سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

27‏/05‏/2014

التبرج والعري في الجاهلية

التبرج والعري في الجاهلية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982 

.......................

إن الحياةَ الاجتماعية في الجاهلية نسقٌ ضاغط على المرأة باعتبارها الطرف الأضعف ، والحلقة المكسورة . وهذا النسقُ الصحراوي العنيف قد حَصَرَ المرأةَ في دائرة الإغراء والزِّينة والشهوة . مما أدَّى إلى تبرُّج النساء بشكل أو بآخر . فالبيئةُ الجاهلية أقنعت المرأةَ بأن وجودها مرتبط بما تقدِّمه وتعرضه من جسدها . فَكُلما عَرَضت مساحةً أكبر من لحمها ومفاتنها صارت مطلوبة أكثر ، يُعجَب بها الرجال ، ويتسابقون لخطبِ وُدِّها . فالجاهليةُ ألغت عقلَ المرأة ، وحشرتها في زاوية الغريزة . فاقتنعت المرأةُ أن لا وجود لها خارج نطاق الشهوة . وللأسف فإن المرأة ككائن حي قد تم اختزاله في الجسد . وهذه نتيجة متوقَّعة لثقافة الجاهلية الاختزالية التي تنظر إلى جوانب مُحدَّدة في البشر ، وعناصرِ الطبيعة ، والشَّعائرِ الدينية . لذا فإن التهميش والاختزال هما من أبرز أركان فلسفة الجاهلية في تعاملها مع الأشياء .   
     قال الله تعالى : ] وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [ [ الأحزاب: 33]{(1)}.
     والتبرجُ هو إظهار المرأة لزِينتها ومفاتنها ، وهو انعكاس طبيعي لحالة الجماعة البشرية التي سلَّعت المرأةَ (أي جعلتها سِلعة دنيئة )، وأدخلتها في التشيؤ الرخيص ( أي جعلتها شيئاً غير ذي قيمة ). فأضحت المرأة تضحِّي بجسدها وتعرضه على العامة مقابل أن تلقى الاهتمام والإشباع الذاتي ، ولكي تُقنِع نَفْسَها أنها قادرة على الإغراء وجذب الرجال{(2)}.
     والمرأةُ في الجاهلية كانت حريصةً على إظهار زِينتها ، وكشفِ مفاتنها ، لإغراء الرجال ، والاستحواذ على اهتمامهم ، فكانت المرأةُ تمشي بين الرِّجال ، كما أن مِشْيتها فيها تكسُّر وتغنُّج وتَبَخْتُر .
     وعن ابن عباس_ رضي الله عنهما_ أنه تلا هذه الآية: ] وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [، قال :     (( كانت فيما بين نوح وإدريس ألف سنة ، وأن بَطْنَيْن مِن وَلَد آدم كان أحدهما يَسكن السهل ، والآخر يَسكن الجبلَ ، وكان رِجالُ الجبل صِباحاً_ يعني جَمِيلين مُشرِقين _ ، وفي النساء دَمامة _ يعني قُبْحاً _ ، وكانت نساء السهل صِباحاً ، وفي الرجال دَمامة ، وأن إبليس أتى رَجلاً من أهل السهل في صورة غلام ، فجاء فيه بصوت لم يَسْمع الناسُ مِثْلَه فاتخذوا عِيداً يَجتمعون إليه في السَّنة، وأن رَجلاً من أهل الجبل هجم عليهم، وهُم في عيدهم ذلك ، فرأى النساء وصَباحتهنَّ، فأتى أصحابه، فأخبرهم بذلك فتحوَّلوا إليهنَّ ، ونَزلوا معهنَّ ، فَظَهَرَت الفاحشةُ فِيهنَّ ، فذلك قَوْل الله _ عَزَّ وَجَلَّ _ : ] وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [ )){(3)}.
     إن السلاحَ الفعَّال للشيطان هو الشَّهْوة ، فهو يتلاعب بالإنسان عبر تهييج شهوته ، وتحريكِ الفِعل الغريزي . فهؤلاء الرِّجالُ الصِّباح رَكضوا وراء شهوتهم وغريزتهم ، فَسَقطوا أمامَ النساء الجميلات ، ولم يَصْمدوا أمام هذا الامتحان القاسي ، فصارت الشهوةُ وسيلةً للفجور والفاحشة . وهذا الانحراف قد تَمَّ بسبب تحريك الشيطان للشهوة الكامنة ، وتزيينه للمعصية .
