . أما إذا كانت قبيحةً ، فيمنعها من الزواج لئلا يستحوذ زوجُها على مالها ، وهذا المنع يستمر حتى موتها، فإذا ماتت ورثها . وهكذا تكون الأنثى قد عاشت في عذاب لانهائي، وقَضت حياتها سجينةً ، ومحكومةً بالأشغال الشاقة المؤبّدة .
.............الحاشية...................
{(1)} متفق عليه.البخاري(4/1866)برقم(4629)،ومسلم(2/1105)برقم( 1479).
{(2)} الأصل في الطاقة الجنسية أنها نعمة عظيمة ، أودعها اللهُ تعالى في جسد الإنسان لاستبقاء النوع والتكاثر وإعمار الأرض . وهناك من يوجهها في الطريق الخاطئ ، فهؤلاء هم الذين أساؤوا وتنكبوا الصراط المستقيم ، وليس الذَّنْب ذَنْب الطاقة الجنسية.
{(3)} كما أن المرأة تستقل بعقد البيع وغيره من العقود ، فمن حقها أن تستقل بعقد زواجها ، إذ لا فرق بين عقد وعقد . وقال جمهور الأحناف : (( وأحاديث اشتراط الولاية في الزواج تُحمَل على ناقصة الأهلية ، كأن تكون صغيرةً ، أو مجنونة .. وتخصيص العام ، وقصره على بعض أفراده بالقياس جائز عند كثير من أهل الأصول )) [ فقه السنة للسيد سابق ( 2/ 200) ] .
{(4)} اعتبر الإسلامُ أن الزواج رباط مقدّس يشكل أهم العلاقات الاجتماعية على الإطلاق ، واعتبره آية باهرة من آيات الله تعالى . قال الله تعالى : ] وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم من أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم موَدةً وَرَحْمَةً إِن فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لقَوْمٍ يَتَفَكرُونَ  [ [ الروم : 21 ] . أضف إلى هذا أن علماء الاجتماع يعتبرون الزواج العنصر الأكثر فاعلية في الحِراك الاجتماعي .
{(5)} رواه البخاري ( 5/ 1971) واللفظ له ، ومسلم ( 4/ 2313) .