الصلاة
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .
للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .
_ الطهارة :
_ التطهر :
لقد حرص
الإسلام على تجذير مبدأ الطهارة في المجتمع على المستوى الفردي والجماعي ،
والمستوى المحسوس وغير المحسوس. فالمسلم هو عبدٌ لله تعالى ، فينبغي أن يكون
طاهراً حتى يصح التوجه إلى خالقه تعالى. كما أن الطهارة هي أساس العبادات ، سواءٌ
بمعناها الفعلي المادي أو المعنوي ( ماوراء المادة الملموسة ) .
قال الله
تعالى : (( ويُنَزل عليكم من السماء ماءً ليُطَهركم به ))[ الأنفال : 11].
وفي تفسير
القرطبي ( 7/ 326 ) : (( وحكى الزجاج : أن الكفار يوم بدر سبقوا المؤمنين إلى ماء بدر
فنزلوا عليه، وبقي المؤمنون لا ماء لهم ، فوجست نفوسهم ، وعطشوا ، وأجنبوا ، وصَلوا
كذلك. فقال بعضهم في نفوسهم بإلقاء الشيطان إليهم : نزعم أنا أولياء الله وفينا رسوله
وحالنا هذه والمشركون على الماء ، فأنزل الله المطر ليلة بدر ، السابعة عشرة من رمضان
، حتى سالت الأودية فشربوا وتطهروا )) اهـ .
ومع أن الظروف
المحيطة بالصحابة _ رضي الله عنهم _ ظروف حرب ( غزوة بدر ) ، إلا أن الله تعالى
أراد أن يجعل عبادَه طاهرين لكي يواجهوا الأعداءَ وهم في أعلى درجات النقاء
المعنوية والحسية . فهذا الماءُ الذي أنزله الله تعالى كان طاهراً مطهِّراً ، وبثّ
السكينةَ في قلوب المؤمنين ، ونقلهم إلى مرتبة الطهارة الكاملة . وهذا يدل على
أهمية النقاء والصفاء في كيان المسلم وبيئته .
وطهارةُ
المسلم ليست شكليةً ظاهرية فحسب ، بل إنها تنفذ إلى صميم كيان المسلم الذي داخله
كخارجه لا تعارض بينهما. فالطهارةُ هي الحاضنة الشرعية لروح المسلم وجسده ، تنقله
إلى عوالم القرب من خالقه تعالى . وليست الطهارةُ _ بأية حال من الأحوال _ إجراءً
تجميلياً تنظيفياً مجرّداً من أبعاده الروحية ودلالاته الاجتماعية . إذ إن مفهومها
أوسع من ذلك ، وأكثر شموليةً وعمقاً. إنها تطهّرٌ من شوائب الدنيا ، وانقطاعٌ تام
عن النجاسات الحسية والمعنوية ، وعمليةُ تطهير للإنسان من القيم السلبية على
الصعيد المعنوي والمادي. فلا يمكن للنور أن يستقر في مكان نجس ، لذلك كانت
الطهارةُ هي الاستعداد الضروري لاستقبال الهداية، والتّهيئة الحتمية لاحتضان النور
.
قال الله
تعالى : (( وإن كنتم جُنُباً فاطهروا )) [ المائدة : 6] .
[قال
الشوكاني في فتح القدير ( 2/ 25 ) : (( وقد ذهب عمر بن الخطاب وابن مسعود إلى أن الجنب لا يتيمم
البتة ، بل يدع الصلاة حتى يجد الماء استدلالاً بهذه الآية . وذهب الجمهور إلى وجوب
التيمم للجنابة مع عدم الماء ، وهذه الآية هي للواجد ، على أن التطهر هو أعم من الحاصل
بالماء أو بما هو عوض عنه مع عدمه وهو التراب . وقد صح عن عمر وابن مسعود الرجوع إلى
ما قاله الجمهور للأحاديث الصحيحة الواردة في تيمم الجنب مع عدم الماء
)) اهـ . وقال الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 4/ 5) : (( وأصل الجنابة في اللغة : البُعد . وتُطلَق على الذي وجب عليه
غُسْلٌ بجِماع ، أو خروج مني ، لأنه يجتنب الصلاةَ والقراءة والمسجد ، ويتباعد عنها
، والله أعلم )) .].
