سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] بحوث في الفكر الإسلامي [16] التناقض في التوراة والإنجيل [17] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [18] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [19] عقائد العرب في الجاهلية[20]فلسفة المعلقات العشر[21] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [22] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [23] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [24]مشكلات الحضارة الأمريكية [25]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[26] سيناميس (الساكنة في عيوني)[27] خواطر في زمن السراب [28] أشباح الميناء المهجور (رواية)[29]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

29‏/06‏/2016

القصيدة سُلطة سياسية

القصيدة سُلطة سياسية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

....................

  إن القصيدة هي سُلْطة معرفية قائمة بذاتها ، تستمد شرعيةَ وجودها وتواجدها من كَوْنها قوة اجتماعية شديدة الزخم ذات فاعلية جمعية توازن بين الصيغ الجَمالية للكلمة . ومن هنا تخترع القصيدةُ سياستها الخاصة حيال التعامل مع الأشياء. وللأسف فإن مفهوم السياسة_عند الكثيرين_ ينحصر في الدولة والحكومة ، وهذا غير صحيح البتة . فالسياسةُ هي كيفية التعامل مع الأشياء سواءٌ كانت اجتماعية أو اقتصادية أو أدبية . إنها طريقة للتعامل مع فلسفة الأشياء والجدليات والدلالات . وهذا الدورُ المركزي لا يمكن لغير الشِّعر أن يلعبه ، لأن الشِّعر _ وَحْدَه _ هو الذي يرى ما وراء الأشياء، ويوازن بين المظهر والجوهر، ويتغلغل في أعماق النفس البشرية بكل سلاسة.
     وبلا أدنى شك فإن تكوُّن الظواهر الثقافية في أنساق القصيدة يستند إلى كَوْن القصيدة نصاً سياسياً لا مكان فيه للمتعة المجرَّدة. وهذه السياسة _ بمفهومها العام _ جعلت النصَّ الشعري يتقن التعامل مع العناصر المحيطة بكل توازن ، ويؤسس نظاماً شاملاً لعلاقات الإنسان في كل المجالات . مما أدى إلى توليد تراكيب إنسانية تُعطي للروح فرصة الالتقاء مع ذاتها ، وتمنح الجسم الاجتماعي متعةَ اكتشاف ماهيته خارج نطاق المفاهيم المستهلَكة .
     وهذه الحركة الثقافية النشطة تضمن استمرارية نمو الجسد القصائدي في ظل حتمية الصراع بين الأضداد . والأبجديةُ الشعرية قادرة على تنظيم هذا الصراع وإعادة إنتاجه لفظاً ومعنى، بما يحفظ وحدةَ الكيان القصائدي في وجه الثقافة المغلَقة للمجتمع المكبوت.

     ولن يكون دربُ القصيدة سهلاً، إذ إن التماسكُ الشعري في مجتمع تصنيم الذوات سوف يُقابَل بمعارضة شرسة من قبل ثقافات " حراسة الوهم " التي ابتكرتها الأنظمةُ القمعية ( السياسية والاجتماعية ) بُغية الحفاظ على الفوضى الخلاقة التي تستنزف الشعبَ حتى الرمق الأخير . لكنَّ القدرة الفائقة للقصيدة على التحدي والصمود في وجه أقسى الأزمات الاستئصالية، ستكون سلاحاً فعالاً لتجذير وجود الشِّعر في الظروف الصعبة . وسيظل التعويلُ _ دائماً _ على جهاز المناعة للقصيدة .

28‏/06‏/2016

التغير والتغيير في الأفق الشعري

التغير والتغيير في الأفق الشعري

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.........................

    تتركز قوةُ النص الشعري في قدرته على صياغة اتجاهات وجدانية للفرد والجماعة ، وربطِ  دلالات اللغة مع تطلعات الفرد الحياتية. ومن هنا ينبثق التجانس بين لغويات القصيدة وأبجدياتِ المعنى . ولا يمكن لهذا التجانس أن يستمر إلا إذا تركزت الحقيقة القصائدية كحاجة إنسانية توازن بين المجتمع القصائدي المتحول إلى كيانات بشرية مندمجة مع حرية الفكر الشِّعري ، وبين مركزية المجتمع الإنساني المتحول إلى وحدات بنائية أقل توحشاً . وهذا التوازن المنشود كفيل بنقل القصيدة من الورق إلى أرض الواقع ، وتكريس الأفكار كحالة شعورية مضادة للنسيان والتهميش والإلغاء.
     إن الأفق الشعري هو حالة اليقين في وسط نيران الشك ، وهذا اليقين هو القلعة الحصينة التي تمنع التردد والارتباك من اقتحام العالَم الشِّعري . فالقصيدة _ مثل السِّباحة _ ستواصل مسيرتها ما دامت هادئةً ، أمَّا إذا حصل التردد أو الارتباك فسيكون الغرقُ هو المصيري الحتمي .

     وفي ظل هذه المعاني تكتسب القصيدةُ شرعية دَوْرها الإنقاذي ، والذي يتمحور حول تخليص الشِّعر من كل الأعباء الوجودية العَدمية . فقد أضحى الشِّعر _ بالنسبة للكثيرين _ عبئاً على كاهل المجتمع الثقافي بعد أن كان تأسيساً وجدانياً للمراحل الأخلاقية في حياة الفرد . وهذا الخلل في فهم طبيعة الشِّعر يدفعنا إلى البحث عن فهم جديد لوظيفة النسغ الكلامي المكثَّف الهادف إلى قلب أنظمة الأبجديات السُّلطوية التي اتخذت من اللغة مزرعةً للمعاني المشروخة والألفاظِ المكسورة. وكلما اكتسب هذا الفهمُ الديمومةَ والانطلاق، اختفت حالةُ الصِّدام بين طبقات القصيدة المجتمعية. وهذا يعني الوصول إلى حالة التصالح بين الذات الشَّاعرة والنَّص الشِّعري . مما يُسهِّل ابتكار عوالم شِعرية جديدة تستمد شرعيتها من قدرة لغة النَّص على تجديد شبابها ، وتجديد آليات النسق الفكري . وبعبارة أخرى  ،  إن النَّص لا يُصبح شِعرياً وشَرْعياً إلا إذا امتلك ثنائية   ( التغير / التغيير ) .

26‏/06‏/2016

بول فون هايس وخيانة أستاذه

بول فون هايس وخيانة أستاذه

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم ، لندن ، 26/6/2016

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

........................

