لماذا أنا فاشلٌ في الحب يا إِسطنبول ؟ . بَناتُكِ اللواتي يَقْرَأْنَ الفاتحةَ أمامَ قَبْري . هَل يَعرفنَ ضوءَ القمر الذي يَغْسل أعشابَ ضريحي ؟ . لماذا يا وردةَ الشَّفق لم أتزوَّج تركيةً لأكتشفَ سِرَّ امتدادِ حِجابها في براري رِئَةِ الغابة ؟. إِنَّ كُرياتِ دَمي تَزْحفُ على دبابيس حِجابكِ يا وَرْدةً تَدْخلُ في البحر وتَخرجُ مِن قفصي الصَّدري نشيداً للطيور المحترِقة بالذِّكريات .
أَسيرُ في الصحراءِ الفِضِّيةِ حَافياً أُطالبُ بِدم عثمان، وأسألُ الرِّياحَ عن دم الحسين . أَحْملُ جُثمانَ الأنهارِ على رُموشي . والموجُ يُوزِّعُ الدموعَ على أجفان الرَّاهبات .
يا أُختي الأرصفة ، أنا حَزينٌ لأنَّ النهرَ سجينٌ في مستشفى الأمراض العقلية . أنا خائفٌ لأنَّهم وَجدوا الشُّطآنَ مقتولةً في شُقَّتها . لو أَقْدِرُ أَنْ أُذَوِّبَ نساءَ الأرض في كُوب يانسون وأَشْربه لكي ترتاحَ أعصابي وتنامَ الغاباتُ في قفصي الصدري . أُحِبُّكِ يا امرأةً تُولَدُ في الشَّفق وتمشي تحتَ جُسور سراييفو . إِنَّ نهرَ العشق هُوَ وَرِيثي الشَّرعي .
في رِئةِ الإسكندرية أَنْصبُ راياتي وأُعلنُ انتصاري على الإسكندر . وفي القسطنطينية أَرْمي أُكسجينَ رِئتي سِجَّادةً لمحمَّد الفاتح. قَدْ قَتلوا عماد الفايد، وصاروا مِن بَعْدِه رُومانسِيِّين . دَجاجاتي اليتيمةُ تُساقُ إلى حَبْل المِشنقة في مَساءاتِ القَش . ما مَوْقفُ الدِّيك الرُّومي مِن مَذْبحتي الموسِمِيَّة ؟. يُنادي عَلَيَّ النهرُ لأَقُصَّ أظافرَه قبل لقاء عَشيقته البُحيرة . لماذا دمي يَتزوجُ الأرصفةَ يا إسطنبول ؟ . بَناتُكِ اللواتي يَنشرنَ الغسيلَ على أعصاب المطر ، هل يَعرفنَ بوصلةَ جنازتي ؟ .
أيتها الأحزانُ النائمةُ على مِشْطي . عُيونكِ تُفَّاحةُ القَتْلى ، وأَجفانكِ وَرْدةُ الموتى. حَلُمْتُ أَنِّي أُقْتَل في طريقي إلى صلاة الفجر . أَقيسُ حجمَ الأدغال في قفصي الصدري بحجم الانقلابات العسكرية . أَرجوكِ لا تَحْرقيني ، إِنَّ عُودِي ما زال أَخضر .
سُلْطةُ الموتى على مُدنِ النَّحيب. والطيورُ تنصهرُ في ضوء المئذنة الأخضر . كُنْ عَشيقَ الأمطار كي تمشيَ السنابلُ إلى قَبركَ . صَارت شَواهدُ القبور أرقاماً مَنْسِيَّةً في جَدْول الضَّرب . أَموتُ بلا عائلة في هذا السُّعال البرتقالي . سَتَرِثُني المقاصلُ ، والسِّجنُ _ وَحْدَه _ سَيَحْمِلُ اسمي بعد وفاتي. يا دَمِيَ الوحيدَ ، سَتَهْبِطُ عِندَ الفجر في إِبريق الوضوء .
