تاريخ الشموس المكسورة ( قصيدة )
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 11/12/2012
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
جريدة العرب اللندنية 11/12/2012
يا حزني الطازَجَ ، لا
تقتربْ من نزيف البيانو على الأسلاك الشائكة . هذه رموشي تعتقلُ حَواجبي ، فكيف
أرى رعشةَ السنديان في أجفان المذبحة ؟ . أقضي وقتَ فراغي في تشريح جثة البحر .
لكنَّ الرملَ مات مسموماً . انتصرتُ على أعدائي فقتلني أحبائي . قلبي دستورُ
الضَّحايا ، ونعشي دولةُ اليمام ، فكيف أُقنع الفراشاتِ بالتداول السِّلمي
للسُّلطة ؟! .
يَا جَارتي العَمْياء ، لا تحرقيني بالأحلام
الضَّائعة ، لا تنظري في عيوني . أَشلائي في صُندوق القُمامة، وكُلُّنا رَهائن .
لا أركض في عَرَق الرمال لأُحاكِمَ الشاطئَ . إِنَّ جسدي محكمةُ الأسماك، والقاضي
مشنوقٌ على أهداب الموج. يا مملكةَ الخديعة ، لماذا تستثمرين حناجرَ الأيتامِ في
براميل البارودِ ؟ .
الصراصيرُ تجرُّ السفنَ الغارقة نحو القلوب
المهجورة . أحقنُ النعوشَ الجديدة بالأوسمة المستعمَلة . أيتها العصافيرُ الواقفة
على شواهد القبور ، هكذا تصيرُ العِظامُ عرشَ الذكريات المخلوع ، وحواجبي سورَ
المقبرة الجديد . أَلْقِ طَوْقَ النجاة للقبور الغارقة في عَرَقي . ولا تَعْبأْ
بالبعوض الذي يُفسِّر تاريخَ الغبار في ثلاجة الموتى .
يا ضباباً يَفرض حَظْرَ التجول في أعصابي.
قد صار سُعالي فضةَ الإبادة . حقاً !، إن شيخوخةَ البحر طفولةُ الصحراء . نحن
العشاق السجناء في عُلبة الكبريت . والحطبُ مملكتنا الجميلة . والسناجبُ تُفتِّت
مومياءَ الهديل تحت حوافر الشَّلال .
أيها المساءُ الجريحُ ، انظرْ إلى صُداع
الضحايا وراء جثامين الدلافين كي تصبح أكثر جمالاً ! . أحرقت الشموعُ صنوبرَ
الذاكرة . ولم يجيء العشاقُ والمخبِرون إلى مطعم السراب . حقاً ، إنه عَشاء على
ضَوْء الأكفان .
يا مدينتي الوادعةَ ، تَغتصبُكِ البنادقُ
الزُّمردية . سيأتي الموتُ يُحرِّر الخيولَ الزجاجية من إسطبل الكهرمان . أركضُ
بين الجثث المجهولة الهوية والراياتِ المنكَّسةِ أُنادي على الوهم . ولم ترشدني
جمعياتُ حقوق المرأة إلى جثة أُمِّي .
العناكبُ المخمليةُ ، والأحزانُ المفتوحةُ
للبكتيريا . سائرون في جِنازة الصنوبر الذي قتله الصدى في صَوْتِ النَّاي. قد صارت
دماءُ القطط الضالة زَيْتاً لمحرِّكات الشَّاحنات. الأعناقُ المقطوعةُ على شُرفات
البرق . وَحْدَه الحطبُ الذي نرميه في الموقدة يَبكي علينا .
تِلْكَ الأكفانُ على حبل الغسيل . نُجهِّز
حدائقَ جنوننا لحفل استقبال القراصنة . وجُثماني دليلٌ سِياحيٌّ لليمام التائه .
لن تَشبعي أيتها الصاعقةُ حينما تأكليني . لم يَبْقَ مِنِّي غيرُ البلوطِ بعد أن
أكلني الوسواس القهري . لا ذكرياتٌ ورائي ولا دَوْلةٌ أمامي . أنا دودةُ القَز
التي تَكسي الآخرين وتظل عاريةً في المدى .
الأدغالُ التي تَسقط في عَرَقي هي اسمُ
أوسمتي البلاستيكية ، فاخترعْ قِناعاً لأنوثة البراكين ولا تَسقط ضَحيةَ أحمر
الشِّفاه للهياكل العَظْمية . أتناولُ المجازر بالمِلعقة . أُمنياتُ العناكبِ هِيَ
مَنْفاي الاختياري فاخترني مِن بين الأسرى نافذةً للشلال . أنا السرابُ أَهْرب
مِنِّي نحو أغنيات تَهْرب مِنِّي إلى أحلام تغتالنا ضاحكةً. قد اكتشفتُ وطني في
صَفَّارات الإنذار ، فأنذرني قبل أن تجرحني .
أَنكِرني عندما تراني أبيع عمودي الفقري على
إشارات المرور لأدفع راتبَ حارسِ ضريحي . ارمِ عينيكَ في الكهرمان كأنك لم تَرَني
. أيها الليلكُ تنزوي في أدغال الطاعون تداوي جُروحكَ المعدنية . والنزيفُ صار
مدينةً بلا صبايا ، شُموعاً بلا حكايا . أنا السجينُ في لحم المجرات ، والموتُ
سَيُحَرِّرني كالمذنَّباتِ . أتشظى كالعصافير تَكْسر السدَّ . قَد صِرْتُ تاريخاً
غامضاً للسيول.
