النبي محمد في التوراة والإنجيل
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
https://www.facebook.com/abuawwad1982
https://twitter.com/abuawwad1982
.........................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
https://www.facebook.com/abuawwad1982
https://twitter.com/abuawwad1982
.........................
إن معرفة أهل الكتاب
للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ثابتةٌ وواضحة . ولكن الكفرَ عنادٌ . فهناك الكثير من
العوامل التي تؤثر على عقيدة المرء واتجاهه السلوكي، مثل القناعات الداخلية ،
ومستوى التفكير ، والهوى، والعوامل الاجتماعية ، والشيطان . وأهلُ الكتاب بما
لديهم من علم في كتبهم الدينية _ رغم تحريفها _ يدركون الحقائق التي تجري حولهم ،
لكن العوامل الاجتماعية والنَّفسية تلعب دوراً كبيراً في اعتناق الحق أو رفضه. فهم
يتميزون عن العرب الوثنيين في الجاهلية بعلوم دينية ، ومعارف بحقائق الكون ،
وأمورِ الدنيا والآخرة _ حسب اعتقاداتهم _ ، لأن التوراة والإنجيل _ في الأصل _
كتابان سماويان ، ولكن مع كثرة الأيدي العابثة بهما تحوَّلا إلى خليط من الحق
والباطل ، والنور والظلام .
قال الله تعالى : } ولما جاءهم
كتابٌ من عند الله مصدِّقٌ لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما
جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين { [
البقرة : 89] .
أي لما جاء اليهودَ القرآنُ الكريم الذي
يصدِّق كتبهم غير المحرَّفة، وكانوا قبل ذلك يستنصرون بنبي آخر الزمان ( محمد صلى
الله عليه وسلم ) ، ولكنهم _ حين ظهوره _ كفروا به حسداً من عند أنفسهم لأنه خرج
من العرب ولم يخرج من بني إسرائيل . و(( أخرج ابن اسحق وابن جرير وابن المنذر وأبو
نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل من طريق عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري حدثني أشياخ
منا قالوا : لم يكن أحد من العرب أعلم بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منا، كان
معنا يهود، وكانوا أهل كتاب ، وكنا أصحاب وثن ، وكنا إذا بلغنا منهم ما يكرهون قالوا
: إن نبياً يُبعث الآن قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث الله
رسوله اتبعناه وكفروه به ففينا_ والله_ وفيهم أنزل الله: } وكانوا من
قبل يستفتحون على الذين كفروا { )){(1)} .
فالعامل الاجتماعي ( العصبية القومية ) الذي
يتضمن اتباع الهوى والحسد ، كان له أثر مدمر في رفض الإيمان ، واعتناق الباطل
ديناً . وهذه العوامل النفسية من شأنها تأسيس المبادئ المنحرفة عن قيمة الوعي
الإنساني، وبذلك ينحرف الإنسان عن المنهج القويم ، ويغوص في سراديب الأوهام ضمن
فوضى عبثية تنقله عبر عوالم التشويش ،
فيغرق في بحور الشكوك المظلمة ،
فلا يرى أي طوق نجاة هنا أو هناك .
وأهل الكتاب غارقون في الانحراف المنهجي عن
الحق ، فكتبهم الدينية متضاربة ذات صبغة بشرية عائشة في عوالم الخيالات والوهم
الأيديولوجي . واعتماداً على منهجية التشويش في كتبهم اختفى المنهج العلمي في
البحث عن الحقيقة ، فظهرت العقائد الزائغة ، والاختلاط المريع بين الألوهية
والبشرية ، والفكر المنحرف المتعلق بالمفاهيم العقدية الأسطورية كاللاهوت (
الطبيعة الإلهية ) ، والناسوت ( الطبيعة البشرية ) .
وبالطبع فإن أهل الكتاب لديهم معرفة وثيقة
بالحق الإلهي الذي جاءت به الدعوة المحمدية الإسلامية ، فالحق واضحٌ أمام عيونهم
وقلوبهم . لكن الحسد الذي يأكل قلوبَهم يدفعهم إلى تمني زوال نعمة الإيمان عن
الأمة المحمدية ، لكي يصبح الجميع شركاء في الكفر والانهيار الأخلاقي ، وهذا الحقد
الذي يتأجج في صدورهم ، هم _ وَحْدَهم _ مَن سيحترق به .
