سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

07‏/12‏/2012

بنو إسرائيل في القرآن والسنة

بنو إسرائيل في القرآن والسنة

للمفكر/ إبراهيم أبو عواد .


1_ أوامر الله إليهم :
     قال الله تعالى : (( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمتُ عليكم وأوفوا بعهدي أُوفِ بعهدكم وإيايَ فارهبون )) [ البقرة : 40] .
     فاللهُ تعالى يأمر بني إسرائيل أن يذكروا نعمته عليهم ، فيتفكروا فيها ، ويقوموا بشكرها . والنعمُ الإلهية لا يمكن إحصاؤها ، فقد منّ اللهُ عليهم بأن اختار منهم أنبياء ، ونجّاهم من فرعون والغرقِ ، وعفا عن اتخاذ العجل إلهاً من دونه تعالى .
     وقد نسبهم اللهُ تعالى إلى إسرائيل ( يعقوب صلى الله عليه وسلم ) لكي يُذكِّرهم بانتمائهم إليه ، وهو النبي الطاهر ، فعليهم أن يقتفوا أثرَه ، ويسيروا على نهجه ، فهو أبوهم الصالح . وهذا التذكير من شأنه أن يُحفِّز همتهم نحو العمل حينما يتذكرون أن أباهم كان في قمة الصلاح ، كما تقول لشخص : يا ابن الأشراف قم بعملك ، فهذه العبارة ستكون دافعاً له على العمل ، واقتفاء آثار من سبقوه ، وتذكيراً له بأصله الكريم .
     وقال ابن كثير في تفسيره ( 1/ 121 ) : (( يقول تعالى آمراً بني إسرائيل بالدخول في الإسلام ، ومتابعة محمد _ عليه من الله أفضل الصلاة والسلام _، ومُهَيِّجاً لهم بذكر أبيهم إسرائيل وهو نبي الله يعقوب _ عليه السلام _ وتقديره : يا بني العبد الصالح المطيع لله كونوا مثل أبيكم في متابعة الحق )) اهـ .
     وعن ابن عباس _ رضي الله عنهما_ قال : (( كان الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوح ، وصالح ، وهود ، ولوط ، وشعيب ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب، ومحمد _ عليهم الصلاة و السلام _ ، و لم يكن من الأنبياء من له اسمان إلا إسرائيل وعيسى ، فإسرائيل يعقوب ، وعيسى المسيح )).
{ رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 405 ) برقم ( 3415) وصححه ، ووافقه الذهبي . }.
     فهذا الحديثُ يشير إلى أن غالبية الأنبياء كانوا من بني إسرائيل ، وهذه نعمة إلهية كُبرى ، كما تدل على قسوة طباع بني إسرائيل الذين احتاجوا إلى هذا العدد الكبير من الأنبياء لغاية التوجيه والإرشاد والهداية . كما يدل على أن يعقوب اسم آخر لإسرائيل ، والمسيح اسم آخر لعيسى .
     وقال الطبري في تفسيره ( 1/ 286) : (( ونعمته التي أنعم بها على بني إسرائيل _ جل ذِكْره_ اصطفاؤه منهم الرسل ، وإنزاله عليهم الكتب ، واستنقاذه إياهم مما كانوا فيه من البلاء والضراء من فرعون وقومه إلى التمكين لهم في الأرض ، وتفجير عيون الماء من الحجر ، وإطعام المن والسلوى )) اهـ .
     وكل هذه النعم وغيرها تشير إلى عظمة الرحمة الإلهية . ولو أراد اللهُ تعالى أن يحاسب العبادَ بما اكتسبوه لأحرقهم نتيجة أفعالهم الشريرة ، ولكنه هو العَفُو الرحيم الذي يقبل التوبةَ ، ويعفو عن السيئات . فاللهُ تعالى هو أهل التقوى وأهل المغفرة ، أما العبادُ فهم كومة آثام غاطسة في النعم الإلهية غير المحدودة .
     وقد أُمروا بأن يلتزموا بالعهد الإلهي المقدّس ، وهو تطبيق أوامر الله تعالى واجتناب نواهيه ، وعهدُه _ تعالى _ أن يدخلهم الجنة . كما أُمروا بالخوف من الله تعالى ، والرهبة منه .
     وفي الدر المنثور للسيوطي ( 1/ 154 ) : { وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : [ يا بني إسرائيل ] ، قال : (( للأحبار من اليهود ، [ اذكروا نعمتي التي أنعمتُ عليكم ] أي آلائي عندكم وعند آبائكم لما كان نجّاهم به من فرعون وقومه ، [ أوفوا بعهدي ] الذي أخذتُ بأعناقكم للنبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءكم ، [ أُوفِ بعهدكم ] أُنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقكم معه وأتباعه ، بوضع ما كان عليهم من الإصر والأغلال،[ وإيايَ فارهبون ] أن أُنزل بكم ما أنزلتُ بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات )) } .
     وقال الله تعالى : (( خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ))[ البقرة : 63] .
     وجاء الأمرُ الإلهي لبني إسرائيل بأخذ التوراة بجِد وإخلاص دون تقاعس أو كسل، والعمل بما فيها ، والالتزام بالتعاليم الإلهية الجليلة سواءٌ كانت أمراً بطاعة أو اجتناباً لمعصية .
     وقال ابن الجوزي في زاد المسير ( 1/ 93 ) : (( وفي المراد بالقوة أربعة أقوال ، أحدها : الجِد والاجتهاد ، قاله ابن عباس وقتادة والسدي ، والثاني : الطاعة ، قاله أبوالعالية ، والثالث : العمل بما فيه ، قاله مجاهد ، والرابع : الصدق ، قاله ابن زيد )) اهـ .
     وقال الله تعالى : (( وَقُولوا حِطةٌ نغفر لكم خَطاياكم )) [ البقرة : 58] .
     وهذا أمرٌ إلهي بأن يطلبوا من الله تعالى أن يحط عنهم آثامهم ، ويتضرعوا إليه مخلِصين بقلوب منكسرة . فهذا الانكسار أمام الله تعالى هو طريق غفران خطاياهم . فلا بد من الخضوع للخالق كخطوة أساسية في طريق نيل المغفرة .
     وقال الواحدي في الوجيز ( 1/ 107 ) : (( وذلك أنهم أصابوا خطيئةً بإبائهم على موسى   عليه السلام دخول القرية _ أي بيت المقدس _ ، فأراد اللهُ تعالى أن يغفرها لهم فقال لهم : قولوا حِطة، أي : مسألتنا حِطة وهو أن تحط عنا ذنوبنا )) اهـ .
     ولكنهم رفضوا الأمر الإلهي، وأَقحموا السخريةَ والاستهزاء في كلامهم. وهذا يشير إلى قسوة قلوبهم ، ورفضهم للمنح الإلهية التي تجيء لمساعدتهم . فلم يقولوا : حِطة ، بل غيّروا الكلامَ إمعاناً في الاستهزاء بأمر الله . فعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قالوا : حبة في شعرة )).
{ متفق عليه. البخاري ( 4 / 1701 ) برقم ( 4365 )،ومسلم ( 4/ 2312 )برقم ( 3015).}.
     وفي هذا إشارةٌ بالغة إلى موقفهم المسبق الرافض للحق . فهم لم يَفتحوا قلوبَهم لتلقي الرحمة الإلهية ، لذلك عمدوا إلى السخرية والاستهزاء .
2_ نعمه عليهم :
     قال الله تعالى : (( وإذ نَجيناكم من آل فِرْعَوْن يسومونكم سوءَ العذاب يُذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم )) [ البقرة : 49] .
     واللهُ تعالى يُعدِّد نعمَه الجليلة على بني إسرائيل. فقد نجّاهم من آل فرعون، أي أنقذهم من قوم فرعون وحاشيته والموالين له وأهل دينه ، فقد كانوا يُذيقونهم شتى صنوف العذاب ، يُذبِّحون أبناءهم ، ويُبقون النساء على قيد الحياة .  
     قال ابن كثير في تفسيره ( 1/ 131) : (( يقول تعالى : اذكروا يا بني إسرائيل نعمتي عليكم إذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ، أي خَلصْتُكم منهم ، وأنقذتكم من أيديهم صحبة موسى _ عليه السلام _ ، وقد كانوا يسومونكم أي يوردونكم ويذيقونكم ويولونكم سوء العذاب . وذلك أن فرعون _ لعنه الله _ كان قد رأى رؤيا هالته ، رأى ناراً خرجت من بيت المقدس فدخلت بيوت القبط ببلاد مصر إلا بيوت بني إسرائيل ، مضمونها أن زوال مُلكه يكون على يدي رَجل من بني إسرائيل ، ويُقال بعد تحدث سُماره عنده بأن بني إسرائيل يتوقعون خروج رَجل منهم يكون لهم به دولة ورفعة ... فعند ذلك أمر فرعون _ لعنه الله _ بقتل كل ذَكر يولد بعد ذلك من بني إسرائيل ، وأن تُترَك البنات ، وأمر باستعمال بني إسرائيل في مشاق الأعمال وأرذلها )) اهـ .
