سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] بحوث في الفكر الإسلامي [16] التناقض في التوراة والإنجيل [17] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [18] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [19] عقائد العرب في الجاهلية[20]فلسفة المعلقات العشر[21] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [22] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [23] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [24]مشكلات الحضارة الأمريكية [25]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[26] سيناميس (الساكنة في عيوني)[27] خواطر في زمن السراب [28] أشباح الميناء المهجور (رواية)[29]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

03‏/01‏/2016

حقيقة القرآن والرد على الجاحدين

حقيقة القرآن والرد على الجاحدين

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

https://www.facebook.com/abuawwad1982

.....................

  قال الله تعالى : } أفلا يتدبَّرون القرآنَ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً { [ النساء : 82] .
     فالقرآنُ هو كلام الله، لا يمكن الوقوف على عظمته إلا بفهم معانيه والغوص في دلالات آياته. ولو كان القرآنُ من تأليف بَشر كما يزعم الكافرون لوجدوا فيه تناقضاتٍ شديدة ، وخليطاً من الحق والباطل ، وأخباراً متضاربة . ولكنَّ القرآن _ لأنه من عند الله _ مُنَزَّهٌ عن الخطأ والتناقض والكذب. كما أن كلام البشر إذا طال سيضعف مستواه اللغوي والفكري ، أما القرآنُ فليس فيه إلا البلاغة والبيان سواءٌ كانت السورة طويلة أم قصيرة . وكلُّ آياتِ القرآن يُصَدِّق بعضُها بعضاً ولا يَهدم بعضُها بعضاً . كما أن القرآن خالٍ من الاختلاف والتعارض .
     (( ولا يدخل في هذا اختلاف مقادير الآيات والسُّوَر ، لأن المراد اختلاف التناقض والتفاوت وعدم المطابقة للواقع ، وهذا شأن كلام البشر ، لا سيما إذا طال وتعرض قائله للإخبار بالغيب فإنه لا يوجد منه صحيحاً مطابقاً للواقع إلا القليل النادر )) {(1)}.
     فالقرآنُ الكريم تختلف سُوره وآياته في مقدارها والمواضيعِ التي تتحدث عنها ، والأحكامِ الواردة ، وهذا كلُّه لا علاقة له بالتناقض . إنما هو دليل إعجاز القرآن وتلائمه مع كل زمان ومكان رغم ما فيهما من متغيرات وأحوالٍ مستجدَّة واختلافِ طبائع الناس وأجناسهم وبيئاتهم . والقرآنُ الذي قَدَّم الحلولَ النافعة للبشرية لأكثر من أربعة عشر قرناً ، قادرٌ أن يُقدِّم الحلولَ حتى يوم القيامة . فهو الكتابُ الإلهي الكامل المعصوم المحفوظ الخالي من التناقض والأخطاء . وإذا اعتمده المسلمون دستوراً حياتياً واقعياً فإن حياتهم ستتغير للأفضل كما تغيرت حياة أسلافهم ، ولن تَصلح هذه الأُمَّةُ إلا بما صَلح به أوَّلها .
     وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ... وإنما نزل كتابُ الله يُصَدِّق بعضُه بعضاً ، فلا تُكذِّبوا بعضَه ببعض، فما علمتُم منه فقولوا ، وما جهلتُم فكلوه إلى عالمه )){(2)}.
     وفي صحيح مسلم ( 4/ 2053 ) : أن عبد الله بن عمرو _ رضي الله عنه _ قال : هَجَّرْتُ _ أي بَكَّرْتُ_ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً . قال : فسمع أصوات رَجلين اختلفا في آية فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعرَف في وجهه الغضب،فقال: (( إنما هَلَكَ مَن كان قبلكم باختلافهم في الكتاب)).
     وهذا الاختلاف المحذور هو الاختلاف في الأصول التي لا تَقبل النقاش ، ولا تقبل الاجتهادَ بسبب كَوْنها ثوابت غير مطروحة للحوار ، ويشمل الحظرُ الاختلاف المؤدي إلى الفتن وتشكيكِ الناس في دينهم ، وتأجيجِ العداوات بينهم . أما الاختلاف في تفسير بعض الآيات ظَنِّية الدلالة فهذا لا يدخل في باب الاختلاف في الكتاب. فالأفهامُ تتفاوت ولا بد أن تختلف ، ولكن الاختلاف يكون في استنتاج الفروع من الأصول ، ولا يكون الاختلاف على الأصول .
     قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 16/ 218 ) : (( وأما الاختلاف في استنباط فروع الدِّين منه _ أي من القرآن _ ، ومناظرة أهل العلم في ذلك على سبيل الفائدة ، وإظهار الحق واختلافهم في ذلك فليس منهياً عنه ، بل هو مأمور به وفضيلة ظاهرة . وقد أجمع المسلمون على هذا من عهد الصحابة إلى الآن ، والله أعلم )) اهـ .
     وقال الله تعالى : } لو أَنزلنا هذا القرآنَ على جبلٍ لرأيتَه خاشعاً مُتصدِّعاً من خشية الله { [ الحشْر: 21].
     فالقرآنُ العظيم لو أُنزِل على جبل _ رغم قسوته وضخامة حجمه _ لاهتزَّ وتصدَّع وصار ذليلاً خاضعاً لكلام الله تعالى لما فيه من الحكمِ البليغة ، والفصاحةِ العظمى ، والبيانِ الجليل ، والبشارةِ الكبرى ، والإنذارِ المخيف ، وخوفاً من عدم القيام بحق القرآن المتمثل في فهمه وتعظيمه وتطبيقه. فعلى المرء أن يستوعب هذا المعنى العظيم من أجل تعميق كتاب الله في قلبه فهماً وحفظاً، ويسعى _ قدر المستطاع _ إلى جعل الآيات القرآنية واقعاً عملياً لا حِبراً على الورق فحسب ، فالقرآن لم يجيء ليوضع على الرفوف .
     وقال الطبري في تفسيره ( 12/ 51) : (( يقول _ جَلَّ ثناؤه _ : لو أنزلنا هذا القرآن على جبل وهو حجر لرأيته يا محمد خاشعاً ، يقول : متذلِّلاً متصدِّعاً من خشية الله على قساوته حذراً من أن لا يؤديَ حَقَّ الله المفترَض عليه في تعظيم القرآن ، وقد أُنزل على ابن آدم ، وهو بحقه مستخف ، وعنه عما فيه من العِبر والذِّكر مُعرِض ، كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً )) اهـ .
     وقال الله تعالى : } ولقد يَسَّرْنا القرآنَ للذِّكْر {[ القمر : 17] .
     فالقرآنُ تم تيسيره للحفظ والفهم والتطبيق الواقعي دون تعقيدات . فهو مقروءٌ في الكتب ، ومحفوظٌ في الصدور ، ومنتشرٌ بسهولة على الألسنة .
     وفي الحديث القُدسي الذي رواه مسلم( 4/ 2197 ): أن الله تعالى قال للنبي صلى الله عليه وسلم :     (( وأَنزلتُ عليكَ كتاباً لا يغسله الماءُ تقرأه نائماً ويقظان )) .
     والمعنى : إن القرآن الكريم محفوظٌ في السطور والصدور على مر الأزمنة، لا يمكن إزالته أو استئصاله أو التلاعب به ، وقراءته مُيَسَّرةٌ وسهلة في كل الأوضاع .
     وقال الله تعالى : } نزَّل عَلَيْكَ الكتابَ بالحق مُصدِّقاً لما بين يَدَيْه وأَنزل التوراةَ والإنجيلَ {  [ آل عمران : 3] .
     فاللهُ تعالى نزَّل القرآنَ الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم بالحق والعدل والصدق وبالحجج الساطعة مُصَدِّقاً للكتب السابقة التي أنزلها اللهُ تعالى كالتوراة والإنجيل . وفي هذه الآية إشارةٌ إلى أن مصدر الكتب السماوية واحدٌ ، وأن الأنبياء كلهم يدٌ واحدة جاؤوا بالتوحيد بأمر الله تعالى الذي أرسلهم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور . كما أن هناك إشارة بليغة إلى صدق الرسالة المحمَّدية الإسلامية . فلو كان القرآنُ من تأليف إنسان يسعى لنيل مصالح دنيوية لما ذَكر التوراةَ والإنجيل خوفاً من تفرق أتباعه عنه . لكن النبي صلى الله عليه وسلم الأمين يُبَلِّغ كلامَ الله تعالى كما أُنزِل دون زيادة أو نقصان ، فقد جاء مُصَدِّقاً لموسى وعيسى       _ عليهما الصلاة والسلام _ ، ولم يطمسهما أو يتجاهل ذكرهما أو يحاول رفع مكانته عبر الانتقاص منهما، كما يفعل الكثير من المؤلِّفين الذين يطمحون إلى رفع منازلهم عبر التهجم على منافِسيهم . مما يشير إلى أن القرآن ليس من كلام المؤلِّفين المتنافِسين على حطام الدنيا ، كما يشير إلى إخلاص النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ الكلام الإلهي حرفياً .
