أُنادي على الأحزان القديمة في عينيكِ يا أُمِّي العمياء . لم تعرفي طريق المطبخ إلا حينما عبرتِ على جثماني . صارت الصحونُ ألغازَ القتيلة ، وصنبورُ الماء إعداماً بالكرسي الكهربائي. مقعدٌ فارغٌ في حديقة الجثث. إن دمي كالشاي ، كلاهما بطعم النعنع يوضع على طاولة الغرباء .
للأمس الغارق في مستقبل الجثامين النحاسية تواريخُ البط المرتعش . برودةُ ماء العيون في السجون كأنها برتقالة تُعصَر سجوناً بلا أرقام . يأتي بلاطُ الزنازين محمولاً على وصايا المهرِّج . أنا ظلالُ المهرِّج إن لم أعرف موقعَ رمال البحر في براويز حيطان أوردتي . تغرق في طفولة الحِداد الصبايا الداخلاتُ في حكايات جدة النهر الخارجاتُ من رومانسية كبدي المتشمِّع . أنتَ وصايا المهرِّج يا حزني لأنكَ لم تكتشف في مناجم مضادات الاكتئاب غير نعال الأطفال الضائعين . خرج اسمي من جواز السفر ولم يعد . الدمعُ المخملي وديمقراطيةُ رعاة الغنم .
كأن جمهورية أقنعة عظامي نعجةٌ تساق إلى المذبح . أهتف على عيون الضحايا العابرين في المجازر . هذا الترابُ ليس لي . هذا الدمُ وثيقةُ سَفري في أعضائي المحنَّطة في زجاجات العصيرِ . لم يشرب إسطبلُ الخليفة البيرةَ الساخنة مع الشاي البارد .
كان الملوك يُخلَعون مثلما تُخلَع شظايا مرآتي المكسورة من أزقة حنجرتي . والخريفُ خلف بابِ الأعاصير يقرع جرسَ غرفة تشريحي. أدخل في عُزلة رماد الملاحم . صدري بياتٌ شتوي في قلب الصيف، وخنصري رايةٌ لا يحركها إلا رياح الخماسين . أضرب في ضياع روحي خيامَ البحر الأسود ملكةً مخلوعة تنشر الغسيلَ على سطح دارها وتنتظر قدومَ عرشها. والغرباءُ في محطة القطار ينشرون الغسيلَ على حبل مشنقتي في أوقات الفراغ . هذا هو طوفانُ النَّعنع يشرب على ضريحي الزجاجي شاياً بالزرنيخ .
يا وردةَ الموتى البلاستيكية ، ازرعي حياتكِ في قلب رَجُلٍ لا يركض على سطوح القطارات ، فإذا توقف قلبُكِ ستجدين قلباً يحمل أحزانكِ إلى هضاب الفضة ، ويضرب أوتادَ معدته في ذهب الجواري المستحمات بالنفط الخام في بورصة الحريم.
أظل أعد الجثث وأخطئ في العد. أتوا كما يأتي المساء خالياً من جلودِ الضفادع المقلية . كما وجه صباحات المجزرة يأتي البحرُ نهراً . نجلس على مائدة الجسد نشرب يانسون الفلسفة .
إن دمي فلسفةُ الموتى الأخيرة . والجثثُ تغدو دستورَ محاكم التفتيش المقدَّس . وأنا مسائي أقصد ذلك الصباح الطالع من وجهي . وأين وجهي يا وأدَ المعنى في نشيدي كلون الريح المدجَّجة بالأوسمة العسكرية في اللاحرب واللاسلم .
هدنةُ الأعشاب أنا. ولستُ سوى الطاولة التي يجلس عليها مجرمو الحرب ليوقِّعوا على معاهدة السلام . فمن يعيد سعالَ الأطفال المزروع في ياقوت رعشة الأرامل ؟. أيها العابرون إلى وحشة البناتِ خلف سور المجزرة. والحزن يبلع خيامنا . هي النشيد واضحاً كالسكين . ملكةٌ أضاعت عرشها لكنها وجدت شهوتها. فكن غير دمي لأتحرر من نبضات كريات دمي . نبض قلبي يزعجني فلا أنام . فما فائدة قميص النوم ؟ . خُذ مشنقتي قميصَ الأرق .
أحسب النعوش وأخطئ لأني في الرياضيات عالمة كيمياء. كلُّ بقعةِ دم بنتٌ تولد في الزمهرير . وذلك الوقتُ المعلَّق على الأغصان مرضي انقلابٌ عسكري والعساكرُ نائمون مع زوجاتهم . أنتَ مرضي يا قاتلي الذي لم يلمسني . زَوَّجْتُ اكتئابي الخجول لهلوستي المتمردة . كأن بنطالَ الذبابة مستودَعٌ لجماجم الضحايا ، حيث الموانئ المدمَّرة ترسو على أجنحة الحمام الزَّاجل . إنه كوكبنا يحكمه المجانين . رِجالٌ يُنقِّبون في صدور زوجاتهم عن آبار البترول . سريري سيصبح فارغاً . في ذاكرة الشفق قبري يطل السنديان . أنا المذبوحُ غير الموسمي تحت الأمطار الموسمية . إنني خَاتِمٌ في أصبع البحيرة .
