سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] بحوث في الفكر الإسلامي [16] التناقض في التوراة والإنجيل [17] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [18] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [19] عقائد العرب في الجاهلية[20]فلسفة المعلقات العشر[21] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [22] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [23] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [24]مشكلات الحضارة الأمريكية [25]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[26] سيناميس (الساكنة في عيوني)[27] خواطر في زمن السراب [28] أشباح الميناء المهجور (رواية)[29]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

01‏/12‏/2012

العلوم والطبيعة في القرآن والسنة

العلوم والطبيعة في القرآن والسنة

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .


1_ فضل العلم والعلماء :
     قال الله تعالى : (( قُل هل يستوي الذين يَعلمون والذين لا يَعلمون )) [ الزمر : 9] .
     إن العلماء هم ورثةُ الأنبياء _ عليهم الصلاة والسلام _ ، فهم يحملون العلمَ في أرجاء المعمورة ليُخرجوا الناسَ من ظلام الجهل إلى نور المعرفة . إنهم يأخذون بأيدي الناس إلى خالقهم ، ويفتحون عيونهم أمام المعارف والمظاهر الكَوْنية ، ويكشفون لهم عن علومها وأسرارها وأبعادها الفكرية . والعلمُ ليس شهادةً معلّقة على الحائط ، أو حرفاً يُوضع أمام اسم الشخص . إن العلم منهاج حياتي متكامل بدونه تفقد الإنسانيةُ معناها ، ويخسر الوجودُ أسمى ما فيه . فلا يمكن أن يتساوى العالِمُ والجاهل ، لأن النور والظلام ضِدان لا يجتمعان .
     وعن أبي الدرداء _ رضي الله عنه _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( مَن سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك اللهُ به طريقاً من طرق الجنة ، والملائكةُ تضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالِم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في الماء ، وفضلُ العالِم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يُورثوا ديناراً ولا درهماً ، وأورثوا العلمَ ، فمن أخذه أخذ بحظ وافر )).
{ رواه ابن حبان في صحيحه ( 1/ 289 ) برقم ( 88) . }.
2_ الحث على التفكر واستخدام العقل :
     قال الله تعالى : (( وما يَذكر إلا أُولو الألباب )) [ البقرة : 269] .
     إن العقل هو مناط التكليف ، وهو الجهاز الذي يُميِّز الإنسانَ عن باقي الكائنات الحية . وأصحابُ العقول المشرقة هم أهلُ الله تعالى الذين عَرَفوه فعبدوه ، لأنهم فهموا التعاليمَ الإلهية وعملوا بها ، وبيّنوها للناس ، فأرشدوا الحيارى إلى الصراط المستقيم ، وذكّروا الناسين ، وعلّموا الجهالَ .
     وقال ابن كثير في تفسيره ( 1/ 428 ) : (( وما ينتفع بالموعظة والتذكار إلا من له لُب وعقل يعي به الخطاب ومعنى الكلام )) اهـ .
     والعقلُ لا يمكن أن يتوصل إلى الحق إلا في ضوء الهداية الربانية ، فالعقلُ جهازٌ ناقص يحتاج إلى إرشاد كي يقوم بعمله على أكمل وجه ، وإذا لم يكن الإرشادُ إلهياً فإن العقل سيُصاب بانتكاسة حقيقية ، فيأكل بعضُه بعضاً ، وهذا يقود إلى خلل وظيفي في حياة الإنسان ، يؤدي إلى اضطراب في كامل الأعضاء . فالعقلُ البشري _ مهما علا شأنه _ لا يمكن أن يستغنيَ عن الوحي السماوي، لأن الناقص يظل محتاجاً إلى الكامل .
3_ الفَلَك :
     قال الله تعالى : (( يسألونكَ عن الأهِلة قُل هي مواقيت للناس والحج )) [ البقرة : 189] .
     فالأحوال المختلفة للأهلة ( جمع الهلال ) من حيث زيادتها ونقصانها لم تجيء عبثاً أو بمحض الصدفة ، بل هي لحكمة جليلة ، حيث إنها مواقيتُ الناس يعتمدون عليها في أمورهم المختلفة لكي تستمر مصالحهم على أكمل وجه ، ولا تتعطل حياتهم .  
