تي إس إليوت والأرض الخراب
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 17/2/2017
......................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 17/2/2017
......................
وُلد توماس ستيرنز إليوت " تي إس إليوت
" ( 1888_ 1965) بمدينة سانت لويس في ولاية ميسوري . وهو شاعر وناقد ومسرحي
إنجليزي من أصل أمريكي . تخرَّجَ من جامعة واشنطن بمدينة سانت لويس ، ثم التحق بجامعة
هارفرد ، وتخرَّجَ مِنها عام 1910 . ثم انتقل إلى باريس ، ودرس الأدب الفرنسي
والفلسفة في جامعة السوربون . وعاد بعدها إلى جامعة هارفرد للدراسة العليا في
الفلسفة وعلم النفس . ثم التحق بجامعة مابرغ الألمانية عشية الحرب العالمية الأولى
، وسُرعان ما انتقل إلى جامعة أكسفورد لدراسة الفلسفة الإغريقية .
كانت قصائد إليوت قليلة
للغاية ، وهذا لا يتناسب معَ مكانته العالمية . ومن الواضح أنه كان يُركِّز على
النَّوعية، فقد بنى شُهرته العالمية على قصائد معدودة، وكان يكتب قصيدتين أو ثلاث
في السنة . لكنَّ هذه القصائد كانت مُدهِشة ومُميَّزة ، وكُلُّ واحدة تُعتبَر
عالَماً شِعرياً متكاملاً ، ومنظومةً أدبية فريدة بحد ذاتها .
في عام 1915 ، ظهرت أولى
قصائده " أغنية حب ج. ألفريد بروفروك " في مجلة " شِعر "
الأمريكية . وفي نفس السنة ، تزوَّج فتاة إنجليزية تُدعى فيفيان هيغ . اشتغلَ سنة
بالتعليم ، ثم انتقل إلى العمل في مصرف لويد في لندن عام 1917 . وفي عام 1927أصبح
من أتباع الكنيسة الأنكليكانية ، وحصل على الجنسية البريطانية . وفي عام 1932 ،
صار أستاذاً للشِّعر في جامعة هارفرد . تُوُفِّيت زوجته عام 1947 ، وبعدها بسنة
حصل على وسام الاستحقاق وجائزة نوبل للآداب ( 1948 ) .
نشر إليوت مجموعته
الشعرية الأولى " بروفروك وملاحظات أخرى " عام 1917 . وفي هذه المجموعة
تتجلى تأثيرات الرمزية الفرنسية.
وفي عام 1922 ، نشر
إليوت قصيدته " الأرض الخراب " ، وهي تُعَدُّ بإجماع النقاد أعظم أعماله
الشعرية على الإطلاق، والقصيدة التي جَلبت له الشهرة العالمية. وقد كُتبت في فترة
انهيار زواج إليوت . إنها تُعبِّر عن خيبة أمل جيل ما بعد الحرب العالمية الأولى (
1914_1918)، وانهياره الروحي، وانكساره المادي. وتُصوِّر عالَماً كابوسياً مليئاً
بالخوف والضياع والموت.
وفي هذا العالَم
المتهاوي الذي ينتظر الخلاصَ، تنتشر الشكوك ، ويغيب اليقين ، وتتساقط المسلَّمات ،
ويُصبح الوجود الإنساني على المِحَك . وهي قصيدة حداثية واسعة التأثير ، لَم
يُفلِت مِن تأثيرها أيُّ شاعر ، سواءٌ في الشرق أو الغرب . وقد أصبحت علامة فارقة
في الأدب الحديث رغم غموضها ، وغرابتها ، وتشاؤمها ، وكثرة رموزها وأساطيرها ، وتعدُّد
أساليب بنائها، إِذْ يتغيَّر الساردُ بشكل مفاجئ ، والكلام ينتقل من النبوءة إلى
السخرية .
وتُعتبَر " الأرض
الخراب " مِن أهم وأصعب القصائد في تاريخ الأدب الإنجليزي والعالمي ، لِعدة
أسباب : 1_ الاعتماد على عشرات الأعمال الأدبية . 2_ وجود إشارات تضمينية إلى
عشرات المؤلفين ، أغلبها فوق مستوى ثقافة القُرَّاء . 3_ الحالة النفسية السوداء
التي تُسيطر على ألفاظ القصيدة ومعانيها . 4_ تحوُّل الكآبة إلى فلسفة شِعرية
قائمة بذاتها . 5_ عدم تقديم حلول لقضية تدهور الحضارة الغربية . 6_ تحتوي على
أبيات بعدة لغات ، مِنها : الفرنسية والألمانية والإسبانية والهندية . وكأنَّ
الشاعر يَستعرض عضلاته اللغوية ، ويُريد إظهار معرفته بهذه اللغات لإبهار القارئ
وصَعقه ، وإحداث صدمة ثقافية في نفْسه .
اتَّجه إليوت إلى كتابة
المسرحيات الشعرية ذات الطابع الكوميدي . وغالباً ، تنتهي مسرحياته بنهايات
تصالحية ، حيث لا غالب ولا مغلوب . وكان يشعر بعد كتابة " الأرض الخراب
" برغبة في شكل أدبي جديد وأسلوب جديد .
قَدَّمَ إليوت إسهامات
مهمة في مجال النقد الأدبي ، خصوصاً النقد الحديث الذي دعا إليه في كُلِّ كُتبه
ومحاضراته . ورغم أنَّه قَلَّلَ من عمله كناقد ، واعتبرَ أعماله النقدية كتابةً
على هامش مشروعه الشعري ، إلا أنه يُعتبَر من كبار النُّقاد في القرن العشرين .
ومشروع إليوت النقدي
يقوم على عدة أفكار مركزية تُمثِّل أركان مدرسة النقد الحديث من وجهة نظره.مِن
أبرزها:1_ضرورة أن يُفهَم الفن ضمن سياق الأعمال الفنية السابقة.2_ محاكمة الفنان
أو الشاعر بمقاييس الماضي . 3_ القصيدة تَعني ما تَقوله لكنها تقترح وجود أحكام
أخرى مبنية على تعدد القراءات المختلفة . 4_ احتقار الرومانسيين خصوصاً الشاعر
الإنجليزي شيلي ، والتركيز على الكلاسيكية والأفكار الدينية . 5_ إحياء الاهتمام
بالشعراء الميتافيزيقيين ، باعتبارهم الأكثر خبرة في عملية دمج الفلسفة مع
الأحاسيس. 6_ الاهتمام بمصطلح" المعادِل الموضوعي " ، وهو مصطلح نقدي
يُشير إلى الأداة الرمزية المستخدمة للتعبير عن المفاهيم المجرَّدة كالعواطف . 7_
ضرورة أن يصنع الشاعر شخصيته الفريدة من خلال عمله الشعري .
من أبرز أعماله الشعرية
: الأرض الخراب ( 1922) . الرجال الجوف ( 1925) . أربعاء الرماد ( 1930) . ومن
أبرز مسرحياته : جريمة في الكاتدرائية ( 1935) . لَم شمل العائلة ( 1939) . حفلة كوكتيل ( 1949) . ومن أبرز
كُتبه النقدية : الغابة المقدسة ( 1920) . ملاحظات نحو تعريف الثقافة ( 1948) . في
الشعر والشعراء ( 1957) .