    إنَّ الكاتب الألماني بول فون هايس ( 1830 _ 1914) قد خاض مجالاتٍ أدبية متعددة ، ولم يحصر نفْسه ضمن مجال واحد . فله إسهامات متعددة في الشِّعر والمسرح والترجمة . فقد درس اللغات،وترجم أعمال عدد من الشعراء الإيطاليين.وحصل على جائزة نوبل للآداب عام 1910 ليكون بذلك أول كاتب ألماني يحصل على هذه الجائزة العالمية عن أعماله الأدبية الخيالية،وثالث ألماني يحصل عليها بعد المؤرِّخ وعالِم الآثار تيودور مُومسِن ، والفيلسوف رودلف أوكن .
     وُلد هايس في برلين، وكان والده أستاذاً مُشاركاً في فقه اللغة الكلاسيكية واللغويات العامة . وقد كانت عائلته مُثقَّفة وغَنِيَّة . وهذه المناخ المنْزلي أدخلَ هايس في قلب المجتمع المثقَّف الذي يهتم بالأدب والموسيقى والفن .
     كان هايس طالباً نموذجياً ، وقد بدأ محاولاتِه الشعرية وهو في المدرسة الثانوية ، وشاركَ في إنشاء النوادي الأدبية التي تهدف إلى تبنِّي المواهب الشابة في الأدب عموماً ، والشِّعر خصوصاً . وقد استغل مكانة عائلته الاجتماعية والفكرية في الوصول إلى الصالونات الفنية في برلين .
     في عام 1847 ، بدأ هايس دراسة فقه اللغة الكلاسيكية في برلين . وبعدها بسنة ، نشر أوَّل قصيدة شِعرية يُعبِّر فيها عن حماسه للثورات الأوروبية ، أو ما سُمِّيَ بربيع الشعوب . وهي سلسلة من الاضطرابات السياسية، حدثت في عام 1848 في جميع أنحاء القارة الأوروبية ، مدفوعةً بالثورة الفرنسية( 1848). وقد أطلقَ البعض اسم" ربيع الشعوب" على ثورات العالَم العربي ( 2011) مُتأثِّرين بما حدث في أوروبا .
     وبعد عامين من الدراسة في برلين ، التحق بجامعة بون لدراسة تاريخ الفن ، والتعمق في الدراسات الرومانسية . وتُعتبَر جامعة بون من أبرز الجامعات الألمانية . ومن أشهر خِرِّيجيها : الأمير ألبرت ( زوج الملكة فكتوريا )، والبابا بندكت السادس عشر ، والقيصر فريدرش الثالث ، والفيلسوف كارل ماركس ، والفيلسوف نيتشه .
     وفي عام 1850 ، قرَّر بشكل نهائي أن يكون شاعراً، ورسم حياته وفق هذه الأساس. وأعدَّ أطروحةً علمية في فقه اللغة . وبسبب علاقة غرامية مع زوجة أحد أساتذته ، اضطر إلى العودة إلى برلين في عيد الفِصْح . لقد غرق في خيانة أحد أساتذته مع زوجته ، واعتبر هذه العلاقة العاطفية جزءاً لا يَتجزَّأ مِن حياته الشخصية ، ومسيرته الأدبية .
     لقد قام مشروع هايس الشِّعري على الأغنية . فقد اعتبرَ الأغنية الشِّعرية أفضل وسيلة لتمرير الأفكار ، والوصول إلى الجماهير . وفي عام 1851 ، بدأ حياته كمترجم ، وقد أقام علاقات متعددة مع وسطاء في الأدب الإيطالي من أجل ترجمته . وبعد سنة ، حصل على الدكتوراه في شِعر الشعراء المتجوِّلين ، بعد منحة دراسية من الدولة البروسية ( الألمانية ) . كما أنه زار إيطاليا لدراسة المخطوطات القديمة في الفاتيكان .
     لم يَكتفِ هايس بكتابة الشِّعر والترجمة ، بل أيضاً راح يكتب القصص . وقد اعترفَ في سيرته الذاتية أنه يكتب القصص بعد تخطيط دقيق للتخلص من عبء العمل اليومي ، ثم يقوم بتصحيح الأخطاء الكتابية ، ثم يستبدل بعض الكلمات بأخرى مُلائمة ومُناسِبة . وهو يهدف إلى تجنب الوصف السطحي ، والتخلص من التَّطويل الممِل . وفي قصصه تظهر مفاهيم غير سياسية ، تتعلق بمثالية الفن ، والرحلة إلى السعادة ، والحساسية الروحية ، والمثالية المعنوية .
     وفي عام 1910 ، عَيَّنت مدينة ميونيخ هايس مواطناً فخرياً بمناسبة عيد ميلاده الثمانين ، وأيضاً منحه أحد الأمراء لقب شخصية من طبقة النبلاء ، وفي نهاية ذلك العام فاز بجائزة نوبل للآداب عن أعماله الأدبية ذات النَّزعة الخيالية . وقد تُوُفِّيَ في عام 1914 ، قبل عِدَّة أشهر من اندلاع الحرب العالمية الأولى ( 1914_ 1918) .
     لقد كان هايس من أصول يهودية . وهذا الأمر جعله منبوذاً ومرفوضاً مِن قِبَل الكثيرين ، خصوصاً أن عقود ما بعد الحرب العالمية الأولى ، قد كَوَّنت بيئةً مليئة بمشاعر الانتقام والحقد والكراهية والتمييز العنصري .

     مِن أبرز أعماله الأدبية : قصص قصيرة ( 1855 ) ، كتاب الأغاني ( 1860 ) ، مأساة هادريان ( 1865) ، كلمات لا تُنسَى ( 1883) ، ذكريات الشباب واعترافات / سيرة ذاتية   ( 1900) .

25‏/06‏/2016

سلمى لاغرلوف وروحانية القدس

سلمى لاغرلوف وروحانية القدس

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة القدس العربي ، لندن ، 24/6/2016

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

...................

     تُعتبر الروائية السويدية سلمى لاغرلوف ( 1858_ 1940 ) أول امرأة في التاريخ تفوز بجائزة نوبل للآداب ( 1909 ) . وهي أول كاتبة سويدية تفوز بهذه الجائزة العالمية التي بَدأت بمنح جوائزها منذ العام 1901 .وهذا يعني أنها فَتحت باب الجائزة أمام أدباء بلدها. وقد أصبحت في عام 1914 عضواً في الأكاديمية التي تمنح جوائز نوبل التي يتبنَّاها بلدها السويد . فصارت بذلك أول كاتبة تحصل على جائزة نوبل ‏وعضوية الأكاديمية . كما يُنظَر إليها كواحدة من أبرز الكاتبات في الأدب السويدي الحديث .
     وُلدت في قرية تابعة لمقاطعة فارملاند في شمال السويد البارد . وقد عانت من عَيْب خَلْقي في وِركها ، سَبَّبَ لها الشَّلَل ، ثُمَّ تعافت منه بعد ذلك ، ولكنها بَقِيَت تعاني عَرَجاً بسيطاً . وعلى الرغم من هذه الإعاقة ، إلا أنها عاشت طفولة سعيدة .
     بدأت حياتها كمُعلِّمة في بلدة لاند سكرونا في الفترة ( 1885 _ 1895 ) . ولمع اسمها في عالَم الأدب لأول مرة بعد أن نشرت روايتها الأولى " ملحمة غوستا برلنغ " عام 1891 ، والتي بشَّرت بالنهضة الرومنطيقية في الأدب السويدي . وفي عام 1895 ، قرَّرت ترك مهنة التدريس ، والتفرغ للأدب . وقامت برحلة إلى فلسطين في مطلع القرن العشرين ، وأقامت في القدس. وقد انبهرت بالمكان ، وتأثَّرت بالأجواء الرُّوحانية، وأثَّرت فيها هذه الزيارة التاريخية ، التي كانت أشْبَه ما تكون بالحج المقدَّس . وعندما عادت إلى بلادها ، أصدرت كتاباً تضمَّن انطباعاتها عن هذه البقعة الفريدة من العالم .
     وقد قرَّرت الأكاديمية السويدية منحها جائزة نوبل للآداب في عام 1909 ، تقديراً لإبداعها في تصوير مشاعر النَّفْس الإنسانية ، والنظرة الروحية ، والخيال الحي المفعم بالحيوية ، والنابض بالمثالية النبيلة . وفي عام 1928، حصلت على الدكتوراة الفخرية في الآداب من جامعة جريفس فالد الألمانية . وقد تَمَّ تحويل منزلها الذي عاشت فيه إلى متحف يضم مقتنياتها .
     تدور أحداث غالبية أعمالها الأدبية في مقاطعة فارملاند( على الحدود السويدية _ النرويجية  ). ومعَ هذا ، فإِن رحلاتها إلى خارج بلادها قد ألْهَمَتْها العديد من الأعمال ، مثل عجائب المسيح الدَّجال ( 1897 ) التي تدور أحداثها في جزيرة صِقِلِّية . كما أن زيارتها لفلسطين ألهمتها كتابة رواية القدس ( 1901 ) ، التي حُوِّلت إلى فيلم سينمائي لاقى استحساناً عالمياً .
     لقد اندمجت سلمى لاغرلوف معَ الطبيعة بشكل واضح ، فكتبت عن الكهوف ، واستلهمت الأساطير التي كانت تستمع إليها وهي صغيرة ، وعاشت في أجواء الملاحم الشعبية ، واستحضرت أغاني المزارعين البسطاء ، واعتمدت على توظيف التراث الإسكندنافي ، وكشفت عن صراع الإنسان مع نفْسه ، وأبرزتْ ميوله ورغباته ومشاعره كالحب والكراهية والطمع . واستخدمتْ في كتاباتها الحيوانات والأقزام ، والأبطال الخارقين. وعاشت في أجواء الثقافة التراثية الشعبية المشتملة على ثنائية ( خير الطبيعة / الأرواح الشريرة ) .
     وعلى الرغم من كثرة أعمالها الأدبية ، إلا أن رواية " مغامرات نيلز المدهشة " ( 1906) تظل أعظم أعمالها على الإطلاق . وسبب كتابة هذه الرواية هو أن هيئة المعلمين الوطنية قد كَلَّفت الكاتبة سلمى لاغرلوف بتأليف كتاب جغرافيا للمدارس السويدية في عام 1902 . وقد قضت سلمى لاغرلوف عِدَّة سنوات تَبحث في المناظر الطبيعية ، وتدرس حياة الحيوانات والنباتات ، وتُحلِّل تفاصيل الحياة الريفية ، وتبحث في الأساطير السويدية . وقامت بمزج هذه العناصر في قصة نيلز ، ذلك الصَّبي الذي عُوقِب بسبب سُوء معاملته للحيوانات مِن قِبَل قزم المزرعة ، فصارَ قزماً صغيراً. مِمَّا جعله قادراً على مُحادَثة الحيوانات ، والتعامل معها ، ثُمَّ صار يسافر عبر أراضي السويد على ظهر إِوَزَّة كبيرة . وخلال هذه الرحلة يتعرف على السويد ، وجغرافيتها، وتاريخها، وتراثها الشعبي ، وحكاياتها الأسطورية . وقد حقَّق الكتاب نجاحاً ساحقاً في أنحاء العالَم ، وتُرْجِم إلى أكثر من ثلاثين لغة مِنها اللغة العربية ، وتَمَّ تحويله إلى مسلسل كرتوني للأطفال . وقد عزَّز الرمزيةَ في الأدب المحلي والعالمي على حَدٍّ سَواء . وفي عام 1992 ، قرَّرت الحكومة السويدية وضع صورة الصَّبي نيلز خلف العملة السويدية ( فئة 20 كرونا )، وسلمى لاغرلوف في الأمام ، اعترافاً بمكانة هذه الكاتبة ، وتخليداً لذكراها وإنجازاتها .
     ساهمت سلمى لاغرلوف في الحراك الاجتماعي ، والدفاع عن قضايا مجتمعها وحقوق المرأة . فدعمتْ حق المرأة في الانتخاب ، كما ألقت العديد من المحاضرات التي تدعم حقوق المرأة في السويد . وفي نهاية حياتها ، أصبحت نظرتها للعالَم والإنسان سوداوية ، وانعزلت في بَيتها القديم ، ولم تعد تختلط بالناس . وقد تُوُفِّيَت في عام 1940 ، وهي تعمل على كتابة رواية جديدة .