     وقال القرطبي في تفسيره ( 2/ 339 ) : (( [ قُل هي مواقيت للناس والحج ] ، تبيين لوجه الحكمة في زيادة القمر ونقصانه ، وهو زوال الإشكال في الآجال ، والمعاملات ، والأيمان ، والحج، والعدد ، والصوم ، والفطر ، ومدة الحمل ، والإجارات ، والأكرية _ أجرة المستأجر _،  إلى غير ذلك من مصالح العباد )) اهـ .
     وعن ابن عمر _ رضي الله عنهما _: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الله قد جعل الأهلةَ مواقيت، فإذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فافطروا ، فإن غُم _ خُفِيَ _ عليكم فاقدروا له ، واعلموا أن الأشهر لا تزيد على ثلاثين )).
{رواه الحاكم في المستدرك( 1/ 584)برقم( 1539)وصححه،وصححه ابن خزيمة(3/ 201).}.
     فالأهلةُ هي مواعيد زمنية دقيقة ، وصيامُ رمضان والإفطارُ يتحددان وفق رؤية الهلال . وإذا خُفِيَ الهلالُ فيُقدَر له حسابياً ، والحد الأعلى للشهر هو ثلاثون يوماً .
     وقال الله تعالى : (( هو الذي جعل الشمسَ ضياء والقمرَ نوراً وقدره منازل لتعلموا عددَ السنين والحساب )) [ يونس : 5] .
     فاللهُ تعالى قدّر القمرَ منازل ، حيث يمر بأطوار متعددة ، فيبدو صغيراً ثم يَكبر ثم يعود إلى حالته
الأولى ، فيعلم الناسُ من خلال هذه الحالات المختلفة عددَ السنين ، ويُجرون الحسابات المختلفة التي تفيدهم في حياتهم ، ويتوقف عليها الكثير من منافعهم .
     وقال ابن كثير في تفسيره ( 2/ 535) : (( فبالشمس تُعرَف الأيام ، وبسير القمر تُعرَف الشهور والأعوام )) اهـ . وكل شيء في الكَوْن يسير وفق نظام دقيق ، وهذا يشير إلى عظمة الخالق وكماله المطلق ، لأن النظام الكامل لا يصدر إلا عن الكامل .
     وقال الله تعالى : (( ولقد جعلنا في السماء بروجاً )) [ الحِجْر : 16] .
     ففي السماء منازل للشمس والقمر . وهي ليست موجودة عبثاً أو بمحض الصدفة ، بل لحكمة إلهية جليلة. وقال أبو السعود في تفسيره ( 5/ 70) : (( وهي البروج الاثنا عشر المشهورة المختلفة الهيئات والخواص حسبما يدل عليه الرصد والتجربة )) .
4_ الكواكب :
     قال الله تعالى : (( إنا زَينا السماءَ الدنيا بزينةٍ الكواكب )) [ الصافات : 6] .
     فقد زيّن اللهُ تعالى السماء بالكواكب المضيئة ، وكأنها جواهر تشع بريقاً أو تتلألأ بكل جمال . فاللهُ تعالى أتقن كل شيء خَلَقه ، كما أن المخلوقات موجودة لحكمة ، ولم تجيء عبثاً . فالكواكبُ البهية التي تُجمِّل الكونَ لها مسار محدد لا تقدر على تجاوزه ، مما يدل على عظمة الخالق المسيطر على المخلوقات ، فقد أحاطها بعنايته ، وإذا تركها فإن نظام الكون المحكَم سوف ينهار كلياً .
     قال ابن كثير في تفسيره ( 4/ 6) : (( يخبر _ تعالى _ أنه زَيّن السماءَ الدنيا للناظرين إليها من أهل الأرض بزينة الكواكب ... فالكواكب السيارة والثوابت يثقب ضوؤها جرمَ السماء الشفاف فتضيء لأهل الأرض )) اهـ .
5_ التقويم :
أ_ عدة الشهور :
     قال الله تعالى : (( إن عِدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يومَ خلق السماواتِ والأرض منها أربعة حُرُم )) [ التوبة : 36] .
     فاللهُ تعالى جعل عدد الأشهر اثني عشر شهراً في اللوح المحفوظ أو في حُكْمه تعالى . منها أربعة أشهر حُرُم متعارف على حُرمتها في الجاهلية والإسلام . وقال الواحدي في الوجيز ( 1/ 462 ) : ((عدد شهور المسلمين التي تُعِبّدوا بأن يجعلوها لسنتهم اثنا عشر شهراً على منازل القمر واستهلال الأهلة ، لا كما يعده أهل الروم وفارس )) اهـ .