أَخوضُ حَرباً أهليةً داخلَ جِسمي . كُلُّ بَيْتٍ سَيُصْبِحُ خالياً ، لكنِّي أُفتِّشُ عن قبور عائلتي في مَعدةِ تُفَّاحة. والصحراءُ تُعلِّم الرملَ كيف يَقتلُ الْحُبَّ في ذاكرة النيازك . والذبابُ الكلاسيكي يَعْزف على الجثث لحنَ الصَّحاري الجليدية . كأنني تَزوَّجتُ حكومةَ الرَّماد في عيد انتحار الوطن . اهتزازُ حَبل الغسيل بين يَدَيْكِ كاهتزاز أعصابي أمام عَيْنَيْكِ . والمراهقاتُ المصلوباتُ على الشَّفق يُخَبِّئْنَ وُجوهَ الرِّجال في الذكريات .
صَدِّقني أيها الضَّبابُ ، ذلكَ الحزنُ في جَبين الصَّنوبر هو جِلْدي ، لكنِّي نسيتُ أقنعتي في غرفة الإعدام فارتديتُ سُعالَ البحيرة . لا قَمرٌ يَحْضنُ دموعي في ليالي الشتاء ولا شمسٌ .
وحينما يَنْبت العشبُ على جُثث العرائس أُنادي على أُمِّي النَّائمةِ بَيْنَ الزَّيتون والطوفان . ذَهَبَ العَرُوسان إلى الشَّفق بلا عَوْدة . انتهى عُرْسُ الرَّماد ، وَبَقِيَ عُمَّالُ النظافة يُكنِّسون كرياتِ دَمِ العُشَّاق الفاشلين . والباعةُ المتجوِّلون يَمْسحون دُموعَهم عن زُجاج السَّيارات الفارهة . كأنَّ شَواهدَ قُبور البَجع أَحجارُ نَرْدٍ على تابوت النَّهر .
افْتَحي نوافذَ نَبضكِ للرِّيح . ثِقِي بأحزان السَّبايا على أغصان الفجر. إِنَّ قِناعَ الحضارة يَتكسَّرُ بين عُروق الرَّعد. فَلا تُخبري أُمِّي بِمَوْتي. لا أُريدُ من البرق أن يَبكيَ على البَحَّارة الغَرْقى في دموع نسائهم . جِراحُ المدينةِ تَدْخلُ في البحر ولا تَخْرج .
لِلعُشَّاقِ الخارِجين مِن عُنفوان حَفَّار القبور يُغَنِّي المطرُ . فَكُنْ وَاثقاً من الموت الراكض بَيْنَ السَّنابل . أُحِبُّكِ يا قَاتلةَ الأُكسجين في رِئتي الأُولى ، المقتولةُ في الرِّئة الثَّانية . فَاصْرُخي سَنابلَ الغَيْم في وَجْه البحر . فَكُلُّ وَردةٍ على ضفائر التراب اسمٌ للثورة . كُوني ثورتي ، إنَّ أظافري تُولَد في فُوَّهاتِ المدافع ، فلا تَجرحوا كبرياءَ البنادق في غُدَّتي الدَّرقية . تِلْكَ بلادي وأصابعُها شَرْعِيَّةُ البرتقال في التوابيت المصفوفة على رصيف الميناء . نُرتِّب أحزانَنا في مُستودَعات السلاح لكي يتألقَ عُمَّالُ النظافة الذين يموتون على صدور زوجاتهم . وتَلْمعُ الأوسمةُ البلاستيكية على صدور النَّخاسين . تِلْكَ النُّسورُ المحنَّطةُ في دم الزيتون تَقرأُ وجهَ الزَّوْبعة ، وتُفَتِّشُ في شرايين الإسبانيات عن دماءٍ عربية .
إِنَّ جِلدَ الفراشة مُرَصَّعٌ بالإماء، فلا تَحْملْ يا رَعْدَ المراعي جُثثَ الملكات في عَربات الفواكه ، ستأتي الصقورُ من مَعدة الذاكرة، وينامُ حُزنُ الأرامل على ثِياب الدُّخان . كُلُّ أَوردةِ البرق تموتُ، لكنَّ دَمِي يُلمِّع المسمارَ الأخيرَ في ذاكرة التابوت . فاصعدْ على جُثمان الرِّياح يا مَوْجُ ، إن أحزانَ الرَّاهبات دَخلت في البحر ولم تَعُدْ . لكنَّ الليلَ يَعيشُ مُراهقته المتأخرةَ في جدائل الأمطار . فشكراً للموت الذي يُدافعُ عن شرف الرِّياح، وشكراً للشموس التي تَحمي استقلالَ عُروقي عن أنهار الصَّدى.