     ولا يخفَى أن النساءَ حبائلُ الشيطان ، يعني أنهنَّ شِباك الشيطان التي يَنْصبها للصَّيْدِ ، صَيْدِ الرجال ، وذلك لحاجة الرِّجال الشديدة إليهنَّ ، وكَوْنهن مَحل شهوة الرجال ، والأكثر قُدرة على الإغواء والإغراء . ولَوْلا الشَّهوة المركَّبة في الرَّجل لَمَا كانت للمرأة أيةُ سُلطة عليه. وكلُّ شخص لا يَقْدر الشيطانُ على اختراقه ، سَيُحاوِل اختراقه عن طريق النساء . فالمرأةُ هي زِينةٌ قائمة بذاتها .
     وعن أسامة بن زيد _ رضي الله عنهما_: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مَا تَركتُ بَعْدي فِتْنةً أضر على الرِّجال مِن النِّساء )){(4)}.
     فالرَّجلُ مَجبولٌ على حُب المرأة ، والميل إليها . وهذا الأمرُ قد يَدْفعه إلى انتهاك المحرَّمات للظفر بها ، وتحقيق رغباتها . وفي المستطرف ( 2/ 493) : (( وقال حَكيم : النساء شَرٌّ كُلهنَّ ، وشَرُّ ما فيهنَّ قِلة الاستغناء عنهنَّ )) اهـ .
     فالمرأةُ شَرٌّ إذا كانت فاسدةً ، وهي خَيْرٌ إذا كانت صالحةً . وفي واقع الأمر ، إن النساء الصالحات قليلاتٌ جِداً مقارنةً مع النساء الفاسدات .
     وفي المستطرف ( 2/ 492) : (( في حِكمة داود _ عليه الصلاة والسلام _ : وَجَدْتُ في الرِّجال واحداً في ألف ، ولم أجد واحدة في جميع النساء )) اهـ .
     وإذا صَحَّ هذا عن النبي داود صلى الله عليه وسلم ، فهو يعني أن نِسبة الصالحين في الرِّجال أعلى مِن نِسبة الصالحات في النساء ، وأن الفسادَ في عالَم النساء أكثر من الفساد في عالَم الرِّجال .
     و" الجاهليةُ الأُولى " مُصْطَلَح يُعبِّر عن مرحلة زمنية مُحدَّدة . فعن ابن عباس _ رضي الله عنهما _  قال : (( كانت الجاهليةُ الأُولى ألفَ سَنة فيما بين نوح وإدريس )){(5)}.
     وقال القرطبي في تفسيره ( 14/ 158 ) : [ واختلف الناس في ( الجاهلية الأولى ) ، فقيل : هي الزمن الذي وُلد فيه إبراهيم _ عليه السلام _ : كانت المرأة تلبس الدِّرْعَ من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفْسَها على الرِّجال . وقال الحكم بن عيينة : (( ما بين آدم ونوح ، وهي ثمانمائة سنة ، وَحُكِيَت لهم سِيَر ذميمة )) . وقال ابن عباس : (( ما بين نوح وإدريس )) . الكلبي : (( ما بين نوح وإبراهيم )) ، قِيل : (( إن المرأة كانت تلبس الدِّرْعَ من اللؤلؤ غير مخيط الجانبين ، وتلبس الثياب الرِّقاق ، ولا تواري بدنها )). وقالت فِرْقة : (( ما بين موسى وعيسى )) . الشعبي : (( ما بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم )) . أبو العالية : (( هي زمان داود وسليمان ، كان فيه للمرأة قميص من الدُّر غير مخيط الجانبين )) . وقال أبو العباس المبرد : (( والجاهلية الأولى ، كما تقول الجاهلية الجهلاء )) ، قال : (( وكان النساء في الجاهلية الجهلاء يُظْهِرْنَ ما يَقبح إظهاره حتى كانت المرأة تجلس مع زَوْجها وخِلِّها فينفرد خِلُّها بما فوق الإزار إلى الأعلى ، وينفرد زَوْجها بما دون الإزار إلى الأسفل ، وربما سألَ أحدهما صاحبه البدل )) ] اهـ .