أي
اغْتَسِلوا بالماء في حال حدوث جنابة ( الحدث الأكبر ) . وذلك لكي يظل المسلمون
طاهرين في كل أحوالهم . فديمومةُ الطهارة بالغة الأهمية من أجل استقبال الفيوضات
الرحمانية ، والبقاء على أُهبة الاستعداد لتلقي النفحات الربانية . فغيابُ الطهارة
قطيعةٌ مع الهداية الإلهية .
وفي صحيح
البخاري ( 1/ 99 ) : عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
: أن
النبي
صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ
فغسل يديه ، ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ، ثم يُدخل أصابعه في الماء فيُخلل بها أصول
شَعره ، ثم يصب على رأسه ثلاث غُرف بيديه ، ثم يُفيض الماءَ على جِلده كله .
والنبي صلى
الله عليه وسلم لا يقوم بأعماله عبثاً، ولا تخضع حركاته وسكناته للصدفة . فالحرصُ على
الاغتسال من الجنابة مؤشر على أهمية الطهارة ، كما أن هذا الترتيب الدقيق المشتمل
على البدء باليدين ثم وضوء الصلاة والحرص على إيصال الماء لأصول الشعر ثم صب الماء
على الرأس بدون إفراط في استهلاك الماء ، ثم تعميم الماء على الجلد كله ، ليس
ترتيباً عبثياً ، بل هو نظام دقيق يتضمن عدم الإسراف في الماء ، واستحضار وضوء
الصلاة الذي يدل على الارتباط اللصيق بين الطهارة والصلاة ، وإيصال الماء إلى كل
نقاط الجسم دون استثناء . كما أن التيامن
( البدء بجهة اليمين ) سُنة نبوية
ثابتة. فهذه المنظومة المتكاملة تشير إلى أهمية الطهارة في حياة المسلم
وانعكاساتها على حياته وطبيعة تفكيره وسلوكياته .
فليست
الطهارةُ كميةً من الماء تُسكَب على الجسم وينتهي الأمر ، أو مجموعة من المواد
الكيميائية لإزالة الأوساخ . إن ماهيتها أكبر من ذلك ، فهي تحتوي على منهجية شاملة
لتجهيز العبد وتهيئته نفسياً وجسمياً لاستحضار عَظَمة الخالق تعالى والوقوف بين
يديه ونشر تعاليمه .
وقال الله
تعالى : (( وثيابكَ فَطَهرْ )) [ المدثر : 4] .
فهذا الأمرُ
الإلهي يشير إلى أهمية الطهارة ، سواءٌ كان المقصود بالآية الطهارة المادية ، وهي
تطهير الثياب من النجاسات التي قد تلحق بها. أو الطهارة المعنوية ، كتطهير القلب
أو الجسم ... .
قال الشوكاني
في فتح القدير ( 5/ 454 ) : (( المراد بها الثياب الملبوسة على ما هو المعنى اللغوي
. أمره اللهُ _ سبحانه _ بتطهير ثيابه وحفظها عن النجاسات ، وإزالة ما وقع فيها منها
. وقيل : المراد بالثياب العمل ، وقيل : القلب ، وقيل : النفس ، وقيل : الجسم ، وقيل
: الأهل ، وقيل : الدين ، وقيل : الأخلاق . قال مجاهد وابن زيد وأبو رزين : أي عملك
فأصلح . وقال قتادة : نفسك فطهِّر من الذنب ، والثياب عبارة عن النفس . وقال سعيد بن
جبير : قلبك فطهِّر . ومن هذا قول امرئ القيس : ( فسلي ثيابي من ثيابك تنسل ) . وقال
عكرمة : المعنى ألبسها على غير غدر وغير فجرة ، وقال : أما سمعت قول الشاعر :
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبستُ ولا من غدرة أتقنع ))
اهـ .