أَفتحُ أوردتي للعواصفِ الفِضِّية كي تغرقَ الشُّموسُ في دمائيَ النُّحاسية ، وتَتزوَّجَ أناشيدي ضوءَ القمرِ الميِّتِ ، ويحتفلَ بأعراس بَناتِ آوى النفطُ الملتصقُ على حِيطان شراييني . فلا تَسقطْ يا اسمي في جباه الإماء . ذلك عَرَقي أرشيفُ الطيورِ الجارحة ، فلا تَجرحْ جَبينَ الليل، وَكُنْ رومانسياً حين تَرحلُ الأمواجُ إلى جثامين السُّنونو .
يا إِسطنبول التي تُولَد من مماتي ، كيف نلتقي خَارجَ مُسدَّساتِ الغروب. بَعْدَكِ صار قلبي دولةً بوليسية ، فَارْحَمِي عاشقاً يموت في الطريق ، والقططُ تُحدِّق في سُعاله الأُرجواني . أرجوكَ أيها النزيفُ الفضيُّ ، اخْتَصِر الصَّحاري في كلام السَّنابل ، ولا تَسمحْ لِدَمْعِكَ أن يَتْبع ضفائرَ البدويةِ نحو احْتضارها . ستركضُ الآبارُ إلى عَرش البكاء ، ولا عَرْشَ لِجُرْحِكَ سِوى جماجم الضياء .
يا امرأةً يَزْحفُ الثلجُ الأحمرُ على رُموشها ، خُذِيني خَاتِماً في أُصْبعكِ . أَجفانكِ أجملُ حَقل ألغام، فلا تَلوميني إذا انفجرت عُروقي على أسواركِ . واذكرني يا قمرَ الموانئ شَجَراً ذاهباً إلى حَتْفِه. ماذا فعلتُ لَكِ حتى تَقتليني ؟. احْرُثي جَسدَ الشَّفق بدموعي ، ولا تبكي على جبينٍ تَناثرَ في أساور الغَيْمات . حِينَ أُحِبُّكِ أَقتربُ من نبض حديقتي أُعيدُ اكتشافَ أظافري في ضوء المجرَّات، أكتشفُ فِيكِ أُمِّي . يا قاتلتي التي لا تَرحمُ صَهيلَ كُرياتِ دمي ، أنتِ المقتولةُ بدموع عَاشقكِ . أَحِبِّيني أو اكْرَهيني ، انثري مشاعركِ على وجهي . هذا جَسدي رقعةُ شطرنج ، فالعبي لُعبتكِ الأخيرة . لن أَعترضَ على موعد ذبحي إذا كانت عُيونُكِ مِقصلتي. إِنْ لَمْ تُصَدِّقي الأدغالَ البِلورية في نشيدي فَصَدِّقي ضوءَ أظافري في السَّحر . كيفَ أَنساكِ وجُفونُكِ خَناجرُ في صدريَ المكشوفِ لهجرة الطيور ؟ ، فَهَاجِري من رئتي الأولى إلى الثانية . أنا سِجْنُكِ وأنتِ سَجَّانتي، فَاحْكُمي عَلَيَّ بالإعدام أو الأشغالِ الشَّاقة ، أُريدُ أن أموتَ بَيْنَ يَدَيْكِ .
اتْرُكي النسرَ الجريحَ للموت . ستأتي الرياحُ لِتُكَفِّنني . لأَنِّي أُحِبُّكِ سَأُدفنُ مَرَّتَيْن ، مَرَّةً في جَبهتكِ، ومَرَّةً في السَّحاب. إِنَّ ضَفائرَكِ تَحرثُ الشَّفقَ. فَمَنْ يَحرثُ دموعي حينما تَرحلُ أُمِّي إلى المطر وتتركني للنساء المتوحِّشات ؟ . لقد انتصرتِ يا سَيِّدةَ الأحزان على أحزان القمر ، لكنَّ الليلَ يُذَوِّبُ صُداعي في احتضار المدينة ، والحزنُ هو مدينتي البعيدة .
عَاشقةَ جِنازتي رَفيقةَ بُكائي ، أنا الأعمى الذي تَرَكْتِني في مُنْتَصَف الطريق . أَحتاجُ عُيونكِ لِتُضِيءَ لِي نبضاتي على لمعان المقاصل . فلا تكوني قاسيةً على أوردة الغيمِ ، فكلُّ الطيورِ الذبيحةِ تُهاجِرُ من قَلْبي إلى قَلْبِكِ .
