هل يفكر الغرب في اغتيال الرئيس السوري
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 16/8/2012
http://www.facebook.com/abuawwad1982
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 16/8/2012
لا يخفى أن الأزمة السورية دخلت في مرحلة كسر
العظم ، ووصلت إلى نقطة اللاعودة . وفي الواقع إن النظام السوري هو الذي يتحمل
مسؤولية إيصال الأمور إلى هذا الحد ، لأن الأوضاع كانت تحت سيطرته ، وكان بإمكانه
أن يعالج قضية الاحتجاجات الشعبية التي بدأت بسيطةً وخجولة وذات سقف منخفض تنادي
ببعض الإصلاحات وقليل من الحرية . لكن اللجوء إلى الخيار العسكري العنيف رفع سقفَ
الاحتجاجات التي وصلت إلى المطالبة بإسقاط النظام ، ودفع الكثيرين إلى حمل السلاح
، وأوصل البلاد إلى الهاوية ، فصارت سوريا تواجه تحديات حقيقية مثل الحرب الطائفية
أو التقسيم .
والمضحك
المبكي أن الوضع السوري الراهن قد خرج عن سيطرة النظام والمعارضة معاً ، فأضحت
سوريا ساحة للحرب بين قوى إقليمية ودولية . فإيران تدعم النظام السوري بالمال والرجال
، وروسيا تدعمه بالسلاح والغطاء السياسي في المحافل الدولية ، وفي الجهة المقابلة
نجد قطر والسعودية تدعمان المعارضة بالمال والسلاح ، وتركيا تدعمها بالدعم
اللوجستي ، أمَّا أمريكا وبريطانيا فتدعمانها بأجهزة الاتصال الحديثة . وهكذا صارت "
الحرب بالوكالة " هي العنوان الرئيسي للوضع السوري . وبذلك يكون النظام
السوري قد شرب من نفس الكأس الذي أذاقه للآخرين . فطالما خاض النظامُ السوري حروبه
على أرض لبنان باعتبارها خاصرة ضعيفة ، وجاء الوقتُ كي يخوض الآخرون حروبهم على
أرض سوريا . وصارت سوريا اليوم مثل لبنان الأمس .
إن سوريا
اليوم باتت مكشوفة للغاية، فهي مسرح لعمليات أجهزة المخابرات الإقليمية والعالمية
، وما سَهَّل هذا الموضوع خروج مناطق شاسعة من قبضة النظام . وكل الدول صارت تدلي
بدلوها في القضية السورية ، وبالتالي لا معنى للحديث عن " السيادة السورية
" لأن سوريا دولة فاشلة فقدت سيادتها ، وأضاعت هَيْبتها ، وها نحن نجد الدول
الكبرى تتحدث باسم سوريا جهاراً نهاراً ، وترسم مستقبلها ، وسوريا آخر من يَعلم .
لقد دخلت
الأزمة السورية في مسارات شديدة التعقيد ، بحيث صار من المستحيل على النظام
والمعارضة أن يحسما الحرب . فالنظامُ السوري بما يملكه من ترسانة عسكرية هائلة قد
فشل طيلة سنة ونصف تقريباً أن يخمد الثورة، وقد عجز عن إخماد المعارضة عندما كانت
ضعيفة ، فكيف سيخمدها الآن وقد اشتد عودها ، وصارت تسيطر على مساحات واسعة وتحقق
العديد من المكتسبات على أرض الواقع ؟ . وعلى الرغم من ازدياد قوة المعارضة فهي لا
تقدر على هزيمة الجيش النظامي بشكل تام ، وذلك لاختلال موازين القوة العسكرية بشكل
واضح . ويكفي أن نعرف أن الدفاعات الجوية السورية أقوى من دفاعات باكستان ، وهي
دولة نووية .
وهذه الحالة
المعقَّدة ستفتح الباب واسعاً أمام العمل المخابراتي الذي سيكون بيضة القبَّان
لترجيح كفة المعارضة على النظام . وآثار العمل المخابراتي واضحة ، ويمكن رؤيتها
بالعين المجردة . وقد تجلَّت في اغتيال أعضاء " خلية الأزمة " الذين
يُعتبرون العقل الأمني للنظام السوري . فهذه العملية الدقيقة أكبر من قدرات
المعارضة بكل أطيافها ، وهي تحمل بصمات أجهزة مخابرات غربية. فالتكنولوجيا
المتفوقة التي تم استخدامها في عملية الاغتيال أكبر من قدرات الجيش الحر . وقد
تكون أكبر من قدرات أجهزة المخابرات العربية أيضاً . وهذا لا يمنع من وجود تنسيق
مع عناصر سورية قريبة من دائرة صنع القرار .