قال الله تعالى : } ودَّ كثير
من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما
تبيَّن لهم الحق { [ البقرة : 109] .
وروى الطبري في تفسيره ( 1/ 454 ) عن ابن
زيد أنه قال : (( كانت يهود يستفتحون على كفار العرب يقولون : أما والله
لو قد جاء النبي _ الذي بشَّر به موسى وعيسى _ أحمد ، لكان لنا عليكم
! ، وكانوا يظنون أنه منهم، والعرب حولهم، وكانوا يستفتحون عليهم به، ويستنصرون به
، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به وحسدوه )) اهـ .
وهذا يعكس خطورة اتباع الهوى المضاد لاعتناق
الحق، كما يدل على أن الحسد الذي يسيطر على اليهود في كل مراحل وجودهم يساهم بشكل
فعال في صرفهم عن الحقيقة، والالتفاف حولها، من أجل تحقيق مكاسب شخصية دنيوية .
لذلك فهم لا يملكون أية حضارة ، وليس لهم أي دور إيجابي في تاريخ البشرية .
قال الله تعالى :} الذين
آتيناهم الكتابَ يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحقَّ وهم
يعلمون { [ البقرة : 146] .
قال ابن كثير في تفسيره ( 1/ 265 ) : (( يخبر
تعالى أن علماء أهل الكتاب يعرفون صحة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرف
أحدهم ولده ، والعرب كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا )) اهـ .
وهذا يدل على انفصال العلم عن الإيمان في فكر
أهل الكتاب . فهم ليسوا جهالاً ، بل يملكون حصيلةً علمية كبيرة ، ومعلومات شديدة
الزخم . لكنهم يستخدمون علمَهم في الدرب الخاطئ، ويوظِّفون معارفَهم في لوي أعناق
النصوص، ومحاولة صرف الناس عن الحق .
والتوظيف السلبي للعلم ينطلق من إيثار
الدنيا على الآخرة ، والبحث عن مكاسب دنيوية مؤقتة متعلقة بالقوة المالية ،
والمناصب الاعتبارية ، وتحقيق الشهرة والنفوذ . وأهل الكتاب محصورون في فلسفة
تحريف التوراة والإنجيل التي جاءت لترسيخ شرعية وهمية لرجال الدين ، وتثبيت سلطتهم
على الشعب العاجز عن اكتشاف طريق الحقيقة لجهله وفقره . لذلك فمسألة التحريف قد
أخذت بعداً أيديولوجياً طبقياً لتجذير سيادة طبقة رجال الدين والحكام ، وإطالة
حكمهم أطول وقت ممكن ، عبر توظيف النصوص الدينية لشرعنة الاستبداد ، وتبرير الظلم
الاجتماعي ، وتكريس الخنوع والاستسلام في أوساط الناس عن طريق التلاعب بالكتب
الدينية ، وتأويلها تأويلاً يخدم مصالح الطبقات المتنفذة في المجتمع على حساب
العوام .
ولا يخفى أن العقل التحريفي الذي يسيطر على
انحرافاتِ رجال الدين اليهود والنصارى ، قد أدى إلى إنتاج جيل من العلماء
المتلاعبين بالنصوص . لذلك ظهر العقل النَّصي بكل انحرافاته التأويلية الرامية إلى
تفتيت صورة الحقيقة ، وإحلال الوهم الأيديولوجي مكانها ، وذلك لخلخلة العقائد ،
وإحالة المنظور الديني إلى منظور نفعي برجوازي على شكل إقطاعيات يستفيد منها
عِلْية القوم على حساب الطبقات المتدنية في الشعب .
لذلك فإن محاولة إخفاء أهل الكتاب معرفتهم
بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، إنما تهدف إلى وأد الدعوة الإسلامية في مهدها، وذلك
عبر إحاطتها بالغموض والتشويش وعدم اليقين، ظناً منهم أنهم بذلك يقدرون على
المحافظة على نصوصهم الدينية المحرَّفة التي توفِّر لهم مزيداً من السيطرة على الأتباع
، وبسط النفوذ على عقول العوام وقلوبهم .
ولما كان الشعب غارقاً _ في مجمله_ في الجهل
والفقر ، سَهُل على رجال الدين السيطرة عليه عبر إنتاج متواليات من الأساطير
التوراتية والإنجيلية التي تكرِّس الشططَ الطبقي ، وتنتج جيلاً مناوئاً لإعمال
العقل .