     وقال الله تعالى : (( وأني فضلتكم على العالَمين )) [ البقرة : 47] .
     فاللهُ تعالى فضّل بني إسرائيل على العالمين بما أُعطوا من الرسل والكتب والْمُلْك . وهذا التفضيلُ مع أنه في حق الآباء فإنه شرفٌ ورِفعة للأبناء. لكنهم لم يُقدِّروا هذه النعمة الإلهية العظيمة، ولم يعرفوا قيمةَ كُتبهم، ومكانة أنبيائهم . وكل من يعجز عن شكر النعمة فإنه سيفقدها .
     وقال القرطبي في تفسيره ( 1/ 419 ) عن التفضيل : (( يريد على عالمي زمانهم ، وأهلُ كل زمان عالَم. وقيل : على كل العالمين بما جعل فيهم من الأنبياء وهذا خاصة لهم وليست لغيرهم )).
     وقال الله تعالى : (( إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم مُلوكاً )) [ المائدة : 20] .
     واللهُ تعالى جعل في بني إسرائيل الأنبياء لإرشادهم والأخذ بأيديهم إلى خالقهم تعالى . وأكثر أُمة في تاريخ البشرية ظهر فيها أنبياء هم بنو إسرائيل . وقد جعلهم اللهُ تعالى ملوكاً بعدما كانوا خَدماً لفرعون وعبيداً له ذوي مكانة وضيعة لا يُعبأ بهم .
     وما يشير إلى كثرة أنبياء بني إسرائيل ، الحديث المتفق عليه عند البخاري ( 3/ 1273) ومسلم ( 3/ 1471 ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( كانت بنو إسرائيل تَسوسهم الأنبياء ، كلما هَلَكَ نَبِي خَلَفَهُ نَبِي )) .
     وهذا الأمرُ لم يكن بمحض الصدفة ، فكثرةُ الأنبياء وتتابعهم يشير إلى كثرة الأمراض والمعاصي في بني إسرائيل ، فحيثما توجد الأوبئةُ يكثر الأطباء . فهذا العدد الهائل من الأنبياء يعكس غرق بني إسرائيل في مستنقع الفساد والرذيلة حتى شحمة الأُذن ، الأمر الذي يستدعي وجود المرشِدين والقادة لانتشال الناس ، وإخراجهم من الظلمات إلى النور .   
     وقال القرطبي في تفسيره ( 6/ 119) : (( [ وجعلكم مُلوكاً ] أي تملكون أمركم لا يغلبكم عليه غالب بعد أن كنتم مملوكين لفرعون مقهورين فأنقذكم منه بالغرق فهم ملوك بهذا الوجه )) .
     { وعن ابن عباس _ رضي الله عنهما _: في قوله_ عز وجل _ : [ جعل فيكم أنبياء ] قال : (( جعل منكم أنبياء )) ، [ وجعلكم مُلوكاً ] قال : (( المرأة والخادم )) }.
{ رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 341) برقم ( 3214) وصححه ، ووافقه الذهبي . }.
     فوجودُ الزوجة التي تصنع الأُسرةَ مع توفر خادم يقوم بالواجبات الموكولة إليه يجعل من الإنسان مَلِكاً، فهذا يعكس حياة الرفاهية بلا مُنغِّصات . فمفهومُ "الْمَلِك" لا يمكن حصره في رأس النظام السياسي، بل معناه يشتمل على أبعاد كثيرة .
     وفي صحيح مسلم ( 4/ 2285) : أن رَجلاً سأل عبد الله بن عمرو بن العاص _ رضي الله عنه _ : ألسنا من فقراء المهاجرين ؟ ، فقال له عبد الله : (( ألك امرأة تأوي إليها ؟ )) ، قال : نعم ، قال : (( ألك مسكن تسكنه ؟ )) ، قال : نعم ، قال : (( فأنت من الأغنياء )) ، قال : فإن لي خادماً ، قال : (( فأنت من الملوك )) .
     فعلى المرء أن ينظر إلى ما وراء الأمور ، فكثيرٌ من الناس لا يعرفون حجمَ النعم التي يغرقون فيها . فوجودُ زوجة ومسكن يجعل المرءَ في قائمة الأغنياء ، وإن أضفتَ إليهم خادماً ، فهذا يجعله مَلِكاً . ومن نظر في هذه النعم العظيمة سيجد أنها شاملة للمتع الحياتية التي يطمح إليها الناس .
     وعن عبيد الله بن محصن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( مَن أصبح منكم آمناً في سِربه ، مُعافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا )).
{ رواه الترمذي في سُننه ( 4/ 574 ) برقم ( 2346 ) وحسّنه . وصححه الشوكاني في فتح القدير ( 2/ 42) . وقال ابن عبد البَر في الاستيعاب ( 1/ 311) : (( منهم من جعل هذا الحديث مرسلاً ، وأكثرهم يُصحِّح صحبة عبيد الله بن محصن هذا ، فجعله مسنداً )) .}.
     فمن أصبح آمناً في نفسه لا يشعر بالخوف ولا التهديد على حياته من أية جهة ، ويتمتع بصحة جيدة ، وجسدُه سليمٌ من الأمراض والعلل ، وعنده قوت يومه الذي يكفيه ، فكأنما جُمعت له الدنيا من كل أطرافها . والمعنى أنه في نعيم عظيم ولا ينقصه شيء .
     وقال الله تعالى : (( ونزلنا عليكم المن والسلوى ))[ طه : 80] .
     وهذه النعمة الكبرى تتمثل في تنزيل المن ( وهو يشبه العسل ) والسلوى ( من أجود الطيور لحماً ) على بني إسرائيل في أيام التيه . فاللهُ تعالى لم يترك بني إسرائيل للهلاك والضياع والموت جوعاً ، بل أنعم عليهم بالمن والسلوى تفضلاً منه _ سبحانه _ ورحمة بهم .
     فاللهُ تعالى أرحم بالعباد من أمهاتهم ، يفتح لهم أبوابَ الخير والنعيم والسعادة على الرغم من تقصير الناس وعجزهم عن شكر الله تعالى الذي هو أهل التقوى وأهل المغفرة . ولو أراد الخالقُ سبحانه أن يعامل الناس بما هم أهلُه لجعل حياتهم جحيماً لا يُطاق .
     وفي الدر المنثور للسيوطي ( 1/ 171) : (( عن ابن عباس قال : كان المن ينزل عليهم بالليل على الأشجار ، فيغذون إليه فيأكلون منه ما شاؤوا ، والسلوى طائر شبيه بالسماني كانوا يأكلون منه ما شاؤوا )) اهـ .
3_ قضاؤه إليهم :
     قال الله تعالى : (( وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لَتُفْسِدُن في الأرض مرتَيْن ولتَعْلُن عُلُواً كبيراً )) [ الإسراء : 4].
{ روى الحاكم في المستدرك ( 2/ 392) وصححه ووافقه الذهبي ( عن طاوس قال : كنت عند ابن عباس _ رضي الله عنهما _ ومعنا رَجل من القدرية  ،  فقلت : إن أناساً يقولون لا قدر ، قال : (( أَوَ في القوم أحد منهم ؟ )) ، قلت : لو كان ما كنت تصنع به ؟ ، قال : (( لو كان فيهم أحد منهم لأخذتُ برأسه ثم قرأتُ عليه آية كذا وكذا : [ وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لَتُفْسِدُن في الأرض مرتَيْن ولتَعْلُن عُلُواً كبيراً ] ) . }.
     قال البغوي في تفسيره ( 1/ 67 ) : (( أعلمناهم وأخبرناهم فيما آتيناهم من الكتب أنهم سيُفسِدون )) اهـ .
     فاللهُ تعالى لم يُجبِر أحداً على الإفساد ، لكن بني إسرائيل ساروا في طريق الغواية والإفساد ، وذلك لضعف إيمانهم ، وابتعادهم عن طريق الحق ، وعدم التزامهم بتعاليم أنبيائهم . فقد اعتنقوا الإفسادَ شريعة لهم سعياً وراء المتعة الدنيوية الآنية . الأمر الذي قادهم إلى تغيير الحقائق ، والالتفاف على الحق .
     وقال الحافظ في الفتح ( 1/ 174) : (( ويأتي القضاء على وجوه بمعنى الأمر والحكم والخَلق ... ويأتي القضاء بمعنى الأجر والوفاء ، ... ، وبمعنى صنع ، ... ، وبمعنى الإتمام ، ... ، وبمعنى الإحصاء والتقدير وبمعنى الإعلام )) اهـ .
