ليس سراً أن القوة الرئيسية في الساحة الأردنية المحرِّكة للتظاهرات هي الحركة الإسلامية . وما زالت شعاراتها _ حتى الآن _ تتمحور حول الإصلاح ومحاربة الفساد. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه في سياق هذه الاحتجاجات التي تعم المدن الأردنية من الشمال إلى الجنوب : هل سترفع المعارَضة شعار " إسقاط النظام " أسوةً بباقي الدول التي اجتاحها الربيع العربي ؟! .
والجواب شديد التعقيد لحساسية الوضع الأردني. فكل المعارِضين السياسيين على اختلاف أطيافهم لا يريدون إسقاط نظام الحكم، لعلمهم أن النظام _ رغم فساده _ هو الضمانة الأكيدة لاستمرار وجود الأردن. والإخوان المسلمون _ رأس المعارضة _ يدركون أن زوال الحكم الملكي سيكون كارثياً بامتياز . وهذه النقطة متفق عليها بين الجميع ، ليس استجابةً لضغوطات أجهزة الأمن البوليسية ، وإنما وفق معايير النظر إلى ما وراء الأحداث .
فالأردن لا توجد فيه قاعدة سياسية متينة بسبب احتكار العمل السياسي من قبل السُّلطة ومنافقيها . وهذا أدى إلى إقصاء منهجي للشعب وإخراجه من الساحة السياسية . خصوصاً أن الدستور الأردني الذي تم تفصيله على مقاس مُحتكري السُّلطة يُرَكِّز كافة الصلاحيات في يد الملك ويجعل الشعب ضيوفاً في بلادهم وأحجارَ شطرنج في مهب الريح. ومن هنا يتوجب الضغط على مؤسسة الحكم من أجل الانتقال إلى مَلكية دستورية تجعل الملك خادماً للشعب وليس الشعبُ عبيداً على أعتاب القصر .
وعلى الرغم من فساد النظام الأردني إلا أنه لم يُبْنَ على جماجم الشعب كما هو الحال في غالبية الدول العربية ، وهذا جعل العلاقة بين الحاكم والمحكوم ليست ثأريةً أو ملطخة بالدماء أو مليئة بعناصر الانتقام والانقضاض . أضف إلى هذا أن الأجهزة البوليسية في الأردن لم تدخل في دوامة الإجرام والقتل المنهجي والإبادة _ كما نرى في دول عربية كثيرة _ .
كما أن المجتمع الأردني ذو طبيعة عشائرية يصعب تجميع عناصرها إذا تبعثرت ، ويصعب السيطرة عليها إذا سقط النظامُ، لأن الأطماع الفئوية _ عندئذ _ ستكون هي الحافز للانقضاض على السُّلطة. ولا يخفى مسألة قضية الأصول الفلسطينية والشركسية وغيرها . لذا فإن وجود النظام الملكي يُعطي قَدراً مقبولاً ( كحد أدنى ) من التجانس الظاهري بين مكونات الشعب الأردني المختلفة، رغم أن سياسات الحكم مبنية على التفرقة العنصرية والتمييز الطبقي وفق نظرية " فَرِّقْ تَسُدْ ".
والجسمُ السياسي الأردني هو كيان اصطناعي يعيش على المساعدات الخليجية والأمريكية والأوروبية ، ولا يقدر أن يقف على قدميه بسبب غياب الموارد ، وقيام الحكومات المتعاقبة بتدمير منهجي لقوى الشعب ، وتهجير الكفاءات ، ومصادرة أحلام الشباب وأملهم في التغيير ، وزراعة الفساد في أوصال المجتمع على كافة المستويات . وهذا أظهر الأردن كجسد مريض يعيش على التنفس الاصطناعي .
ومن خلال هذا المنظور يتضح أن لا فائدة من إسقاط النظام الأردني . ويتوجب على "الإخوان" _ باعتبارهم المعارضة الحقيقية _ أن يُكَرِّسوا وجودهم كشَوْكة في حلق النظام لئلا يستمر في ابتلاع أحلام الشعب وهضم المال العام ، والدفع الحثيث باتجاه الإصلاح ومكافحة الفساد وتصعيد الاحتجاجات الشعبية المنادية بالحرية والعدالة الاجتماعية ومستقبل أفضل .