أهمية الرمز الشعري في صناعة الواقع
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
facebook.com/abuawwad1982
twitter.com/abuawwad1982
.................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
facebook.com/abuawwad1982
twitter.com/abuawwad1982
.................
مهما حاولنا صياغة نزعة قصائدية ثورية فإن
محاولاتنا ستبوء بالفشل إن لم نُوَظِّف الرموزَ الشعرية الإنسانية في طبقات
القصيدة . وذلك لأن قيمة الرمز هي جيناتُ الفعل الشعري ، والطاقةُ الحاملة للمشروع
الاجتماعي الحيوي . كما أن الرمز _ باعتباره وحدةً معرفية متكاملة _ هو الأقدر على
حمل الموروث الذهني المتدفق للشِّعر وإحالته إلى حياة واقعية. ووفق هذه الصيغة فإن
الرمز الشِّعري يحافظ على معنى الوجود الاجتماعي ، ويُنظِّم الأفكارَ الثورية التي
تبدو للوهلة الأولى متنافرة . وإذا ازدادت قدرةُ الرمز على الحركةِ في محيطات
القصيدة، وإحداثِ حراك لغوي حقيقي في أبجدية المجتمع المنظورة وغير المنظورة ، فإن
النص الشعري سيغدو سُلطةً منطقية تكسر الأنظمة المجتمعية المغلقة ، وتؤسس مشروعَ
الانفتاح على كل العناصر، حيث ينتقل الفكرُ الإنساني من الخلاص الفردي إلى الخلاص
الجماعي . والقصيدةُ _ قبل أن تكون منظومةً لغوية واجتماعية _ هي عملية استثمار في
روح التاريخ وشرعيةِ وجوده . والقصيدةُ _ ذاكرةً وفلسفةً وأبجديةً_ هي مشروع جماعي
يشارك في صياغته الجماهير على اختلاف مستوياتهم الفكرية.
وهذه المنظومة الجماعية من
شأنها إحداث انقلاب جذري في طريقة تفكير الفرد المقموع ، وعندئذ سوف يتضح طريق
الحرية ، فينتقل الفردُ من قيود تحصيل لُقمة العيش إلى عوالم الإبداع بشتى أشكاله
، والتحررِ من الصور الاجتماعية السلبية التي تحشر الإنسانَ في زاوية السِّلعة
والدوران في حلقة مفرغة . وعلى القصيدة أن تتخذَ موقفاً حاسماً ونهائياً من أجل
صياغة الحلم الإنساني ، وتأخذَ المبادرةَ لإعادة بناء الكيان الإنساني وفق أُسس
متحررة من القيود السياسية والاقتصادية . والجديرُ بالذِّكر أن حُلم تغيير الواقع
لا يمكن إنجازه إلا عبر صناعة خيال افتراضي وابتكار رموز معرفية ذهنية تحتضن
الحياةَ المنشودة ، ومِن ثَمَّ يتم إنزال هذه الحياة الجديدة في العالَم المحسوس.
وكل ثورة إنما تبدأ في الذهن وتتبلور على شكل نموذج خيالي قبل أن تتكرس على أرض
الواقع . تماماً كما تُصنَع السفينة على اليابسة ثم يتم إنزالها إلى البحر .
وهكذا ، تتَّضح أهميةُ الرموز
الذهنية في الفعل الشعري كمرحلة مفصلية ذات تماس مباشر مع الواقع المعاش. وليس
الرمزُ الشِّعري رياضةً ذهنية مُجرَّدة ، أو طَوْراً متماهياً مع العدمية
والهلوسة. إنَّ الرمزَ الشِّعري هو النواة الشرعية الأساسية للفعل الشعري الطامح
إلى خلقِ أبجديات أدبية متميزة ، وتكوينِ مجتمعات بشرية جديدة تختار مسارها نحو
آفاق لم يتم اكتشافها مِن قَبْل .