     وفي الدر المنثور للسيوطي ( 5/ 239 ) : { وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن علي بن أبي طالب _ رضي الله عنه _ في قوله : [ لَتُفْسِدُن في الأرض مرتَيْن ] قال : (( الأولى قتل زكريا _عليه الصلاة والسلام _ ، والأخرى قتل يحيى _ عليه السلام _ )) . وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية العوفي _ رضي الله عنه _ في قوله : [ لَتُفْسِدُن في الأرض مرتَيْن ] قال : (( أفسَدوا في المرة الأولى فبعث اللهُ عليهم جالوت فقتلهم ، وأفسدوا المرة الثانية فقتلوا يحيى بن زكريا _ عليهما السلام _ فبعث اللهُ عليهم بختنصر )) } .
     إن فساد بني إسرائيل وإفسادهم ارتد عليهم سلباً ، وقد عُوقبوا جزاء أفعالهم السيئة . وهذا الانحراف الروحي والمادي كان نتيجةً حتمية لغياب منهج التفكير في عقول بني إسرائيل ، فهم يتخندقون في اللحظة الآنية دون أن ينظروا إلى عواقب الأمور ، وهذا قادهم إلى السقوط المريع في أوحال الخطيئة ودفع الثمن غالياً .
     أما قوله تعالى: [ ولتَعْلُن عُلُواً كبيراً ] فيشير إلى قسوة طباع بني إسرائيل وتماديهم في الطغيان حيث الاستكبار على طاعة الله تعالى ، وظلم الناس والاستعلاء عليهم بالباطل . وقال الطبري في تفسيره ( 8/ 19) : (( ولتستكبرن على الله باجترائكم عليه استكباراً شديداً )) .
4_ معاندتهم وتكذيبهم وقتلهم الأنبياء :
     قال الله تعالى : (( أَفَكُلمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُم اسْتَكْبَرْتُم فَفَرِيقَاً كَذبْتُم وَفَرِيقَاً تَقْتُلُون )) [ البقرة : 87] .
     إن بني إسرائيل غارقون في اتباع أهوائهم ، فحينما يأتيهم رسولٌ بما يخالف ميولَهم الفاسدة فإنهم يستكبرون أن يتبعوه ، ويرفضون إرشادَه . وهم يعتمدون على تكذيب الأنبياء وقتلهم ، اعتقاداً منهم أنهم بذلك يُطفئون نورَ الدعوة ، ويحافظون على فوضى حياتهم الغارقة في الخطايا ، ويقومون بما يحلو لهم دون نكير أو مساءلة. فهم يَنطلقون من موقف مبدئي رافض للحق، ويسعون بكل الوسائل للتحايل على القيم النبيلة ومحاولة طمسها . 
     قال القرطبي في تفسيره ( 2/ 26 ) : (( [ أَفَكُلمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُم ]
أي بما لا يوافقها ويلائمها ، وحُذفت الهاء لطول الاسم ، أي بما لا تهواه . [ اسْتَكْبَرْتُم ] عن إجابته احتقاراً للرسل واستبعاداً للرسالة ، وأصل الهوى الميل إلى الشيء )) اهـ .
     وقد قاموا بتكذيب عيسى ومحمد _عليهما السلام _ ، وقاموا بقتل يحيى وزكريا_ عليهما السلام _ . وهذا يشير إلى الطبيعة الإجرامية ، والتمادي في الظلم والاعتداء دون وجود وازع ديني أو رادع أخلاقي . وهذا السلوكُ الذي صار علامةً مميّزة لبني إسرائيل يدل على البيئة الفكرية الموبوءة التي يعيش بها هؤلاء القوم دون الاستفادة من تعاليم الأنبياء .
     والجدير بالذِّكر أن [ تَقْتُلُون ] جاءت بالمضارع للدلالة على استمرار الحالة في المستقبل ومحاولة قتل النبي صلى الله عليه وسلم .
     وقال البيضاوي في تفسيره ( 1/ 357 ) : (( وإنما ذُكر بلفظ المضارع على حكاية الحال الماضية استحضاراً لها في النفوس ، فإن الأمر فظيع ، أو مراعاة للفواصل ، أو للدلالة على أنكم بعد فيه ، فإنكم تحومون حول قتل محمد صلى الله عليه وسلم لولا أني أعصمه منكم ، ولذلك سحرتموه وسممتم له الشاة )) اهـ .
     وفي صحيح البخاري ( 5/ 2178 ) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهود : (( هل جعلتم في هذه الشاة سُماً ؟ )) . فقالوا : نعم ، فقال : (( ما حملكم على ذلك ؟ )) . فقالوا : أردنا إن كنتَ كذاباً نستريح منك ، وإن كنتَ نبياً لم يضرك .
     وعن أنس أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة ، فأكل منها ، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك،فقالت: أردتُ لأقتلك، قال:(( ما كان الله لِيُسَلطكِ على ذاك)).
{ متفق عليه.واللفظ لمسلم( 4/ 1721 )برقم ( 2190 ) والبخاري ( 2/ 923) برقم ( 2474).}.
     قال النووي في شرحه  على صحيح مسلم ( 14/ 179 ) : (( فيه بيان عصمته صلى الله عليه وسلم من الناس كلهم ...وهي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سلامته من السم المهلك لغيره، وفي إعلام الله تعالى له بأنها مسمومة )) اهـ .
     إن جهود اليهود الحثيثة ومحاولاتهم المتكررة لقتل النبي صلى الله عليه وسلم نابعة من الحقد الشديد على الدعوة الإسلامية، فهم حاولوا خنقَها في مهدها لكنهم لم ينجحوا ، ومع هذا استمروا في حياكة المؤامرات دون كلل ، مما يدل على قسوة قلوبهم وغرقهم في مستنقع الجرائم وأساليب تنفيذها . وقد ركّزوا جهودَهم على قتل النبي صلى الله عليه وسلم لمعرفتهم أنه حاملُ لواء الإسلام ورأسُ المسلمين ، وإذا سقط الرأسُ سقط الجسدُ بالكامل. وهذا ما كانوا يطمحون إليه، لكن الله تعالى عصمه من شرِّهم. أما اختيارهم لطريقة القتل بالسم لعلمهم أنها طريقة فعالة وخفية غير مكشوفة للعيان، ولا تثير الانتباه . واليهودُ متميزون في حياكة المؤامرات خلف الستائر المغلقة عبر مراحل التاريخ ، فهم يعملون في الخفاء لاقتناعهم أن الذي يعمل في السر أقدر على إنجاز عمله بكفاءة ودون تشويش. لكنّ كيدهم رُدّ في نحورهم ، ولم يُفلحوا في وأد الدعوة الإسلامية .
     وفي صحيح البخاري ( 4/ 1611) : قالت عائشة _ رضي الله عنها _ : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه : (( يا عائشة ، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلتُ بخيبر ، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم )) .
     فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يشعر بآثار السم ، ويعاني من ألم الطعام المسموم الذي أكله بخيبر . ومن شدة السم كان النبي صلى الله عليه وسلم يحس أن أبهره ( الشريان الرئيسي الذي يحمل الدم إلى القلب ) سينقطع. وهذا الشريان إذا انقطع مات الإنسان بسبب عدم وصول الدم إلى القلب. وهذا الصبر يدل على رباطة جأش النبي صلى الله عليه وسلم في الشدائد ، كما تدل هذه المعاناة على الحقد اليهودي الذي يختار أشد أنواع السموم فتكاً . وقال البغوي في تفسيره ( 1/ 306): (( وكان المسلمون يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً مع ما أكرمه اللهُ من النبوة )) اهـ .
     وقال الله تعالى: (( ذَلِكَ بِأَنهم كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النبِيينَ بِغَيْرِ الْحَق ))[ البقرة: 61 ] .
     فقتلُ النبيين بغير الحق كانت نتيجةً لكفر بني إسرائيل بآيات الله تعالى، وليس بعد الكفر ذَنْبٌ. فغيابُ الهداية عن عقولهم أدى إلى انحراف تفكيرهم ، وسيرهم في طريق الغواية محاولين استئصال الدعوة الإسلامية عن طريق قتل الأنبياء حاملي لواء الشريعة السماوية .
     وقال ابن كثير في تفسيره ( 1/ 145) : (( يقول تعالى : هذا الذي جازيناهم من الذلة والمسكنة وإحلال الغضب بهم من الذلة، بسبب استكبارهم عن اتباع الحق ، وكفرهم بآيات الله ، وإهانتهم حملة الشرع وهم الأنبياء وأتباعهم ، فانتقصوهم إلى أن أفضى بهم الحال إلى أن قتلوهم ، فلا كفر أعظم من هذا ، إنهم كفروا بآيات الله ، وقتلوا أنبياء الله بغير الحق )) اهـ .