     وعن أبي بكرة _ رضي الله عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الزمانُ قد استدار كهيئته يوم خلق اللهُ السماواتِ والأرض ، السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حُرُم ، ثلاثة متواليات : ذو القعدة وذو الحِجة والمحرم ورجب مُضر الذي بين جمادى وشعبان )).
{ متفق عليه . البخاري ( 3/ 1168) برقم ( 3025) ، ومسلم ( 3/ 1305) برقم ( 1679 ) . }.
     وقد تمت إضافة رجب إلى مُضر لأنه كان هناك اختلاف بين بني مضر وبين ربيعة في تحديد الشهر فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يُوضِّح الأمرَ ويُزيل اللبسَ، فحدّده بمضر الذين تمسّكوا بالشهر وعظّموه.
     وفي شرح النووي على صحيح مسلم ( 11/ 168 ): (( فقال العلماء: معناه أنهم في الجاهلية يتمسكون بملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم في تحريم الأشهر الحرم ، وكان يشق عليهم تأخير القتال ثلاثة أشهر متواليات ، فكانوا إذا احتاجوا إلى قتال أخّروا تحريم المحرم إلى الشهر الذي بعده وهو صَفَر ، ثم يؤخرونه في السنة الأخرى إلى شهر آخر ، وهكذا يفعلون في سنة بعد سنة حتى اختلط عليهم الأمر ، وصادفت حجةُ النبي صلى الله عليه وسلم تحريمهم وقد تطابق الشرع ، وكانوا في تلك السنة قد حرّموا ذا الحجة لموافقة الحساب الذي ذكرناه ، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الاستدارة صادفت ما حكم اللهُ تعالى به يوم خَلَقَ السماواتِ والأرض )) اهـ .
ب_ الأشهر المعلومات :
     قال الله تعالى : (( الحج أشهر معلومات )) [ البقرة : 197] .
     فوقتُ الحج أشهر معلومات واضحة لا لبس فيها ، وهذا مؤشر على وضوح مواعيد العبادات بلا غموض أو تعقيد . وقد انقسم العلماء إلى فريقَيْن : الأول يرى أن الحج حج أشهر معلومات ، فالإحرامُ بالحج في هذه الأشهر أفضل مما سواها مع صحة الإحرام في جميع السَنة . ودليلهم قوله تعالى : (( يسألونكَ عن الأهِلة قُل هي مواقيت للناس والحج )) ، والفريق الآخر يرى عدم صحة الإحرام بالحج إلا في أشهره المحددة، ودليلهم قوله تعالى : (( الحج أشهر معلومات )) ، أي إن هناك أشهراً تم تخصيصها دون سائر السَنة .
     وعن ابن عمر _ رضي الله عنهما _ [ الحج أشهر معلومات ] قال : (( شَوال، وذو القعدة ،   وعشر من ذي الحِجة )) .
{ رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 303 ) برقم ( 3092) وصححه ، ووافقه الذهبي .}.
ج _ اليوم عند الناس واليوم عند الله :
     قال الله تعالى : (( وإن يوماً عند رَبكَ كألف سنة مِما تَعُدون )) [ الحج : 47] .
     إن الله تعالى حليم صبور لا تستفزه المعاصي والآثام ، ولا يتأثر بالطاعات والقُربات . وهو   _ سبحانه _ يُمهِل ولا يُهمِل . ولا يمكن الإفلات من قبضته تعالى ، فالمرءُ مهما جاء أو ذهب فمرجعه _ رغم أنفه _ إلى خالقه تعالى الذي يجازي الناسَ بأعمالهم .
     وقال ابن كثير في تفسيره ( 3/ 306 ) : (( أي هو _ تعالى _ لا يَعجل، فإن مقدار ألف سنة عند خلقه كيوم واحد عنده بالنسبة إلى حِلْمه ، لعلمه بأنه على الانتقام قادر ، وأنه لا يفوته شيء، وإن أجّل وأنظر وأملى )) اهـ .
     وقال الله تعالى: (( تَعْرج الملائكةُ والروحُ إليه في يومٍ كان مقدارُه خمسين ألف سنة )) [ المعارج: 4] .