3_ محاججة المنكِرين الجاحدين :
     إن الله تعالى قد أقام الْحُجَّةَ على خلقه بإنزاله الكتب السماوية على رُسُله الكرام_عليهم الصلاة والسلام_. والقرآنُ الكريم هو الكتاب الخاتَم الناسخ لما قبله، وقد وردت فيه آياتٌ كثيرة في محاججة المنكِرين، والرد عليهم ، ودحضِ باطلهم ، وتفنيدِ شبهاتهم . وهذه الآيات تخاطب العقلَ بما يَمكن إدراكه. فاللغةُ القرآنية في الرد على المخالِفين لغةٌ راقية تُقَدِّم الدلائلَ الواضحات، وليست لغةً فلسفية محصورة في عالم الأخيلة والافتراضات اللامنطقية ، كما أن المنهج القرآني في دحض شبهات المخالِفين ليس سِباباً أو صراخاً أو جعجعةً بلا طحن . إنه منهجٌ إلهي متكاملٌ يملك الْحُجَّةَ الناصعة ، ومشتملٌ على معرفة النفس البشرية وما يصلحها وما يفسدها . فاللهُ تعالى مُنْزِلُ القرآن هو خالق الإنسان وأعلم به منه ، ويعلم _ سبحانه وتعالى _ طريقةَ تفكير البشر ، وطبيعةَ شهواتهم وشبهاتهم ووساوسهم .
     وقد أورد القرآنُ شبهاتِ الخصوم وفَنَّدها ، وقَدَّم الدلائلَ الباهرة على وحدانية الخالق تعالى وصدقِ الرسالة ، وكل هذا بلغة قرآنية سامية تعلو ولا يُعلَى عليها .
     وقد تحدى اللهُ تعالى المرتابين في القرآن والشَّاكين فيه أن يأتوا بسورة من مثله ، لكنهم عجزوا عن ذلك . وهذا التحدي مستمرٌ حتى يوم القيامة .
     قال الله تعالى : } وإن كُنتم في رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شُهداءكم من دون الله إن كُنتم صادقين {[ البقرة : 23] .
     وهذا التحدي للمشركين الطاعنين في القرآن الكريم أن يأتوا بسورة من مثله في حسن النظم ، والفصاحةِ اللغوية ، والبيانِ الباهر ، ويستعينوا على هذا الأمر بأعوانهم وفصحائهم وآلهتهم من دون الله تعالى .
     ولو كان المشركون الطاعنون في القرآن صادقين في دعواهم لقدَّموا براهينهم التي تَدحض حُجَّةَ القرآن الباهرة . وبما أنهم لم يَفعلوا ولن يَفعلوا ، فهذا مؤشر على عجزهم ، وانكسارهم أمام البرهان القرآني الساطع ، وما عليهم إلا التسليم بأن مصدر القرآن هو السماء لو كانوا يريدون الحق بلا أهواء شخصية .
     ولا يخفى أن العرب هُم أهل الفصاحة والبيان والتبحر في اللغة العربية وأسرارها ، فإن عجزوا عن تحدي القرآن، فغيرهم _ بالتأكيد_ سيكونون أكثر عجزاً . فإذا فشل القويُّ في إتمام عملٍ ما ، فلن ينجح فيه الضعيف .
