وليام فوكنر وذاكرة الاغتصاب
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 2/3/2017
....................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 2/3/2017
....................
وُلد الروائي والشاعر الأمريكي وليام فوكنر(
1897_ 1962)في مدينة نيوألباني، وتُوُفِّيَ في أكسفورد بولاية ميسيسبي الواقعة في
أقصى الجنوب الأمريكي . يُعتبَر واحداً من أكثر الكتاب تأثيراً في القرن العشرين ،
وبعض النقاد يعتبره أفضل روائي في التاريخ . حصل على جائزة نوبل للآداب ( 1949)، وكان قليلَ الشهرة قبل الفوز بها، رغم
أن أعماله منشورة منذ 1919.وحصل على جائزة بوليتزر عام 1955 عن " حكاية
خرافية " ، ونال الجائزة ذاتها عام 1963 عن عمله المسمَّى " الريفرز
".
استلهمَ فوكنر معظم
أعماله من مسقط رأسه ، وقد حَوَّلَ الجنوبَ الأمريكي إلى أساطير وقصص وذكريات
وأحلام . كتب روايات وقصصاً قائمة على السَّرْد المكثَّف الذي يجمع بين تيار الوعي
والابتكارات اللغوية ، وامتازَ بقدرته الفائقة على رسم الشخصيات بصورة حية ، وبنى
نسيجاً لغوياً يعتمد على تعدد زوايا النظر ، والانزياحات الزمنية ضمن السَّرْد .
وتتميز أعماله بتنوع في الأسلوب ، وطرافة في طرح الفكرة ، وخصوصية في الطابع .
نشر في حياته تسع عشرة
رواية ، وأكثر من ثمانين قصة ، وديوانين من الشِّعر ، وعدداً كبيراً من المقالات .
بعد الحرب العالمية
الأولى ( 1914_ 1918) ، حاولَ الدراسةَ في جامعة ميسيسبي ، إلا أن إقامته فيها لَم
تَطُل . وعندئذٍ ، اعتمد على الدراسة الذاتية ، فَعَلَّمَ نفْسه الفرنسية ، ليقرأ
شعراء الحداثة الفرنسية : بودلير ، وفرلان ، ومالارميه .
تزوَّجَ عام 1929 "
إستيل أولدم " وهي حُب شبابه . وكان منتصف الخمسينات أسعد فترة في حياته ،
حيث قضاها كاتباً مقيماً في جامعة فرجينيا بالقرب من ابنته وأحفاده .
ابتكرَ فوكنر في عالَمه
الروائي منطقة خيالية " مقاطعة يوكناباتوفا " ، وهي تُمثِّل مسرح الأحداث
الأساسي في أعماله كُلِّها . ومعَ أنها منطقة غير موجودة على أرض الواقع ، إلا
أنها ترتبط بقوة بالأماكن التي عاش فيها الكاتب ، والأشخاص الذين عرفهم .
عاش فوكنر في عائلة
مأخوذة بالتقاليد والقصص المحلية والحكمة الشعبية والفكاهة الريفية ، والروايات
البطولية والمأساوية عن الحرب الأهلية الأمريكية . وهذه النشأة العائلية أثَّرت
فيه بشكل واضح . وقد كانت حياته وأعماله الأدبية شهادةً على عصره ، وتفسيراً
رمزياً وفلسفياً للتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طرأت على الجنوب
الأمريكي .
كان فوكنر في شبابه
قارئاً نهماً ، وقد أظهرَ منذ مراهقته شغفاً بالقراءة والكتابة ، وكان يكتب بيده
كُتباً مُزيَّنة برسوم توضيحية ، ويُوزِّعها على أصدقائه ، ومن بينها دواوين شِعر
، وقصص .
لَم يعش فوكنر في عالَم
خاص ومغلق ، ولم يحصر نفسه في الريف الجنوبي الذي حَوَّله إلى أسطورة اسمها
يوكناباتوفا . فقد تلقى تدريباً في تورنتو كطيار مقاتل في سلاح الجو الملكي الكندي
في الحرب العالمية الأولى . واطَّلع على التيارات الفكرية والنظريات الأدبية ،
واستوعب التأثيرات الحداثية التي كانت تُغيِّر وجه الفن والأدب في القرن العشرين .
وفي أواسط العشرينات ، عاش بين الكُتَّاب والفنانين في الحي الفرنسي في مدينة
نيوأورلينز بولاية لويزيانا ، وكتب عدة قصص نالت الاستحسان والتشجيع . وكان فوكنر
قد جاء إلى نيوأورلينز بعد أن أصدر ديواناً شعرياً بعنوان " الفاون " (
1924) . وهناك أتَمَّ روايته الأولى " راتب الجندي " ( 1926) ، وتدور
حول طيار يعود جريحاً ليموت في وطنه . أمَّا روايته الثانية " البعوض "
( 1927) فتحكي عن حياة بوهيمية رصدها في نيوأورلينز . وتُعتبَر روايته "
الصخب والعنف " ( 1929) أبرز أعماله على الإطلاق ، وقد مَثَّلت تقدماً مذهلاً
في كتابته ، فظهرت قُدرته على تنويع الأساليب ، والتواصل مع التقنيات السردية
والأفكار الحداثية. ومنذ ذلك الحين ، راح يُجرِّب أشكالاً جديدة في كتابة السَّرد
، ففي روايته " بينما أرقد في حضرة الموت " ( 1930) ، يستعرض إمكانياته
الكتابية في مجال تيار الوعي . كما أنه اعتمد على التعقيد واللغة الفخمة في كثير
من رواياته .
نقل فوكنر عادات الجنوب
الأمريكي وتقاليده ، واعتمد على النَّفَس الحزين المأساوي في كتاباته. حتى لَقَّبه
البعض بكاتب الجنوب ( نِسبة إلى ولاية ميسيسبي الواقعة جنوب أميركا ). وقد هُوجمت أعماله مِن قِبَل النُّقاد
الذين رَأوا في رواياته ، خصوصاً رواية " الملاذ " مُبالَغةً شديدة ،
حيث الإفراط في تصوير القتل والاغتصاب ، بما يتجاوز المعقول . وكأنَّ فوكنر أراد
القول إِن المجتمع قائم على قتل الروح واغتصاب الجسد ، وضمن هذه الثنائية المرعبة
، يتكرَّس مجتمع الحقد والكراهية ، الذي ينتهج أسلوب العنف لإخضاع الإنسان سواءٌ
كان رَجلاً أَم امرأة.
والتركيزُ الشديد
على القتل والاغتصاب يُشير إلى انكسار روح المجتمع، وانهيار الأخلاق ، واضمحلال
المشاعر ، والتاريخ الأسود للفرد والجماعة . وكُل هذه المعاني متماهية مع قضية
التمييز العنصري بين البيض والسُّود التي تناولها فوكنر في أعماله . وبشكل عام،
لقد صار القتل نظام حياة في المجتمع ، وصار الاغتصاب ذاكرة للروح والجسد .
مِن أبرز رواياته : أجر
الجندي ( 1926). البعوض ( 1927). الصخب والعنف( 1929) . الملاذ ( 1931) . ضوء في آب ( 1932)
.