     فالملائكةُ وجبريل _ عليهم الصلاة والسلام _ تصعد إلى الله تعالى في يوم كان مقدارُه خمسين ألف سنة من سنوات الدنيا التي يتعامل بها الخلقُ . وهذا يشير إلى سيطرة الله تعالى على الزمان والمكان اللذين يتحكم بهما كما يريد دون شريك. وفي هذا إشارةٌ إلى القدرة الإلهية غير المحدودة .
     وقال ابن كثير في تفسيره ( 4/ 95 ) : (( ... هذه مسافة ما بين العرش إلى الأرض السابعة ، في قول جماعة من السلف والخلف ، وهو الأرجح إن شاء الله )) اهـ .
     وعن عبد الله بن أبي مليكة : أن رَجلاً سأل ابن عباس _ رضي الله عنهما _ عن قوله _ عز وجل _ : [ وإن يوماً عند رَبكَ كألف سنة مِما تَعُدون ] ، فقال : (( من أنت ؟ )) ، فذكر له أنه رَجل من كذا وكذا ، فقال ابن عباس _ رضي الله عنهما_ : (( فما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ؟ ))، فقال الرجل : رحمك الله ، إنما سألتك لتخبرنا، فقال ابن عباس : (( يومان ذكرهما اللهُ _ عز وجل _ في كتابه ، اللهُ أعلم بهما )) ، فكره أن يقول في كتاب الله بغير علم.
{ رواه الحاكم في المستدرك ( 4/ 652 ) برقم ( 8803) وصححه ووافقه الذهبي .}.
     وهذا يدل على تقوى ابن عباس _ رضي الله عنهما _ وورعه ، حيث امتنع عن الإجابة بغير علم ، لأن تفسير كلام الله تعالى والوقوف على دلالاته وأبعاده ليس قضيةً سهلة ، فهو يحتاج إلى تقوى وعلم ، أما الذين يُحكِّمون أهواءهم وآراءهم الشخصية في كتاب الله تعالى دون بَيِّنة ، فهم على خطر عظيم .
6_ الملاحة :
     قال الله تعالى: (( ألم تر أن الفُلْك تجري في البحر بنعمة الله لِيُرِيَكُم من آياته )) [ لقمان : 31].
     فالسفنُ التي تجري في البحر هي إحدى مظاهر الرحمة الإلهية بالناس ، فهي تجري بفضل الله تعالى وإحسانه ، فقد سخّرها لقضاء حوائج الناس كما سخّر البحرَ لحملها . ومن خلال هذه العملية يُشاهد المرءُ آياتِ الله الباهرة ، وآثارَ القدرة الإلهية ، كالظواهر الطبيعية ، والمخلوقات العجيبة . وقال ابن كثير في تفسيره ( 3/ 598 ) : (( يخبر _ تعالى _ أنه هو الذي سخّر البحرَ لتجريَ فيه الفُلك بأمره ، أي بلطفه وتسخيره ، فإنه لولا ما جعل في الماء من قوة يحمل بها السفن لما جرت )) اهـ .
     فاللهُ تعالى أخضع البحرَ لتحقيق مكاسب الإنسان ، ومكّن الإنسانَ من ركوب البحر والاستفادة منه . ولو لم يكن هناك تسخير لكان البحر كالوحش يبلع من يدخله ويُغرِق اليابسةَ . فليست القضيةُ عبقرية الإنسان أو مواهبه الذاتية ، وإنما الفضل الإلهي والتسخير الرباني . 
7_ الصحة :
     قال الله تعالى : (( وكُلوا واشربوا ولا تُسرِفوا )) [ الأعراف : 31] .
     وهذه القاعدةُ القرآنية العظيمة تُغني عن وصفات الأطباء . فالاعتدال في الأكل والشرب هو مفتاح الصحة والحيوية ، لأن الإسراف هو طريق الأمراض وانهيار القوة البدنية . وتجاوزُ الحد في الأكل والشراب يثقل المعدةَ ، ويقود إلى التكاسل والخمول ، والضعف عن أداء العبادات ، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة .
     وفي تفسير ابن كثير ( 2/ 281 ):(( قال بعض السلف : جمع اللهُ الطب كله في نصف آية)).
     وروى الطبري عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ قال : (( أحل اللهُ الأكلَ والشربَ ما لم يكن سَرفاً أو مَخْيلة )).
{ ذكره ابن كثير في تفسيره ( 2/ 281 ) وصححه . }.