     وقال الطبري في تفسيره ( 1/ 200) : (( وإن كنتم أيها المشركون من العرب والكفار من أهل الكتابَيْن في شك _ وهو الرَّيب _، مما نَزَّلنا على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم من النور والبرهان وآيات الفرقان : أنه من عندي ، وأني الذي أنزلته إليه ، فلم تؤمنوا به ، ولم تصدِّقوه فيما يقول ، فأتوا بحجَّة تدفع حُجَّته ، لأنكم تعلمون أن حجة كل ذي نبوة على صدقه في دعواه النبوة : أن يأتيَ ببرهان يعجز عن أن يأتيَ بمثله جميع الخلق ، ومن حجة محمد صلى الله عليه وسلم على صدقه ، وبرهانه على حقيقة نبوته وأن ما جاء به من عندي ، عجز جميعكم وجميع من تستعينون به من أعوانكم وأنصاركم عن أن تأتوا بسورة من مثله ، وإذا عجزتم عن ذلك وأنتم أهل البراعة في الفصاحة والبلاغة والذرابة _ حدة اللسان _ فقد علمتم أن غيركم عما عجزتم عنه من ذلك أعجز )) اهـ .
     قال الله تعالى : } ويقول الإنسانُ أإذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخرَج حَيَّاً ( 66) أولا يذكر الإنسانُ أنَّا خلقناه من قبل ولم يَكُ شيئاً ( 67 ) { [ سورة مريم ] .
     ويُقدِّم القرآنُ الْحُجَّةَ الساطعة على حقيقة البعث. فالإنسان الذي يتساءل مستنكِراً ومستبعِداً أن يُبعَث بعد موته ، جاءته الْحُجَّةُ الباهرة بأن الذي أوجد الإنسانَ من العَدَم قادرٌ على إعادته .
     (( قال بعض العلماء: لو اجتمع كل الخلائق على إيراد حُجَّة في البعث على هذا الاختصار لما قدروا عليها، إذ لا شك أن الإعادة ثانياً أهون من الإيجاد أولاً )) {(3)}.
     وفي صحيح البخاري ( 4/ 1903 ) : عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( قال اللهُ : كَذَّبَني ابنُ آدم، ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأمَّا تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أولُ الخلق بأهون عليَّ من إعادته ... )) .
     فالبعثُ ثابتٌ نقلاً وعقلاً . وقد خاطب اللهُ تعالى الناسَ بما يَعقلون، فذكر _ سبحانه _ أن البعث أهون وأيسر من بدء الخلق _ وفق التفكير الإنساني _ . أمَّا اللهُ تعالى فكل شيء عنده هَيِّنٌ فلا يعجزه شيء ، ولا تتفوق على قدرته _ سبحانه _ أية قدرة . فالبداءةُ والبعثُ أمران خاضعان لقضاء الله تعالى ومشيئته . } وإذا قَضى أَمراً فإنما يقول له كُن فَيَكون { .
     وقال الله تعالى : } وقالوا لولا أُنزِل عليه مَلَكٌ ولو أَنزلنا مَلَكاً لَقُضِيَ الأمرُ ثم لا يُنظَرون {  [ الأنعام : 8] .
     ويخبر اللهُ تعالى عن عناد المشركين وجهلهم ، فقد اقترحوا _ بكل جحود _ إنزال مَلَك على النبي صلى الله عليه وسلم ليكون معه نذيراً ومُسانِداً . وهذا مما يتذرع به المشركون ، حيث يخترعون الأشياءَ من بنات أفكارهم بسبب عجزهم عن مقارعة الْحُجَّة بالْحُجَّة . فينتهجون هذا الأسلوب العقيم الذي يُنبئ عن جهل وعناد وفكرة مسبقة رافضة للإيمان مهما حصل من معجزات. لذلك تراهم يبحثون عن أمور غير منطقية ، ويحاولون إلباسها ثوب المنطق ومقارعة الدليل بالدليل .
     لكنَّ الرد الإلهي لا يتأخر في دحض باطلهم ، فلو أُنزِل مَلَكٌ لما أطاقوا رؤيته لعظمته وهَيْبته ومنظره العظيم، أو أن العذاب سيأتيهم عاجلاً بلا تأخر ، وعندئذ لا يُمهَلون ، ولا يُمنَحون فرصةً للتوبة .
     وفي زاد المسير ( 3/ 8) : (( قال مقاتل : نزلت _ أي الآية _ في النضر بن الحارث وعبد الله ابن أبي أمية ونوفل بن خويلد . ولولا بمعنى هَلا أُنزل عليه ملك نصدِّقه ، ولو أنزلنا مَلكاً فعاينوه ولم يؤمنوا لقضي الأمر ، وفيه ثلاثة أقوال: أحدها أن المعنى لماتوا ولم يُؤخَّروا طرفة عين لتوبة، قاله ابن عباس . والثاني : لقامت الساعة ، قاله عكرمة ومجاهد . والثالث : لَعُجِّل لهم العذاب، قاله قتادة )) اهـ .