     وفي حاشية ابن عابدين ( 7/ 162 ) : (( اعلم أن من القواعد القطعية في العقائد الشرعية أن قتل الأنبياء أو طعنهم في الأشياء كفر بإجماع العلماء ، فمن قتل نبياً أو قتله نبي ، فهو أشقى الأشقياء )) اهـ .
     وروى أبو داود الطيالسي بسند صحيح عن عبد الله بن مسعود _ رضي الله عنه _ قال :    (( كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلاث مئة نبي، ثم يقيمون سوقَ بقلهم من آخر النهار )).
{ تفسير ابن كثير ( 1/ 145) ، والدر المنثور للسيوطي ( 1/ 178 ) .}.
     وهذه الوقاحة مرجعها إلى التمادي في القتل لدرجة الاستمراء واعتباره أمراً عادياً لا يستحق الندم أو إعارته الانتباه. وهذه المرحلة لا يصل إليها إلا من احترف القتلَ وخاض فيه بشكل روتيني متكرر دون أن يتحرك له جفن ، مما يشير إلى قسوة قلوب بني إسرائيل ، وانتكاسهم على كافة المستويات .
     وعن ابن عباس _ رضي الله عنهما_ : في قوله _عز وجل _ : [ وَيَقْتُلُونَ النبِيينَ بِغَيْرِ حَق وَيَقْتُلُونَ الذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ الناسِ ] [ آل عمران: 21] . قال : (( بعث عيسى بن مريم _ يحيى بن زكريا _ في اثني عشر رَجلاً من الحواريين يُعلمون الناس ، فكان ينهاهم عن نكاح ابنة الأخ . وكان ملك له ابنة أخ تعجبه فأرادها ، وجعل يقضي لها كل يوم حاجة ، فقالت لها أمها : إذا سألك عن حاجتك فقولي له : أن تقتل يحيى بن زكريا ، فقال لها الملك : حاجتك ؟ ، فقالت : حاجتي أن تقتل يحيى ابن زكريا ، فقال : سلي غير هذا ، فقالت : لا أسالك غير هذا ، فلما أتى أمر به فذُبح في طست ، فبدرت قطرة من دمه ، فلم تزل تغلي حتى بعث اللهُ بخت نصر ، فدلت عجوز عليه ، فألقى في نفسه أن لا يزال القتل حتى يسكن هذا الدم ، فقتل في يوم واحد من ضرب واحد وبيت واحد سبعين ألفاً )) .
{ رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 318 ) برقم ( 3146 ) وصححه ، ووافقه الذهبي .}.
     وفي رواية أخرى عن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ : (( فجاءته عجوز من بني إسرائيل فدلته على ذلك الدم ، فألقى اللهُ في قلبه أن يقتل على ذلك الدم منهم حتى يسكن ، فقتل سبعين ألفاً منهم من سِن واحدة حتى سَكن )).
{ رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 647) برقم ( 4151) وصححه ، ووافقه الذهبي . }.
     وهذا الحديث يشير إلى حرص الأنبياء على تبليغ الدعوة بلا زيادة أو نقصان، وإيصال التعاليم الشرعية إلى الجميع، وبذل الوقت والجهد في سبيل إنجاح مسيرة الدعوة الإسلامية . كما يدل على خطورة الاستماع إلى الأشرار وأهدافهم الخبيثة ، وهنا ينبثق قبحُ التواطؤ على الخيانة والقتل . وهناك إشارة دقيقة إلى أن الغضب الإلهي إذا نزل بقوم فلا راد له ، فتسليط بختنصر على بني إسرائيل وإعماله للقتل فيهم كان عقوبةً إلهية على سوء أفعالهم وتماديهم في الإثم .
5_ تحريفهم كلام الله :
     قال الله تعالى : (( مِن الذين هادوا يُحرفون الكَلِمَ عن مَواضعه )) [ النساء : 46] .
     فمن اليهود فئةٌ تُبدِّل كلامَ الله تعالى ، فيحذفون منه ويزيدون فيه ، أو يعمدون إلى تفسير الكلام الإلهي ضد مراد الله تعالى عمداً وليس جهلاً أو نسياناً . وهم يقومون بهذا العمل القبيح لإقحام وجهة نظرهم الباطلة وأهدافِهم الخبيثة في النصوص الدينية من أجل صبغ باطلهم بالقداسة والعصمة . وهكذا تنطلي هذه الحِيَل على العوام والأتباع فيحافظ رجالُ الدين على مناصبهم ونفوذهم ومكانتهم الاجتماعية ، ويستمرون في استغلال الدِّين لتحقيق مكاسب شخصية على حساب شعوبهم . وقد حذفوا صفةَ النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة ، وأزالوا حد الرجم . وذلك من أجل المحافظة على ولاء الأتباع وعدم تفرقهم ، وهكذا يضمن المنحرِفون أن يظل الشعب خاضعاً لهم ، وتحت رحمتهم واستغلالهم ، وعاجزاً عن التفكير ونقد الأوضاع ، وبذلك يستمر نفوذُ عِلْية القوم دون وجود تهديد من أية جهة. فالتحريفُ هو مشروع استثماري وضيع قائم على المتاجرة بالكلام الإلهي المقدّس من أجل الحصول على عَرَض دنيوي زائل .
6_ أخذ الميثاق عليهم :
     قال الله تعالى : (( ولقد أخذ اللهُ ميثاقَ بني إسرائيل )) [ المائدة : 12] .
     فاللهُ تعالى أخذ ميثاقَ بني إسرائيل بأن يلتزموا بتعاليم التوراة فيعبدوا اللهَ تعالى وحده . وهذا العهد الوثيق ينبغي الالتزام به وعدم الانحراف عنه .
     وقال ابن كثير في تفسيره ( 2/ 45) : (( لَما أمر تعالى عباده المؤمنين بالوفاء بعهده وميثاقه الذي أخذه عليهم على لسان عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمرهم بالقيام بالحق والشهادة بالعدل وذكّرهم نعمه عليهم الظاهرة والباطنة فيما هداهم له من الحق والهدى ، شرع يُبَيِّن لهم كيف أخذ العهود والمواثيق على من كان قبلهم من أهل الكتابين : اليهود والنصارى ، فلما نقضوا عهوده ومواثيقه أعقبهم ذلك لعناً منه لهم ، وطرداً عن بابه وجَنابه ، وحجاباً لقلوبهم عن الوصول إلى الهدى ودِينِ الحق ، وهو العلم النافع والعمل الصالح )) اهـ .
7_ شدة حرصهم على الحياة :
     قال الله تعالى : (( ولتجدنهم أحرصَ الناس على حياة )) [ البقرة : 96] .
     فاليهودُ أشد الناس حرصاً على الحياة وتمسكاً بها ، فهم يكرهون الموتَ ويتشبثون بالدنيا بأيديهم وأسنانهم لأنهم خرّبوا آخرتهم وعمّروا دُنياهم ، فكرهوا أن ينتقلوا من العَمار إلى الخراب . فهم يعلمون عاقبتهم السيئة بعد الموت جزاء أفعالهم الدنيئة ، فيتمنون أن يطول بهم العمر إلى أقصى مدى . فالدنيا هي جنَّتهم ومنتهى علمهم وأحلامهم ، وفي الآخرة سيدفعون ثمنَ تقصيرهم وضلالهم فيخلدون في النار . فهم يعرفون حجم ذنوبهم وانحرافهم عن المنهج الإلهي ، وأن لا كرامة لهم في الآخرة  ، لذلك يحرصون على الحياة بكل ما أُوتوا من قوة ، فالدنيا سجنُ المؤمن
وجنة الكافر. وعن ابن عباس _ رضي الله عنهما _:_ [ ولتجدنهم أحرصَ الناس على حياة ]  ، قال : (( اليهود )) .
{ رواه الحاكم في المستدرك ( 2/ 289 ) برقم ( 3043) وصححه ووافقه الذهبي . }.
     وقال البيضاوي في تفسيره ( 1/ 365) : (( وتنكير حياة لأنه أُريد بها فرد من أفرادها وهي : الحياة المتطاولة )) اهـ .
     وعن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ قال : (( لو أن اليهود تمنوا الموتَ لماتوا ورأوا مقاعدهم في النار )) .
{ رواه أحمد في مسنده ( 1/ 248 ) برقم ( 2225) ، وأبو يعلى ( 4/ 471) برقم ( 2604) ، وقال الهيثمي في المجمع ( 8/ 418 ) : (( رجال أبي يعلى رجال الصحيح )) ، ورواه الطبري في تفسيره ( 1/ 468 ) وصحّحه ابن حجر في العجاب في بيان الأسباب ( 1/ 287 ) .}.