     وهذا الانهيارُ الشاملُ يتمحور حول العُري والتَّعري والإغراء ، حيث كانت المرأةُ تخترع وسائل إغراء لجذب أنظار الرِّجال، ونَيْلِ اهتمامهم ، والسيطرةِ على مشاعرهم ، وتهييجِ شهواتهم، وبالتالي تصبح المتعةُ منظومةً مشتركة بين الرَّجل والمرأة ، ويشترك الاثنان في الاستمتاع المحرَّم .
     وفي الدر المنثور ( 6/ 601 ):[ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ أن عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه _ سأله ، فقال : (( أرأيتَ قَوْلَ الله تعالى لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم : ] وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [ ، هل كانت الجاهلية غير واحدة ؟ ))، فقال ابن عباس _ رضي الله عنهما _ : (( مَا سَمعتُ بأُولى إلا ولها آخِرة )) ] اهـ.
     والمنْطقُ يقول إن مفهوم " الجاهلية الأُولى " يدل على وجود جاهلية ثانية أو أكثر .
     ويمكن اعتبار الجاهلية الأُولى هي جاهلية الكفر قبل البعثة المحمَّدية الإسلامية ، والجاهليةُ الثانية هي جاهلية الفِسق والمعاصي في الإسلام . ويُؤيِّد هذا قَوْلُ النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذَر _ رضي الله عنه _ : (( إِنَّكَ امرؤ فِيكَ جَاهلية )){(6)}.
     وهذا لا يعني أن أبا ذَر كافر خَرَجَ من الإسلام وعاد إلى الجاهلية . فلا يمكن جحد مكانة أبي ذَر العالية . وإنما يعني أن فِيه خِصْلة من خِصال أهل الجاهلية ، ينبغي تركها لمخالفتها للشرع .
     وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جَدِّه ، قال : جاءت أُميمة بنت رقيقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه على الإسلام ، فقال : (( أُبايعكِ على أن لا تشركي بالله شيئاً ، ولا تسرقي، ولا تزني، ولا تقتلي وَلدك، ولا تأتي بِبُهْتان تفترينه بين يَدَيْكِ ورِجْلَيْكِ ، ولا تنوحي ، ولا تبرَّجي تبرج الجاهلية الأُولى )){(7)}.
     إن شروط البَيْعة لَيْست شروطاً خيالية أو إنشائية. فهذه الصفاتُ القبيحة كانت منتشرةً بكثرة في الجاهلية، فأرادَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُطهِّر المجتمعَ من هذه العيوب تمهيداً لزرع الخير فيها . وبالتأكيد، إن دَرْءَ المفاسد مُقدَّم على جلب المصالح، كما أن الصفات الحسنة تتطلب بيئةً نظيفةً طاهرةً ، فلا بد من إجراء عملية تنظيف للقلوب والبيئة الاجتماعية قبل عملية زرع الفضائل، لكي يتم الحصول على نتائج جيِّدة، وثمار مفيدة . 
     فالشِّركُ بالله تعالى هو أساس الثقافة الجاهلية ، كما أن السرقة والزِّنا كانا في قلب الحياة العربية البدائية. وأيضاً قتل الولد ( وأد البنت ) كان شِعاراً رئيسياً في الحياة الجاهلية . أمَّا البُهْتان، فقد كانت المرأةُ في الجاهلية تلتقط الموْلودَ ، فتقول لزوجها : هذا ولدي مِنك . وبالنسبة للنِّياحة فهي رَفع الصوت بالندب على الميت ، وهذه الصِّفة كانت ملتصقةً بالمرأة الجاهلية . أمَّا التَّبَرُّجُ ، فقد كانت المرأة في الجاهلية تُبرز مفاتنها وتمشي في الأسواق مُتعطِّرة متكشِّفة متبخترة لِلَفْتِ انتباه الرجال ، وجذبهم إليها .
     وقد وضَّح الإسلامُ مخاطرَ هذا الفِعل ، وآثاره المدمرة في الحياة الاجتماعية للأفراد ، وألغاه بصورة حاسمة قاطعة . والإسلام لا يُغلق درباً محرَّماً إلا ويفتح بدلاً منه مئات الدروب المشروعة . فحثَّ على الزواج ، ودعا إلى أن تتزين المرأةُ لزوجها ، وأن يتزين الزَّوْجُ لامرأته ، لكي يحصل الإشباع العاطفي النَّفْسي والمادي داخل نطاق الأسرة، ولكي يحصل الاكتفاء الذاتي، فلا يبحث كل طرف عن الإشباع خارج نطاق الزوجية،وهكذا سد الإسلامُ الذرائع الموصلة إلى كل مفسدة.
