الوعي ووجود القصيدة
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 8/8/2012
للكاتب/ إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 8/8/2012
إن الوعي الذي تؤسسه القصيدة ليس إجراءً
وقتياً أو حلماً غير قابل للتحقيق . فهذا الوعي المتجذر هو مركز العقل الاجتماعي
الذي يسيطر على عوالم النص من أجل حقن المجتمع البشري بالأمل ، وحقن المجتمع الثقافي
بالثورة . وهذه العمليةُ كفيلة بتحويل الأنساق الاجتماعية إلى فكر ثقافي بعيد كل
البعد عن التقليد والتبعية . وكلما انتشر الوعي في السياق البشري علا صوتُ
الأبجدية الشعرية. وهذا يدل _ بلا شك _ على العلاقة المصيرية بين اللغة ومحيطها
الاجتماعي . فاللغةُ هي الشكل الأسمى للوعي الاجتماعي ، كما أن الوعي هو اللغة
القادرة على حشد المعاني الصارخة في اللفظة الواحدة ، ونقل الإنسان من الهامش إلى
المضمون ، ومن اللامبالاة إلى صناعة الفعل ، ومن عبودية لقمة العيش إلى حرية
الكلمة والفعل والتطبيق .
ولا يمكن
للأبجدية الشعرية أن تؤثر في بيئتها الإنسانية إلا عبر تكريس اللغة كمنظومة متمردة
فكرية قادرة على استيعاب التغيرات الاجتماعية الممتدة أفقياً وعمودياً . ووفق هذه
الرؤية ينبغي تمهيد الطريق أمام الأبجدية الشعرية لتصنع الزمنَ الجديد الحاضن
للخيال والواقع . فالمجتمعُ الفاضل المنشود لا يمكن أن يصدر إلا عن أنساق ثقافية
متمردة تتحلى بقيمة الرفض البنَّاء لا العبثي . فالرفضُ المنهجي _ الذي يبني ولا
يهدم _ يمتلك أدواته في تجديد الخطاب القصائدي ، ومنحه القدرة على تلمُّس المحتوى
الديناميكي للحلم الجمعي . وهذه الحركة المعرفية الشاملة تقضي على أي ارتباك لغوي
قد يظهر في ثورة بركان الأبجدية الشاعرة ، وتعيد تشكيل الفلسفة الاجتماعية الخارجة
على قانون التنميط ضمن علاقات إنتاجية هادفة إلى إعادة صناعة الإنسان والمجتمع .
وهذا يؤدي إلى تفجير المواهب المختبئة في الإنسان ، ونقل النظام السياسي الكامن في
الداخل الشعري إلى الأفق المجتمعي المعاش . فالقصيدة يجب أن تخرج إلى حيز الوجود
عن طريق إثبات هويتها الذاتية ، فترسيخُ الوجود هو دليل التواجد الفاعل . ولن تقدر
القصيدةُ على الخروج من عنق الزجاجة إلا إذا أثبتت الوجودَ العاطفي للإنسان
ومستقبله الحالم .