     مِن أبرز أعمالها : ملحمة غوستا برلنغ ( 1891) ، روابط خفية ( 1894) ، عجائب المسيح الدجال ( 1897) ، القدس ( 1901) ، كنز السيد آرنز ( 1904) ، مغامرات نيلز المدهشة   ( 1906) ، ذكريات من طفولتي ( 1930) . 

23‏/06‏/2016

أثر منظومة الشعر الثورية

أثر منظومة الشعر الثورية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.............

    لا يمكن إخفاء البعد التثويري في أبجدية الشِّعر الصادمة، لأن القصيدة ذاكرةٌ مُقاتِلة ترفض المساوَمةَ أو أنصاف الحلول ، وتعمل على تخليد اللحظة الزمنية التي يكتبها الكلامُ النابع من أبجدية الدم والبارود . وهكذا يتم الوصول إلى حالة صِدامية مناوئة لهوية الوهم على كافة الأصعدة . الأمر الذي يكشف دورَ النَّص الشعري في تكوين النسيج الاجتماعي للثورة الخارجة من لهب الحقيقة. وفي هذا الزخم المتأجج تتلاحم المفرداتُ الشِّعرية مع العلاقات الإنسانية في جسد واحد ، وما على القصيدة إلا رسم ملامح هذا الجسد وأبعاده المادية وأشواقه الروحية .
     والجدير بالذِّكر أن فكر التثوير المنتشر في عوالم القصيدة لا يَهدف إلى تمزيق المجتمع عبر عسكرة المنظومات الروحية ، وإنما يرمي إلى تجذير ماهية اكتشاف المعنى الإنساني في خضم الانفجار التكنولوجي ، وإخراجِ الإنسان من متاهته اليومية .
     ولا يتأتى الحصول على منظومة شِعرية ثورية إلا إذا امتلكنا القدرةَ على صناعة خطاب خيالي مندمج مع الواقع حتى الرمق الأخير ، وهذا الاندماج هو طوق النجاة للإحساس الاجتماعي بالشِّعر ، كما أنه _ أي الاندماج _ سيؤدي إلى توليد أسئلة ذاتية غير ميكانيكية حول تقنيات بناء الخيال الواقعي ، مما يُنتِج أبجدياتٍ شِعرية تشتمل على أبعاد معرفية تقود الفكر الشِّعري التأصيلي إلى العالمية ( عالمية اللفظ والمعنى / عالمية الدلالة / عالمية الرؤية ) .

     وهذا الحراكُ الشعري ذو الصبغة الاجتماعية الثورية ، من شأنه إضفاء الشرعية على عملية تزاوج المحيط الإنساني مع الظواهر الفلسفية للنَّص . وبالتالي فإن النَّص سيجد نفْسَه في قلب الدوامة الاجتماعية . ونحن عندما نضع النَّصَّ في مواجهة الأطوار المجتمعية السلبية ، إنما نضع الفردَ في مواجهة المجتمع من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، وليس زيادة المجتمع غرقاً . ومهما تلقى النصُّ الشعري من ضرباتٍ في هذا الزخم الثوري ، فإنه لن يَسقط على الأرض ، بل سيزداد قوةً ، لأن الضربة التي لا تَقتلكَ تُحييكَ . 

22‏/06‏/2016

الشعر صانع الحلم وحارس الشرعية

الشعر صانع الحلم وحارس الشرعية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.................

  إن الشِّعرَ أزمنةٌ مُدهِشة تُولَد فِينا ونُولَد فيها، وأمكنةٌ ساحرة تمنحنا فرصة اكتشاف ذواتنا خارج الحدود . وهذا البناءُ المتميز على الصعيدَيْن الزماني والمكاني يتواصل مع الطبيعة المتشظية للحلم الذي تصنعه البنيةُ الاجتماعية للقصيدة. ولا يمكن حصر أهمية الحلم في قوالب ذهنية مُجرَّدة هاربة من الواقع القاسي، لأن الحلمَ هو مشروعُ صناعة واقع أكثر جمالاً، ومشروعيةٌ إنسانية عابرة للحواجز الاجتماعية المصطنَعة. وفي واقع الأمر ، إن حُلم الكتابة الشعرية يتجلى في كتابة الحلم ، وجعله أكثر قرباً إلى حواس الإنسان . وهذا العمليةُ الإبداعية تهزُّ المنحى الوجودي للمجتمع ، ولا تُخدِّره ليَسهل استغلاله وذبحه . مما يؤدي إلى إيقاظ الجوانب الإبداعية الكامنة في الذات البشرية، ووضع التاريخ البشري ( الماضي / الحاضر / المستقبل ) أمام ثقافة الأسئلة المصيرية.
     والتعاملُ مع الماضي ينبغي أن يكون وفق فلسفة الغربلة والتمحيص، وليس من منطلق التقديس والتبرير والمسلَّمات الجاهزة ، لأن الإنتاج البشري يَحتمل الخطأ والصواب . والتعاملُ مع الحاضر هو انخراط في أنساق متغيرة لها هويتها الشخصية المستقلة التي ينبغي أن لا تعيش على أمجاد الماضي ، وتكتفيَ بالتغني بالزمن الجميل السابق . أمَّا التعاملُ مع المستقبل فلا بد أن يمر عبر قيمة المغامَرة لا المقامَرة . وهنا يتجلى الفرق الجوهري بين المجتمع القصائدي وبين المجتمع البشري المتآكل . فالمجتمعُ القصائدي يَبني أُسسَ مغامراته المحسوبة ويُنفِّذها على الأرض ، أمَّا المجتمع البشري المتآكل فيُقامِر بهويته ومصيره مختبئاً وراء قناع انكساراته .
     والجدير بالذِّكر أن توليد الأسئلة والإجابة عنها ليست وظيفة القصيدة فَحَسْب ، بل وظيفة جميع الأنساق الثقافية المشغولة بأنسنة تاريخ الحضارة ، وتأريخِ وجود الإنسان الحضاري . وهذا الجهد الجماعي سوف يمس تركيبةَ المعنى البشري والمعنى الثقافي على حَدٍّ سواء . بحيث يتحول المعنى إلى نسيج وجداني للذاكرة الجمعية التي تحمي المجتمعَ من الانقراض. وهذا لا يتأتى إلا باعتماد الشِّعر كحارس لشرعية الجماعة البشرية وأحلامها .

