النشيد الوطني لأحزان الشتاء / قصيدة
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 18/1/2018
..............
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 18/1/2018
..............
البَحْرُ يَمُوتُ
جُوعًا/ وَعِظَامُ الضَّحايا تُزْهِرُ بَيْنَ الزَّيْتِ والزَّعْتَرِ/ والأيتامُ
يَجُرُّونَ نُعُوشَ آبائِهِم في حُقولِ البَارُودِ / والفُقَرَاءُ يَرْسُمُونَ
خَارِطَةَ الوَطَنِ / بَيْنَ الرَّصاصِ الْحَيِّ والرَّصاصِ المطاطِيِّ /
والأراملُ يَنْتَظِرْنَ عَوْدَةَ أبنائِهِنَّ مِنَ الْحَرْبِ / بَيْنَ صَفِيرِ
القِطَاراتِ وصَفَّاراتِ الإنذارِ /
أيَّتُها الجثةُ التي تَقضي شَهْرَ العَسَلِ في ثَلاجَةِ الموتى / ماتَ
الجنودُ في الخنادقِ / وَبَقِيَ أرشيفُ الضَّحايا في المتاحِفِ/ والصَّدَأُ يَأكلُ
الأوسمةَ العَسكرِيَّةَ ومَسَامِيرَ النُّعوشِ / ونَخْلَةُ الدَّمِ تَصْعَدُ
بَيْنَ الصَّدى والصَّدَأ / تَنْهَمِرُ أكفانُ الأيتامِ مِثْلَ قَطِيعِ
الفَرَاشَاتِ / وشَعْرُ البُحَيرةِ عَلى كَتِفَيْهَا كالنَّهْرِ الْمُتَوَحِّشِ/ وتَلْمَعُ
أظافرُ القَتلى في أحلامِ الطفولةِ/كَمَا تَلْمَعُ عُيونُ الفِئرانِ في أزِقَّةِ
الميناءِ المهجورِ/ هَل ماتَ قَلبي في حُقولِ الصَّدى أَم ماتت السَّنابلُ في
ثُقوبِ جِلْدي ؟ /
افْرَحْ أيُّها المنبوذُ / سَتَمُوتُ وَحيدًا فَفيرًا مَطْرُودًا مِن
ذَاكرةِ القَبائلِ / لَكِنَّ الْحَمَامَ الزَّاجِلَ سَيَبْنِي قَبْرَكَ مِنَ
السِّيراميك / كُلَّمَا هَجَمَ المساءُ عَلى قَلْبي / رَأَيْتُ وُجوهَ القَتْلى
عَلى زُجاجِ النَّوافذِ / كُلَّمَا جَلَسْتُ في مَحطةِ القِطَاراتِ وَحيدًا /
رَأَيْتُ أقنعةَ النِّساءِ عَلى زُجاجِ القِطَاراتِ / فيا أيُّها البَحْرُ الذي
يَحْبِسُ جُثةَ البُحَيرةِ في قَلْبِهِ/ أيْنَ طَوْقُ النَّجاةِ ؟/
كَيْفَ أكُونُ نِدًّا للنَّهْرِ ؟ / النَّهْرُ أبي الرُّوحِيُّ / لَكِنِّي
يَتِيمٌ / رُوحي مَكسورة / وقَلْبي شَظَايا / لِمَاذا نُمَجِّدُ الأحزانَ أمامَ نُعوشِ السُّنونو تَحْتَ رَاياتِ
القَبائلِ ؟ /
لِمَاذا نَمْدَحُ الغُبارَ على الْجُثَثِ الطازَجةِ ؟ / أحزاني هِيَ البُوصلةُ
التي تَدُلُّ الشَّفَقَ عَلى ضَريحي / وعِظَامي هِيَ الْمَنَارَةُ التي تُرْشِدُ
القَرَاصِنَةَ إلى جُثمانِ البَحْرِ / فيا أَيَّتُها الحضارةُ القائمةُ على الجمَاجِمِ
النِّساءِ/ أيْنَ تاريخُ الأُنوثةِ ؟ / ضَاعَ الموتى بَيْنَ أُنوثةِ الأكفانِ
وأُنوثةِ التَّوابيتِ / وَشَهَادَةُ مِيلادي يَكْتُبُهَا المطَرُ في المقابرِ
الكريستالِيَّةِ / دَمِي الأحمرُ عَلى السَّجَّادِ الأحمرِ / لَكِنِّي لَم أجِدْ
أحَدَاً يَسْتَقْبِلُنِي / سَتَنْمُو نباتاتُ الزِّينةِ عَلى جُثمانِ الرِّياحِ /
والقَنَّاصُ يُطْلِقُ رَصَاصَةَ الرَّحمةِ على الذِّكرياتِ / لا أمَلٌ في
التَّرَاجُعِ / ولا وَقْتٌ للاستسلامِ / والعَوَاصِفُ تَزْرَعُ اللونَ الأسْوَدَ
في كُحْلِكِ وثِيَابِ الحِدَادِ / والنَّوَارِسُ تَرُشُّ مَاءَ البَحْرِ عَلى
ضَريحي .