وعن طريق تكريس النصوص المحرَّفة ،
وتأويلها_ بشكل ميكانيكي _ باتجاه رفض التمحيص العقلي ، ظهرت أجيال عاجزة عن توظيف
الأدوات العقلانية في فحص الدلالات الدينية ، فصارت المعطيات المشوَّشة في خانة
المسلَّمات بعد أن تم إضفاء القداسة الوهمية عليها ضمن متواليات من استلاب الوعي ،
وانكسار القيم الدينية الذاهبة إلى التسييس الأيديولوجي البرجوازي .
(( وقد نصَّ اللهُ _ عز وجل _ على أن اليهود
يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما
يعرفون أبناءهم، وأنهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل )){(2)}.
لكن العوامل التي ساهمت في انحرافهم عن طريق
الإيمان متعددة ، مثل العناد ، والحسد ، والخوف من فقدان مناصبهم وامتيازاتهم.
وعلى الرغم من علمهم اليقيني بصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا أنهم اختاروا
الوقوفَ في الجهة المقابلة المضادة للحق، لأن علمهم لم يُتَرْجَم إلى عمل قلبي
مشرق، وتصديق وجداني ، وإيمان راسخ ، وسلوك إيجابي .
إذا
لم يكن عونٌ من الله للفتى فأول ما يجني عليـه اجتهاده
فالعبقرية وحدها لا
تكفي للحصول على الإيمان ، والوصول إلى الله تعالى ، لأن العقل _ في طبيعة بنيته
الأساسية _ يمتاز بالنقص، والقصور ، والانكماش خلف أسوار محددة لا يمكن تجاوزها.
أما الذين منحوا عقولَهم صلاحياتٍ أكثر مما
ينبغي ، فقد حمَّلوا قواهم العقلية مسؤولياتٍ جسيمة فوق قدرة العقل البشري على
التحمل ، مما ساهم في صناعة أعباء كبيرة أعاقت حركةَ الفرد في مجتمعه ، وقادت إلى اضطرابات
نفسية جمة ، وإشكالياتٍ جسيمة على الصعيد الروحي والمادي. وانعكس الأمر سلباً على
الحراك الاجتماعي الذي تراجع في بناء المجتمع الآخذ في التفكك .
صفات النبي محمد في
التوراة والإنجيل :
مما لا شك فيه أن صفات النبيِّ صلى الله
عليه وسلم موجودة في الكتب السماوية ، وذلك لأهمية الحدث الكَوْني العظيم، وهو
الرسالة المحمدية الإسلامية الناسخة الخاتمة . فمحمد صلى الله عليه وسلم ليس نبياً
لفترة زمنية محددة مثل باقي الأنبياء، بل هو رسول عالمي للإنس والجن غير محدود
بفترة زمنية معينة . فصفاته الظاهرة في التوراة والإنجيل تتناسب مع السُّلطة
الإلهية الممنوحة له باعتباره حامل الشريعة الرَّبانية في الأرض .
قال الله تعالى : } الذين يتبعون الرسولَ
النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف
وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال
التي كانت عليهم { [ الأعراف : 157 ] .
قال ابن كثير في تفسيره ( 2/ 335 ): (( وهذه
صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء، بشَّروا أممهم ببعثه ، وأمروهم بمتابعته،
ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم ، يعرفها علماؤهم وأحبارهم )) اهـ .
وقد تناولت الآية السابقة ورود صفات النبيِّ
صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل ، لأن الله تعالى قد مهَّد لظهوره صلى
الله عليه وسلم في الكتب السماوية السابقة لكي يستعد الناس نفسياً وواقعياً
لاستقباله ، والإيمان به ، والأخذ بتعاليمه ، لأن الاستعداد النَّفسي له دور فاعل
في حسن التلقي والتطبيق . كما أن التمهيد للظهور النبوي أمرٌ كَوْني يخص الإنس
والجن على السواء ، وليس حدثاً عابراً أو محصوراً .
وفي ذلك إشارة واضحة إلى تضافر جهود
الأنبياء في إقامة صرح الإيمان ، فلا يوجد نبي يخفي صفاتِ نبي آخر ، فكلهم يد
واضحة في بيان فضل بعضهم البعض ، وتوضيح مزايا مقام النبوة .