     وفي هذا السياق تبرز للشِّعر مهمتان عظيمتان لا يمكن لغير الشِّعر تنفيذهما ، الأولى : حماية الإنسان من الوحش الساكن في أعماقه ، والثانية : حماية المجتمع من المقامَرة بمصير الحضارة .

21‏/06‏/2016

عنفوان القصيدة والعقل الشعري

عنفوان القصيدة والعقل الشعري

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

..................

   إن عنفوان القصيدة ينال شرعيته اعتماداً على رؤية خصوصية للعوالم الفكرية ، التي هي امتداد للوجود البشري خارج أنطقة الاستغلال والتهميش . وأيضاً فإن العقل الشِّعري الحر يَنحت في الجوهر الإنساني صورةَ الأمل الثوري النابع من منطق القوة لا منطق الاستسلام للجلاد . وكل التوهجات اللغوية النابعة من الثنائية المنطقية ( عنفوان القصيدة / العقل الشعري ) منحازة _بطبيعتها_ للقوى الهادفة إلى صناعة تكوينات جديدة داخل النسغ الفلسفي للشِّعر . وهذا الأمر بمثابة انطلاقة اجتماعية واعية تزاوج بين الدلالات الفلسفية والإشاراتِ الشِّعرية ، مما يُنتج سُلطةً ثقافية تفتح الأبوابَ أمام المجتمع ولا تحشره في الزاوية . وهذه التجربةُ الحياتية الثرية ينبغي أن تنعكس في مرايا الشِّعر من أجل فهم الصور الفنية للإنتاج القصائدي ، واستيعابِ حركة الجماعة البشرية على المستويَيْن الذهني والواقعي. والنصُّ الشعري هو الدليل الذي يَعرف الطريقَ ، لذلك لا يلتفت أثناء سَيْره.كما أن النصُّ الشعري هو الوريث الحقيقي للحلم الفاضح للسراب الذي تصنعه الحضاراتُ الوهمية التي تقتل الحضارة باسم الحضارة .
     وعلى الرغم من حتمية اصطدام السُّلطة الشِّعرية بالسُّلطات الأبوية القمعية ، إلا أن هذا الأمر سيزيد القصيدةَ توهجاً وقدرةً على الصمود والتغيير . فحريٌّ بنا أخذ أمر الشِّعر على محمل الجِد ، والنظر إلى الفكر القصائدي على أنه صياغةٌ لتاريخ جديد يُولَد من رحم المعاناة الاجتماعية والمأزقِ المصيري للإنسان ، وحركةٌ تصحيحية نابعة من هوية الثقافةِ والمعنى الإنساني .
     وفي ظل الانبعاثات الشعرية المتواصلة ، سوف تتحول القصيدة من نص جمالي نخبوي إلى تشكيل ثقافي عمومي يحتوي على أركانِ العمل الإبداعي ، وآلياتِ النشاط الاجتماعي ، وتقنياتِ توليد الأنساق المعرفية . وعندئذ سَتُثْبت القصيدةُ قدرتها على القيادة والتوجيه ، وتُقنع الآخرين بجدواها ومركزية وجودها .

     والقصيدةُ ليست وعاءً للتكثيف اللغوي فَحَسْب ، فالقوة اللغوية وَحْدَها لا تَقْدر على إنتاج نسغ قصائدي متماسك ، لذا لا بد من السعي إلى تجميع العوامل الاجتماعية المتشعبة في إطار شِعري مَرِن إذا أردنا نقلَ القصيدة من حالة الأنا التجريدية العقيمة إلى طَوْر الجماعة الواعية لتاريخها ومصيرها .

20‏/06‏/2016

البحث عن هوية القصيدة

البحث عن هوية القصيدة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

......................

   إن الإشكالية الكبرى في الفكر الشِّعري المعاصر ، هي ابتعاد القصيدة عن النبض اليومي للإنسان ، والهروب من مواجهة الحاضر الصادِم عن طريق استخدام رموز فلسفية موغلة في التجريد والرمزية بلا ضوابط، فأضحت القصيدةُ شيفرةً غير منطقية بحاجة إلى إيجاد حلول منطقية. فالكثيرون هَربوا إلى أنماط قصائدية موازية للعَدَم ، وهذا يتجلى في اختيار مواضيع هُلامية وفوضوية تحت ذريعة الحداثة وما بعد الحداثة .
     وهذه الأنماط العابثة هي ردةُ فعل فظيعة لمتاهة الإنسان المعاصر في عالَمه ذي الأنساق المعقَّدة والقيمِ المضادة للمعنى . فانعكس غيابُ المعنى في الواقع المادي الشرس على كثير من القصائد ، والتي أضحت نسقاً لفظياً بلا معنى . وهذا أدى إلى انكماش جماهير الشِّعر ، وانحسار دَوْره التاريخي في صناعة الأحداث وتخليدها .
     وهكذا نجد أن العبارة الشهيرة " الشِّعر ديوان العرب " أضحت محل تساؤل وتشكيك في وقتنا المعاصر ، وهي التي ظلت طيلة قرون مُسلَّمةً لا تَقبل النقاش ، ولا يجرؤ أحد على الاقتراب منها . وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عمق المأزق الذي تعيشه القصيدة العربية الراهنة ، والتي صارت رَجعَ صدى للشِّعر الإنجليزي أو الفرنسي دون هوية مستقلة ومميَّزة . لذا فإن الشِّعر العربي عليه_ قبل البحث عن جمهور _ أن يبحث عن هويته الشخصية النابعة من حضارته الذاتية . وهذه المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الشعراء الحقيقيين الذي لم يَقعوا في فخ " عُقدة الخواجة " ، ولم يسقطوا ضحية فلسفة " المغلوب مُولَع بتقليد الغالب " .  
     والقصائد الهلامية التجريدية الملتصقة بالعبث هي محاولة مكشوفة للهروبِ من الاصطدام مع الواقع الضاغط ، والتهربِ من الاستحقاقات الحياتية الفاعلة في معيشة الفرد . ومن هنا تنبع أهمية نقل القصيدة من موازاة العَدَم الفلسفي إلى أنوية فكرية تَرجُّ المجتمعَ رَجَّاً ، ليس بهدف قتله بل إحيائه .
     وبالتالي فإن تجذير الوعي الاجتماعي الشامل داخل أنسجة القصيدة ، هو طوق النجاة للشِّعر الذي يُمثِّل آخرَ معاقل الحلم المؤمن بالقضايا الكبرى . وكلما التصقنا بالدلالة المنطقية للفضاء الشِّعري ، سيطرنا على اشتعالات الذات القصائدية المساهمة في صياغة كائن حي جديد ، وجدير بأن يُنسَب إلى الحياة .
     لذلك ينبغي صعق الفرد والجماعة بكهرباء الشِّعر من أجل إخراج المجتمع البشري من غرفة العناية المركزة إلى شمس الحياة وليس تراب المقابر . ولا يخفى أن الأداء اللغوي يستمد طاقته الإبداعية من المجتمع الحي لا الميت . وإن إحياء الأموات الذين يتحركون في المجتمع بلا بوصلة ، من شأنه أن ينعكس على طبيعة القصيدة التي ستعود إلى الحياة من أجل استكمال دورها المحوري .