كما أن
حالات انشقاق المسؤولين الكبار تكشف دوراً مخابراتياً هائلاً . فالعميد المنشق
مناف طلاس أو رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب لَيْسا شخصَيْن من عامة الشعب ، فهما
تحت نظر عَين النظام ، وتحت المراقبة والحراسة المشددة، وما خروجهما بهذا الشكل
إلا دليل باهر على أن النظام السوري مخترق من الداخل، وأن العمل المخابراتي يؤتي
ثماره .
ولا شك أن
عمليات الاغتيال وانشقاق المسؤولين الكبار وتهريبهم إلى الخارج ، تبعث برسائل
للنظام السوري بأن يد الثورة السورية طويلة ، وأن الداعمين لها قادرون على الوصول
إلى أي مكان في الوقت الذي يريدونه ، وأن لا أحد في مأمن بما فيهم رأس النظام
الحاكم . وفي واقع الأمر ، إن القادر على الوصول إلى خلية الأزمة ( داود راجحة ،
آصف شوكت ، حسن تركماني ، ... ) قادر على الوصول إلى بشار الأسد أو شقيقه أو
غيرهما من صُنَّاع القرار .
والمرحلةُ
القادمة في سوريا سوف تكون مخابراتية بامتياز ، تعتمد _ بالأساس _ على وجود منشقين
ما زالوا على رأس عملهم، أي أن قلوبهم مع الثورة وألسنتهم مع النظام. وهؤلاء أخطر
أنواع المنشقين ، لأنهم يُضعفون النظام من الداخل فيتآكل ويضمحل . وكما قيل : مِن
مَأمنه يُؤتى الحَذِر . فالنظامُ السوري البوليسي الذي يعتمد على الولاء الأعمى لا
الكفاءة سوف يُنخَر من الداخل ، وسوف تأتيه الضرباتُ من بعض العناصر التي يثق بها
ثقة مُطْلقة .
إن الغرب
يدرك أن الصراع في سوريا قد يدوم لسنوات عديدة ، مما يؤثر سلباً على بُنية سوريا
التحتية والفوقية ، ويُسبِّب أزماتٍ كارثية لدول الجوار . وقد تشتعل المنطقة
برمتها ، وتدخل في حروب إقليمية ذات طابع عِرقي أو مذهبي ، مما يهدِّد مصالح الغرب
نفسه . والغربُ ليس لديه وقت ليُضيِّعه في انتظار تنحي الرئيس السوري المتشبث بالكرسي
بأظافره وأسنانه دفاعاً عن مصلحته الشخصية ومصالح طائفته . لذلك فإن التخلص من
الرئيس السوري سوف يكون شعارَ المرحلة المقبلة في دوائر المخابرات الغربية ، خصوصاً
الأمريكية . فالمخابراتُ الأمريكية دَخلت على خط الأزمة السورية بقوة بعد أن قام
الرئيس الأمريكي أوباما بتوقيع قرار يسمح لها بتقديم الدعم اللوجستي ، وتوفير
معدات الاتصال الحديثة للمعارضة . وما خُفِيَ أعظم .
ومن الواضح
أن الرئيس السوري يشعر بالخطر الذي يقترب منه خصوصاً بعد اغتيال " خلية
الأزمة " ( الحلقة الضيقة المحيطة
به ) ، لذا صار ظهوره نادراً ، ويُغيِّر مكان إقامته باستمرار . وهذا ساهم في
انتشار أخبار هروبه إلى اللاذقية ، أو لجوء زوجته إلى موسكو .
إن
النظام السوري المتآكل أضاع فرصاً ذهبية عديدة لإنقاذ نفسه والشعب والوطن . لكن
الجاهل عدو نفسه . وقد اتسع الفتق على الراتق ، وخرجت الأمور عن السيطرة ، وإن
مستقبل سوريا ضبابي للغاية بغض النظر عن الجهة التي ستصل إلى سُدَّة الحُكم .http://www.facebook.com/abuawwad1982