     فاليهودُ يعشقون الحياة الدنيا ويكرهون الموتَ بكل مشاعرهم . فالنهايةُ حينما تكون سوداء فإن المرء سوف يصارع للابتعاد عنها . وهذا ما يفعله اليهود عبر مراحل وجودهم الزمنية ، فكل تفكيرهم منصب على الدنيا ، لذلك هم يسيطرون على مثلث الشهوات الأرضي : المال والجنس والإعلام . واليهودُ في عشقهم للدنيا وإسقاط الآخرة من حساباتهم يتشابهون مع العرب الوثنيين في الجاهلية الذين كانوا لا يؤمنون بوجود الآخرة . وفي ذلك يقول شاعرهم :
تمتع من الدنيا فإنك فـــانٍ           
من  النشوات والنساء الحسان
8 _ عداوتهم لله وملائكته وأوليائه :
     قال الله تعالى : (( قُل مَن كان عَدُواً لجبريل فإنه نزله على قلبكَ بإذن الله )) [ البقرة : 97].
     قال الطبري في تفسيره ( 1/ 476) : (( أجمع أهل العلم بالتأويل جميعاً على أن هذه الآية نزلت جواباً لليهود من بني إسرائيل، إذ زعموا أن جبريل عدو لهم، وأن ميكائيل وَلِي لهم )) اهـ.
     فاليهودُ لا يحترمون مكانةَ الملائكة _ عليهم السلام _ لذلك يعمدون إلى انتقاصهم والحد من
قَدْرهم ، والطعن فيهم . وهذا مرجعه إلى هوى النفس والتنصلِ من تحمل المسؤولية . فقد اتخذوا جبريل الأمين _ عليه السلام _ عدواً لهم، وهم بذلك يُعادون اللهَ تعالى ، لأن الملائكة لا يتصرفون من تلقاء أنفسهم ، بل يُنفِّذون الأمرَ الإلهي فوراً بلا تردد ،
     وفي صحيح البخاري ( 4/ 1628 ) : عن أنس قال : سمع عبد الله بن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في أرض يخترف _ يعني يجتني من ثمارها _ ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ، فما أول شرط الساعة وما أول طعام أهل الجنة وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه ؟ ، قال : (( أخبرني جبريل آنفاً )) . قال : جبريل ؟ ، قال : (( نعم )) . قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة ، فقرأ هذه الآية : (( [ مَن كان عَدُواً لجبريل فإنه نزله على قلبكَ بإذن الله ] )).
{ قال الحافظ في الفتح ( 8/ 165 ) : (( قيل : سبب عداوة اليهود لجبريل أنه أُمر باستمرار النبوة فيهم فنقلها لغيرهم . وقيل : لكونه يطلع على أسرارهم . قلت : وأصح منهما ... لكَوْنه الذي ينزل عليهم بالعذاب )) اهـ . }.
     وهكذا نرى أن عداوة الملائكة صارت صفةً لازمة لليهود الذين لا يعرفون قَدْر الشريعة ومنزلة الأنبياء والملائكة ، لذلك يقتلون الأنبياء ويحاولون تشويه صورتهم بكل قوتهم ، ويطعنون في الملائكة بدافع الأهواء والآراء الشخصية التي ما أنزل اللهُ بها من سلطان. وهم لا يُحاولون الخروج من المستنقعات التي يَغرقون فيها ، لأنهم رضوا بالحياة بالحياة الدنيا وأطمأنوا بها . فهي مبلغهم من العلم ونقطة بدايتهم ونهايتهم .
     ونراهم يُعادون أولياءَ الله تعالى ، فها هم يطعنون في السيدة مريم العذراء _ عليها السلام _، ويحاولون إلصاق أسوأ الصفات بها دون دليل .
     قال الله تعالى : (( وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً )) [ النساء:156].
     فلم يكتفِ اليهود بالكفر بالسيد المسيح صلى الله عليه وسلم ، بل أيضاً طعنوا في أُمِّه حيث رموها بالزنا بدافع الهوى والحقد والاعتداء على الشريعة دون أن يُقدِّموا دليلاً على قولهم . فهم ينظرون إلى النبي عيسى صلى الله عليه وسلم على أنه ابن زنا ، وأمه زانية . وهذا هو منهج اليهود المعادي للحق في كل أطوار وجودهم ، فهم يصدرون أحكاماً في الهواء دون براهين ، ثم يُروِّجونها بين الناس مستخدمين وسائل قوتهم ، وسطوة إعلامهم ، وأموالهم . فاليهودُ شديدو الذكاء في المكر السيئ والتخطيط والتنفيذ من أجل نشر باطلهم، وتلميع صورتهم، وتشويه صورة أعدائهم .
     قال ابن كثير في تفسيره ( 1/ 762) : (( قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : يعني أنهم رموها بالزنا ، وكذلك قال السدي وجويبر ومحمد بن إسحاق وغير واحد ، وهو ظاهر من الآية أنهم رموها وابنها بالعظائم، فجعلوها زانية وقد حملت بولدها من ذلك، زاد بعضهم: وهي حائض، فعليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة )) اهـ .
9_ جرأتهم على الله :
     قال الله تعالى : (( وقالت اليهودُ يدُ الله مغلولة )) [ المائدة : 64] .
     إن اليهود أصحاب عقيدة باطلة ، فهم يطعنون في الله تعالى ، حيث يحاولون إلصاق صفة البخل به _ سبحانه _ وأنه لا يُنفِق . وهذا مضاد للحقيقة ، لأن الله تعالى لا تنفد خزائنه ، وهو الذي يرزق مخلوقاته منذ خلقها ، فلم يُصَب بالإعياء أو الفقر ، ولم تنفد خزائنه فيحتاج إلى المساعدة ، ولم يقطع إحسانه عن خلقه رغم آثامهم وتقصيرهم وعدم القيام بحق العبادة . والذي يرزق المؤمن ويمنحه النعمَ الجليلة ، ويرزق الكافر على كُفره ويجعله في سعة من العيش مُحال أن يكون بخيلاً . فالبخلُ هو الإمساك عن الإنفاق خشية الفقر أو الحاجة ، وهذه الصفة منفيةٌ عن الخالق تعالى الغني عن كل شيء ، وكل شيء يحتاج إليه _ سبحانه _ .
     وقال الطبري في تفسيره ( 4/ 639 ) : (( وهذا خبر من الله _ تعالى ذِكْره _ عن جرأة اليهود على ربهم ووصفهم إياه بما ليس من صفته ، توبيخاً لهم بذلك ، وتعريفاً منه نبيه صلى الله عليه وسلم قديم جهلهم واغترارهم به ، وإنكارهم جميع جميل أياديه عندهم ، وكثرة صفحه عنهم ، وعفوه عن عظيم إجرامهم ، واحتجاجاً لنبيه صلى الله عليه وسلم بأنه له نبي مبعوث ورسول مُرسَل: أن كانت هذه الأنباء التي أنبأهم بها كانت من خفي علومهم ومكنونها التي لا يعلمها إلا أحبارهم وعلماؤهم دون غيرهم من اليهود فضلاً عن الأمة الأمية من العرب الذين لم يقرأوا كتاباً ، ولا وعوا من علوم أهل الكتاب علماً ، فأطلع اللهُ على ذلك نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ليقرر عندهم صدقه ويقطع بذلك حجتهم )) اهـ .
     فاللهُ تعالى حين يُعلِم النبيَّ صلى الله عليه وسلم بأقوال الأمم الغابرة وعقائدهم وأحداثهم التاريخية فهذا دليلٌ باهر على صدق الدعوة المحمدية الإسلامية، فهذه الغيبيات لا مصدر لها إلا السماء . فالنبي صلى الله عليه وسلم أُمي لا يقرأ ولا يكتب ، أي إنه لم يطلع على كتب السابقين فيعرف ما فيها ، ولم يُعرَف بأنه كان عالِماً بالعقائد الدينية أو مؤرِّخاً مطلعاً على الأمم الماضية ، وإنما كان راعياً للغنم ، فمن أين جاء بكل هذه المعلومات الغيبية عن الأقوام السابقين وعقائدِ أهل الكتاب ؟ . الجوابُ الوحيد هو أنه نبي يوحى إليه ، ويأتيه خبر السماء . أما سبب نزول الآية، فعن ابن عباس _ رضي الله عنهما_ قال : (( قال رَجل من اليهود يقال له النباش بن قيس : إن ربك بخيل لا يُنفِق )) { رواه الطبراني ( 12/ 67) ، وقال الهيثمي في المجمع ( 7/ 81) : (( ورجاله ثقات )) .}. فأنزل الله تعالى : [ وقالت اليهودُ يدُ الله مغلولة ] الآية.