     والقطارُ الشعري لا يتحرك إلا بالوقود المستمد من ثورة الناس _ المجازية والواقعية _ . وبالطبع ، فإن الأحياء _ وَحْدَهم _ هم القادرون على الثورة والتغيير . وهكذا سيعود للشِّعر بريقه داخل الأنساق الاجتماعية والنُّظمِ الحضارية .

19‏/06‏/2016

الدورة الدموية لأبجدية الشعر

الدورة الدموية لأبجدية الشعر

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

........................

    لا تنبع أهمية النص الشعري من كَوْنه منطقاً ثقافياً واجتماعياً للحياة فَحَسْب ، فهو _ أيضاً _ مركزية الأسئلة الوجودية للطبيعة البشرية . كما أن قيمة النَّص تتجلى في كَوْنه بوتقةً لصهر الهويات الثقافية المستحيلة والأقطابِ الاجتماعية المتنافرة. أي إِن القصيدة تُحوِّل السلبي إلى إيجابي، وتجعل الحلم أكثر قرباً ، وتجعل المستقبل أقل جموحاً، وتصهر الأضدادَ المجتمعية لتعيد تشكيلها وفق صورة متآلفة لا تناقض فيها ولا تنافر . وعلى الرغم من ثَورية النص الشعري إلا أنه يسير وفق منهجية توفيقية لا تلفيقية ، حيث إنه يُصفِّي المجتمعَ من بؤر التوتر ، ويؤسس النقاطَ المشتركة التي يلتقي عندها الجميعُ دون مُساوَمات أو ابتزاز .
     والنصُّ الشعري وسيلةٌ لا غاية . والأطوار القصائدية المتوالدة في النص هي مرحلة انتقالية تتم فيها بلورة قيمة المدلولات اللغوية على شكل أبجديات ، بُغية صناعة لغة جديدة قادرة على استلهام كُلِّيات وجزئيات المجتمع . وهذا الأمر يُعزِّز الترابط المصيري بين سياسة الثقافة وسياسة المجتمع . والجدير بالذِّكر أن العقلية الشعرية مثل الشجرة، تمتص العناصرَ السامة وتُعطي أكسجين الحياة، ومهما ضُربت بالحجارة فإنها تُقدِّم الثمرَ . وهذه هي فلسفة العمل الثقافي _ عموماً _ في تعاطيه مع العلاقات الاجتماعية بكل طبقاتها وإفرازاتها .
     والتعابير المركزية في الولادة الشِّعرية تتمحور حول بوصلة الانقلاب ، انقلابِ القصيدة على ذاتها ، وذلك بتكوين متوالية الهدم والبناء في أبجدية الشِّعر بشكل متواصل ، حيث تهدم القصيدةُ نفسَها وتُعيد البناء من جديد بحثاً عن الشكل الحاسم والجوهرِ النهائي . وأيضاً انقلاب القصيدة على الأنماط السلبية في المجتمع والتي تتجذر بفعل الموروث الاعتيادي وليس بفعل المنطق والبرهان.
     وبالتالي يمكن اعتبار القصيدة مُختبَراً حيوياً ، ومنظومةً دائمة القلق والبحث ، وصولاً إلى ذِرْوة الحدث المحسوسة وغير المحسوسة. وهذه نقطة القوة التي تضمن للقصيدة أن تتأقلم مع الظروف القاسية والمتغيرة .

     وبعبارة أخرى إن القصيدة تُغيِّر جِلْدَها باستمرار ، بمعنى تجديد الآليات وتفعيل الابتكار وتأسيس الانبعاث، وليس بمعنى التخلي عن المبادئ أو الخداع. فالدورةُ الدموية لأبجدية الشِّعر دائمة التجدد والجريان ، لأن السكون هو الموت . وما دامت القصيدةُ قادرة على التحرك فهي تمتلك القوة والمبادَرة ، أمَّا إن توقفت عن الحركة فسوف تنتهي إلى غير رجعة .

18‏/06‏/2016

أهمية القصيدة كجسر اجتماعي

أهمية القصيدة كجسر اجتماعي

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

................

     لا يمكن للنص الشعري أن يَصهر المراحلَ ويتجاوز الموانعَ الاجتماعية إلا إذا بُنِيَ على قاعدة ثقافية متينة . وهذه القاعدةُ تتكون من عنصرَيْن : التقاط الملاحَظة واصطياد اللحظة . وهذان العنصران يعملان على تجسيم البؤر الذهنية وتجسيدها واقعاً ملموساً . والنصُّ الشعري رادار يرى ما لا يراه الناسُ ، ويلتقط عناصر البيئة ويعيد إنتاجها. كما أنه يصطاد اللحظةَ الآنية وينقلها عبر الحقب التاريخية المختلفة متجاوزاً الجغرافيا. وهذا يشير إلى أن النَّص الشعري لا يترك الزمان والمكان يَمُرَّان دون امتصاصهما حتى الرمق الأخير، وإعادة صناعتهما على شكل قصيدة لا تعتمد على التجريد الخيالي المفرِط في الذاتية، وإنما تعتمد على ذاكرة مَوْروث الحلم القابل للتحقق.
     والقصيدةُ زمنٌ متميز لا يخضع لعقارب الساعة ، فالشِّعرُ له نظام توقيت خاص به أشبه بالنهر الذي يشق مجراه وفق رؤيته الخصوصية . وبالتالي فإن الشِّعر يغدو توهجاً للحلم المجتمعي في قلب الكابوس القامع ، ويغدو _ كذلك _ مرحلةً انتقالية حاسمة ، تنقل المجتمعَ من استهلاكية الجسد المحاصَر بالأوهام إلى صناعة المعنى الكَوْني الهادر ، وهكذا يتحرر الحلم والحالم من تبعية الأساطير التي ترتدي قناعَ الحضارة . وهنا تبرز ضرورة التصاق الحلم البشري بالبنية المعرفية من أجل تجميع شظايا الإنسان وترميم كيانه الممزَّق ، وإعادة التلاحم الحقيقي لا الشعاراتي إلى أوصال المجتمع المتنافر . مِمَّا يُكرِّس الطبيعةَ الاجتماعية للقصيدة كنظام ثَوري يحضن اللبابَ والقشورَ معاً ، ويضع كلَّ جزء في مساره ، ويعيد الأنويةَ الإنسانية إلى مداراتها. وهذا يساهم _ بشكل كبير _ في إنهاء حالة الشَّلَل الكامنة في أوصال المجتمع الذي صار يُقاتِل نفْسَه ، ويلهثُ وراء القطار العالمي دون أن يصل إليه . وعلى القصيدة أن تكون الجسرَ الرابط بين السُّلطة الشعبية والسُّلطة السياسية من أجل إحداث تغيير حقيقي في المجتمع . والعقبةُ الصادمة في هذا السياق هي أن كثيراً من الأفكار الاجتماعية تُنقَل في متواليات عابثة تُعمِّق حالةَ التشقق في روح الأشياء التي تنعكس شروخاً في ذاكرة الفرد التائه بين الأضداد ، والذي فقدَ القدرةَ على التخيُّل والإبداع ، وعجزَ عن تحديد نقطتَي البداية والنهاية في طريقه. وبالطبع ، لن يذهب بعيداً مَن لا يَعرف إلى أين هو ذاهب .

     وهنا تظهر أهميةُ القصيدة في جَسْر الْهُوَّة بين الفرد وذاته ، والفردِ ومجتمعه . وهذا التجسير ضروري للغاية لأنه يُنهي حالة الغربة التي يحياها الفرد في مجتمعه ، وينهي _ كذلك _ حالةَ العزلة التي يعيشها المجتمع في محيطه العالمي المفتوح على كل الاحتمالات والأزمات . 

17‏/06‏/2016

هندسة الخيال وإعادة بناء المجتمع

هندسة الخيال وإعادة بناء المجتمع 

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

..................

