كشمير تلبسني / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
..............
رَائحةُ المطرِ تَغْلي في عِظامي / يا نَشيداً أَقْوى مِن ضَوْءِ الرَّحيلِ
/ وَأَجْمَلَ مِن رَقصةِ الخريفِ على جَبينِ الرُّمْحِ/ كَشْميرُ يَاقوتةٌ في
كَفِّ النَّهْرِ/ وِشاحُكِ يُغْرِقُني في إِيقاعات السِّكين / يَا
لَكِ مِن زُمُرُّدةٍ حَمْراءَ أبراجاً ! / قُتِلْتِ ألفَ مَرَّةٍ وَمَا زِلْتِ
تَمْشين / جَدِّفي في شَهيقي حتى فِلِسْطين / لأني سَأُغنِّيكِ فَجْراً للعَواصفِ
/ وَأَنتِ سُلالةُ أقمارٍ / حُذِفَ الاغتصابُ مِن قَاموسها / تَوَضَّئي بِمَاءِ
عُيوني المقْذُوفَتَيْن في غَاباتكِ / قَالَت: (( دَعْنا نَتَيَمَّمْ وَنُصَلِّ
رَكْعَتَيْن )) / وَرَكِبْنا أشرعةَ الضَّبابِ / كَانَت جَدائلُكِ تَرتفعُ عَلى
الحواجزِ الأمنيةِ عِنْدَ نَخيلِ الغروبِ / أتخيَّلُ جِلْدي كَشْميرَ / وَكَشْميرُ
هِيَ أنا في رِعْشةِ الجهاتِ /
يَوْمَ أضاءَ حِجَابُكِ في دُنيا القَمرِ/
كَانَ الناسُ سَلَّمُوا مَفَاتيحَ عُيونهم للنُّعاس / لَكِنِّي انتظرْتُكِ لآخُذَ
عِن خُدودكِ أنهارَ السَّفَر/ رَكَضْنا في حَدائقِ المِشْنقةِ / لأنَّ التَّعبَ
زَرَعَ رُموشَنا عَلى سُطوحِ القِطاراتِ / أَنْفُكِ يُشْبِهُ أَنْفِي / لَمْ
يَبْقَ إِلا وَجْهان طَرِيَّان / بَنى الصَّخَبُ بَيْنهما سُوراً مِن الفَراشاتِ
الرَّافضةِ / زِئْبقٌ في عُيونِ المنْفَى / وَأَنتِ وَجْهي حِينَ يَنصهرُ المساءُ
/ في حماقاتِ الهديلِ أيَّامَ شَبابه / دَفاترُ اليَتيماتِ مِن صُوفِ النِّعاجِ /
والشُّوكولاتةُ تَنصهرُ عَلى زُجاجاتِ العِطْرِ / هِيَ صَباحٌ كَشميرُ أو دَمُ
المجرَّة / أُحِبُّ الشِّعْرَ لأَكْرَهَ السَّلاطين / وأتوقَّعَ خِياناتِ
الشَّاطئِ الهارِبِ / أُسَمِّي عَظماتي بَأسماءِ تِلالكِ / وَأَنظرُ في مَرايا
عَيْنَيْكِ كَي أُصَفِّفَ شَعْري / وأُرتِّبَ ثِيابَ القِتالِ المغسولةَ /
وأُجَهِّزَ التَّوابلَ للقَتلى القَادمين مِن الشَّفقِ/ ذَاكِرتي حَجَرٌ أَنقى مِن
الأحجارِ الكَريمةِ/ فَاذْكُرِيني طِفْلاً بَاكياً بَينَ رُومانسيةِ الغُموضِ
وَغُموضِ الجثثِ الضَّوْئيةِ / أَنتِ عُشِّي/ وَأنا الصَّقْرُ
الذي يَنْهَشُني عِشْقُكِ / كُنتُ مُتعَباً مِن الإِبحارِ في ضَفائرِكِ /
فَحَمَلْتُ جُثَّتي عَلى ظَهْري المشقَّقِ / وَتَنَقَّلْتُ في حِنَّاءِ كَفَّيْكِ
الناعمتَيْن / شَرِيدٌ لَحْنُ وَريدِكِ / وأنا شَرِيدٌ / كَأَنَّ الرُّفاتَ على
شَفِتي بُركانٌ وَحِيد /
مُشْتاقاً
إِلى نَسيمِ نَبَضاتكِ الممْلوكةِ/ حَاصِريني بالقُبُلاتِ العَابرةِ / تلتصقُ
يَدَانا / وَيَنْسابُ رَمْلُ البحرِ بَيْنهما / وَبِرَكُ السِّباحةِ في دِمَاءِ
الشُّهداءِ / سَرَقَت حِصَّتنا مِن حُزْنِ الأنهارِ / عِشْتُ مَوْتي في
الشَّرايينِ اليابسةِ / كَمَوْجَةٍ تَبْحثُ
عَن جُثةٍ تتناولُ العَشاءَ في عُرْسِها/ هَشَّمَ رَبيعُ الأشلاءِ بَراويزَ
لقائنا/ فَصِرْتُ بَعْدَكِ بِرْوازاً لِتِذْكاراتِ
السُّنونو/ هَل رَأيتِ أجفاني خارجةً مِن إِشبيلية في السَّحَر ؟/ جُثةُ فَتاةٍ في