     وهذا يشير إلى وضوح المنهاج الإسلامي في الحفاظ على الصحة ، فالمعدةُ هي بيت الداء أو أصل الدواء ، فحسب ما يدخل فيها تتحدد بوصلة الصحة العقلية والبدنية ، لذلك نبّه الإسلامُ إلى خطورة الإسراف في الأكل والشراب ، لما في ذلك من هلاك الإنسان روحياً ومادياً .
8_ ظواهر طبيعية وحقائق علمية :
أ _ الرياح :
     قال الله تعالى : (( وهو الذي يُرسل الرياحَ بُشراً بين يَدَي رحمته )) [ الأعراف : 57] .
     إن الله تعالى هو المدبر الحكيم لهذا الكون . ومن نعمه الجليلة إرساله الرياح تُبشِّر بالمطر رحمةً بالبلاد والعباد. وقال ابن كثير في تفسيره ( 2/ 297 ) عن الرياح : (( أي منتشرة بين يدي السحاب الحامل للمطر )) اهـ .
     فانتشارُ الرياح خطوةٌ أساسية في إنزال المطر ، لأنها هي التي تحرِّك السحابَ وتسوقه ، فوجودُ الرياح لم يجيء صدفةً ، فلها وظيفة تؤديها على أكمل وجه ، لأن الله تعالى هداها إلى هذا العمل ، ومنحها القدرة على التنفيذ . وحري بنا أن نتذكر كَوْن الرياح من جنود الله _ عز وجل _ ، ويتحدد عملها وفق الأمر الإلهي . أما انحصار تفسير الظواهر الطبيعية بالأسباب المادية دون معرفة صانع تلك الأسباب ، فذلك ضياعٌ في متاهات الظواهر الشكلية .  
     وقال الله تعالى : (( وأرسلنا الرياحَ لَواقِح )) [ الحِجْر : 22] .
     ومن تجليات الرحمة الإلهية إرسال الرياح تُلقِّح السحابَ والشجرَ ، فيعم الخيرُ، وتزدهر الحياة. فعن طريق تلقيح السحاب تتكون الأمطارُ . وتلقيحُ الشجر يجعله يتكاثر ، ويزداد وجوده لتحقيق المنافع المتعددة ، وتجميل البيئة ، وإكسابها منظراً مريحاً لعين الناظر . وهذه المناظر الطبيعية ذات الألوان الباهرة المنتشرة حولنا من دلائل عَظَمة الصانع تعالى .
     قال ابن كثير في تفسيره ( 2/ 723) : (( أي تُلقِّح السحابَ فتدر ماءً ، وتلقح الشجرَ فتفتح عن أوراقها وأكمامها ، وذكرها بصيغة الجمع ليكون منها الإنتاج بخلاف الريح العقيم فإنه أفردها ووصفها بالعقيم وهو عدم الإنتاج )) اهـ .
     وقال الله تعالى : (( واللهُ الذي أرسل الرياحَ فتُثير سَحاباً )) [ فاطر : 9] .
     ومن وظائف الرياح أنها تنشر السحابَ فيبسطه اللهُ تعالى في السماء كيف شاء ، ويُنْزِل المطرَ أينما أراد . وقال الثعالبي في تفسيره ( 3/ 205 ) : (( الإثارة تحريكها_ أي الرياح _ من سكونها وتسييرها )) اهـ . وهكذا نرى أن قيام الرياح بتحريك السحاب وقيادته من دلائل القدرة الإلهية الباهرة ، فالكونُ مبني وفق الأسباب والمسبِّبات ، لكن الفاعل هو الله تعالى .
ب_ السحاب :
     قال الله تعالى : (( ويُنشِئ السحابَ الثقال )) [ الرعد : 12] .
     فاللهُ تعالى يُوجِد السحابَ الثقال المحمّلة بالماء . وقال الشوكاني في فتح القدير ( 3/ 103) في تفسير الآية : (( التعريف للجنس ، والواحدة سحابة ، والثقال جمع ثقيلة، المراد : الله _ سبحانه_ يجعل السحابَ التي ينشئها ثقالاً بما يجعله فيها من الماء )) اهـ .
     فالسحابُ هي أوعية المطر ، إنها الحاملة للفضل الإلهي ( المطر ) الذي يسقي العبادَ ويُحيي الأرضَ الموات ، ويعيد البهجةَ إلى الكائنات الحية والطبيعة . ولو اجتمعت الخلائقُ على إنزال قطرة ماء واحدة لما قدروا على ذلك . ولو اجتمع علماءُ الكيمياء على كوكبنا من أجل دمج الأكسجين والهيدروجين لتكوين الماء (H2O) لعجزوا عن ذلك . فالأكسجين والهيدروجين عنصران يُساعدان على الاحتراق ، وحينما يندمجان يتكون الماء الذي يُطفئ الحريق . وهذا يشير إلى القدرة الإلهية غير المحدودة .  