وعن جابر بن
عبد الله الأنصاري _ رضي الله عنهما _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
يُحدث عن فترة الوحي ، قال في حديثه : (( بَيْنا أنا أمشي سمعتُ صوتاً من السماء فرفعتُ
بصري فإذا الْمَلَك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، ففرقتُ منه،
فرجعتُ ، فقلتُ : زَملوني زملوني )) ، فدثروه ، فأنزل الله تعالى : [ يا أيها
المدثر . قُمْ فأنذِرْ . وربكَ فكبرْ . وثيابكَ فطهرْ . والرجْزَ فاهْجُرْ ] [
المدثر 1_5].
[متفق
عليه.واللفظ للبخاري( 4/ 1895 )برقم( 4671 ).ومسلم ( 1/ 143) برقم ( 161).].
لقد أمر
اللهُ تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بالطهارة الحسية والمعنوية . وهذا الأمرُ
شامل لكل الأمة . وهنا تتجلى رحمة الله تعالى بعباده الذين أرادهم أنقياء أصفياء
بلا شوائب ، يدخلون إلى حضرته العَلِيّة وفق أحسن صورة ، قلباً وقالباً .
فالدربُ إلى
الله تعالى لا مكان فيه للنجاسات والشوائب ، فهو دربٌ نوراني ممتلئ بالتطهر والخير
والسعادة . ومن اختار أن يمشيَ فيه ، عليه أن يكون طاهرَ السريرة ، وطاهرَ البدن .
يهاجر إلى خالقه تعالى مستعداً ، وعلى أفضل هيئة .
قال الله
تعالى : (( لا يَمَسهُ إلا المطَهرون )) [ الواقعة : 79] .
قال
الشوكاني في فتح القدير ( 5/ 227 ) : (( قال الواحدي : أكثر المفسرين على أن الضمير
عائد إلى الكتاب المكنون: أي لا يمس الكتاب المكنون إلا المطهرون، وهم الملائكة. وقيل
: هم الملائكة والرسل من بني آدم )) اهـ .
وعن عبد الرحمن
بن يزيد قال : كنا مع سلمان _ رضي الله عنه _ فانطلق إلى حاجة فتوارى عنا ، ثم خرج
إلينا ، وليس بيننا وبينه ماء . قال : فقلنا له : يا أبا عبد الله لو توضأتَ فسألناكَ
عن أشياء من القرآن ، قال : فقال : سلوا ، فإني لستُ أَمسه ، فقال: إنما يمسه المطهرون
. ثم تلا : (( إنه
لقرآنٌ كريم )) [ الواقعة : 77] . )) لا يَمَسهُ إلا المطَهرون ))[ الواقعة : 79].
[رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 519 ) وصححه ، ووافقه
الذهبي .].
ومن خلال النصوص الشرعية تتضح أهمية الطهارة
والتطهر على جميع الأصعدة . لما في ذلك من تهيئة الفرد للاضطلاع بمسؤولياته
الجسيمة، باعتباره حامل أمانة الدِّين ، وخليفة الله في الأرض. فالمنهج الشرعي
واضحٌ في مساره ، حيث يحاط الإنسان بسياج الطهارة والتطهر ، لكي يظل دائماً على
اتصال مع خالقه تعالى ، وهو في أبهى حُلّة مشتملة على نقاء العبودية ، وصدقِ
التوجه إلى الله تعالى .
قال الله
تعالى: (( وإذ قالت الملائكةُ يا مريمُ إن الله اصطفاكِ وطهركِ )) [ آل عمران :
42] .