ومنهج النبوة له جانبان : الأخذ والتنفيذ ،
أخذ التعاليم السمحة التي جاءت لسعادة الإنسان في الدَّارين ، وتنفيذها على أرض
الواقع حياةً عملية ملموسة لا فلسفةً ذهنية مجرَّدة لا علاقة لها بالواقع. فالمسار
النبوي إنما جاء ليصير طريقَ الأفراد والجماعات كلهم ، لا أن يوضع على الرفوف كالتراث
التاريخي أو الفلكلور الشعبي.
ولأن الأمر عظيمٌ جداً ، ويمس حياة أمم
بأسرها. رأينا كثيراً من الأيدي التي تلاعبت بنصوص التوراة والإنجيل من أجل إخفاء
الشمس المحمدية _ وفق نظرتهم القاصرة _ . فظهور النبي القائد الرباني صاحب النهج
القويم يهدد كلَّ مصالح أهل الفساد الذين بنوا ثروتهم ونفوذهم على جماجم الضعفاء
الذين لا حول لهم ولا قوة. وهؤلاء الذين حرَّفوا التوراة والإنجيل خافوا من فقدان
نفوذهم ، وضياع مصالحهم الآنية ، وخسارة مناصبهم الدُّنيوية . لذلك حاولوا جاهدين
توجيه النصوص الدينية عند أهل الكتاب باتجاه مضاد للحقيقة ، يكرِّس الباطلَ ويمنحه
الشرعية العابثة ، ويمحو الحق وينفيه . }ويأبى اللهُ إلا أن يتم نورَه { [ التوبة : 32].
وقد بشَّر المسيحُ صلى الله عليه وسلم
بالرسالة المحمدية . قال الله تعالى : } وإِذْ قال
عيسى ابن مريم يا بني
إسرائيل
إني رسول الله إليكم مصدِّقاً لما بين يديَّ من التوراة ومبشِّراً برسول يأتي من
بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين { [ الصف : 6] .
قال ابن
كثير في تفسيره ( 4/ 461 ) : (( يعني التوراة قد بشَّرت
بي، وأنا مصداق ما أخبرت عنه ، وأنا مبشر بمن بعدي ، وهو الرسول النبي الأمي العربي
المكي أحمد . فعيسى _ عليه السلام _ هو خاتم أنبياء بني إسرائيل ، وقد أقام في ملأ
بني إسرائيل مبشراً بمحمد ، وهو أحمد خاتَم الأنبياء والمرسلين الذي لا رسالة بعده
ولا نبوة )) اهـ .
وهكذا نرى أن السيد المسيح صلى الله عليه
وسلم قد مهَّد الطريق لكي يقود المسيرةَ البشرية محمدٌ صلى الله عليه وسلم . لكن
بني إسرائيل _ كعادتهم _ قوم سوء وحسد وحقد ، يريدون احتكارَ الفضل الإلهي لأنفسهم
مع أنهم غير ملتزمين بشريعة الله تعالى . لذلك حاولوا بكل ما أُوتوا من قوة عبر
الطرق غير المشروعة أن يمنعوا وصولَ النور المحمَّدي الإسلامي إلى العالَم ، لكنهم
عجزوا عن ذلك رغم سيطرتهم على مثلث الشهوات ( المال _ الجنس _ الإعلام ) . (( ثم لما
بعث الله محمداً بالدين الذي بعث به المسيح وسائر الأنبياء قبله ، وكان محمد مصدِّقاً
لما جاء به المسيح،وكان المسيح مبشِّراً برسول يأتي من بعده اسمه أحمد، صارت أمة محمد
أتبع للمسيح _عليه السلام _ من النصارى الذين غيَّروا شريعته ، وكذَّبوه فيما بشَّر
به ، فجعل اللهُ أمةَ محمد فوق النصارى إلى يوم القيامة )){(3)}.
وقد جمعتُ صفاتِ محمد صلى الله عليه وسلم في
التوراة والإنجيل المتداولة عند أهل العلم، وأنا أنقلها كما هي :
أولاً : التوراة ( العهد القديم )
[1] تثنية 18: 15: ((
يقيم لكَ الربُّ إلهكَ نبياً من وسطك من إخوتك مثلي )) . ونفس الأصحاح الآية 18:
(( أُقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلكَ وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أُوصيه
به )) .