شمعةٌ مطفأة تبحث في نيران العشق عن عود ثقاب . حزنٌ وحيد يجلس على طاولة وحيدة في كوخ وحيد . خذوا جسدي طاولة بلياردو أو طاولة مفاوضات ، لعلي أحصل على جائزة نوبل في الديناميتِ . أنتظر قدوم عمودي الفقري من السَّفر . قد أنتظر مجيء نخاعي الشوكي في سفن القراصنة لكي أشعل خاتمَ خطوبتي الرملي على شاطئ الاحتراق فرحاً بلقاء وجهي الذي مات .
في خلايا وجهي أحمل جيناتِ المقصلةِ . وفي دمي أحمل سوائل المذبحة ، حيث الجلود المخلوعة تصير زجاجاتِ عصير انتهت مدة صلاحيته . هي جثامين الجيوش المهزومة في جوارب الملكات .
من وراء هضاب الشموسِ المزيَّفةِ تأتي الموؤدات . لم ألد اكتئابَ حجارة المرفأ. فالليل مرفأ الوجوه العابرة . في الليل يصير الرصيف أحلاماً تحقن أحلامي بالضفادع . كيف تمشي السيدة الحبلى بالرَّمل على شطآن البازلت ؟ . كلُّ وجهٍ بحيرةٌ تمشي على حواف كوب الشاي. فاشربني أو اتركني على هامش التلةِ الفضية . لم أدرس الفيزياءَ لأُشرِّح أدمغةَ كلاب الصيد في عيد الاستقلال لأن القش يحتلني . فلتخرجْ الديدانُ من صلبانِ الأرشيف المحترق يا صمتي . أنا مسافرةٌ أترك عظامي على مقاعد المطار، وأفرش نخاعي الشوكي سجاداً أحمر للراحلين طول العمر . كأن أغنياتي مطرٌ حمضي ، وأشجاري أحزمةٌ ناسفة . أنتَ المساء لكنَّ صباحي ومضٌ . فاعبرْ ما تبقى من عمري خارج خزانة الطوفان ، واتركْ بيننا القطارات الكهربائية موعداً للغربة . لا تذهب إلى المنفى لأن المنفى سيأتي إليكَ . وانتظرْ موتاً يأتي من لون جِلدكَ .
رجالُ الميناء يوقفون في حلقومي شاحناتهم . كأن قلادتي زهرةُ العاصفة الميتة على ساعة يد جارتي. من موت النحاس ذاكرةً للجنونِ . فراشاتي مصابة بجنون البقر. فاقتلْ نفقاً في آخر الضوء ، واعتنقْ ضوءَ مقصلة المطر . والبحرُ سَرَقَ حَيْفا من أُمِّها. وكيف أجمع دموعَ أمي في أكياس الجثث الساخنة في معتقلات سيبيريا ؟ .
يأتي الغرباءُ إلى عرش رماد الكونِ . والبدو حول الحطب يحرقون ذكرياتِ الرمل في مقلاة الريح. دماء فوق نار القبائل . أنا قبيلة الرعشة البدائية خليةُ الضوء الخافت يُحتضَر . أُوزِّع على حنجرة صحراء نيفادا أسنانَ ديدان البحر .
يا ضفادع الذاكرة المنسية بين أعواد الثقاب ، مَن أنا لأجد كبدي خارج شموع المذبحة ؟ . لم أتذكر وجوه المنسيين على حواف براويز الفيضانات، فخذْ ما تبقى من احتضاري لكي أحيا في نشيد الاحتضار عاريةً من قراراتِ مجلس الأمنِ لابسةً جثامين السنونو . فاذكرني كما كان وجهي البعيد في المساء القريب. بطيخةٌ في حلق مريضةٍ تصير عظامُ رقبتها سكةَ حديد مهجورة لم تعبر عليها أنَّا كارنينا . والغرباءُ يشربون دمَ المجرات في كؤوس الشطآن النازفة . أحنُّ إلى رجفة خشب مكاتب رؤساء مجلس إدارة المذبحة . والقنابلُ الضوئية عكازة أرشيف النهر المشلول. فامشِ في طريق البازلت تُزوِّج الصحراء لابن عمها في حفل تأبين ابن عمها . وفي خيمة البدوي توقف سيداتُ المجتمع المخملي عرباتِ نقل الجنود على مداخل شراييني .
أُفكِّر في الأميرات كسبايا . تتحول السجينةُ إلى رقم . وتصير المرأةُ قطعةَ لحم مشوية على نار الشهوة . أحزاني البِكْرُ والغاباتُ الشمعية. فَعِشْ حُلْمَكَ الخشبي في قلب حجري يتصدع، فإذا مِتَّ وجدتَ ضريحاً نابضاً ينقلكَ في عربات القطار.
