طاغور وصدمة الأحزان
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي ، لندن 6/6/2016
facebook.com/abuawwad1982
twitter.com/abuawwad1982
.......................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة القدس العربي ، لندن 6/6/2016
facebook.com/abuawwad1982
twitter.com/abuawwad1982
.......................
لقد حفر الأديب الهندي رابندرانات طاغور (
1861_ 1941 ) اسمه في تاريخ الأدب العالمي بأحرف من ذهب . فكانَ أول آسيوي يفوز
بجائزة نوبل للآداب في عام 1913. وهذا يعني أنَّه فتح أنظار العالَم على أدباء القارة
الآسيوية وأعمالهم الإبداعية ، وأخرجَ الأدب الآسيوي من العتمة إلى دائرة الضوء .
وُلد طاغور في القسم البنغالي
من مدينة كالكتا لأسرة ثرية مِن طبقة البراهما التي تمتلك سُلطةً دينية مُقدَّسة.
وهذه الأسرة النبيلة ( آل طاغور ) كانت رائدة العمل الاجتماعي والفكري ، وقد سعت
جاهدةً لربط المفاهيم الهندية التقليدية بالثقافة الغربية .
لم يحصل طاغور على تعليم نظامي
في أيَّة مدرسة ، لكنه تلقى تعليمه في البيت على أيدي مُعلِّمين خُصوصِيِّين تحت
إشراف مباشر من أسرته العريقة ، التي تعتني بتعليم أبنائها أشد العناية ، وتحرص
على تزويدهم بالمعارف والثقافة ، حِفاظاً على المكانة الدينية والفكرية للأسرة ،
وحِرصاً على وزنها الاجتماعي .
وقد درس التاريخ والعلوم
الحديثة وعِلم الفلك واللغة السنسكريتية ( لغته الأم ) وآدابها واللغة الإنجليزية.
وعندما بلغ السابعة عشرة من العمر ، أرسله والده إلى إنجلترا لدراسة الحقوق ، حيث
التحق بكلية لندن الجامعية ، لكنه فقد شَغَفَه بالدراسة ، فانقطعَ عنها ، وعاد إلى
وطنه دون أن ينال أيَّة شهادة .
بدأ مسلسل الأحزان في حياة
طاغور مُبكِّراً ، ففي الرابعة عشرة من عُمره ، تُوُفِّيت والدته . وبَقِيَ مَوتها
جرحاً عميقاً في نفْسه لا يُفارقه. وفي عام 1883، تَزوَّجَ طاغور وهو في الثانية
والعشرين بإحدى قريباته التي كانت في العاشرة من العُمر . وقد أحبَّها حُبَّاً
شديداً ، وتغزَّل بِها في أشعاره . وكان هذا الحب تعويضاً له عن فقدان أُمِّه التي
لم يَقْدِر على نسيانها . وكانت سعادته معَ زوجته محاولةً لنسيان أحزانه العميقة.
لكنَّ هذه السعادة لم تَدُمْ. فبعد زواجه بسنة أقدمتْ شقيقته على الانتحار ، وهذه
الفاجعةُ سَبَّبت له صدمةً هائلة ، وأدخلته في الحزن والاكتئاب . وكما قِيل :
المصائب لا تأتي فُرادى ، فبعد سنوات قليلة ، تُوُفِّيت زوجته وهي في مُقتبل
العُمر ، ولحقَ بها ابنُه وابنته وأبوه في الفترة ما بين 1902_ 1918 . وهذا
الغيابُ الشامل أفقده صوابَه ، وسبَّب له آلاماً عنيفة ، وجُروحاً عميقة . لقد
شَعر بأنه زهرة تذبل تدريجياً ، أو شجرة تتساقط أوراقُها ورقةً ورقةً . لقد أحسَّ
أنه يموت تدريجياً . ولكن ، بسبب تربيته الدينية والفكرية ، استطاعَ التماسكَ ،
والوقوفَ على قدميه . والضربةُ التي لا تَقتل الإنسانَ تُحييه وتزيده قوةً . لقد
قاده مَوْتُ أفراد أسرته واحداً تلو الآخر إلى المحبة الإنسانية بمفهومها الواسع
بدلاً مِن التمسك بالحب الفردي الخاص. ولم يعد يَتعلق بالأشياء ، لإيمانه بأن
الفراق أمرٌ حتمي ، وأن الموت هو نهاية الأشياء . وهذه الفلسفةُ العميقةُ منحته
القدرةَ على تحويل الألم إلى فرح ، والنظر إلى الحياة على أنها قيمة مُقدَّسة أعلى
من الأحزان والآلام .