أي إن الله
اختاركِ وطهركِ من الكفر والضلال والدنس ، وجعلكِ نقيةً عابدة تقية ذات قلب صافٍ
لا مكان للشوائب فيه ، وذات جسد طاهر شريف لا مكان للحرام فيه . فالسيدة مريم _ عليها السلام _ جُعلت ذات قلب طاهر وجسدٍ
نقي لكي تضطلع بدورها المحوري في الدعوة الإسلامية . فالهدايةُ الربانية والنجاسة
ضدان لا يجتمعان . ولو وُجدت أدنى شُبهة حول السيدة مريم لكان ذلك ضربةً قاضية
للدعوة ، وباباً واسعاً لدخول المشكِّكين الطاعنين في الدِّين ، وعندئذ ستؤول دعوة
النبي عيسى صلى الله عليه وسلم إلى الفشل بسبب غياب الحاضنة الطاهرة . وهذا مُحال
. فاللهُ تعالى اختار المنبعَ الصافي ( السيدة مريم ) لاحتضان هذا النبي العظيم ،
والمساهمة في الدعوة الإسلامية من خلال موقف قوي متماسك، ومنظورٍ إيماني لا تتسلل
إليه الشبهات أو النجاسات المعنوية والحسية . فالدعوةُ تخرج من حاضنة طاهرة شريفة
لكي تكون ذات تأثير وإقناع في الرأي العام ، ولا يمكن أن تنبع من مكان مشبوه .
وقال
الشوكاني في فتح القدير ( 1/ 510 ) : (( قيل : هذا الاصطفاء الآخر غير الاصطفاء الأول
. فالأول هو حيث تقبلها بقبول حسن، والآخر لولادة عيسى ... وقيل : الاصطفاء الآخر تأكيد
للاصطفاء الأول ، والمراد بهما جميعاً واحد )) اهـ .
وهكذا تتجذر
الطهارة كرتبة سامية ومنزلة عظيمة لا يحصل عليها إلا من اختاره اللهُ تعالى لحمل
مسؤولية الدين وتبليغه ، وإيصال الدعوة الإسلامية إلى الآخرين . فالسيدةُ مريم _
عليها السلام _ ليست امرأةً عادية حَبِلت وَوَلَدَت . فاللهُ تعالى اختارها لإجراء
معجزة خالدة ، حيث صارت حُبلى بدون زواج ، وهذا الطفلُ الذي كان في أحشاؤها هو
واحد من أعظم أنبياء الله تعالى ، وهو عيسى صلى الله عليه وسلم
الذي خلقه الله تعالى بدون أب ليرى الناسُ قدرةَ الخالق غير المحدودة .
_ الوضوء :
قال الله
تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهَكم وأيديَكم إلى
المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلَكم إلى الكعبَيْن )) [ المائدة : 6] .
وهذه آيةُ
الوضوء التي حدّدت كيفية الاستعداد قبل الدخول في الصلاة ، حيث غسل الوجه واليدين
إلى المرافق ، ومسح الرأس، وغسل الرِّجْلين إلى الكعبَيْن. والترتيبُ أحد فرائض
الوضوء ، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خالف هذا الترتيب . والعباداتُ
توقيفية تستند إلى الاتباع .
وفي صحيح البخاري ( 4/ 1684 ) : عن عائشة _ رضي
الله عنها _ : سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة ، فأناخ النبي صلى الله
عليه وسلم ونزل ، فثنى رأسه في حِجري راقداً . أقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة . وقال:
حبستِ الناس في قلادة، فبي الموت لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أوجعني، ثم
إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ، وحضرت الصبح فالتمس
الماء فلم يوجد ، فنزلت : (( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة )) .
الآية . فقال أُسيد بن حضير : لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر ، ما أنتم إلا
بركة لهم .
[
(
فثنى رأسه ) وضعه . ( راقداً ) أي يريد الرقود والنوم . ( لكزني ) دفعني في صدري بكفه
. ( فبي الموت . . ) أي كاد ينزل بي الموت
من شدة الوجع ، ولم أتحرك حتى لا أزعج رسول الله صلى الله عليه وسلم . ( فيكم ) بسببكم .] .