     ومع أن القائل هو شخص واحد إلا أن هذه الكلمة الشنيعة نُسبت لليهود عامةً لأنهم رضوا بها ، ولم يُنكِروا على صاحبها . فصارت كلمةً لهم جميعاً . وهنا تبرز خطورةُ العقل الجمعي ، حيث يصبح الفسادُ صفةً لازمة للجماعة وتعبيراً عنهم .
     أما سبب هذه المقولة القبيحة : [ يدُ الله مغلولة ] والدافع لاعتناقها ، فقد ذكر ابن الجوزي في زاد المسير ( 2/ 392) ثلاثة أقوال : (( أحدها : أن الله تعالى كان قد بسط لهم الرزق ، فلما عصوا اللهَ تعالى في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وكفروا به كَف عنهم بعض ما كان بسط لهم فقالوا: يد الله مغلولة رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال عكرمة . والثاني : أن الله تعالى استقرض منهم كما استقرض من هذه الأُمة ، فقالوا إن الله بخيل ويده مغلولة فهو يستقرضنا، قاله قتادة . والثالث : أن النصارى لما أعانوا بختنصر المجوسي على تخريب بيت المقدس قالت اليهود : لو كان الله صحيحاً لمنعنا منه ، فيده مغلولة ، ذَكَرَه قتادة أيضاً )) اهـ .
     فينبغي الاعتقاد بأن الخزائن الإلهية لا تنفد ، وأن الله تعالى مالكٌ لكل شيء لا يُصاب بالفقر ولا البخل . فلا يحتاج عبادَه لكي يساعدوه ، ولا يطلب النفقةَ من أحد . فهو _ سبحانه _ يُنفق كيف يشاء بلا عائق ، فيُعطي من يشاء تكرماً منه وتفضلاً ، ويمنع من يشاء لحكمةٍ يعلمها لا بخلاً أو خوفاً من العوز .
     وعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن يمين الله مَلأى ، لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم ينقص ما في يمينه )).
{ متفق عليه . البخاري ( 6/ 2699)برقم ( 6983) ، ومسلم (2/ 690 ) برقم ( 993) .}.
     وهذا يشير إلى عظمة الخالق تعالى . فإن المخلوق إذا أنفق مالاً نقصت خزائنُه وقد يُشهر إفلاسَه ويصبح محتاجاً لمساعدة الآخرين . أما اللهُ تعالى فخزائنه لا تنفد ، ولا تنقص مع كثرة الإنفاق ، فالنفقةُ والإنعام دائمة في الليل والنهار . فهو ينفق مذ خلق السماوات والأرض، ولم يُصَب بالفقر أو نقص المال ، ولم يطلب مساعدة أحد من عباده . مما يدل على أن الله تعالى هو الكريم الأكرم الذي يُنعم على أوليائه وأعدائه رحمةً بهم ، وهو الغني عنهم .
     وفي شرح النووي على صحيح مسلم ( 16/ 133) : (( لأن ما عند الله لا يدخله نقص ، وإنما يدخل النقصُ المحدودَ الفاني ، وعطاءُ الله تعالى من رحمته وكرمه ، وهما صفتان قديمتان لا يتطرق إليهما نقص )) اهـ .
     وقال الله تعالى : [ وقالت اليهودُ عُزَيْرٌ ابنُ الله ] [ التوبة : 30] .
     واليهودُ تزعم أن عُزيراً ( وهو رَجل صالح مختلف في نبوته ) هو ابن الله تعالى ، وهذا الغلو دَيْدن أهل الكتاب في كل مراحل وجودهم ، إذ إنهم يتطرفون في المسائل العقائدية ، وهذا مرجعه إلى انحرافهم عن الصراط المستقيم ، وتحكيمهم لأهوائهم وشهواتهم ، فهم يسيرون في الظلام بلا بيِّنة ، وعلى غير هدى . كما أنهم يعتمدون على التأويل المنحرف غير المبني على أسس سليمة ، وهذا يؤدي إلى إخراج النصوص الدينية عن سياقها الصحيح ، وبالتالي الوقوع في عقائد باطلة ، ونشر الكفر والضلال بسبب تغيير مراد الله تعالى .  
     وفي الدر المنثور للسيوطي ( 4/ 171) أن ابن عباس _ رضي الله عنهما _ قال : (( أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم، ونعمان بن أوفى، وأبو أنس، وشاس بن قيس ، ومالك بن الصيف، فقالوا : كيف نتبعك وقد تركت قِبلتنا وأنت لا تزعم أن عُزيراً ابن الله ؟ . وإنما قالوا : هو ابن الله من أجل أن عزيراً كان في أهل الكتاب ، وكانت التوراة عندهم يعملون بها ما شاء الله تعالى أن يعملوا ، ثم أضاعوها وعملوا بغير الحق ، وكان التابوت فيهم ، فلمّا رأى اللهُ تعالى أنهم قد أضاعوا التوراة وعملوا بالأهواء رفع اللهُ عنهم التابوت، وأنساهم التوراة، ونسخها من صدورهم ، وأرسل عليهم مرضاً فاستطلقت بطونهم منهم حتى جعل الرجل يمشي كبده ، حتى نسوا التوراة ونُسخت من صدورهم ، وفيهم عُزير كان من علمائهم ، فدعا عُزيرٌ اللهَ _ عز وجل _ ، وابتهل إليه أن يرد إليه الذي نُسخ من صدره ، فبينما هو يُصلِّي مبتهلاً إلى الله تعالى نزل نورٌ من الله فدخل جوفه فعاد إليه الذي كان ذهب من جوفه من التوراة ، فأذّن في قومه فقال : يا قوم قد آتاني الله التوراة رَدّها إِلَيّ فعلق يُعلمهم ، فمكثوا ما شاء الله أن يمكثوا وهو يعلمهم ، ثم إن التابوت نزل عليهم بعد ذلك وبعد ذهابه منهم ، فلما رأوا التابوت عرضوا ما كانوا فيه على الذي كان عُزير يُعلمهم فوجدوه مثله ، فقالوا : والله ما أُوتي عزير هذا إلا أنه ابن الله )).
{ انظر أيضاً تفسير الطبري ( 6/ 350 ) ، وتفسير البغوي ( 1/ 36) ، وزاد المسير لابن الجوزي ( 3/ 423) ، وسيرة ابن هشام ( 3/ 108 ) . }.
     وكل عقيدة باطلة له سبب ، ولم تجيء تلقائياً أو تهبط من الهواء . فالنصارى الذين ألّهوا المسيحَ صلى الله عليه وسلم اعتمدوا على التأويل المنحرف للنصوص الدينية فوقعوا في المحظور ، وهنا تبرز خطورةُ عدم فهم دلالات اللغة ، فتحويل المجاز إلى واقع أو العكس ، وعدم التمييز بين المعنوي والمادي ، وغير ذلك ، سوف يؤدي _ بلا شك _ إلى الانحراف العقائدي ، وإضاعة الشريعة بسبب الجهل اللغوي . فكل دِين مبني على النصوص اللغوية . وإذا لم تُفهَم اللغةُ بالشكل الصحيح فإن الدين سيضيع لا محالة . كما أنهم اعتمدوا على معجزات خارقة للعادة جرت على يد السيد المسيح صلى الله عليه وسلم مثل إحياء الموتى بإذن الله تعالى وغيرها، فاعتقدوا أن الذي يقوم بهذا العمل هو إلهٌ أو ابنٌ لله تعالى. وهذا انحراف عقائدي قبيح . فلو وُجد إلهان في الكون لاختل النظام بسبب اختلاف الإلَهَيْن . فلا توجد دولة يوجد فيها رئيسان ، حتى إن الفاتيكان له بابا واحد لا اثنان . ولكنْ إذا غابت الهدايةُ الربانية فإن الإنسان قد يعتنق أي شيء بلا تمييز .
     واليهودُ الذين اعتقدوا ببنوة عُزير _ أي إنه ابن لله تعالى _ اعتمدوا على خوارق جرت على يديه ، فلم يقتنعوا بأن هذه الأمور تحصل مع الصالحين ، بل تطرّفوا في هذه القضية ، ونسبوا لله تعالى الولد . وهذا أمرٌ ضد النقل والعقل . فلو أن كل إنسان جرت على يديه خوارق للعادة تم اعتباره ابناً لله تعالى لكان عددٌ كبير من الخلائق أبناء الله تعالى ، وهذا لا يقول به عاقل . لذا ينبغي وضع الأمور في نصابها الصحيح وتطهير العقائد من الأهواء المفتقدة إلى البرهان .   
     وفي فتح الباري ( 3/ 359 ) : (( قال ابن العربي في شرح الترمذي : تبرأت اليهودُ في هذه الأزمان من القول بأن العُزير بن الله ، وهذا لا يمنع كونه كان موجوداً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك نزل في زمنه واليهودُ معه بالمدينة وغيرها، فلم يُنقَل عن أحد منهم أنه رَد ذلك ولا تعقبه ، والظاهر أن القائل بذلك طائفة منهم لا جميعهم )) اهـ .
