الوضوء
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
facebook.com/abuawwad1982
......................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
facebook.com/abuawwad1982
......................
قال الله تعالى : } يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهَكم
وأيديَكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلَكم إلى الكعبَيْن {[ المائدة : 6] .
وهذه آيةُ الوضوء التي حدَّدت كيفية
الاستعداد قبل الدخول في الصلاة ، حيث غسل الوجه واليدين إلى المرافق ، ومسح
الرأس، وغسل الرِّجْلين إلى الكعبَيْن. والترتيبُ أحد فرائض الوضوء ، فلم يثبت عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه خالف هذا الترتيب . والعباداتُ توقيفية تستند إلى
الاتباع .
وفي صحيح البخاري ( 4/ 1684 ): عن عائشة _ رضي
الله عنها _ : سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة ، فأناخ النبي صلى الله
عليه وسلم ونزل ، فثنى رأسه في حِجري راقداً . أقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة . وقال:
حبستِ الناس في قلادة ، فبي الموت لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أوجعني،
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ، وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد ، فنزلت
: } يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة{ . الآية . فقال أُسيد بن حضير
: لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر ، ما أنتم إلا بركة لهم{(1)}.
فاللهُ تعالى يُخفِّف عن الناس ولا يضطرهم
إلى أضيق المسالك . فقد أنزل هذه الآيةَ ليرشد المؤمنين إلى كيفية التصرف في حال
القيام إلى الصلاة . كما بيَّن لهم الإجراءات الواجب اتباعها . فلم يتركهم
لأهوائهم أو أمزجتهم الشخصية . وقد جاءت الشريعةُ لرفع الحرج ، فلا مكان للضيق
والمنغِّصات فيها .
قال الشوكاني في فتح القدير ( 2/ 25 ) : (( قد
اختلف أهل العلم في هذا الأمر عند إرادة القيام إلى الصلاة ، فقالت طائفة : هو عام
في كل قيام إليها سواء كان القائم متطهراً أو مُحدِثاً ، فإنه ينبغي له إذا قام إلى
الصلاة أن يتوضأ ... وقال جماعة : هذ الأمر خاص بمن كان مُحدِثاً. وقال آخرون : المراد
إذا قمتم من النوم إلى الصلاة ، فيعم الخطاب كل قائم من نوم )) اهـ .
وفي صحيح البخاري ( 1/ 87 ): عن عمرو بن
عامر عن أنس قال : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة )). قلتُ : كيف
كنتم تصنعون ؟، قال : (( يجزىء أحدنا الوضوء ما لم يُحدِث )).
فلا يمكن إنكار أهمية الوضوء في الطهارة
والتطهر قبل الدخول إلى حضرة الله تعالى، والاتصال معه عبر الصلاة . فالوضوءُ سلاح
المؤمن ، ويمنح كلَّ أعضائه نوراً وبهجة ، فليس هو مجرد إسالة الماء على بعض
الأعضاء ، بل هو نظام حياة متكامل يضع المؤمنَ في أقصى مدى النور. والنبيُّ صلى
الله عليه وسلم كان حريصاً على الوضوء عند كل صلاة . وهذه هي حالة الكمال الإيماني
، مع أن هذا الأمر ليس بواجب. فيجوز للمسلم أن يُصلِّيَ كل الصلوات بوضوء واحد ،
فالعِبرةُ في انتقاض الوضوء أم لا.
وفضل الوضوء عام في الحياة الدنيا ، حيث
يجعل المؤمنَ واثقاً بنفسه ، في أعلى درجات النظافة والتطهر ، مقبلاً على الله
تعالى وهو في شكل نوراني حسن . ويتعدى فضلُ الوضوء إلى الحياة الآخرة . حيث إن
الوضوء يساهم في رفع درجة المؤمن يوم القيامة ، ومجيئه طاهراً شريفاً مكتمل الهيئة
. فعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن أمتي يُدْعَوْن
يوم القيامة غُرَّاً مُحَجَّلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يُطيل غرته فليفعل
)){(2)}.
أي إن الأمة
المحمدية الإسلامية تأتي يوم القيامة يعلوها البياضُ الوهاج، والصفاءُ الباهر ،
نتيجة الوضوء في الحياة الدنيا الذي منحهم النظافة والتألق والبياض المنتشر من غير
عِلَّة . فيتحولون إلى كائنات بشرية نورانية، لأنهم _ في الدنيا _ التزموا أوامرَ
الله تعالى في الطهارة والتطهر والاستعداد للصلاة ، فيأتون في الآخرة ، وعليهم
الوقارُ الناصع ، حيث وجوههم مشرقة ، وأجسادهم طاهرة نقية . وهكذا ، فإن الوضوء
ليست عمليةً ميكانيكية أو تعاملاً عبثياً مع الماء . إنه حالة إيمانية شاملة يتعدى
أثرُها إلى الحياة الآخرة .
........الحاشية..........
{(1)} (20) ( فثنى رأسه ) وضعه . ( راقداً
) أي يريد الرقود والنوم . ( لكزني ) دفعني في صدري بكفه . ( فبي الموت
. . ) أي كاد يَنْزل بي الموت من شدة الوجع ، ولم أتحرك حتى لا أزعج رسول الله صلى
الله عليه وسلم . ( فيكم ) بسببكم .
{(2)} متفق عليه . البخاري ( 1/ 63 ) برقم ( 136 )
، ومسلم ( 1/ 216 ) برقم ( 246 ) .