وقوله " من إخوتك " يعني العربَ ، لأن ولد إسماعيل هم أُخوة بني
إسرائيل .
[2] تثنية 32: 21 : ((
فأنا أُغِيرهم بما ليس شعباً. بأُمة غبية أُغيظهم )) .
والمقصود بالأمة الغبية
هو العرب قبل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم .
[3] تثنية 33: 2 : (( جاء الربُّ من سيناء
وأَشرقَ لهم من سَعير وتلألأ من جبل فاران وأتى من ربوات القدس وعن يمينه نار شريعةٍ
لهم )) .
فمجيئه من سيناء إعطاؤه التوراة لموسى صلى
الله عليه وسلم ، وإشراقه من سعير إعطاؤه الإنجيل لعيسى صلى الله عليه وسلم ،
وتلألؤه من فاران إنزاله للقرآن، لأن فاران من جبال مكة ، ومنه أتت الشريعة
المحمدية الإسلامية.
[4] التكوين 17: 20: (( وأمَّا إسماعيلُ فقد
سمعتُ لكَ فيه . ها أنا أُباركه وأُثْمره وأُكَثِّره كثيراً جداً . اثني عشر
رئيساً يلد وأجعله أُمَّةً كبيرة )).
هذه النبوة تجعل من ولد إسماعيل من سيكون
سيد شعب كبير. وهذا لم يتحقق في ولد إسماعيل إلا لمحمد .
[5] التكوين 49: 10 : (( لا يزول قضيبٌ من
يهوذا ومُشتَرِعٌ من بين رجليه حتى يأتيَ شِيلونُ وله يكون خضوع شعوب )) .
وشِيلون هو لقب لمحمد الذي أتى وخضعت له
الشعوبُ .
[6]المزمور 45: 3: (( تَقَلَّدْ سيفكَ على
فخذكَ أيها الجبارُ جلالَكَ وبهاءكَ)).
النبيُّ الجبار نبيُّ السيف والبيان هو محمد
. وهذه البشارة لا تنطبق على غيره .
[7] المزمور 149. إن هذه البشارة تنبئ عن
أمة محمد . إنها أمة الحمد والسيف معاً .
[8] إشعياء 42: 11: (( لترفعِ البريةُ
ومدنُها صوتَها الديارُ التي سكنها قيدار)) .
إنها نبوءة على يقظة الصحراء التي سكنها
" قيدارُ " الابن الثاني لإسماعيل . فهي تشير إلى الإسلام ومحمد في
الحجاز .
[9] إشعياء 54: كله . المراد بالعاقر "
مكة قبل نُبُوَّة محمد " لأنه لم يقم فيها نبي بعد إسماعيل، ولم ينْزل فيها وَحْي.
وتعبير " بني المستوحشة " إشارة إلى أولاد " هاجر " . و
" الحداد " المذكور في 54: 16: (( ها أنذا خلقتُ الحدَّادَ )) إشارة إلى
محمد ، حيث قاتل المشركين بسيفه.
[10] إشعياء 65: كله . هذه نبوءة لاستبدال
اليهود بالمسلمين شعباً لله . (( ويُسَمِّي عبيدَه اسماً آخر )) [ 65: 15].
[11] نبوءة دانيال المزدوجة: صورة التمثال
كناية عن الشرك الذي يُمَثِّل أربع ممالك ،وفي زمن المملكة الرابعة ينقطع حجر من
جبل " بغير يد قطعته " فيسحق التمثالَ والممالكَ الوثنية التي تحمله[ 2:
31_ 45]. وصورة ابن البشر الآتي على سحاب السماء لينشئ على الأرض ملكوتَ الله على
أنقاض ممالك العالم [ 7: 13_ 37] . فالحجرُ الذي يَضرب تمثالَ الشرك هو محمد ،
وملكوت الله هي الدولة الإسلامية التي قامت على أنقاض الفرس والروم .
ثانياً : الإنجيل ( العهد الجديد )
[12] رسالة يهوذا: 14: (( انظروا ! إن
الربَّ آتٍ بصحبةِ عشرات الأُلوف من قِدِّيسيه )).
" الرب " هنا بمعنى السيد وهو
محمد ، أما لفظة " قديسيه " فهي إشارة إلى صحابته .