     وقال الله تعالى : (( ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النارُ إلا أياماً معدودات ))[ آل عمران : 24].
     وكلامُ اليهود يدل على وقاحتهم وجرأتهم على الله تعالى واستخفافهم بعذاب النار ، فهم يُحدِّدون فترة عذابهم كما لو كانت النار مُلكاً لهم يتحكمون فيها كيفما شاؤوا . فهم يَرَوْن أنهم سيُعذّبون أربعين يوماً _ مدة عبادتهم للعجل _ ثم يخرجون من النار . وهذا إن دل على شيء فيدل على الجهل الممزوج بالجرأة المذمومة والاغترار . فالجنةُ والنار خاضعتان لله تعالى ، ووحده _سبحانه_ مَن يملك التصرف فيهما ، ويُحدِّد أصحابهما . والمخلوقُ الضعيف لا يملك من أمره شيئاً ، وهو _ أصلاً _ لا يعرف هل هو من أهل الجنة أو النار .
     واللهُ تعالى لم يُحدِّد عددَ الأيام في الآية لأنها معروفة عن اليهود ، فهي معلومة لديهم ، ومقتنعون بها . وقال ابن كثير في تفسيره ( 1/ 474) : (( أي إنما حَمَلهم وجَرّأهم على مخالفة الحق افتراؤهم على الله فيما ادعوه لأنفسهم أنهم إنما يُعذّبون في النار سبعة أيام ، عن كل ألف سنة في الدنيا يوماً )) اهـ .
     [ ومن طريق ابن إسحاق عن سيف بن سليم عن مجاهد عن ابن عباس : (( أن اليهود كانوا يقولون : هذه الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نُعذب بكل ألف سنة يوماً في النار ، وإنما هي سبعة أيام )) _{ رواه الطبراني ( 11/ 96) برقم ( 11160) . }_ ] ،
[ذكره الحافظ في الفتح ( 10/ 246 ) وقال : (( وهذا سند حسن )) .].
فأنزل الله تعالى : (( وقالوا لن تمسنا النارُ إلا أياماً معدودة )) [ البقرة : 80] .
     لكن السؤال الذي يطرح نفسه : لماذا قدّروا مدةَ عذابهم بأربعين يوماً ؟ .
     قال ابن الجوزي في زاد المسير ( 1/ 107 ) : (( فيه ثلاثة أقوال : أحدها _ أنهم قالوا : بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة، ونحن نقطع مسيرة كل سنة في يوم ثم ينقضي العذاب وتهلك النار ، قاله ابن عباس . والثاني _ أنهم قالوا : عتب علينا ربنا في أمر فأقسم ليعذبنا أربعين ليلة ثم يدخلنا الجنة فلن تمسنا النار إلا أربعين يوماً تحلة القَسَم ، وهذا قول الحسن  وأبي العالية . والثالث _ أنها عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل ، قاله مقاتل )) اهـ .
10_ إلقاء العداوة بينهم :
     قال الله تعالى : (( وألقَيْنا بينهم العداوةَ والبغضاء إلى يوم القيامة )) [ المائدة : 64] .
     فاليهودُ قومٌ تنتشر بينهم العداوة والبغضاء والحقد والكراهية ، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ، فوحدتهم ظاهرية وفق منافع مادية شكلية لا حقيقة لها. فلا يوجد رابط فاعل بينهم ، إذ إن العداوة تنخر صفوفَهم ، وتمزِّق شملَهم ، وتجعلهم طوائف متناحرة ، وكل يُغنِّي على لَيْلاه .
     وقال ابن كثير في تفسيره ( 2/ 104) : (( يعني أنه لا تجتمع قلوبهم ، بل العداوة واقعة بين فرقهم بعضهم في بعض دائماً لأنهم لا يجتمعون على حق )) اهـ .
11_ حسدهم المؤمنين :
     قال الله تعالى : (( وَد كَثِيرٌ منْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدونَكُم من بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفاراً حَسَداً منْ عِندِ أَنفُسِهِم من بَعْدِ مَا تَبَينَ لَهُمُ الْحَق )) [ البقرة : 109] .
     واليهودُ مليئون بالحسد تجاه المؤمنين ، فهم متلبسون به بسبب قلوبهم المريضة وحبها لما هو قبيحٌ وكرهها للحق . وهذه الخصلة الذميمة مرجعها إلى كراهية الإنسان كإنسان ، وتمني زوال النعمة عنه، وهذا اتجاه مضاد للأخوة بين البشر بوصفهم من أصل واحد . لكن الحسد كسياسة منهجية هدفها تجريد الخصم من كل فضيلة ، والاستحواذ على النعم كاملةً ليسهل القضاء على الخصوم .
     وقد قال أحد الحكماء : ما رأيتُ أعدل من الحسد ، بدأ بصاحبه فقضى عليه .
     وعن سبب نزول هذه الآية الشريفة ، قال السُّيوطي في الدر المنثور ( 1/ 260 ) : (( وكان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد اليهود حسداً للعرب إذ خصّهم اللهُ برسوله ، وكانا جاهدَيْن في رد الناس عن الإسلام ما استطاعا، فأنزل الله فيهما: [ وَد كَثِيرٌ منْ أَهْلِ الْكِتَابِ ] )).
     وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن اليهودَ قومٌ سئموا دينهم ، وهم قومُ حسدٍ ، ولم يحسدوا المسلمين على أفضل من ثلاث : رد السلام ، وإقامة الصفوف ، وقولهم خلف إمامهم في المكتوبة : آمين )) .
{ رواه الطبراني في الأوسط ( 5/ 146 ) برقم ( 4910 ) . وحسّنه المنذري في الترغيب والترهيب( 1/ 194 ) ، ووافقه الهيثمي في المجمع ( 2/ 288 ) .}.
     فاليهودُ يتمنون زوالَ النعمة عن المسلمين لأنهم يعلمون أن المسلمين على الحق ، لذلك يحسدونهم على رد السلام لأن فيه دلالة على تماسك المجتمع الإسلامي ووحدة الصف الإيماني ، وإقامة الصفوف في الصلاة لأنه دليل الإيمان والانضباط والقوة والتكافل الاجتماعي ، وكلمة آمين لأنها دعاء خالص لله تعالى بالاستجابة بعد قراءة سورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن، والتي لم يَنْزِل
مثلها في كل الكتب السماوية السابقة .
12_ أحبارهم :
     قال الله تعالى : (( اتخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً من دُونِ اللهِ )) [ التوبة : 31] .
     أي إنهم أطاعوهم كما يُطاع الرب تعالى ، فأحلوا لهم الحرام ، وحرّموا عليهم الحلال . فكلامهم مقدّس لا يُناقَش ، وأفعالهم معصومة لا يُسأل عنها . وهذا الاتباع الأعمى جعل من علمائهم فوق مستوى النقد لا يُسْتَدْرَك عليهم ، فأقوالهم نصوصٌ معصومة ، وأفعالهم حُجّة ثابتة ، يأمرون الناسَ بالإثم فيطيعهم الناسُ بلا تفكير . فالحلالُ ما رأوه حلالاً ، والحرام ما رأوه حراماً . فهم يُشرِّعون ، ويجعلون من أفكارهم شريعةً لازمة للخلق . والمشكلة أن الشعب الخانع جعل الآخرين يفكرون عنه ، ويتخذون القرارات المصيرية بالنيابة عنه ، فقد ركن إلى تحليل الحرام وتحريم الحرام بدافع التقليد الأعمى دون إعمال العقل وعرض الأحكام على الشريعة . والأحبارُ هم علماء اليهود ، أما الرهبان فعُبّاد النصارى . وصدق من قال :
وهل أفسد الدينَ إلا الملـوكُ               
وأحبارُ سَـــوْءٍ ورُهبـانها
     قال ابن كثير في تفسيره ( 1/ 501) : (( فالجهلة من الأحبار والرهبان ومشايخ الضلال يدخلون في هذا الذم والتوبيخ بخلاف الرسل وأتباعهم من العلماء العاملين ، فإنهم إنما يأمرون بما يأمر اللهُ به ، وبلّغتهم إياه رسله الكرام ، وإنما ينهونهم عما نهاهم الله عنه ، وبلّغتهم إياه رسله الكرام ، فالرسل _ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين _ هم السفراء بين الله وبين خلقه في أداء ما حملوه من الرسالة، وإبلاغ الأمانة، فقاموا بذلك أتم القيام، ونصحوا الخلق، وبلّغوهم الحق )) اهـ.