     ويتواصل الرد على الكافرين . وهذه المرة يدحض القرآنُ باطلَ أهل الكتاب ، ويُفحِمهم فلا يقدرون على الرد .
     قال الله تعالى : } وقالت اليهودُ والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قُل فَلِمَ يُعذِّبكم بذنوبكم { [ المائدة : 18] .
     وهذا الرد البليغ على غرور أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) الذين زعموا أنهم أبناء الله تعالى ، أي إنهم عباده المخلَصون الذين اختارهم وفضَّلهم على الخلق ، وأحبابُه وصفوته من بين الناس . وهذا الزعم الباطل تهاوى أمام الرد القرآني ، فإن كانوا _ كما يزعمون _ فلماذا أعدَّ اللهُ لهم نارَ جهنم خالدين فيها جزاء كفرهم وكذبهم ورفضهم للرسالة المحمَّدية الإسلامية المصدِّقة لما قبلها من الرسالات السماوية ؟ .
     وفي الآية معنى لطيفٌ أن الله تعالى لا يُلقِي حبيبَه في النار ، فلو كان اليهود والنصارى أحباباً لله تعالى لما عَذَّبهم ، بل حماهم من الجحيم ومنحهم الجنةَ .
     وفي الدر المنثور للسيوطي ( 3/ 44) : [ أخرج ابن إسحق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس قال : (( أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أُبَي، وبحري ابن عمرو ، وشاس بن عدي ، فكلَّمهم وكلَّموه ، ودعاهم إلى الله ، وحذَّرهم نقمته ، فقالوا : ما تُخوِّفنا يا محمد ، نحن والله أبناء الله وأحباؤه ، كقول النصارى )) ] ، فأنزل الله فيهم : } وقالت اليهودُ والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قُل فَلِمَ يُعذِّبكم بذنوبكم { .
     إن هذا الغرور والاستعلاء والتحدث بكل عنجهية وفَوْقية ، كل هذه الأمور تُعتبَر حواجز مانعة لوصول الحق . فالإنسانُ الصادق في طلب الحق ، ينبغي أن يَطلبه في كل زمانٍ ومكان بأدب واستعداد نَفْسي لتقبُّله . أمَّا اتخاذ موقف استعلائي مسبق ، فسوف يؤدي قطعاً إلى رفض الحق سواءٌ ظَهر أم لم يَظهر . وهذا هو دَيْدن اليهود في كل العصور الذين يَنظرون إلى أنفسهم على أنهم صفوة الله من خَلْقه ، وشعبه المختار ، وأن الآخرين مجرد عبيد ورعاع وأصحاب منزلة دونية .  
     وعن أنس_رضي الله عنه_ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(( واللهِ لا يُلقِي اللهُ حبيبَه في النار )){(4)}.
     فاللهُ تعالى إذا أحبَّ عبداً حماه من كل سوء ، ووفَّقه لفعل الخيرات حتى يقبضه طاهراً مُطَهَّراً ، ثم يدخله الجنةَ ، ولا يجعل النارَ تأكل جسدَه .
     وقال الله تعالى في الرد على اليهود أصحابِ الْحُجَج الواهية : } قُل إن كانت لكم الدارُ الآخِرة عند الله خالصةً من دون الناس فتمنَّوُا الموتَ إن كنتم صادقين { [ البقرة : 94] .
     وهذه الآية فَضحت اليهودَ وكَشفت عن دواخلهم الممتلئة بحب الدنيا وكراهية الموت . فإن كان جزاءُ اليهود الجنةَ في الآخرة فليتمنُّوا الموتَ ، وملاقاةَ الله تعالى لكي يكافئَهم بالنعيم الأبدي ، فيرتاحوا من عناء الدنيا . لكنهم يعلمون أن مصيرهم إلى العذاب فيهربون من الموت _ حسب نظرتهم القاصرة _، ويتشبثون بالدنيا بأسنانهم وأظافرهم لعلمهم بما ينتظرهم بعد الموت من العقوبة الشديدة . وروى أحمد في مسنده ( 1/ 248 ) عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ قال : (( ... ولو أن اليهود تمنُّوا الموتَ لماتوا ، ورأوا مقاعدهم في النار )) .
