سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] الإنسان والعلاقات الاجتماعية [14] بحوث في الفكر الإسلامي [15] التناقض في التوراة والإنجيل [16] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [17] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [18] عقائد العرب في الجاهلية[19]فلسفة المعلقات العشر[20] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [21] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [22] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [23]مشكلات الحضارة الأمريكية [24]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[25] سيناميس (الساكنة في عيوني)[26] خواطر في زمن السراب [27] أشباح الميناء المهجور (رواية)[28]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

29‏/03‏/2014

المتشابه في السنة النبوية / الجزء الثاني

المتشابه في السنة النبوية / الجزء الثاني

من كتاب/ قضايا تهم كل مسلم

تأليف: إبراهيم أبو عواد .

..........................

     [10] عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( يقول اللهُ تعالى : أنا عِند ظَن عَبدي بي ، وأنا معه إذا ذَكَرني ، فإن ذَكرني في نَفْسه ذكرتُه في نَفْسي ، وإن ذَكرني في ملأ ذَكرته في مَلأ خَير منهم ، وإن تقرَّب إِلَيَّ شِبراً ، تقرَّبتُ إليه ذِراعاً ، وإن تقرَّب إِلَيَّ ذِراعاً ، تقرَّبتُ إليه باعاً ، وإن أتاني يمشي أتيتُه هَرْولة )).{متفق عليه.البخاري( 6/ 2694)برقم( 6970) ، ومسلم ( 4/ 2061) برقم         ( 2675).}
     هذا الحديثُ يدل على أن الله تعالى هو الكريم الأكرم ، المتفضِّل على عباده ، والذي لا يُوجد أكرمُ مِنه . وفي فتح الباري ( 13/ 386 ) : (( والتقدير : إن ذَكَرني في نفْسه ذكرتُه بثواب لا أُطلِع عليه أحداً )) اهـ . وقال الحافظ في الفتح ( 13/ 490 ) : (( مَن ذَكَرني في ملأ ، أي من الناس بالدعاء والتضرع ذكرتُه في ملأ ، أي من الملائكة بالرحمة والمغفرة )) اهـ .
     والهرْولةُ بين المشي والعَدْو . ولا شَك ، أن اللهَ تعالى مُنَزَّهٌ عنها ، لأنها مشتملة على تغيرات وحركة ، وهذه من صفات الأجسام المخلوقة . واللهُ ليس جِسماً ، ولا تَطرأ عليه التغيُّرات . فتكون الهرْولة كناية عن سُرعة إجابة الله تعالى ، وقبولِ توْبة عبده ، ورحمته به . 
     قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 17/ 3) : (( هذا الحديث من أحاديث الصفات ويستحيل إرادة ظاهره . وقد سبق الكلام في أحاديث الصفات مرات . ومعناه : مَن تقرَّب إِلَيَّ بطاعتي تقرَّبتُ إليه برحمتي والتوفيق والإعانة . وإن زادَ زِدْتُ ، فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيتُه هَرْولة ، أي صَببتُ عليه الرحمةَ ، وَسَبَقْتُه بها، ولم أُحْوِجْه إلى المشي الكثير في الوصول إِلَيَّ )).
     [11] روى البخاري في صحيحه ( 5/ 2384) عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله قال : مَن عَادَى لي وَلِيَّاً فقد آذنتُه بالحرب ، وما تقرَّب إِلَيَّ عبدي بشيء أحب إِلَيَّ مِمَّا افترضتُ عليه ، وما يزال عبدي يتقرَّب إِلَيَّ بالنوافل حتى أُحبه ، فإذا أحببتُه كُنتُ سَمْعَه الذي يَسمع به ، وبصره الذي يُبصِر به ، ويده التي يَبطش بها ، وَرِجْله التي يمشي بها )) .
     لا يُوجد عاقلٌ يعتقد أن اللهَ تعالى يُصبِح سَمْعاً للإنسان ، وبَصراً ، ويداً ، ورِجْلاً .
     والمعنى: إن الله تعالى يَتَولاه بشكل كامل، ويُدافِع عنه، فيُصبِح الإنسانُ عائشاً مع الله تعالى، يقوم بأوامره ، ويَجتنب نواهيه .
     قال ابن دقيق العيد في شرح الأربعين النووية ( 1/ 100) : (( فهذه علامة ولاية الله لمن يكون الله قد أحبَّه ، ومعنى ذلك أنه لا يَسمع ما لم يأذن الشرعُ له بسماعه، ولا يُبصِر ما لم يأذن الشرع له في إبصاره ، ولا يمد يده إلى شيء ما لم يأذن الشرع له في مَدِّها إليه ، ولا يَسعى بِرِجْله إلا فيما أذن الشرعُ في السعي إليه )) اهـ .