  يمكن تعريف " هندسة الخيال " بأنها عملية ترتيب القيم الشِّعرية في الذهن من أجل إسقاطها على أرض الواقع لتغييره وحقنه بالأمل . وإن هذه النَّزعة المنطقية لا بد أن تواكبها صياغة جديدة لألفاظ القصيدة ومعانيها، تمهيداً لصياغة المجتمع البشري من منظور ممتلئ بالعنفوان ، وإعادةِ بناء الإنسان وترميمِ كيانه المتشظي بين القمع السياسي والكبت الاجتماعي .
     إن القصيدة تمتلك القدرةَ على تفعيل الموروث الخيالي إلى درجة التماهي مع الحياة المعاشة . وهكذا يُعاد اكتشاف الدلالات اللغوية لأنظمة المجتمع البشري ، فيصبح المجتمعُ قصيدةً تكتبها الجماهير ، وتصبح القصيدةُ مجتمعاً متجانساً ومتقدماً . 
     وكل هذه الإرهاصات تدفع باتجاه توليد نَص شِعري ينتزع شرعيةَ وجوده بوصفه حركة تحررية تنويرية في أرجاء المجتمع الإنساني . وقوةُ القصيدة تنبعُ من قدرتها على ملامسة الجرح المجتمعي برفق ، ووضع اليد عليه لعلاجه . إذن ، نحن أمام حركة قصائدية تصحيحية للمسار الإنساني داخل البُنية الاجتماعية ، وهذه الحركة لها دلالتها الواعية النابعة من الشرعية الثورية للنص الشعري الذي ينتشل الفردَ الضحيةَ من المأزق، ولا يتاجر بعذاباته. ولا يكتفي النصُّ الشعري بعملية الإنقاذ ، بل أيضاً يُخرج الفردَ من زاوية " الضحايا " ليجعله كائناً متوازناً لا يَظلم ولا يُظلَم . وهكذا تتجذر ماهيةُ التوازن العاطفي والمادي في الذات الفردية والذات الجماعية .
     ومن أهم نقاط قوة القصيدة _ في هذا السياق _ أنها تنتزع المجتمعَ من الجدلية الثنائية ( الجلاد/ الضحية). فالمجتمعُ البشري الذي تؤسسه الشرعيةُ القصائدية هو مجتمع السادة لا العبيد، ولا يمكن للمجتمع أن يتقدم وهو مُكبَّل بأغلال الكراهية والشططِ الطبقي والتمييزِ العنصري .

     وكل التغييرات الجذرية في البنية الاجتماعية هي نتاجٌ طبيعي لحركة التاريخ الشِّعري ، الذي هو نتيجة حتمية للمبدأ الأساسي " هندسة الخيال " ، الذي يُشكِّل النواةَ الأولى لعوالم بناء المجتمع ، سواءٌ كان شِعرياً أم بشرياً . والفردُ لم يُؤْتَ القدرة على التخيُّل لكي يَهرب من نفْسه ويفرَّ من مواجهة واقعه القاسي . فالخيالُ هو المختبَر الحقيقي لصناعة النماذج الافتراضية قبل تطبيقها على أرض الواقع . وهذا يؤدي إلى توحيد النسيج الذهني والمنظومةِ الحياتية المحسوسة . الأمر الذي يدفع باتجاه تشييد القلعة الاجتماعية ، تحتياً وفوقياً ، فردياً وجماعياً .

16‏/06‏/2016

قصيدة للشاعر/ أمل دنقل

قصيدة للشاعر المصري الراحل / أمل دنقل

( 1940 _ 1983 ) 

.....................
_ 1_
قلت لكم مرارا
إن الطوابير التي تمر..
في استعراض عيد الفطر والجلاء
( فتهتف النساء في النوافذ انبهارا )
لا تصنع انتصارا.
إن المدافع التي تصطف على الحدود، في الصحارى
لا تطلق النيران.. إلا حين تستدير للوراء.
إن الرصاصة التي ندفع فيها.. ثمن الكسرة والدواء:
لا تقتل الأعداء
لكنها تقتلنا.. إذا رفعنا صوتنا جهارا
تقتلنا، وتقتل الصغارا !
-2-
قلت لكم في السنة البعيدة
عن خطر الجندي
عن قلبه الأعمى، وعن همته القعيدة
يحرس من يمنحه راتبه الشهري
وزيه الرسمي
ليرهب الخصوم بالجعجعة الجوفاء
والقعقعة الشديدة
لكنه.. إن يحن الموت..
فداء الوطن المقهور والعقيدة:
فَرَّ من الميدان
وحاصر السلطان
واغتصب الكرسي
وأعلن "الثورة" في المذياع والجريدة!
-3-
قلت لكم كثيرا
إن كان لا بد من هذه الذرية اللعينة
فليسكنوا الخنادقَ الحصينة
(متخذين من مخافر الحدود.. دُورا)
لو دخل الواحدُ منهم هذه المدينة:
يدخلها.. حسيرا
يلقى سلاحه.. على أبوابها الأمينة
لأنه.. لا يستقيم مَرَحُ الطفل..
وحكمة الأب الرزينة..
مع المسدس المدلّى من حزام الخصر..
في السوق..
وفى مجالس الشورى
 _4_
قلت لكم
لكنكم..
لم تسمعوا هذا العبث
ففاضت النار على المخيمات
وفاضت.. الجثث!
وفاضت الخوذات والمدرعات.

15‏/06‏/2016

رودلف أوكن ونقد الاشتراكية

رودلف أوكن ونقد الاشتراكية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

جريدة القدس العربي ، لندن ، 15/6/2016

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

....................