مضى طاغور إلى الحياة الأدبية
، واعتبرَها الحياة الحقيقية للفرد والمجتمع ، وانطلقَ إلى عالَم الشِّعر الذي رأى
فيه الصفاء والنقاء ، فنشرَ عدداً من الدواوين الشِّعرية تَوَّجها في عام 1890
بديوانه " ماناسي " الذي شَكَّلَ قفزةً نوعية في تجربته الشِّعرية خاصةً
، والشِّعر الهندي عامةً . ثم انتقلَ إلى البنغال الشرقية ( بنغلاديش حالياً )
لإدارة ممتلكات العائلة . وبَقِيَ فيها عشر سنوات .
وكانت هذه الفترة من أخصب
فترات حياته على المستوى الإبداعي ، فقد اكتشفَ الطبيعة من جديد ، واحتكَّ مع
القرويين البسطاء ، وكتبَ القصصَ القصيرة مِن وَحْي معاناتهم اليومية ، وأحلامهم
الضائعة ، وفقرهم ، وجهلهم ، وأمراضهم ، دون أن يُخفيَ تعاطفه معهم . وقد نجحَ في
التقاط صور المعاناة ومَزْجها بِرُوح الدُّعابة. وهذه التقنية في الكتابة يمكن
تسميتها بالكوميديا السَّوداء .
لقد كان طاغور طاقةً أدبيةً
جبارة ، فقد قدَّم للتراث الإنساني أكثرَ من ألف قصيدة شعرية ، وخمساً وعشرين
مسرحية ، وثمان روايات ، ومئات الأغاني ، اثنتان منها صارتا النشيد الوطني للهند
وبنغلاديش . وقد ساهمَ ظهور ديوانه " قُربان الأغاني " باللغة
الإنجليزية في عام 1912 وانتشاره في أوروبا في حصوله على جائزة نوبل بعد عام واحد
فقط ( 1913).فقد ذُهل الغربيون مِن مستوى شِعره ، وفُوجئوا بالصور الشِّعرية ذات
الجمال الصوفي النابع من الثقافة الهندية . وكان أول أديب شرقي يفوز بالجائزة .
وفي عام 1915 نال وسامَ الفارس من مَلِك بريطانيا جورج الخامس ، لكنه خلعه في عام
1919 بعد قيام القوات البريطانية بارتكاب مجزرة راح ضحيتها أكثر من 400 متظاهر
هندي .
ترتكز فلسفة طاغور على ثلاثة
مبادئ : الأول _ رفض التعصب بين الطوائف والأديان في الهند . الثاني _ محبة الإنسانية
جمعاء بدلاً من الحب الفردي الخاص . الثالث_ إيمانه بالكفاح المسلح ضد الاحتلال
البريطاني ، وهذا كان سبب خلافه مع الزعيم الروحي الهندي غاندي الذي اعتمد على
الزهد وبساطة العيش ، وقد اعتبرَ طاغور هذا الأمر تسطيحاً لقضية المقاوَمة .
مِن أبرز أعماله الأدبية :
قُربان الأغاني ( 1912) ، مَلِك الغرفة المظلمة ( 1914) ، الأحجار الجائعة (
1916) ، دورة الربيع ( 1919) ، الهارب ( 1921) .