القيثارةُ المكسورة . ويظل بكائي وشماً على
الرصاصة . أطبخُ أحزانَ الغروب لكي تأكل البِحارُ اليتيمةُ . جُوعِي أرشيفٌ
لمناديل الأسيراتِ بعد سقوطِ الأحلام . أيها الشلالُ الأعمى تتناول الشوكولاتة
لِتَكْسرَ الاكتئابَ . إنها دمعاتُ البلوطِ اكتئابُ الفؤوسِ في موسم حصاد
المشنوقين . نسيتُ خارطةَ قلبي حين مات الليلُ بأزمةٍ قلبية .
يا فراشتي
المحتضرة ، اكرهيني ! ، ما فائدةُ قصص الحب وقد سرق طفولتنا العسكرُ ؟ . أنا
التاريخُ والجغرافيا لكنَّ خارطتي منهارةٌ . أنا الألف والياءُ لكنَّ أبجديتي
ضائعةٌ .
أُكرِّرُ
دَمِيَ الخامَّ في ممالك السُّل لتزدادَ أرصدةُ السناجب في بنوك المذبحة . أُصفِّي
ماءَ عيوني من القوارب الغارقة . إن دمي كالنفط الخام كلاهما يَحترق في الشفق .
فابحثْ في جسد الزنابق عن متاهاتي . الحزنُ صهيلُ المسافات. والحواجزُ الأمنية في
عُروقي تَمْنع وُصولَ الذاكرةِ إلى الذكريات .
في ثلاجة
الموتى يَقضي الصليلُ شهرَ العسل . والبعوضُ يَرقص في عُرس القتلى. سَأَرْحلُ مع
الإماء حينما يتقاعد النخاسون. مندهشاً كالدب القطبي الخارج من البيات الشتوي كان
صُداعي. نحن الجثث المجهولة في الإسطبلات . تحترق أخشابُ البيانو في دموع الفتياتِ
. نزيفُ الحدائقِ يَغْسلُ بلاطَ الزنازين اللوزية . نَعَم ، سَيَنْبتُ اللوزُ في
سَقْفِ الزِّنزانة .
أرى في
عِظام الغيم صُورةَ أبي . والبراويزُ امتدادُ نحيبي في أُذن البارود . لن أفتخر
بفحولة الزبد أمام الصحراء العرجاء . ما فائدةُ أن أكون رومانسياً بين الأضرحة
اللوزية ؟ . تائهٌ أنا مُذ فقد الزعترُ قواه العقلية . أيتها الضِّباعُ التي تَقفز
في الشفق الدموي. لم يعد في أوردتي شمسٌ لكي يَخطبَ الزنابقَ الوحلُ النبيلُ .
يخافُ الطاعونُ أن يَنْظر في المرآة . يَخرج من ثقوب قلبي الدودُ. ومِن حُسْنِ
حَظِّ الغبار أن الصحراء ترمي حَواجِبَها في البِحار .
لم أستفدْ
من الكيمياء غَيْرَ صَداقةِ الجثث المتحلِّلة . فلا تَسأل الأمطارَ عن جُثمان أبي
الذي تتقاتل عليها الشجراتُ . يا صديقي المقتولَ ، إن الإجاباتِ تَنْبعُ من
عِظامِكَ فابحثْ في جبينكَ عن مدينتكَ الذبيحة . تتكاثر الضفادعُ في فُوَّهاتِ
جُروحي . والمساءُ يَحْرثُ أجفاني فتنامُ الخيولُ المرهَقةُ في أهدابي .
لا تُطلِقوا
الرصاصَ على قلب الشتاء . لا تُزعِجوا قَيْلولةَ السنابل . زَهْرةُ الخرابِ
وَرْدةُ السرابِ . تَسْكبُ الرياحين دماءها اللزجةَ في الغسق وتلتهم الديدانُ
أعضائي وأنا أَضحكُ . ويتوكأُ على جثتي المنتصِبةِ البحرُ المشلولُ .
لا وقتَ
للحزن يا صديقي . لا الزمانُ زماني ولا الطريقُ طريقي . وقفَ الليلُ على بابي فلم
أعرف أصابعي إلا في لمعان حريقي . أدركتُ حزناً يتقمص الأشجارَ فبكيتُ كالحائط في
أعالي شهيقي . أيها الصنوبرُ الآتي من دروبنا كالرعد يَكْسرُ حواجبَ المشنوقِ .
ذَهَبَ الضيوفُ إلى الضيوف وبَقِينا يا وطني غريبَيْن كدَهشة البروقِ .
وصايا القاتلِ
تُراثُ القتيلِ . وشجرةُ الزيتونِ الوحيدةُ سَتُغسِّل الليلَ بعد وفاته . أظلُّ
أَموتُ في الكهوف ، واحتضاري يُضيءَ طريقَ السنونو نحو الأناشيد . افرحي يا أُمِّي
، قد أثمرت عِظامُ الموتى زعتراً وفراشاتٍ ، والعناكبُ سَتُطْلِقُ اسْمِي على
الشَّارع الذي سأموتُ فيه .
سأتنازلُ عن
حَقِّي في عرش البكاء فلا تُشفِقي عليَّ أيتها السنابل . ذلك البلوطُ يُعلِّق
أكفانَ اليمام على جدائل اليتيماتِ . فاشكرْ الصبايا اللواتي يَرسمنَ قبورهنَّ على
سطوح القطارات. تتحركُ أشلائي حَسْبَ بُوصلةِ الذكريات. وليست الذاكرةُ سِوى
زُجاجةِ عِطْرٍ غامضٍ . إنني المِنجلُ الذي نَسِيَ موعدَ الحصاد ، وأنا الحاصِدُ
والحصَادُ .
https://www.facebook.com/abuawwad1982