يجيء فوز الناشطة اليمنية توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام 2011م كتتويج لكفاحها السلمي ضد الاستبداد السياسي والطغيان المسلح . وهذه الجائزة قد كسرت النظرةَ النمطية السلبية للمرأة المسلمة لدى شرائح واسعة في الغرب . فالغربُ ينظر للنساء المسلمات كخادمات لأزواجهن لا أكثر، قابعات خلف أسوار الجهل والاضطهاد، وخاضعات للسُّلطة الذكورية المطلقة. لذلك فإن هذه الجائزة تحمل أهميةً قصوى ، لأنها اعتراف عالمي بقدرة المرأة المسلمة في العالم الثالث على لعب أدوار سياسية حساسة في أحلك الظروف ، والخروج من الشرنقة المغلقة نحو صناعة مجتمعات الحرية والعدالة الاجتماعية ، وإلهام الجماهير ، والتصدي للقمع السياسي والاجتماعي .
وفي واقع الأمر فإن العالم يحترم مَن يدفع ثمنَ مبادئه ويدافع عنها حتى النهاية ، ولا يَعرض مواقفه في سوق النخاسة الدولية حيث المقامرة بدماء الشعوب في بورصة النفوذ السياسي والمصالح الاقتصادية . فهذه المرأةُ النحيلة القادمة من النسيان والمجتمعِ المنبوذ المقهور قد أخرجت نفسَها من عزلتها، وكانت صوتَ مَن لا صوت له في المحافل الإقليمية والدولية. وبالتالي فقد فَرضت اسمها واحترامها على لجنة الجائزة . فهي لم تلهث وراء الجائزة ، أو تعتمد على شبكة علاقات عامة لتسويق اسمها والترويج لدورها واستثمار صورتها الإعلامية لتحقيق منافع ذاتية . فقد وصل إليها خبر فوزها المفاجئ وهي معتصمة في خيمة منذ عدة أشهر، وليست في فندق خمس نجوم استعداداً لعقد المؤتمرات الصحفية وتلميع صورتها كنصيرة المظلومين والمتاجرة بمعاناة الضحايا .
وعلى الجهة المقابلة نجد أن الشاعر أدونيس ما زال يلهث وراء الجائزة منذ سنوات عديدة ، وقاد حملة علاقات عامة في كل الجهات لإقناع لجنة الجائزة باستحقاقه لها . وقد رأيناه قبل عام أو أكثر يدخل إلى أحد الملتقيات الثقافية برفقة أحد سفراء إسرائيل في أوروبا ، وذلك لإقناع لجنة الجائزة بأنه نصير السلام والتعايش السِّلمي، وأنه لا مشكلة له مع إسرائيل مثل "العرب المعقَّدين". ولجنةُ جائزة نوبل ليست ساذجة لتنطليَ عليها هذه الألاعيب المكشوفة . كما أن مواقف الشاعر أدونيس المعادية لقيم الحضارة العربية الإسلامية ، والتي يبثها في كتاباته وتحركاته، لنيل تأييد الغرب وتكريس احتضان المؤسسات الأجنبية له ، لن تخدع أعضاء الجائزة ، أو تجعلهم يُهرولون لمنحه الجائزة نظير خدماته الجليلة .
لذلك ، فعلى الشاعر أدونيس أن يتعلم من الناشطة اليمنية توكل كرمان الثابتة على مواقفها ، والتي تُضحِّي بعمرها في سبيل نهضة شعبها وأمتها دون الحاجة إلى إعطاء الظهر لحضارتها ، والانسلاخ من جِلدها والتنكر لهويتها .
وفي هذا المقام تحضرني نصيحة الشاعر العراقي الراحل عبد الوهاب البياتي عندما قال : (( أنا أنصح أدونيس إذا كان يريد أن يدافع عن الإنسان العربي ضد الظلم والجهل ، أن يضحيَ بالقليل من راحته ويواجه الظلم والشر الذي نواجهه في المشرق العربي ، لا أن يُجدف ضد التيار وهو جالس في باريس ، ولا يتحدث عما يحل بنا من مظالم . لا يدافع عن حقوق الناس ))[ مجلة العربي، العدد 460 مارس 1997 ] .