[13] مَتَّى 2: 2: (( أين هو المولود ملكُ
اليهود ؟ )) . و4: 17: (( من ذلك الحين بدأ يسوعُ يُبَشِّر قائلاً : توبوا ، فقد
اقترب ملكوتُ السماوات ! )) .
إن
المسيح لم يؤسس دولةً ، وهو مع المعمدان يبشران بدولة الله في أرضه ، فملكوت
السماوات هو الإسلام دولةً وشريعةً .
[14] متى 13: 31: (( وضَرَبَ لهم مثلاً آخر
، قال : يُشَبَّه ملكوتُ السماوات ببزرة خردل أخذها إنسانٌ وزرعها في حقله )) .
فحبة الخردل التي تصير شجرةً صورة لملكوت
الله . وهذه كناية عن الإسلام والنجاة فيه .
[15] متى 20: 1_ 16. إن هذا المبدأ الإنجيلي
نبوءة عن الإسلام ، دين الله في أرضه ، فهو يُبَشِّر بأن المسلمين آخر من ظهر من
أهل الكتب المنزلة سيكونون أولين، والأولون من اليهود والنصارى سيكونون آخرين .
[16] متى 21: 42و43: (( الحجرُ الذي رفضه
البُناة هو نفسه صار حجرَ الزاوية الأساسي ... لذلك أقول لكم : إن ملكوت الله
سيُنزَع من أيديكم ويُسَلَّم إلى شعب يؤدي ثمرَه )) .
إن ملكوت الله الذي يُنزَع من أهل الكتاب
ويُعطى لأمة أخرى تؤدي ثمارَه هو الإسلام . وأن الحجر رأس الزاوية فيه هو محمد .
أو : إن محمد صلى الله عليه وسلم حجر الزاوية في البنيان النبويِّ .
[17] سِفْر الرؤيا 2: 26_ 29." الغالب
الموعود " الذي وحده أُعطيَ سلطاناً على الأمم هو محمد .
[18] النبوءة بالفارقليط . حسب إنجيل يوحنا
14 : 16 : (( وسوف أطلب من الآب أن
يُعطيكم مُعيناً آخر يبقى معكم إلى الأبد )) . و14: 26، 14: 26 ، 15: 26 ، 16: 7و8
، 16: 12و13و14 . [ وإن الفارقليط الموعود هو " أحمد "
المذكور في القرآن : } وإِذْ قال
عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدِّقاً لما بين يديَّ من
التوراة ومبشِّراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد { [ الصف : 6]{(4)} ] .
قال الشيخ عبد الوهاب النجار في قصص
الأنبياء( ص 473) في حوار دار بينه وبين الدكتور كارلو نلينو: (( ما معنى
بيريكلتوس ؟ ، فأجابني بقوله إن القسس يقولون إن هذه الكلمة معناها " المعزي " ، فقلتُ : إني أسأل
الدكتور ( كارلو نلينو ) الحاصل على الدكتوراة في آداب اللغة اليونانية القديمة ،
ولستُ أسأل قسيساً ، فقال : إن معناها ( الذي له حمد كثير ) ، فقلتُ : هل ذلك
يوافق أفعل التفضيل من حمد ؟ . فقال : نعم ، فقلتُ : إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم من أسمائه ( أحمد)، فقال : يا أخي ،
أنت تحفظ كثيراً ، ثم افترقنا . وقد ازددتُ بذلك تثبتاً في معنى قوله تعالى حكاية
عن المسيح: } ومبشِّراً
برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد { ))اهـ.
وعلماء أهل الكتاب يعرفون الحق ، لكن
الغالبية منهم يفضلون المراوغة ، وممارسة التضليل الإعلامي ، وإنتاج التشويش
وتعميمه في المجتمع ، وذلك للحفاظ على مصالحهم الشخصية . وهكذا نفهم عملية التحريف
في التوراة والإنجيل كممارسة كهنوتية لتكريس الوهم في أوصال المجتمع ، وإنتاج
إقطاعيات انتحار الوعي بالأسئلة المصيرية التي تواجه الإنسان في حياته .