     وقال اللهُ تعالى : ] ولا يَضْرِبْنَ بِأرجلهنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِين مِن زِينتهنَّ [ [ النُّور : 31] .
     أي : لا تَضرب المرأةُ بِرِجْلها إذا مشت في الطريق ليسمعَ الرجالُ صوتَ خَلْخالها ، فهذا الصوتُ المغري يُعْتَبَر من إظهار الزِّينة ، كما أنه يُحرِّك الشهوةَ ، وهو مُحرَّم . وفي أحيانٍ كثيرة يَكون الصوتُ أشدَّ تأثيراً من النظر . يقولُ بشار بن بُرْد ( وهو شاعر أعمى ) :
يا قومُ أُذني لبعض الحيِّ عاشقــة           والأُذن تَعشَق قبل العين أحيانــا
قالوا بمن  لا تَرى تَهذِي فقلتُ لهم            الأذن كالعين تُوفي القلب ما كانـا
     وهذا يدلُّ على أهمية حاسَّة السمع في مجال العِشق ، وأن سماع صوت المرأة _ أو أي صوت يَصْدر مِنها _ ذو تأثير بالغ في قلوب الرجال . فلا ينبغي الاستهانة بالأصوات ، خصوصاً إذا كانت ناعمةً ومليئة بالغنج والتَّكسُّر .  وقال ابن كثير في تفسيره ( 3/ 378 ): (( كانت المرأة في الجاهلية ، إذا كانت تمشي في الطريق ، وفي رِجلها خَلْخال صامت لا يُعلَم صوته ، ضَربت بِرِجْلها الأرض ، فَيَعْلم الرجالُ طَنينه )) اهـ .
     وقد أشارَ الشاعرُ الجاهلي عمرو بن كلثوم إلى هذا المعنى بِقَوْله : يَرِنُّ خَشاشُ حَلْيِهما رَنينا .
     أي: تَرِنُّ خلاخيل الساقَيْن ( حَلْيِهما ). فهذه الخلاخيلُ المغرِيةُ لها خَشْخشةٌ ( صَوْت / رنين ). وهذا الرنينُ العذبُ يَنبعث من عالَم الإغراء والشهوة ، ويَقْرع قلوبَ السامعين بلا رحمة .
     وهذه السياسة الإغرائية نتاج متوقع للبيئة الجاهلية التي حَشرت المرأةَ في زاوية الجنس والمتعة الجسدية والإغراء . ولأن العقل الجاهلي الجمعي يمارس سلطاتِه بقسوة على الكيان الأنثوي ، فقد اقتنعت المرأة بأن شرعية وجودها مستندة إلى قدرتها على الإغراء وجذب الرجال ، فأضحت كالسلعة التي يراد تسويقها بشتى الوسائل لئلا تصبح بضاعةً كاسدة .
     ولم يتوقف الأمرُ في المجتمع الجاهلي عند فلسفة الإغراء واللعبِ بقلوب الرجال . بل أيضاً تكرَّست فلسفةُ العُري في السلوك الاجتماعي ، والشعائرِ الدينية الوثنية عند المرأة الجاهلية التي كانت تطوف حول الكعبة المشرفة عاريةً تماماً راميةً شرف المرأة وراء ظَهْرها، وهذا الانهيار الصادم في بنية التركيبة المجتمعية مرجعه إلى الثقافة الفوضوية في البيئة الجاهلية المعزولة عن العِلم وإعمال العقل . وفي صحيح مسلم ( 4/ 2320 ) : عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ قال : (( كانت المرأة تطوفُ بالبيت وهي عُرْيانة ، فتقول : مَن يُعيرني تطوافاً {(8)} ؟ ، تجعله على فَرْجها ، وتقول : اليومَ يَبْدو بَعْضُه أو كُلُّه ... فما بدا مِنه فلا أُحِلُّه . فَنَزلت هذه الآية : } خذوا زينتكم عند كل مسجد  {)) .
     قال الحافظ في الفتح ( 1/ 465 ) : (( ونقل ابن حزم الاتفاق على أن المراد ستر العَوْرة )) .
