للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
..............
[1] الموتُ يَجعل المكانَ والزمانَ شَيئًا
واحدًا .
الموتُ يُذيب كُلَّ العناصر في بَوتقةٍ
واحدةٍ . الموتُ يُوَحِّدُ الأضدادَ في سَبيكةٍ واحدةٍ ، بحيث يَختفي الزمانُ
والمكانُ. إنَّ جاذبيةَ الموتِ أقوى مِن جاذبية الثقوب السَّوداء ، لأنَّ الثقوبَ
السَّوداء تَبتلع الضَّوءَ ، أمَّا الموتُ فَيَبتلع الحياةَ بأكملها . لا شَيء
يَنتصر على الموتِ . وعلى الإنسانِ أن يَجعل مَوْتَهُ حياةً جديدةً لَهُ . الأحمقُ
يَعتبر الموتَ نُقطةَ النِّهايةِ ، أمَّا العاقلُ فَيَعْتَبِرُهُ نُقطةَ البداية .
[2] التَّواضعُ
هُوَ أن يَكونَ الْمُصَلِّي وَسَجَّادةُ الصَّلاةِ شَيئًا واحدًا .
لماذا يَتكبَّرُ الإنسانُ ؟ . يَمشي على
الترابِ بكل غُرورٍ . وفي نِهاية الْمَطَاف ، سَوْفَ يَستقِرُّ جُثةً هامدةً
تَحْتَ التُّرابِ . خسر الإنسانُ معركته مع التراب ، والمهزومُ لا يَمْلِكُ الوقتَ
لِيَرفعَ الرايةَ البَيضاءَ . على الإنسانِ أن يَتَّحِدَ بعناصر الطبيعة .
يَتَّحِد مَعَ الأشجارِ لِيُصبح قَلْبُه أخضرَ . يَتَّحِد مَعَ الترابِ لِيُصبحَ
جَسَدُه سُنبلةً . يَتَّحِد مَعَ المطرِ لِتُصبحَ رُوحُه نَقِيَّةً . يَتَّحِد
مَعَ سَجَّادة الصلاةِ لِتُصبح حياتُه أجمل . وعَلَيْهِ أن يَتَّحِدَ مَعَ الموْتِ
الحاكم على عناصر الطبيعة ، وحِينَ يَموتُ سَيَتَحَرَّرُ مِنَ الموتِ ، لأنَّ
البابَ المفتوحَ لا يُمْكِنُ فَتْحُه .
[3] الوَحْدةُ
فُرصةٌ لاقتحامِ الجوانبِ غَيْرِ الْمُكْتَشَفَةِ في ذَاتِكَ .
على الإنسانِ أن يَصنع أسطورته بِيَدَيْهِ ،
كَي يَتَّصِلَ بِنَفْسِهِ بَعيدًا عَن ضجيجِ الحياةِ وصَخَبِ العلاقاتِ
الاجتماعيةِ. سِجْنُ الإنسانِ في دَاخِلِهِ، فلا يَنبغي أن يُفتِّش عنه في الخارج .
وهذا السِّجْنُ فُرصةٌ حقيقيةٌ لاكتشافِ العناصرِ المختبئةِ في قلب الإنسانِ
وزَوايا جسده. والعاقلُ هُوَ عَامِلٌ لا يَكُفُّ عن التَّنقيب في مَنْجَمِ جِسْمِه
، من أجلِ استخراجِ الجواهرِ والكُنوزِ . وحتَّى لَوْ كانَ الإنسانُ فَقيرًا
وضَعيفًا ، فَسَوْفَ يَعْثُرُ على كنوز ثمينة في جِسْمِه . فالذهبُ مُختبِئٌ في
التُّرابِ . والسِّجْنُ مَرحلةٌ مُؤقَّتةٌ لا بُدَّ مِنها لمعرفةِ قِيمة الحرية ،
والانطلاقِ إلى وَهجِ التَّحرر وضَوءِ الانبعاث.
[4] وَدِدْتُ لَوْ أَجْمَعُ أعمارًا كثيرةً وأُضِيفُها إلى عُمُري كَي
أُحَقِّقَ أحلامي .
الإنسانُ مَحصورٌ في الزمانِ والمكانِ.
يَتحرَّكُ ضِمْنَ حَيِّز ضَيِّق . عَقْلُه مَحدودٌ ، وخَيَالُه واسعٌ. أحلامُه لا
تَنتهي إلا بِمَوْتِه ، وقَد يَأتي آخرونَ بَعْدَ مَوْتِه ، ويُكْمِلُون أحلامَه .
وكُلُّ إنسان سَيَموت، وتَموتُ مَعَهُ أحلامٌ كثيرةٌ ، ومشاريع هائلة ، وأفكار
خلاقة . والعُمرُ لا يَكفي كَي يَقول الإنسانُ كَلِمَتَهُ كاملةً . العُمُرُ قصيرٌ
، فلا بُدَّ مِن تقديم الأَهَمِّ على الْمُهِمِّ . وينبغي على العاقلِ أن يَعْرِفَ
الفَرْقَ بَيْنَ دَرَجاتِ اللونِ الأبيضِ ، والتمييز بين الأَسْوَد والأَسْوَد.
وعَلَيْهِ أن يَرتكب أخفَّ الضَّرَرَيْن، ويَعْرِف فِقْهَ الأولويات. الحياةُ
زائلة، والموتُ هُوَ الحقيقةُ . وكُلُّ كَاتبٍ يَكتبُ بالحِبْرِ والدَّمِ مَعًا .
والكلامُ شَجرةٌ لا تَنْمُو إلا إذا سَقَاها الكاتبُ بِدَمِه . فالدَّمُ هُوَ الذي
يَمنح قَارورةَ الحِبْرِ شَرْعِيَّتَها . يَذهبُ جَسَدُ الكاتبِ إلى التُّرابِ،
وتظلُّ كلماتُه في فَضاءِ الأرواح والقُلوبِ. الرَّصاصةُ تَقتلُ الجسدَ ،
لَكِنَّها لا تَقتلُ الكلمةَ . والكلمةُ لا تُوَاجَهُ إلا بالكلمةِ .
[5] لا تُضَيِّعْ
وَقْتَكَ في إِصلاحِ الأغصانِ . اذْهَبْ إلى الْجَذْرِ وأَصْلِحْهُ .
الْمَنْبَعُ لا الْمَصَبُّ. القلبُ لا الأظافرُ.
الرَّأس لا الأطراف . حَدِّدْ رَأْسَ كُلِّ أمرٍ ، ورَكِّزْ عَلَيهِ . اعْرِف
الطريقَ الرئيسِيَّ ، ودَعْكَ مِنَ الطرقات الجانبية . لا تُضَيِّعْ وَقْتَكَ في
إصلاحِ الأعراضِ . أَصْلِح الجوهرَ . اعْرِف العقلَ المفكِّرَ في كُلِّ قضيةٍ،
ودَعْكَ مِنَ الأدوات .