     وقال الله تعالى : (( ألم تر أن الله يُزجِي سَحاباً ثم يُؤلف بَيْنه ثم يجعله رُكاماً )) [ النور : 43].
     فاللهُ تعالى يُسَيِّر السحابَ إلى حيث شاء ثم يجمعه فيتكاثف، ويصبح متراكماً بعضه فوق بعض. وهذه الحقيقة ماثلة للعيان ، لكن الكثيرين يردونها إلى تصرف الطبيعة ، وفعلِ المناخ الجوي ، وينسون القدرة الإلهية المسيطرة على كل شيء .
ج _ الغيث :
     قال الله تعالى : (( هو الذي أنزل من السماء ماءً لكم منه شرابٌ ومنه شجرٌ فيه تُسيمون ))   [ النحل : 10] .
     فاللهُ تعالى أنزل المطرَ ، ومن هذا الماء يشرب الناسُ ويشرب الشجرُ ، ويقوم الناس برعي أنعامهم في هذا الشجر النابت من ماء السماء . فهذا الغوثُ الإلهي يجيء رحمةً بالعباد فيخرجهم من الشدة إلى الرخاء .
     وقال أبو السعود في تفسيره ( 5/ 100) : (( سامت الماشية ، وأسامها صاحبها ، وأصلها السومة وهي العلامة لأنها تؤثر بالرعي علامات في الأرض )) اهـ .
     وقال الله تعالى : (( وجعلنا من الماء كل شيء حَي )) [ الأنبياء : 30] .
     إن أصل الحياة هو الماء . فقد خلق اللهُ تعالى الأحياء من الماء .
     وقال البغوي في تفسيره ( 1/ 316 ): (( وأحيينا بالماء الذي ينزل من السماء كل شيء حي، أي من الحيوان ، ويدخل فيه النبات والشجر ، يعني أنه سبب لحياة كل شيء )) اهـ .
     وعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قلتُ : يا رسول الله ، إني إذا رأيتك طابت نفسي ،  وقرت عيني فأنبئني عن كل شيء ، قال : (( كل شيء خُلق من ماء )).
{ رواه الحاكم في المستدرك ( 4/ 176 ) برقم ( 7278 ) وصححه ، ووافقه الذهبي .}.
     فكل الأشياء لها مصدر واحد وهو الماء ، إذ إنه عماد وجود الكائنات الحية . فهو الأصل المشترك بين الأحياء. وهذا يدل على عَظَمة الخالق الذي يوجد كائناتٍ متعددة مختلفة في تراكيبها وخصائصها من ماء واحد .
د _ حركة الأرض :
     قال الله تعالى : (( وترى الجبالَ تحسبها جامدةً وهي تمر مَر السحاب )) [ النمل : 88] .
     فالناظرُ إلى الجبال يعتقد أنها ساكنة غير متحركة لكنها تمر بشكل سريع ، وهذه السرعة تعجز عينُ الناظر عن ملاحظتها . وفي هذا إشارةٌ إلى حركة الأرض ، فهذا الْجُرْم الهائل يدور حول نفسه ويدور حول الشمس .
     وقال البغوي في تفسيره ( 1/ 183 ) : (( وذلك أن كل شيء عظيم وكل جمع كثير يقصر عنه البصر لكثرته وبعد ما بين أطرافه ، فهو في حسبان الناظر واقف وهو سائر )) اهـ .
هـ _ الليل والنهار :
     قال الله تعالى : (( ذلك بأن الله يُولِج الليلَ في النهار ويولج النهارَ في الليل ))[ الحج : 61] .
     فاللهُ تعالى هو خالق الليل والنهار المتحكم فيهما . ففي الصيف يؤخذ من ساعات الليل فيطول النهار ، وفي الشتاء يؤخذ من ساعات النهار فيطول الليل .
و _ الجبال :
     قال الله تعالى : (( وألقى في الأرض رَواسِيَ أن تميد بكم )) [ النحل : 15] .