     وفي تفسير ابن كثير ( 1/ 178 )وصحَّحه، عن عكرمة في قوله تعالى: } فتمنَّوُا الموتَ إن كنتم صادقين { قال : قال ابن عباس : (( لو تَمَنَّى يهودٌ الموتَ لماتوا )) .
     والأسلوبُ القرآني في المحاجَجة يتضمن الرد على الوثنيين المؤمنين بتعدد الآلهة رداً مُفحِماً ينتشل العقلَ من مستنقع الوهم ، ويزرعه في نور الهداية .
     قال الله تعالى : } قُل لو كان معه آلهةٌ كما يقولون إذاً لابْتَغَوْا إلى ذي العرش سبيلاً { [ الإسراء : 42] .
     فلو كان هناك آلهةٌ _ على حد زعم المشركين _ لقامت هذه الآلهة بمنافسة الله تعالى ، ومحاولةِ انتزاع مُلْكه _ كما يحصل بين ملوك الأرض _ . أو لقامت هذه الآلهة بالسعي لنيل رضا الله تعالى لأنها دونه . وبما أنها محتاجة ، إذن، فهي ليست آلهة. وهذا الرد الباهر المفحِم الموجَز يخاطب عقولَ الناس بشتى مستوياتهم الفكرية ، فهو متوافق مع الفطرة السليمة والعقلِ الطبيعي . فلم يُقدِّم القرآنُ رداً فلسفياً مُعقَّداً ، ولم يجيء بأنواع الشتائم للمشركين . وإنما عرض الدليلَ الواضح على وحدانية الله تعالى وبطلانِ فكرة تعدد الآلهة . وهذا يشير إلى عظمة القرآن ، وقوةِ حُجَّته المضيئة التي لا يمكن مواجهة نورها بأية وسيلة من الوسائل . فالحق يعلو ، والباطلُ يذهب أدراج الرياح .
     وقال ابن الجوزي في زاد المسير ( 5/ 38 ) : (( قوله تعالى : } إذاً لابْتَغَوْا إلى ذي العرش سبيلاً { فيه قولان : أحدهما لابتغوا سبيلاً إلى ممانعته وإزالة مُلكه ، قاله الحسن وسعيد بن جبير . والثاني : لابتغوا سبيلاً إلى رضاه لأنهم دونه ، قاله قتادة )) اهـ .
     وقال الله تعالى : } لو كان فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لَفَسَدَتَا {[ الأنبياء : 22] .
     فلو كان في السماوات والأرض آلهةٌ غير الله تعالى لفسد نظامُ الكَوْن ، واختلَّ الوجودُ ، وذلك لما يحدث بينها من تنازع وتضاد ومنافسة . فلا يوجود مَلِكان في دولة واحدة ، ولا يوجد جسدٌ برأسَيْن {(5)}.
     وقال البغوي في تفسيره ( 1/ 314 ) : (( لخربتا وهلك من فيهما بوجود التمانع من الآلهة ، لأن كل أمر صدر عن اثنين فأكثر لم يجر على النظام )) اهـ .
........الحاشية.............
{(1)} فتح القدير للشوكاني ( 1/ 741 ) .
{(2)}رواه أحمد في مسنده مرفوعاً (2/ 185)برقم( 6741 )،وحسَّنه العراقي في تخريج الإحياء( 2/ 285).
{(3)} الفخر الرازي ( 21/ 241 ) نقلاً عن صفوة التفاسير للصابوني ( 8/ 48 ) .
{(4)} رواه الحاكم في المستدرك ( 4/ 195) برقم ( 7347 ) وصحَّحه ، ووافقه الذهبي .

{(5)} قال الصابوني في صفوة التفاسير ( 9/ 7) : (( قال المفسرون : في الآية دليلٌ على التمانع الذي أورده الأصوليون ، وذلك أنَّا لو فرضنا إلهين فأراد أحدهما شيئاً وأراد الآخرُ نقيضَه ، فإما أن تُنفَّذ إرادة كل منهما وذلك محال لاستحالة اجتماع النقيضَيْن ، وإما أن تُنفَّذ إرادة واحد منهما دون الآخر، فيكون الأولُ الذي تُنفَّذ إرادته هو الإله ، والثاني عاجزٌ فلا يصلح أن يكون إلهاً )) .