     وعن عدي بن حاتم قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب، فقال : (( يا عدي ، اطرح عنك هذا الوثن )) ، وسمعته يقرأ في سورة براءة : [ اتخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً من دُونِ اللهِ ] ، قال : (( أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه ، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه )).
{ رواه الترمذي في سُننه ( 5/ 278 ) برقم ( 3095)، والبيهقي في سننه الكبرى ( 10/ 116 ) برقم ( 20137) ، والطبراني ( 17/ 92) برقم ( 218 ) .   }.
13_ أصحاب السبت :
     قال الله تعالى: (( وَاسْأَلْهُم عَنِ الْقَرْيَةِ التِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ )) [الأعراف: 163] .
     وقصةُ أصحاب السبت تشير إلى تحايل اليهود على الشريعة ، ومكرهم بأنفسهم . فهم     يريدون تحقيق مكسب مادي بواسطة التلفيق والتدليس والخداع. وقد قص القرآنُ بعضاً من خداعهم ، والذي يتجلى في هذه القضية . مما يشير إلى أن منهجهم الذي لا يحيدون عنه هو التحايل والاستهزاء والروغان ولوي أعناق النصوص ومحاولة تطويع الدين لخدمة مصالحهم الشخصية .
     فالخداعُ ضاربٌ جذوره من قاع المجتمع اليهودي حتى قمته في كل الأزمنة . والتدليس واستعمال الخدع واضح في الدلائل التي ظاهرها الصلاح وباطنها القذارة والغش . وقد وصلَ إلى أماكن ربما تُثير العجب والاستغراب . لكن الهوسَ المخادِع احتل شُغاف قلوبهم فلم يتركهم إلا حينما أوصلهم إلى حضيض التحايلِ . مجتمعٌ ضائعٌ بأكمله ، وسفينة تَغرقُ ولا رُبان يُوَجِّه الدفة بالاتجاه الصحيح . وهذا يعكس غرق المجتمع اليهودي في ضلاله الناتج عن قسوة الطباع، والتمرد على الأوامر الإلهية ، ورفض الشريعة  ، وعدم قبول النصيحة .
     قال ابنُ كثير في تفسيره ( 1/ 150 ): (( فاشتهى بعضُهم السمكَ فجعل الرجلُ يحفر الحفيرة ويجعل لها نهراً من البحرِ فإذا كان يوم السبت فتحَ النهرَ فأقبل الموجُ بالحيتان يضربها حتى يُلقيَها في الحفيرة فيُريد الحوتُ أن يخرج فلا يُطيق من أجل قلة ماء النهر فيمكث فيها فإذا كان يوم الأحد جاء فأخذه فجعل الرجلُ يشوي السمك فيجد جارُه روائحه فيسأله فيخبره فيصنع مثل ما صنع جارُه حتى فشا فيهم أكلُ السمك فقال لهم علماؤهم : ويحكم إنما تصطادون يوم السبتِ وهو لا يحل لكم فقالوا إنما صدناه يوم الأحد حين أخذناه )) اهـ .
     وهذه الحادثة لنا معها وقفات :
     _ إن اليهود يملكون عقولاً قادرة على الاكتشاف والاختراع والتخطيط والتنفيذ . لكنهم يستخدمون قدراتهم العقلية العالية في المكر السيئ، وحبك المؤامرات، والتحايل على الدين والناسِ فهم مؤمنون بأن الغاية تبرِّر الوسيلة ، لذلك لا يوجد نظام اخلاقي يردعهم ويحكمهم .
     _ إن الضلال لا تكمن خطورته في ذاته فحسب ، بل أيضاً تكمن في العُدوى التي تنتقل إلى الآخرين ، فعندما يفسد إنسان في مجتمع ما فإن كثيرين سيغترون به ، ويحاولون تقليده ، ويسيرون على منواله ، وهكذا ينتشر وباء الانحراف في المجتمع بأسره .
     _ إن دور العلماء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يمكن تجاهله ، فعلى المرء أن يستمر بالنصيحة سواءٌ أُخذ بها أم لا ،  فهو يؤدي واجبه في محاولة انتشال الآخرين من مستنقع الضلال ،
وإنقاذ ما يمكن إنقاذه .
     وقال الله تعالى: (( ولقد علمتُم الذين اعتدَوْا منكم في السبت فقُلنا لهم كونوا قردةً خاسئين )) [ البقرة : 65] .
     فهؤلاء الذين اعتدوا في السبت ، فاصطادوا الحيتان فيه ، وهو مُحرم عليهم. ولجأوا إلى الحيل والخداع ، فحفروا الحفرَ وشقوا الجداول ، فكانت الحيتان تدخلها يوم السبت فيصيدونها يوم الأحد ، لم ينتفعوا بهذه الخدعة . فقد أصابهم العذاب الإلهي بأن مسخهم اللهُ تعالى قردةً أذلة صاغرين ، والقردةُ أشبه الحيوانات بالإنسان من ناحية المنظر .
     وقد اختلف العلماء في الممسوخ هل ينسل ( يتكاثر ) . ففي تفسير القرطبي ( 1/ 477) :  (( وقال الجمهور : الممسوخ لا ينسل ، وإن القردة والخنازير وغيرهما كانت قبل ذلك ، والذين مسخهم اللهُ قد هلكوا ، ولم يبق لهم نسل لأنه قد أصابهم السخط والعذاب ، فلم يكن لهم قرار في الدنيا بعد ثلاثة أيام )) اهـ .  
     وفي صحيح مسلم ( 4/ 2050) أن رَجلاً قال : يا رسول الله ، القردة والخنازير هي مِما مُسخ ؟ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله _ عز وجل _ لم يُهلِك قوماً أو يُعذب قوماً فيجعل لهم نسلاً ، وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك )) .
     وفي هذا الحديث إشارةٌ واضحة إلى أن القرود والخنازير التي تعيش في عالمنا ليست ممسوخة ، بل حيوانات أصلية تتكاثر ولها نسل ، والممسوخُ لا نسل له .
     وقال الله تعالى : (( إنما جُعل السبتُ على الذين اختلفوا فيه )) [ النحل : 124] .
     وقال الطبري في تفسيره ( 7/ 662 ) : (( يقول تعالى ذِكْره : ما فرض الله أيها الناس تعظيم يوم السبت إلا على الذين اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : هو أعظم الأيام ، لأن الله تعالى فرغ من خلق الأشياء يوم الجمعة ثم سبت يوم السبت . وقال آخرون : بل أعظم الأيام يوم الأحد ، لأنه اليوم الذي ابتدأ فيه خلق الأشياء ، فاختاروه وتركوا تعظيم يوم الجمعة الذي فرض اللهُ عليهم تعظيمه ، واستحلوه )) اهـ .
     واليهودُ قومٌ لا ينصاعون للحق ، بل يتحايلون عليه بكل وسيلة . فهم أصحاب قلوب قاسية تعتمد على اللف ، والدوران ، والتحايل ، وتبديل الألفاظ والمعاني ، وخيانة العهود ، ورفض الشريعة ، ومعاندة الأنبياء . وهذا معروفٌ عنهم . وقد اختلفوا في يوم السبت ولم يتفقوا ، وهذا يدل على كثرة ألاعيبهم ، وعدم انقيادهم للحق .
     وقال ابن الجوزي في زاد المسير ( 4/ 505 ) : (( وفي معنى اختلافهم فيه قولان : أحدهما _ أن موسى قال لهم : تفرغوا لله في كل سبعة أيام يوماً ، فاعبدوه في يوم الجمعة ، ولا تعملوا فيه شيئاً من صنيعكم ، فأبوا أن يقبلوا ذلك ، وقالوا : لا نبتغي إلا اليوم الذي فرغ فيه من الخلق وهو يوم السبت ، فجُعل ذلك عليهم وشُدد عليهم فيه ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ... والثاني _ أن بعضهم استحله وبعضهم حرمه ، قاله قتادة )) اهـ .
     وعن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( نحن الآخِرون السابقون يوم القيامة، بَيْد أنهم أُوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فُرض عليهم، فاختلفوا فيه _ يعني يوم الجمعة _ ، فهدانا الله ، فالناس لنا فيه تبعٌ ، اليهود غداً ، والنصارى بعد غد )) .
{ متفق عليه . البخاري ( 1/ 299) برقم ( 836) ، ومسلم ( 2/ 585) برقم ( 855) .}.  
     فعيدُ اليهود هو السبت . وعيدُ النصارى يوم الأحد . أما عيدُ المسلمين فيوم الجمعة . وهنا تتجلى ريادة المسلمين وتقدمهم على غيرهم ، فهم يَسبقون عِيدَي اليهود والنصارى ، ويتفوقون عليهم .فالجمعةُ سابقة للسبت والأحد .
https://www.facebook.com/abuawwad1982