     فالجبالُ هي الرواسي الثابتة التي تحافظ على توازن الأرض وتمنع اضطرابها ، مما يؤدي إلى سهولة العيش على الأرض ، وقيامِ الكائنات بأدوارها في بيئة صالحة للحياة .
     واللهُ تعالى قادر على حفظ توازن الأرض بدون الجبال، فهو الغني عن كل شيء. لكنه تعالى أراد تعليم الخلق أن الكَوْن مبني على الأسباب والمسبِّبات ، وأن عليهم أن يأخذوا بالأسباب ، وهذا لا يتنافى مع الإيمان بقدرة الخالق تعالى. فكل المخلوقات ذات التأثير في الكَوْن إنما تأثيرها غير مستقل بذاته ، وغير قائم بذاته ، لأنه خاضع لسُلطة الله تعالى .
     وقال البيضاوي في تفسيره ( 1/ 390 ) : (( وذلك لأن الأرض قبل أن تُخلَق فيها الجبال كانت كرةً خفيفة بسيطة الطبع ، وكان من حقها أن تتحرك بالاستدارة كالأفلاك ، أو أن تتحرك بأدنى سبب للتحريك ، فلمّا خُلقت الجبال على وجهها تفاوتت جوانبها ، وتوجّهت الجبال بثقلها نحو المركز فصارت كالأوتاد التي تمنعها عن الحركة )) اهـ .
ز _ البحر :
     قال الله تعالى : (( وهو الذي سخر البحرَ لتأكلوا منه لحماً طَرياً وتستخرجوا منه حِلْيةً تلبسونها )) [ النحل : 14].
     واللهُ تعالى يُذكِّر عبادَه بنعمه العظيمة ، فقد هيّأ البحرَ للإنسان ، وطوّعه لتحقيق المنافع للناس،
حيث يصطادون السمكَ،وهو اللحم الطري الشهي النافع صحياً ، ويستخرجون اللؤلؤ والمرجان، وهما من أدوات الزينة الجميلة . وقال البيضاوي في تفسيره ( 1/ 389 ) عن اللحم الطري :    (( هو السمك ووصفه بالطراوة لأنه أرطب اللحوم يُسرَع إليه الفساد فيُسارَع إلى أكله، ولإظهار قدرته في خلقه عذباً طرياً في ماء زعاق _ يعني المر الذي لا يُطاق شُرْبُه _ )) اهـ .
     وقال الله تعالى : (( وهو الذي مَرَجَ البحرَيْن هذا عذبٌ فُرات وهذا مِلْحٌ أُجاج وجعل بينهما بَرْزخاً وحِجْراً محجوراً )) [ الفُرقان : 53] .
     وهذه الآية تشير إلى آثار القدرة الإلهية الباهرة . فاللهُ تعالى جعل ماءَ البحر العذب والماء المالح متلاصقَيْن بينهما تماس دون أن يؤثر كل طرف في الآخر ، فالعذوبةُ لا تُغيِّر الملوحةَ ، ولا الملوحة تُفسد الماءَ العذب . فقد جعل اللهُ تعالى بينهما حاجزاً يمنع كل جزء من إفساد الآخر .
     وقال الطبري في تفسيره ( 9/ 398 ) : (( وإنما عنى بذلك أنه من نعمته على خلقه وعظيم سلطانه يخلط ماءَ البحر العذب بماء البحر الملح الأُجاج ، ثم يمنع الملح من تغيير العذب عن عذوبته وإفساده إياه بقضائه وقدرته )) اهـ .
     إن المظاهر الطبيعية في الكون هي آيات الله الباهرة . فالكونُ هو الكتاب الإلهي المشاهَد بأم العين، والظاهر لجميع المخلوقات. وهذه الصور الكَوْنية البديعة بما فيها من تناسق عظيم، والمحكومة بنظام دقيق لا اضطراب فيه ، تشير بوضوح إلى وجود صانع لها . فالذين يعتمدون على الصدفة في تفسير نشوء المظاهر الكَوْنية وتركيبها وحركتها ، هم يغالطون أنفسهم ويتحايلون على عقولهم ويخدعون ذواتهم ، فلا يمكن للفوضى أن تُنشئ نظاماً ، ولا يمكن للناقص أن يوجد كمالاً ، ففاقد الشيء لا يعطيه. فالصدفةُ لا عقل لها ولا تدبير ، وبالتالي لا يمكن أن تخلق هذه المظاهر الطبيعية وتسيطر عليها . فكل مصنوع لا بد أن يكون له صانع .