وعلى أية حال إن سياسات علماء أهل الكتاب
الذين يحاولون جاهدين شرعنة الاضطهاد عبر الربط بين السلطة السياسية والسلطة
الدينية للحفاظ على مكاسب عِلْية القوم ، سوف تظل سياسات لا تملك وجوداً حقيقياً
على الأرض ، لأن الوهم سرعان ما يذوب حينما تخرج شمس الصباح. وعندئذ ينقلب السحر
على الساحر ، لأن الوعي الديني التوراتي والإنجيلي هو وعي وهمي، إذ إن بشرية
النصوص الدينية عند أهل الكتاب، تجعل منهم رجعَ صدى لانتكاسة القومية الدينية. أي
إن الاعتماد على بنية الأسطورة الأيديولوجية في محاولة تسويق النصوص الدينية
المشوَّشة لن يُكتب له النجاح ، لأن ما بُنِيَ على باطل فهو باطل . خاصةً أن
انكماش الأسطورة الدينية اللاهوتية كشف التناقضات المذهلة بين بنية التوراة وبنية
الإنجيل ، فأضحى الحدث العقائدي ضرباً من بناء الأسطورة ، والتكريسِ الاجتماعي
للخديعة استناداً إلى هالة إعلامية مفككة ومكشوفة .
وقصة الصحابة الذين ذهبوا إلى النجاشي بأمر
النبيِّ صلى الله عليه وسلم مشهورة، وفيها دلالات عظيمة . فهي اعتراف من ملك عالِم
وحوله رجال الدِّين النصراني المتبحرون في دراسات التوراة والإنجيل ، بأن محمداً
صلى الله عليه وسلم كان معروفاً في كتب أهل الكتاب . فالبعض يملك الجرأة ليعترف بذلك ،
والبعض الآخر تغلبه شهواته ومصالحه الشخصية فتحجب عنه الإيمانَ بالرسالة المحمدية
الإسلامية ، وهذا يعرضه لخسارة الدنيا والآخرة معاً . ويمكننا أن نوجز القصة على النحو التالي :
(( فقال النجاشي لجعفر : ما
يقول صاحبك _ أي النبي صلى الله عليه وسلم _ في ابن مريم ؟، قال: يقول فيه الله : هو
روح الله وكلمته أخرجه من البتول العذراء لم يقربها بشر ، قال _ الراوي _ : فتناول
النجاشي عوداً من الأرض فرفعه فقال: يا معشر القسيسين والرهبان ، ما يزيد هؤلاء على
ما تقولون في ابن مريم ما يزن هذه . مرحباً بكم وبمن جئتم من عنده ، فأنا أشهد أنه
رسول الله ، وأنه الذي بشَّر به عيسى بن مريم ، ولولا ما أنا فيه من الْمُلْك لأتيتُه
حتى أحمل نَعْلَيْه )){(5)}.
وفي هذه القصة إشارةٌ واضحة إلى أن أهل
الكتاب لديهم علوم دينية ، ويدركون أبعاد الحقيقة، ومعالم الحق. ومنهم من يمتلك
الجرأة على التصدي للباطل، والجهر بدعوة الحق . فينبغي على المرء أن يطلب الحق
مُخلِصاً في ذلك دون وجود أهواء شخصية أو أغراض مادية نفعية آنية ، فلن يذوق لذةَ
معرفة الحقيقة سوى شخص صادق في بحثه وقصده .
وقد رأينا موقف النجاشي _ رضي الله عنه _ في
إعلان الحقيقة مدويةً أمام حاشيته ، ولم يخش انقلاب الناس عليه، لأن الحق _
بالنسبة إليه _ أحق أن يُتَّبع . فهذا الموقف الشريف يعكس تحرراً في التفكير
البناء، وبعد نظر ثاقباً ، وإعمالاً لملكات تحليل المواقف ، واستيعاب الخطاب
الكلماتي بدقة بالغة ، وإيثار الآخرة على الدنيا .
.........الحاشية..............
{(1)} الدر المنثور للسيوطي( 1/ 215 و216 ).وانظر سيرة ابن إسحاق (
1/ 62 ).
{(2)}
الفِصَل في المِلَل لابن حزم ( 3/ 110 ) .
{(3)} الجواب الصحيح لمن بدَّل دينَ المسيح لابن تيمية ( 3/ 504 ) .
{(4)} راجع
كتاب/ التناقض في التوراة والأناجيل ، ص 74 ، إبراهيم أبو عواد ، دار اليازوري
.
{(5)} رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 338 ) برقم ( 3208 )
وصححه ، ووافقه الذهبي .