فاللهُ
تعالى يُخفِّف عن الناس ولا يضطرهم إلى أضيق المسالك . فقد أنزل هذه الآيةَ ليرشد
المؤمنين إلى كيفية التصرف في حال القيام إلى الصلاة . كما بيّن لهم الإجراءات
الواجب اتباعها . فلم يتركهم لأهوائهم أو أمزجتهم الشخصية . وقد جاءت الشريعةُ
لرفع الحرج ، فلا مكان للضيق والمنغِّصات فيها .
قال
الشوكاني في فتح القدير ( 2/ 25 ) : (( قد اختلف أهل العلم في هذا الأمر عند إرادة
القيام إلى الصلاة ، فقالت طائفة : هو عام في كل قيام إليها سواء كان القائم متطهراً
أو محدثاً ، فإنه ينبغي له إذا قام إلى الصلاة أن يتوضأ ... وقال جماعة : هذ الأمر
خاص بمن كان مُحدِثاً. وقال آخرون : المراد إذا قمتم من النوم إلى الصلاة ، فيعم الخطاب
كل قائم من نوم )) اهـ .
وفي صحيح البخاري
( 1/ 87 ): عن عمرو بن عامر عن أنس قال : (( كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند
كل صلاة )). قلتُ : كيف كنتم تصنعون ؟، قال : (( يجزىء أحدنا الوضوء ما لم يُحدِث
)).
فلا يمكن
إنكار أهمية الوضوء في الطهارة والتطهر قبل الدخول إلى حضرة الله تعالى، والاتصال
معه عبر الصلاة . فالوضوءُ سلاح المؤمن ، ويمنح كل أعضائه نوراً وبهجة ، فليس هو
مجرد إسالة الماء على بعض الأعضاء ، بل هو نظام حياة متكامل يضع المؤمنَ في أقصى
مدى النور . والنبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على الوضوء عند كل صلاة . وهذه
هي حالة الكمال الإيماني ، مع أن هذا الأمر ليس بواجب. فيجوز للمسلم أن يُصلِّيَ
كل الصلوات بوضوء واحد ، فالعِبرةُ في انتقاض الوضوء أم لا.
وفضل الوضوء
عام في الحياة الدنيا ، حيث يجعل المؤمنَ واثقاً بنفسه ، في أعلى درجات النظافة
والتطهر ، مقبلاً على الله تعالى وهو في شكل نوراني حسن . ويتعدى فضلُ الوضوء إلى
الحياة الآخرة . حيث إن الوضوء يساهم في رفع درجة المؤمن يوم القيامة ، ومجيئه طاهراً
شريفاً مكتمل الهيئة . فعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : (( إن أمتي يُدْعَوْن يوم القيامة غُراً مُحَجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع
منكم أن يُطيل غرته فليفعل )).
[متفق عليه . البخاري ( 1/ 63 ) برقم ( 136 ) ، ومسلم (
1/ 216 ) برقم ( 246 ) .].
أي إن الأمة المحمدية الإسلامية تأتي يوم
القيامة يعلوها البياضُ الوهاج، والصفاءُ الباهر ، نتيجة الوضوء في الحياة الدنيا
الذي منحهم النظافة والتألق والبياض المنتشر من غير عِلة . فيتحولون إلى كائنات بشرية
نورانية، لأنهم _ في الدنيا _ التزموا أوامرَ الله تعالى في الطهارة والتطهر
والاستعداد للصلاة ، فيأتون في الآخرة ، وعليهم الوقارُ الناصع ، حيث وجوههم مشرقة
، وأجسادهم طاهرة نقية . وهكذا ، فإن الوضوء ليست عمليةً ميكانيكية أو تعاملاً
عبثياً مع الماء . إنه حالة إيمانية شاملة يتعدى أثرُها إلى الحياة الآخرة .