    يحتل الفيلسوف الألماني رودلف أُوكن ( 1846_ 1926) مكانةً رفيعة في تاريخ الفلسفة ذات الطابع الروحي الحياتي . تُوُفِّيَ والده عندما كان طفلاً ، فقامت أُمُّه برعايته والإشراف على تعليمه. درسَ في جامعة جوتنجن ( 1863_ 1866 ). مِن أبرز أساتذته الذين تلقَّى العِلْم على أيديهم : عالِم اللغويات والفيلسوف فيلهلم رويتر ، والأستاذ هيرمان وتز ، والأستاذ أدولف تراند الذي ساهمَ في تدعيم النظرة التاريخية للفلسفة الأخلاقية .
     حصل أُوكن على شهادة الدكتوراه في فقه اللغة الكلاسيكية والتاريخ القديم من جامعة جوتنجن في عام 1866 ، واهتم بالجانب الفلسفي من اللاهوت . وبعد عِدَّة سنوات أصبحَ مُحاضِراً في جامعة بازل. بَقِيَ أُوكن في جامعة بازل حتى عام 1874 ، ثُمَّ عمل مُحاضِراً في جامعة يينا . وهي إحدى أشهر الجامعات الألمانية وأكثرها عراقة ، ومن أشهر خِرِّيجيها الفيلسوف الألماني شوبنهاور، والفيلسوف الألماني كارل ماركس، وعالِم الفيزياء النمساوي شرودنغر.  
     بَقِيَ أُوكن مُحاضِراً في جامعة يينا حتى تقاعده في عام 1920 . وفي الفترة ( 1913_ 1914)، شغل منصب محاضر زائر في جامعة نيويورك . وخلال الحرب العالمية الأُولى ، اتَّخذَ     _ مِثْل الكثير من زملائه الأكاديميين _ موقفاً قوياً ضد الحرب. وقد وقَّع في عام 1914 (العام الذي اندلعت فيه الحرب العالمية الأولى ) على بيان المثقفين الألمان . ورأى أن الحرية تتحقق بالعِلم وبمجتمع السلام، فالعِلْم يُوفِّر سيطرة الإنسان على الطبيعة بتعاون العلماء ، ومجتمع السلام يكون بتعاون البشر ووقف صراعهم .
     تزوَّج أُوكن في عام 1882 ، وأنجبَ وَلَدَيْن وبِنتاً . وقد أصبحَ ابنه والتر مفكراً اقتصادياً شهيراً ، أمَّا ابنه الثاني أرنولد ، فقد أصبحَ عالِماً كيميائياً . تُوُفِّيَ أُوكن يوم 15 سبتمبر 1926 في يينا ، عن عمر يناهز الثمانين .
     حصل على جائزة نوبل للآداب سنة 1908 ، بعد أن كان قد تَمَّ ترشيحه مِن قَبْل عُضواً في الأكاديمية السويدية . وقد بَيَّنت لجنة نوبل سبب منحه الجائزة: " تقديراً لبحثه الجاد عن الحقيقة ، وامتلاكه القدرة على اختراق الفكر ، وأُفقه الواسع ، والدفء والقوة في عَرْض أفكاره ، التي ساهمت في تكريس مثالية فلسفة الحياة " .
     إن فلسفة أُوكن فلسفة حياة . والحياةُ في نظره أنظمة عضوية ومؤسساتية ، ووظيفة الفلسفة شرح أنظمة الحياة ، وإظهار معانيها ، ثم اختيار أفضلها . وبما أن الحياة عملية تطور ، فلا يمكن حجزها في فلسفة أو نظام . وعندما تحطم الحياةُ الحواجزَ المنشأة ، تظهر الحاجة إلى فلسفة جديدة
أو نظام للحياة جديد أكثر شمولاً . والفلسفة الجديدة لا تولد إلا بالعملِ الحي الجاد ، وبالتركيز على الحياة ومعرفة الخير والشر فيها . والحياة في الإنسان وعي ذاتي ، وهي تتجاوز حدود الفرد لتربط كل الكائنات الواعية . وبهذا التجاوز ، تصبح حياة روحية مستقلة تصل الإنسان بالحقيقة المطْلقة ، والجمال والخير المطْلقين .
     وقد انتقدَ أُوكن المذهب الطبيعي الذي يفرض حدوداً زائفة على روح الإنسان . ومعَ أن المذهب الطبيعي هو نتيجة تأثير العِلْم في حياة الإنسان ، إلا أن هذا المذهب يصبح شديد الخطورة إذا قيَّد طاقات الإنسان بالطبيعة وحدها . لذلك أكَّد أُوكن على الاستقلال الروحي الذي يُعطي الأولوية للكل الذي يُؤلِّف الفرد جزءاً منه مِن دُون ذوبان فيه .   
     كما انتقدَ أُوكن الاشتراكية مِن ستة وجوه : 1_ عجزها عن إضفاء وَحدة على حركة الحياة. 2_ عجزها عن إدراك حاجة الإنسان إلى حياة جوَّانية . 3_ حصرها اللحظة المهمة لحياة الإنسان في الحاضر . 4_ اختزالها الإنسان في معادلة رياضية . 5_ حصرها الإيمان في المذهب الطبيعي ، مِمَّا وَلَّدَ صراع الإنسان ضد أخيه الإنسان . 6_ إجهاض طبيعة الإنسان الحقيقية بسبب تحديد الإنسان بالمصطلحات الاقتصادية .
     من أبرز مؤلفاته : وحدة الحياة الروحية ( 1888) . النضال من أجل المحتوى الروحي من الحياة ( 1896) . توما الأكويني وكانط ( 1901) . فلسفة التاريخ ( 1907 ) ، مدخل إلى فلسفة حياة الروح ( 1909) . 

14‏/06‏/2016

أهمية الرمز الشعري في صناعة الواقع

أهمية الرمز الشعري في صناعة الواقع

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.................

 مهما حاولنا صياغة نزعة قصائدية ثورية فإن محاولاتنا ستبوء بالفشل إن لم نُوَظِّف الرموزَ الشعرية الإنسانية في طبقات القصيدة . وذلك لأن قيمة الرمز هي جيناتُ الفعل الشعري ، والطاقةُ الحاملة للمشروع الاجتماعي الحيوي . كما أن الرمز _ باعتباره وحدةً معرفية متكاملة _ هو الأقدر على حمل الموروث الذهني المتدفق للشِّعر وإحالته إلى حياة واقعية. ووفق هذه الصيغة فإن الرمز الشِّعري يحافظ على معنى الوجود الاجتماعي ، ويُنظِّم الأفكارَ الثورية التي تبدو للوهلة الأولى متنافرة . وإذا ازدادت قدرةُ الرمز على الحركةِ في محيطات القصيدة، وإحداثِ حراك لغوي حقيقي في أبجدية المجتمع المنظورة وغير المنظورة ، فإن النص الشعري سيغدو سُلطةً منطقية تكسر الأنظمة المجتمعية المغلقة ، وتؤسس مشروعَ الانفتاح على كل العناصر، حيث ينتقل الفكرُ الإنساني من الخلاص الفردي إلى الخلاص الجماعي . والقصيدةُ _ قبل أن تكون منظومةً لغوية واجتماعية _ هي عملية استثمار في روح التاريخ وشرعيةِ وجوده . والقصيدةُ _ ذاكرةً وفلسفةً وأبجديةً_ هي مشروع جماعي يشارك في صياغته الجماهير على اختلاف مستوياتهم الفكرية.
     وهذه المنظومة الجماعية من شأنها إحداث انقلاب جذري في طريقة تفكير الفرد المقموع ، وعندئذ سوف يتضح طريق الحرية ، فينتقل الفردُ من قيود تحصيل لُقمة العيش إلى عوالم الإبداع بشتى أشكاله ، والتحررِ من الصور الاجتماعية السلبية التي تحشر الإنسانَ في زاوية السِّلعة والدوران في حلقة مفرغة . وعلى القصيدة أن تتخذَ موقفاً حاسماً ونهائياً من أجل صياغة الحلم الإنساني ، وتأخذَ المبادرةَ لإعادة بناء الكيان الإنساني وفق أُسس متحررة من القيود السياسية والاقتصادية . والجديرُ بالذِّكر أن حُلم تغيير الواقع لا يمكن إنجازه إلا عبر صناعة خيال افتراضي وابتكار رموز معرفية ذهنية تحتضن الحياةَ المنشودة ، ومِن ثَمَّ يتم إنزال هذه الحياة الجديدة في العالَم المحسوس. وكل ثورة إنما تبدأ في الذهن وتتبلور على شكل نموذج خيالي قبل أن تتكرس على أرض الواقع . تماماً كما تُصنَع السفينة على اليابسة ثم يتم إنزالها إلى البحر .

     وهكذا ، تتَّضح أهميةُ الرموز الذهنية في الفعل الشعري كمرحلة مفصلية ذات تماس مباشر مع الواقع المعاش. وليس الرمزُ الشِّعري رياضةً ذهنية مُجرَّدة ، أو طَوْراً متماهياً مع العدمية والهلوسة. إنَّ الرمزَ الشِّعري هو النواة الشرعية الأساسية للفعل الشعري الطامح إلى خلقِ أبجديات أدبية متميزة ، وتكوينِ مجتمعات بشرية جديدة تختار مسارها نحو آفاق لم يتم اكتشافها مِن قَبْل .

13‏/06‏/2016

نحو توليد معجم شعري خاص

نحو توليد معجم شعري خاص

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.................

     لا يخفى أن النواة المركزية في النص الشعري تنبعث من قدرة الأبجدية على خلق أساسات واعية للصور الفنية الكاسرة للتنميط . والدلالةُ الشِّعرية لا يمكنها الحصول على الشرعية اللغوية والاجتماعية ، إلا إذا نجحتْ في إنشاء معجم خاص بها يعتمد على ابتكارِ عوالم فكرية متميزة ، وتكوينِ صور ذهنية مُدهِشة ، ورؤيةِ الحياة الكامنة وراء الجدران العالية التي تفصل اللفظَ عن المعنى ، وتحجب رؤيةَ الحيوات الموازية للحياة الإنسانية. وإن هدفَ هذا المعجم القصائدي هو توليدُ الدهشةِ والانبهارِ المتواصل، وتطويعُ ميكانيكا الكلمات المجرَّدة ، وتحويلُ هذه الميكانيكا إلى تعابير حياتية متراكمة تُشكِّل رصيداً معرفياً مذهلاً على صعيد اللغة الشِّعرية واللغة المجتمعية .
     وإذا نجحَ المعجمُ القصائدي في إطلاق شرارة الحياة وإتاحةِ الفرصة للحلم الاجتماعي أن يتكاثر في جسد القصيدة، فإن تحولاتٍ حاسمة ستظهر في علاقة النص الشعري بالمجتمع ، من أبرزها الحفاظ على النَّص كشُعلة للتحرر ، ومنع تحوله إلى دولة بوليسية اعتماداً على سُلطة المنظومة الثقافية ، كما أن المجتمع الإنساني سيغدو منظومةَ ولادات مستمرة ، مما يبعث الحيوية في النسق المجتمعي، سياسةً وثقافةً . وهكذا تصير القصيدة مجتمعاً سياسياً ينطلق من المواجَهة لا المساوَمة.وبالتالي نكتشف تجارب وجدانية شديدة التَّماس مع حياة الفرد العادي ، حيث تتقاطع هذه التجارب مع أحلام البشر المقموعة ومستقبلهم المصادَر وحاضرهم المستلَب.وهذا التماس الصاعق من شأنه توليد قيم إنسانية عليا ذات قدرة على التحرك في المحيط المادي.

