الإنذار بالانتقام من الظالمين
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .
لا يخفى أن الجزاء من جنس العمل . فالطائعُ
سيُلاقي جزاءَ عمله خيراً وإحساناً وتوفيقاً ، أما المسيء فقد أَهلك نفسَه ،
وأوردها المهالك. ولا يمكن للمجرم أن يهرب بفعلته ، أو يمارس أسلوبه القبيح على
هواه دون حساب أو عقاب أو إنذار .
واللهُ
تعالى هو الحليم الصبور الذي لا تستفزّه المعاصي ولا تضره . وهو _ سبحانه _ يَمنح
الإنسانَ الفرصة تلو الفرصة لكي يُصحِّح مسارَه ، فيعود عن غَيِّه ، ويلتزم طريق
الحق . وإن الله تعالى يُرسل رسائل إنذار ووعيد للمسرفين على أنفسهم من أجل أن يعودوا
إلى جادة الصواب . وهذا يدل على سعة الرحمة الإلهية . فهذه الرسائل الإلهية
التحذيرية تشير إلى حِلم الله تعالى ورحمته بعباده . فاللهُ تعالى قادرٌ على إهلاك
العباد دون إنذارهم ، فلا طاقة لمخلوق مع قدرة الخالق ، ولا يمكن للعبد الضعيف أن
يتحدى السّيد العظيم . لكن الله تعالى أرحم بالعباد من أمهاتهم ، فهو الصبور
الحليم ، يُمهِل ولا يُهمِل . ومَن أعرض عن كل الرسائل التحذيرية فلا يلومنّ إلا
نفسه ، لأنه يمشي إلى الهاوية بقدمَيْه متجاهلاً كافة إشارات التنبيه .
قال اللهُ
تعالى : (( أفأمنوا أن تأتيَهم غاشيةٌ من عذاب الله أو تأتيَهم الساعةُ بَغتةً
وهُم لا يَشعرون )) [ يوسف : 107] .
فهل أمن
المشركون أن تغشاهم عقوبةٌ إلهية قاصمة جزاء كُفرهم وإعراضهم عن الصراط المستقيم
أو يأتيَهم يوم القيامة فجأةً فلا مجال للتوبة أو العودة ؟! . فعليهم أن يتفكروا
في مصيرهم المحفوف بالمخاطر . فهم لم تأتيهم شهادة بأنهم من أهل الجنة فيطمئنوا
ويرتاحوا . بل قد جاءهم تحذير بالغ الأهمية بأنهم على شفير الهاوية إذا استمروا
سائرين في طريق الضلال . وهذا الأمر مدعاة للتفكر والتأمل وموازنة الأمور ما داموا
في الدنيا ( دار المُهلة ) . أما إذا خرجوا إلى الآخرة فلا فرصة للتعويض بتاتاً .
وفي زاد
المسير ( 4/ 294) : (( قال ابن قتيبة : الغاشية المجلِّلة تغشاهم . وقال الزجاج : المعنى
يأتيهم ما يغمرهم من العذاب ، والبغتة الفجأة من حيث لم تتوقع )) اهـ .
وفي مختصر
تاريخ دمشق ( 1/ 589) : أن الأسود بن بلال المحاربي صعد المنبر ، فخطب الناسَ ، فحمد
الله ، وأثنى عليه ، ثم قرأ : (( أفأمنوا أن تأتيَهم غاشيةٌ من عذاب الله أو
تأتيَهم الساعةُ بَغتةً وهُم لا يَشعرون )) ، فصعق ، فَخَرّ عن المنبر .
وهكذا نرى
تأثير الآية في النفس البشرية التي عَرفت عَظَمةَ خالقها ، وأيقنت بقدرته
اللامحدودة على تعذيب المستحقين للعقاب . واللهُ تعالى لم يَخلق الناسَ ليجعل
حياتهم جحيماً لا تُطاق ، أو يحشرهم في زاوية التفكر الدائم بالعذاب والخلود في
النار . بل خلقهم وكَرّمهم رحمةً بهم ، ومنحهم القدرة على التمييز بين الحق والباطل
. فمَن اختار الحقّ فقد نجا ، أمّا الذي صَمّم حياته على أن يكون عدواً لخالقه ،
فعليه أن يتحمل كامل المسؤولية .
وقال اللهُ
تعالى : (( وأنذِر الناسَ يومَ يأتيهم العذابُ فيقول الذين ظلموا رَبنا أَخرْنا
إلى أجل قريب نُجب دعوتكَ ونتبع الرسلَ )) [ إبراهيم : 44] .
وهذا المشهد
العظيم يومَ القيامة يدل على أن الكافرين الذين ظلموا أنفسهم باختيارهم طريق
الباطل سوف يؤمنون فيَطلبون إمهالهم لإجابة الدعوة الإلهية واتِّباع الرّسل . لكن
هذا الإيمان لا فائدة منه البتة ، لأنه جاء في وقت الحصاد لا وقتِ الزراعة . فالدنيا
عملٌ بلا جزاء ، والآخرةُ جزاء بلا عمل . ولا معنى لإيمان الشخص في الآخرة إذا لم
يؤمن في الدنيا . ففي الآخرة لا يعود هناك معنى للإيمان بالغيب . فالغيبُ صار
حقيقةً مُشاهَدة . فالجنةُ والنار من عالَم الغيب في الدنيا ، لكنهما واقع ماثل
أمام العيون في الآخرة . وكلُّ شيء جاء في غير موعده فلا أهمية له . فالعِبرةُ هي
الإيمان في الدنيا كي يَعبر المرءُ إلى الآخرة بسلام ، وما سوى ذلك لا يُجدي نفعاً .
وقال اللهُ
تعالى : (( فَذَرْهم حتى يُلاقوا يومَهم الذي فيه يُصعَقون )) [ الطور : 45] .
فالمشركون
سوف يُلاقوا أهوالاً شديدة . ففي يوم القيامة سوف يُصعَقون ، أي يهلكون . ولا يخفى
أن الصعق يشير إلى الشدة البالغة ، والألم المذهل الواقع بهؤلاء الكافرين الذين
أَعرضوا عن المنهج الإلهي القويم .
وقال الطبري
في تفسيره ( 11/ 498) : (( فَدَعْ يا محمد هؤلاء المشركين حتى يُلاقوا يومهم الذي فيه
يهلكون ، وذلك عند النفخة الأولى )) اهـ .