     وهكذا نجد أن المرأةَ في الجاهلية كانت تَرْتع في مأزق العري وكشف العورات ، خصوصاً في البيت الحرام. وهذا يدل على الجهل بالله تعالى ، وفسادِ العقائد المختلطة بالهوى والجهل والكفر. فأراد اللهُ تعالى أن يرشدهم إلى الأخلاق العالية ، وستر العورات ، والالتزام بالهيئة الحسنة البعيدة كل البعد عن العري ، والانحراف الأخلاقي . فالحرص على الزينة عند الصلاة والطواف من شأنه أن يرتقيَ بإنسانية الإنسان ، وينتشلها من مستنقع الرذيلة والتعري .
     والعُري الجاهليُّ المقزِّزُ يعكس المرتبةَ المتدنية للمرأة . حيث يتم تعريتها باسم الدِّين ، وتصبح لوحةً عارية أمام الناظرين . وللأسف فقد ارتبط هذا العُري بالطواف حول بيت الله الحرام. مما يشير إلى فلسفة اختراع الشرائع والطقوس من بنات أفكار أهل الجاهلية الذين جعلوا عقولَهم مصدراً للتشريع والتحليل والتحريم، وهم يعتقدون أنهم على الصراط المستقيم .
     وقال ابن كثير في تفسيره ( 2/ 279 ) : (( وأكثر ما كان النساء يَطُفْنَ عُراةً بالليل، وكان هذا شيئاً قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم واتبعوا فيه آباءهم، ويعتقدون أن فعل آبائهم مُستنِد إلى أمر مِن الله وشرع )) اهـ .
     والطقوسُ الخرافية التي ابتدعها الوثنيون هي مؤشر على سعيهم الدؤوب لتكوين دِين ذي قواعد وفروع لئلا يَشعروا بالنقص أمام أصحاب الأديان كاليهود والنصارى . فالعربُ في الجاهلية كانوا حريصين على تكوين شريعة لهم تعكس ثقافتهم خصوصاً أنهم ليسوا أهلَ كتاب . فأرادوا أن تكون سلوكياتهم الصَّنمية هي الكتاب الشفوي المقدَّس مقابل التوراة والإنجيل. وبالطبع ، فإن غياب الهداية الإلهية في حياتهم ، وعدم وجود تشريع سماوي بين أيديهم ، وتخلفهم الصحراوي المتوارث، جعلهم يَنظرون إلى تقاليد آبائهم وأهوائهم وعقولهم القاصرة على أنها مصدر التشريع ، والشريعة اللازمة للفرد والجماعة . وهذا أشعرهم _ إلى حد ما _ بالتقارب مع اليهود والنصارى الذي كانوا يَفخرون على العرب بأنهم أهل كتاب . وطبعاً، كان عربُ الجاهلية يَشعرون بنقصهم ورُتبتهم المتدنية أمام اليهود والنصارى لأنهم ليس لديهم كتاب كالتوراة أو الإنجيل .
................الحاشية...................
{(1)} يقال : تَبَرَّجت السماءُ ، أي تزيَّنت بالكواكب. وتبرَّجت المرأةُ ، أي أظهرت زينتها ومحاسنها . [ انظر المعجم الوجيز ، ص 43] .
{(2)} المرأة الطبيعية تشعر بالانهيار حين تفقد القدرة على الإغراء، أو حين تشعر أنها غير مرغوب فيها. لذا يجب توجيه الإغراء وتفعيله داخل الحياة الزوجية لئلا تبحث المرأة عَمَّن تغريه خارج نطاق الزواج.
{(3)} رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 598 ) برقم ( 4013) ، وسكت عنه الذهبي .
{(4)} متفق عليه. البخاري ( 5/ 1959) برقم (4808) ، ومسلم ( 4/ 2097) برقم ( 2740 ) .
{(5)} ذَكَرَه الحافظ في الفتح ( 8/ 520 ) ، وقال : (( إسناده قوي )) .
{(6)} متفق عليه . البخاري ( 5/ 2248) برقم ( 5703)، ومسلم ( 3/ 1282) برقم ( 1661) .
{(7)} رواه أحمد في مسنده ( 2/ 196) برقم ( 6850). وقال الهيثمي في المجمع ( 6/ 41): (( رواه الطبراني ، ورجاله ثقات )) .
{(8)} قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 18/ 162 ): (( وهو ثوب تلبسه المرأة تطوف به.

وكان أهل الجاهلية يطوفون عُراة، ويرمون ثيابهم، ويتركونها ملقاة على الأرض ، ولايأخذونها أبداً ، ويتركونها تداس بالأرجل )) .