بِئْرِ التاريخِ / مَثَّلَ بها المساءُ الضَّيقُ / أَحزانُ الطريقِ مَخَدَّةٌ
للعَرائسِ في الكنيسةِ / الدَّمْعاتُ شَجَرتي اليتيمةُ/ وجُروحي أحصنةُ المنبوذين /
وَضَرَبَ الصَّمْتَ البنفسجيَّ
الحقولُ المنْكَسِرةُ / فَلْتَكُن ثِيابُ الحِدَاد جَاهِزةً عَلى حَبْلِ الغَسيلِ
/ حُموضةُ الذِّكرياتِ على فَأْسِ الوَداعِ / أَسْتَلُّ مِن لَحْمِ القَمرِ
قِطْعةً / وَيُشْرِقُ الحطبُ في جَبينِ يَمامةٍ / وَيَأْسِرُني شَوْقٌ إِلى شَيْءٍ
غَامِضٍ/ الأمسُ المسْتَقْبَلِيُّ/ وَالرِّيحُ الجريحةُ تَصْرَعُ اسْمَها/ كَيْفَ
مَشَتْ حِيطانُ السِّجْنِ إِلى مَناديلِ الصَّبايا؟/
أُنادي عَلى
الشَّوارعِ القَتيلةِ / فارغةٌ أَنتِ إِلا مِن الضَّحايا والعَصافيرِ / وَغَابَت
الحقولُ عَن مُؤتمرِ الصُّلْحِ بَيْنَ السَّرابِ والضَّبابِ / أَدُورُ عَلى
أَبوابِ الأراملِ المذْبوحاتِ / تَصْعَقُ جِسْمي قَناديلُ الصَّحراءِ / والشَّفقُ
يُنْزِلُ دَلْواً ممتلئاً بِسُعالي إِلى قَاعِ أحزاني / وَالنَّارُ لا تَعْلَمُ
أَنَّ جَنينَ الرَّمادِ سَيَقْتُلها /
لِي
سِيرةٌ ذَاتيةٌ خَاليةٌ مِن أَوْسمةِ الحطبِ / لِي مِلَفٌّ في دَوائرِ الأَمْنِ
السَّاكنةِ في أعصابِ الحشراتِ / يُرتِّبُ أوراقَه شَوْكُ الطريقِ / لِي أصدقاء أَمْعاؤهم
على قَائمةِ الاغتيالاتِ / وَوُجُوهُهم تُطاردها مَرايا النِّسيان / لِي بَلابلُ
كَسَرَتْ بَابَ القَفصِ / وَخَرَجَتْ إِلى البَارودِ الصَّافي / لِي كَبِدٌ
تَثْقُبُ الصَّوْلجانَ / لِي قَارورةُ عِطْرٍ تَرى فِيها الرِّماحُ وَصَاياها /
وَللسُّنونو ثُكناتٌ عَسْكريةٌ مِن رُخامِ المرافئِ الغارقةِ /
فِي آخِرِ صَرخاتِ النَّدى غَاباتٌ مِن
أحلامٍ / مَطارٌ عَسْكريٌّ للحَمَامِ / دِيكُ جَارتنا الوحيدُ هُوَ ذَاكِرةُ
الخناجرِ / اذْهبي أَطْرافي حَتَّى آخِرِ جِراحِ النَّخيلِ/ لا أَنيني قِيثارةٌ /
ولا أَسْنانُ التِّمْساحِ استراحةٌ لِلبَلابلِ الْمُتْعَبَةِ/
سأُقاتِلُ حَتَّى آخِرِ غَيْمةٍ مِن دَمِي/ حَتَّى
آخِرِ شَجَرةٍ مِن دُموعي/ حَتَّى آخِرِ شَاطِئٍ مِن لَحْمي / حَتَّى آخِرِ
زِلْزَالٍ مِن كَبِدي/ حَتَّى آخِرِ فَراشةٍ مِن جُمْجمتي / حَتَّى آخِرِ قَطْرَةٍ
مِن قَلْبي / حَتَّى آخِرِ بُرْكانٍ مِن عِظامي / حَتَّى آخِرِ شُبَّاكٍ مِن
أظافري / حَتَّى آخِرِ نَبْعٍ مِن مَعِدتي / حَتَّى آخِرِ شِرْيانٍ مِن بُندقيتي /
حَتَّى آخِرِ بِرْميلٍ مِن عَرَقي / حَتَّى آخِرِ بَرِّيةٍ مِن جِلْدي / حَتَّى
آخِرِ شَلالٍ مِن غَضَبي / حَتَّى آخِرِ رَصَاصةٍ مِن شَفَتي / حَتَّى آخِرِ
إِعْصارٍ مِن سِجْني/ حَتَّى آخِرِ حَجَرٍ مِن أَنفاسي/ حَتَّى آخِرِ غَابةٍ مِن
طُحالي / حَتَّى آخِرِ نَبْضَةٍ مِن خُطواتي / حَتَّى آخِرِ جُرْحٍ مِن عُمري /
حَتَّى آخِرِ عُصفورٍ مِن عَضَلاتي / حَتَّى آخِرِ نَبْتةٍ مِن زَمَني/ حَتَّى
آخِرِ خَيْطٍ مِن جُرْحي / حَتَّى آخِرِ بُسْتانٍ مِن قَفَصي الصَّدْرِيِّ /
حَتَّى آخِرِ رُمْحٍ مِن سُعالي / حَتَّى آخِرِ مَدِينةٍ مِن عَمُودي الفِقرِيِّ /
حَتَّى آخِرِ لَوْنٍ مِن أمعائي / حَتَّى آخِرِ حَقْلٍ مِن خَيْمتي .