     ولو وجدنا في طريقنا قصيدةً جميلة، أو لوحةً فنية لمنظر طبيعي خلاب، فلا يمكن للعقل البشري أن يتصور أن الصدفة قد أوجدتها، وإنما يذهب التفكير الإنساني مباشرةً إلى وجود شخص صانع لهذا العمل الفني . فتركيبُ القصيدة المحكَم ، والرسم المتقَن ، إنما يجيئان نتيجةً لإبداع إنسان ما قادر على التفكير والتنفيذ . وهذا التفكيرُ المنطقي ينبثق من احترام الإنسان لنفسه ، وذلك بأن يُجنِّبها المزالق الفكرية ، والأزمات الروحية ، والانتكاسات الأخلاقية .
     وحينما ينظر المرءُ إلى عوالم الكَوْن والطبيعة ، حيث لا اختلال ولا اضطراب ، فلا يحدث تصادم بين الأجرام منذ بدء الخليقة حتى هذه اللحظة ، ولا تعارض بين عمل الرياح والسحاب ، والأمطارُ لها وقت محدد وكمية محددة ، والليل والنهار يتعاقبان بلا تضارب ، بل يسيران وفق حركة تكاملية ، وغير ذلك من المظاهر الطبيعية المنتشرة في كل العالم وأمام كل العيون . فإنه     _ أي الإنسان _ سوف يدرك عظمة الخالق العظيم .
     لكن الإلحاد والإنكار يأتيان بسبب غياب الهداية الإلهية ، فيصبح المرءُ عندئذ مَوْكولاً إلى عقله القاصر المريض ، فيحدث الكفر والجحود . فالأعمى إذا قال إنه لا يرى الشمس ، فهذا لا يعني أن الشمس غير موجودة . بل إنها موجودة بلا مشكلات ، ولكن المشكلة في الشخص نفسه .
قد تُنْكِرُ العينُ ضوءَ الشمس مِن رَمَدٍ        
ويُنْكِرُ الفمُ طَعْمَ الماء مِن سَقَـــمِ
     ومن المهم أن يتفكر المرء في آثار القدرة الإلهية ، أما التفكر في الذات الإلهية فإنه أمر يُدمِّر العقلَ البشري بسبب عجزه وقصوره ، وهذا له آثار سلبية على إيمان الفرد ، وقد يقوده إلى إنكار وجود الله تعالى . فالاعتمادُ على العقل البشري القاصر دون وجود هداية ربانية سيؤدي حتماً إلى كوارث عقائدية فادحة . وإن كثرة التحديق في الشمس ذات النور الباهر قد تقود إلى العمى لا قوة الإبصار ، أي إن الأمر يجيء بنتيحة عكسية، ولله المثلُ الأعلى . فالتفكر في الذات الإلهية لا يمكن للإنسان أن يتحمله فتخور قواه العقلية والبدنية ويسقط . وصدق القائل :
حقيقةُ المرء ليس المرءُ  يُدرِكها         
فكيف يُدرِك كُنْهَ الخالق الأزلي
     وينبغي على الإنسان أن يُعيد اكتشاف الأشياء من حوله ، ولا يراها بعيون ميتة . فالاعتيادية القاتلة قد أدت إلى غياب التأمل في المظاهر الطبيعية وطريقة عملها ، واختفاء المبدأ التحليلي في التعامل مع المناظر المحيطة بنا . وهكذا يمضي العمر دون أن يكتشف المرءُ حقيقةَ الأشياء ، والغاية من وجودها .
     ولا شك أن النظر إلى ما وراء الظواهر يقود إلى صناعة منهج علمي في تحليل المعطيات وربط الظواهر معاً، مما يؤدي إلى الوقوف على ملامح هذا النظام الدقيق المذهِل الذي يشمل هذه العناصر . فمعرفةُ النظام أمرٌ لا بد منه لمعرفة صانع النظام .
     أما الغرق في الحياة الروتينية الاستهلاكية كما يفعل غالبية البشر الساحقة ، حيث يُخبِّئون رؤوسهم في الرمال كالنعامة ، وتمضي أعمارهم ، وهم مجرد أرقام لا وزن لها . فهذا يتعارض تماماً مع مكانة البشر ككائنات حرة مُفكِّرة تضطلع بمسؤولية إصلاح الإنسان والأرض .
http://www.facebook.com/abuawwad1982