يرمي الليلُ أعصابه النحاسية مضخةً لتنظيم جريان ماء عيوني . رومانسيةُ المشانق . بنتٌ تستلقي على قش الإسطبلاتِ في أعالي الملل وَأَدَتْ بريقَ عيونها لأنها موؤدة منذ إعدام ماري أنطوانيت . عيناكَ تمارسان الإبادة الجماعية في كرياتِ دمي . متى سأُقدِّمكَ إلى محكمة العشاق الفاشلين ؟ . ودموعي شموعُ عيد ميلادِ القش .
مومساتٌ محترفاتٌ يدخلن في مفاوضاتِ الأُجرةِ دون وسيطٍ . كأن صنبور الماء مقصلتي الفضية . خذ أناشيدَ الراعي المحمول على أجفان ماعز أعمى لكي يذكرني أرشيفُ الاستخبارات العسكرية في وديان الريح . أتوا كدماء الشطآن المحبوسة في علب السردين . تقول للحزن إن الموتَ قادمٌ لكسر روتين حياتي. فأين حياتي ؟. لم أعش سوى ذاكرتَيْن لبرتقالة مذبوحة ، ولن يذكرني في المياة الإقليمية للسكين غير عظام الحيتان حينما تذهب إلى أضرحتها في أهداب الموج . يكشف للمطر أسراري زيتُ الزيتون . لم أتعلم عزف البيانو قرب جنازة عائلتي لكني عزفتُ لحنَ الضفادع المندهشة على أسناني المرتعشة .
يا طبيب الأسنان الذي تخرَّج من جامعة الإوز المشوي على حطب دموعي المشتعلة ، هذا دمي ضريحُ السنونو ، فلماذا يزورني الصدى في مرتفعات الهديل ؟ . كن كما كان الموجُ قبل ألف سنة وردياً يحمل أعوادَ الثقاب ليُوزِّعها على أرامل الأدغال المحترقة. حيث الجسدُ تفاحةٌ على الصليب، ولَيْلي برقوقُ الموائد المنسية في قلاع النبلاء . كلما أدارت البحيرةُ ظَهْرَها لي تزوَّجتُ ضوءَ النهر في عُرسٍ كان الطوفانُ فيه المغنِّي الرئيسي ولم يحضر أحدٌ .
رضيعٌ يحمل جثةَ أُمِّه على خصلاتِ شَعره المسموم ، ويمضي إلى حفرةِ الذاكرة . كأن خطيبي من المخابراتِ ، وزوجي من الاستخباراتِ العسكرية . هل قفصي الصدري دستور الدولة البوليسية ؟! . لكن المهرِّج قائدَ الثورة مات في زنزانة الحِبر قلاعِ حطام الروحِ سعالِ المشنوقاتِ خوفِ البناتِ الصغيراتِ وهنَّ يشاهدن آباءهن بملابس النوم يُسحَبون إلى السراديب. وُلدتُ لكي أموت فبنيتُ فلسفتي وفق نظرية ما بعد المرأة ، ما بعد حداثةِ الغبار ، ما بعد ثورةِ سرقة الشعب ، حيث الفراعنة يديرون السجونَ بالبريد الإلكتروني . حزنٌ لا تاريخ له سوى الكهرباء يولد من نكاح المتعة غير الممتعة .
يا وهماً يُجسِّد أتربةَ طريق الحرير. امرأة تُسحَق، لماذا ؟. الجسد بطيخة على شفرات السيوف، بدأت الحربُ ؟ . هل رأيتَ حفار قبور يرتدي ربطة عنق ويتجول قرب بوابات عروقي ؟. تسأل الموتى نشيداً للأرض المحروقة بنتٌ موؤدة . أسأل عيونَ أُمها في مستودعات الميناء . أُغنِّي ركامَ الأزمنة القتيلة . وطنٌ للملوك اللصوص . كأن قلبي يسرق شيفرةَ ضحكتي . أضحك من نَفْسي أم على نَفْسي ؟ . يسألني المِعْولُ في حقل الشوفان المدمَّر. الطائراتُ تقصف مخيلتي . أنا الدمارُ الأرجواني . فكيف تضرب خطواتُ الكنائس في بنكرياسِ زجاج الكاتدرائيات ؟ . ولماذا هذا الوطن المسروق يسرقني ؟ .
خذ حقيبةَ سَفري، علبَ السردين في مطبخ الزهايمر، قارورةَ عطر أكفان البجع البرمائي . ماذا بقي من أسئلتي غير تفاصيلِ احتضارات الكواكب وموتِ المجرات ودمارِ الشمس وهروبِ الجيوش المهزومة من المعركة ورجفةِ الأرامل في دولة تُقدِّس اللونَ الأخضر في الدولار وتحرق اليابسَ والأخضر ؟ . لم أعد أشعر بحركة الأدغال الشمعية في غضاريفي أو بزفير اللوحات الزيتية على أسوار قفصي الصدري .
أخبريني أيتها المومس التي في عيونها مغارات عقارب الساعة ، ماذا بقي لك في وطنٍ مخابراتي يتاجر بالجسد في ظلال العار،بالوهم في أطياف حليب القتيلاتِ، بالسكاكين في مؤتمرات الإبادة،بالماريجوانا في دستور دولة القانون والمؤسسات؟.