القصيدة والتحولات الاجتماعية
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 7/1/2018
................
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة رأي اليوم ، لندن ، 7/1/2018
................
إن الشاعر يُعيد اكتشاف ذاته بواسطة القصيدة،
فهو يتنفس من خلالها، ويعيش ويموت فيها. وهذا العالَم الجديد الذي يتشكل بواسطة
النص الشعري يُتيح للإنسان أن يلتقيَ بإنسانيته خارج نفوذ العزلة الاجتماعية التي
تفرضها التكنولوجيا المعاصرة ذات الطبيعة القاسية .
ومن أجل تكريس المنظومة
الشعرية كأفق جديد يكتشفنا ونكتشفه ، لا بد من تجذير التشخيص المبكِّر للحالة
الفلسفية الخاصة بالدلالة اللغوية وربطها بالتأثير المعرفي الرمزي. وهذا من شأنه تفجير
طاقات النص الشعري الذي يدفع المجتمعَ إلى توليد أبجديات اجتماعية جديدة نابعة من
البعد الثقافي العميق لا السطحي، مما يؤدي إلى إنتاج حالة شِعرية عمومية تصبح
ظاهرةً تاريخية منحوتة على جسد الأبجدية كوشم لا يمكن نزعه .
وكلما انتشرت الحالةُ الثقافية
في تفاصيل النسغ الاجتماعي وصولاً إلى نخاع المجتمع، تكاثفت الأسئلة المحورية
المطروحة على القصيدة ودورها في بلورة حياة إنسانية متمردة على الأنماط
الاستهلاكية الخانقة. وهذا يؤدي _ بالضرورة _ إلى صناعة عقل جمعي قادر على تحرير
الفرد من ذاته ، وتحرير الجماعة من هيمنة ميراث القمع بكافة أشكاله . ومن خلال هذه
الصورة التحررية يَؤول الشكل العام للقصيدة إلى نسيج لغوي متماسك يحفر في الخيال
من أجل تغيير الواقع ، ولا ينحصر في عوالم ذهنية هلامية .
والقصيدةُ تتحدى ظلالَ اللغة
بجوهر اللغة ، وتعيد تشكيل أبجدياتنا الخاصة وفق إشارات اجتماعية وثيقة الصلة
بالاتجاهات الثورية الأخلاقية للأدب غير المسيطَر عليه مِن قِبَل مثقفي السُّلطة
الاستبدادية .
وينبغي تعميم المنظور الفلسفي
للنص القصائدي ، ودَمْجه في المسار العام للتاريخ الذي يُعاد اكتشافه من جديد .
وهذه القراءة التثويرية لأنساق الحياة ، ثقافةً وتاريخًا ، ما هي إلا أداة تشريحية
تبحث عن مصادر الخيال الوظيفي في اللغة الواقعية. الأمر الذي يَقود إلى توليد نظام
ثقافي متجانس يتعامل مع الأفق الشعري كلغة رمزية تهدم ثقافةَ التلقين ( عملية
اختراع المسلَّمات الوهمية ) ، وتتبنَّى ثقافةَ الأسئلة ( مُساءلة الأنساق
الاجتماعية ووضع الفرد والجماعة أمام التحديات المصيرية ) .
والأثرُ المترتب على عملية
صناعة الوعي بِقُطبَيْها ( الهدم/ البناء )، لا يمكن حصره في إطار إيجاد قواعد
ثقافية تفسيرية للإشارات الاجتماعية الثابتة، لأن كل فرد هو مجتمعٌ متحرك قائم
بذاته، كامل الملامح والخصائص، ومُفعَم بالتحولات العميقة نفيًا وإثباتًا. والمجتمعُ
الفردي يعيش في قلب المجتمع العام، وهذا التعايش النشيط ذو الفاعلية الفلسفية
يُعيد بناء جغرافيا الأسئلة والتغيرات الجذرية . وهكذا تتكرس عملية صناعة الوعي
كمبدأ شمولي ملتصق بالفرد للكشف عن أبعاد التحولات الثقافية ، أفقيًّا وعموديًّا ،
زمنيًّا ومكانيًّا ، ذهنيًّا وواقعيًّا .
وهذه التحولات هي التي تمنح
الفرد صفة الكائن الحي، وتُكسِب المجتمعَ إحساسه الوجودي. كما أن تحركات البعد
الثقافي في الإطار الزمكاني ( زواج الزمان والمكان )، تجعل القصيدةَ كائنًا حَيًّا
مركزيًّا يصنع الأحداث ، وليس كيانًا هامشيًّا يتفرج على الأحداث .