أُحِبُّكِ وأهربُ مِنكِ لأن الموتَ يَقفز في عَيْنَيْكِ. تختبئُ المسدَّساتُ تحتَ جِلْد الطوفان ، وأهربُ مِن جِلْدي أُوَدِّع الشوارعَ قبل أن يغتالني الْحُبُّ. قَتلناكَ أيها العشقُ ثم تَقَمَّصْنَاكَ. ذَبَحْنا البراءةَ في عُيون نسائنا ثم بِعناها في السُّوق السوداء . الذين أحببناهم قتلناهم ، والذين أَحَبُّونا جَرَحْناهم . ضَائعٌ أنا في سَرابِ شراييني ، ولا ماءَ في صحراء قلبي كي تشربَ الدَّلافين. واكتئابي سمكةُ قِرْش لا يَقْدِرُ الرَّعْدُ أن يَصْطادها . فاتركني أيها البرقُ أُنقِّبْ عن النفط في جماجم السَّبايا . صَوْتُ المطرِ مَبْحوحٌ ، وَجُثَّةُ البحرِ تعيش في زفيري مُراهقتَها المتأخرةَ .
هُناكَ ، في أقصى مُدن البكاء ، تابوتُ امرأةٍ مجهولةٍ يَعْزف على البيانو ، والتيجانُ تُزيِّنُ نعوشَ قُطَّاع الطُّرق . يَا عُشْبَ المجرَّاتِ البلاستيكي ، أنا ابْنُكَ المقتولُ بَيْنَ الرُّموشِ الزرقاءِ والأمطارِ، وما زالت الدِّيدانُ تَسْبحُ في عُروقي . فاسْأَل القتيلاتِ في أحضان الرِّجال الباردةِ : لماذا تَرحلُ الأنهارُ إلى شَرايينِ المطر ؟.
نَامِي أيتها الرِّياحُ الشَّمْسيةُ على جَبْهةِ القمرِ المقتولِ . أيها الحطبُ القُرْمزيُّ الذي يُغطِّي نُعوشَ الصَّبايا المغتصَباتِ، احترقْ في بُكاء الرصيف، لا تنتظرْ عند دَمعاتِ الثلج البنفسجي امرأةً تَقْتُلكَ ، ولا تَسمح لامرأةٍ غير أُمِّكَ أن تُلَمِّعَ رُخامَ احتضاركَ تحت المطر .
أَضَعُ رأسي على صدركِ يا ابنةَ العثمانيين ، وأبناؤنا يَقفزون على الأثاث قُرْبَ الموقدة. والثلجُ يَأكلُ زُجاجَ النوافذ في إسطنبول وأموتُ . سَيِّدي مَلَكَ الموت، أنا القتيلُ قَبْلَ أن أراكَ والْمَيْتُ بَعْدَ رُؤيتكَ . أَحِنُّ إلى بحيرةٍ لا تَعْبر خلفَ زُجاج القطارات . أُقَبِّلُ يَدَيْها وأَدفنُ قلبي بين عَيْنَيْها . أَتزوَّجُ نَفْسي لأرتاحَ من رومانسية كُرياتِ دَمي . أُهاجِرُ إلى ضَوْءِ عُيون الأنبياء تاريخاً من الأقمار المشروخة .
التِّلالُ أَرملتي لكنني لم أَعشقْ سِوى جُرحي . والموتى الجالسون بين أصابعي سيتركوني كي أُزَوِّجَ الغُبارَ للغبار وأَظلَّ بِلا زَواج . في تِلْكَ العَتمةِ الجارحةِ امرأةٌ تَتَزَيَّنُ لقاتِلها ، وأنا أتزيَّنُ لِحِبالِ المشانق. تَزوَّجْتُ الصَّحراءَ وأنجبتُ الرَّملَ فَلا تُفتِّشْ عن أكفاني بَيْنَ مَساءِ الذاكرة وعُيونِ الأيتام ، سَوْفَ يَزُورُني الاحتضارُ بلا مَوْعِد . وأنا أَبيعُ رُموشي للغُرباء كي أَدْفَعَ أُجرةَ حَفَّار القُبور . أَسِيرُ في الطريق وحيداً ، والدِّيدانُ تَلْعَقُ نَزيفي الأخضر .