     وكلما ازدادت القدرةُ الشعرية على اكتشاف حيوات جديدة في أوصال المجتمع المحاصَر بالتحديات المصيرية ، انتشرت الدلالةُ اللغوية الوظيفية للقصيدة في ماهية السلوك المجتمعي ، فردياً وجماعياً . وإن كل الدلالات المعرفية التي ترمي إلى خلق مجتمع جديد حُر ومناوئ للمجتمعات التقليدية المدجَّنة والمحكوم عليه بالإقصاء والتهميش مِن قِبَل الأنظمة البوليسية ، هي أنوية لقصائد تنبعث من التحدي ، وتصعد من بين أنقاض الإنسان في الأوطان التي يُعامَل فيها البشر كقطيع أغنام لا يملك الفرصةَ لمقاوَمة قاتله ، ولا الاعتراض عليه .

12‏/06‏/2016

القصيدة : إعمار الخيال وترميم الذاكرة

القصيدة : إعمار الخيال وترميم الذاكرة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.....................

  لا يمكن حصر مهمة القصيدة في اكتشاف الجذور الاجتماعية لحركة التاريخ الإنساني ، لأن الفكر الشعري عبارة عن عنفوان متكامل ومتشظي يستحيل سجنه في قالب محدود. والقصيدةُ هي نظام كُلي يرمي إلى تأريخِ اللحظة الآنية على شكل رموز عابرة لمفاصل الزمن ، واختزالِ المعاني المركزية في حياتنا وفق منظومة مُكثَّفة ذات صِبغة عالمية ، لأن الشِّعر لغة عالمية قائمة بذاتها _ مهما اختلفت لغات الكتابة وجنسيات الشعراء _ . وهذا الأفق القصائدي الكَوْني الذي يصهر الثقافات المختلفة في هوية جامعة ، يهزُّ الحلمَ البشري بكل قوة لكي تتولد أنساق جذرية جديدة تتفرع على شكل أمكنة معرفية متجددة وأزمنة وجدانية دائمة الانبعاث .
     والدخول إلى عوالم النص الشعري مغامرةٌ غير طائشة . فهو ليس رحلة عبر الزمن فَحَسْب ، بل _ أيضاً_ اختراع لأزمنة جديدة تولد من حرارة التعبير الشعري الطامحة إلى إعادةِ إعمار الخيال البشري الذي يتكسر في أزمنة المجتمع المغلقة ، وإعادةِ ترميم الذاكرة الجمعية الغارقة في الأنماط العَرَضية دون اقتحام الجوهر. والنص المنبعث من لهب التجربة لا يقدر على التأثير في البيئة المحيطة، إلا إذا تمتع بالقدرة على إعمار الخيال وترميم الذاكرة . وسوى ذلك سينشغل النصُّ بالأشياء الطافية على السطح دون اكتشاف الأعماق . 
     والقصيدة ليس من وظيفتها إعادة نسخ الواقع المادي المعاش على الورق ، وليس من وظيفتها حبس المشاعر الإنسانية في حِبر الكلمات ، أو إعادة إنتاج البشر بصورة ميكانيكية ، لأن إفراغ العناصر من المحتوى العاطفي سيكون مدمراً للمجتمع ومنظومته الشعرية على السواء .

     والوظيفة الأساسية للقصيدة متشعبة ومستمدة من كَوْن الشَّاعر هو الناطق الرسمي باسم كائنات الطبيعة ( الإنسان . الحيوان . النبات. الجماد ). وهو لا يمارس هذه المهمة بدافع الاستبداد أو مصادرة العناصر الأخرى، وإنما انطلاقاً من دَوْره الحياتي المحوري . فالشاعرُ هو الرَّائي الذي لا يفرض رؤيته على الأشياء ، بل يلغي الحواجزَ لكي تصبح الرؤية واضحة لجميع الأشياء .

11‏/06‏/2016


نقوش على جسد الرياح / قصيدة

نقوش على جسد الرياح / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

جريدة البناء اللبنانية 11/6/2016

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.....................

يَداكَ أيها الرَّعدُ تَعْطِفانِ عَلَيَّ  
الرَّحيلُ مناديلُ الصَّبايا على أرصفةِ الميناءِ
والزُّمردُ غُربةُ المطرِ في جَسَدي الضَّوئيِّ
الذِّكرياتُ المكسورةُ
والأمطارُ المكسورةُ
والدَّبابيسُ وَطَنُ السُّنونو
سَيَحْترقُ دَمْعُ الخوخِ في السُّجونِ
وَيَنْسِجُ أولادُ الحارَةِ مِن شَراييني كُرَةَ قَدَمٍ  
أَينَ تَمُتْ أَكْتُبْ
عاشقانِ قَبَّلا الحمَامَ الزَّاجلَ وَمَاتا
كما يَموتُ الموظفون في طَوابيرِ الرَّاتبِ الشَّهريِّ
بُكائي مَخطوطةٌ تُحقِّقها الصَّواعقُ بِدُون إِذْني
تَذْكُرين كَفَني ؟
بَدَا وكأنهُ لا يَعْرِفُني  
تَذكرينَ كَفَنَكِ ؟  
بَدَا وَكأنهُ كَفَني  
نَحْنُ قَتيلان  
فَشُكراً لمتاحفِ الموتى !
بِلادي دَفْترٌ تَكتبُ فِيه الأعاصيرُ مَرثيةً للبَجَعِ
وأسناني وَقودٌ للزَّوابعِ  
يا هَذا الجرح المتوهِّج
تتدحرجُ أشلائي على ضَوْءِ التَّوابيت  
مِثْلما تتدحرجُ كُراتُ الثلجِ على أجسادِ النِّساءِ
صِياحُ الجدرانِ يَمنعني مِن النَّوم  
وتِلالُ قَلبي تَرمي عُروقي
في كُوبِ اليانسون
تَكتئبُ عُصفورةٌ مخنوقةٌ
بَين دَرَجاتِ السُّلمِ الموسيقيِّ  
بِدايةُ الليلِ نهايةُ جَدائلِ البُحيرةِ
والبُروقُ تَحْرِقُ ذِكرياتِ الشَّفقِ
وَالمرفأُ يَرحلُ مِن أظافري
مِثْلَ بَلوطِ الغُرباء
ترتاحُ المقابرُ في طَريقِ بَنكرياسي
كَما يَرتاحُ سائقو الشَّاحناتِ
على الطريقِ الصَّحراويِّ
وكُلُّ الصحاري تَشربُ مِن دَمْعي
وتَكتبُ قَصائدَ رِثائي
فَيَا صَديقي المطر
لا تقتحمْ أُنوثةَ الهِضابِ
أَنحِتُ مِن الأعشابِ شَاهِدَ قَبْرٍ لِزَوْبعةٍ يَتيمةٍ
صُداعي مَهْرُ السَّنابلِ في القُرى المنبوذةِ
زَيْتُ الزَّيتون على مَائدتي
التي يَجلسُ عليها أعدائي

وآبائي مَدْفُونونَ تَحتَ شَجرِ الزَّيتون .