     [12]عن أبي هريرة_ رضي الله عنه_ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( خلق اللهُ آدمَ على صُورته)) { متفق عليه. البخاري( 5/ 2299 ) برقم ( 5873 )، ومسلم ( 4/ 2183)برقم ( 2841).}
     قلتُ : ووجه الإشكال لفظة " صورته "، فمن العقائد الأساسية في الإسلام أن الله تعالى مُنَزَّه عن الصورة ، لأن الصورة تتألف من مكوِّنات مفتقرة إلى مصوِّر . 
     وهذا الحديثُ يمكن فَهْمُه كالآتي :
     أ ) الهاء تعود على بعض بني آدم . فعن أبي هُريرة _ رضي الله عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يَقُولَنَّ أحدُكم : قَبَّح اللهُ وَجْهَكَ وَوَجْهَ مَن أَشْبَهَ وَجْهَكَ ، فإن اللهَ خَلَقَ آدم على صُورته .
{ رواه ابن حبان في صحيحه ( 13/ 18 ) برقم ( 5710 ) . وقال : [ يُريد به على صورة الذي قِيل له : قَبَّح اللهُ وَجْهَكَ مِن ولده . والدليل على أن الخطاب لبني آدم دون غَيْرهم قوله صلى الله عليه وسلم: (( ووجه مَن أشبه وجهك )) ، لأن آدم في الصورة تُشبه صورة ولده ] اهـ .}
     ب) إن الهاء تعود إلى الله تعالى، والمعنى التشريف بالإضافة ، كقوله تعالى :  } أن طَهِّرا بَيْتِيَ للطائفين { [ البقرة : 125] .
     قال الحافظ في الفتح ( 11/ 3) : (( واختلف إلى ماذا يعود الضمير ، فقيل إلى آدم، أي خَلَقَه على صورته التي استمر عليها إلى أن أُهْبِط وإلى أن مات، دفعاً لتوهُّم مَن يظن أنه لَمَّا كان في الجنة كان على صفة أخرى ، أو ابتدأ خَلْقه كما وُجد ، لم ينتقل في النشأة كما ينتقل ولده من حالة إلى حالة.وقيل للرد على الدهرية أنه لم يكن إنسان إلا من نطفة، ولا تكون نطفة إنسان إلا من إنسان، لا أوَّل لذلك، فبيَّن أنه خُلق من أوَّل الأمر على هذه الصورة . وقيل للرد على الطبائعيين الزاعمين أن الإنسان قد يكون من فعل الطبع وتأثيره،وقيل للرد على القَدَرية الزاعمين أن الإنسان يخلق فعلَ نفسه ، وقيل إن لهذا الحديث سبباً حُذِفَ من هذه الرواية ، وأن أوَّله قصة الذي ضَرب عبدَه فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وقال له إن الله خلق آدم على صورته ... وقيل الضمير لله، وتمسَّك قائل ذلك بما ورد في بعض طُرقه على صورة الرحمن، والمراد بالصُّورة الصفة ، والمعنى أن الله خلقه على صفته من العِلم والحياة والسمع والبصر وغير ذلك،وإن كانت صفات الله تعالى لا يُشبهها شيء )) اهـ.
     وقال النووي في شرحه على صحيح مسلم ( 16/ 166): (( وأن مِن العلماء مَن يُمسك عن تأويلها ، ويقول نؤمن بأنها حق ، وأن ظاهرها غير مراد ، ولها معنى يليق بها ، وهذا مذهب جمهور السلف، وهو أحْوط وأسْلم. والثاني أنها تتأول على حسب ما يليق بِتَنْزيه الله تعالى وأنه ليس كَمِثْله شيء. قال المازري : هذا الحديث بهذا اللفظ ثابت ، ورواه بعضهم إن الله خلق آدم على صورة الرحمن{(1)} وليس بثابت عند أهل الحديث ، وكأن مَن نقله رواه بالمعنى الذي وقع له وغلط في ذلك. قال المازري : وقد غلط ابن قتيبة في هذا الحديث فأجراه على ظاهره وقال لله تعالى صُورة لا كالصُّوَر، وهذا الذي قاله ظاهر الفساد، لأن الصورة تفيد التركيب ، وكل مُرَكَّب مُحْدَث ، والله تعالى ليس بِمُحْدَث ، فليس هو مُرَكَّباً ، فليس مُصَوَّراً )) اهـ .
     [ 13] عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _قال : قال أناس يا رسول الله : هل نرى ربنا يوم القيامة ؟، فقال: (( هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب ؟ ))، قالوا: لا يا رسول الله، قال: (( هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ ))، قالوا: لا يا رسول الله، قال: (( فإنكم ترونه يوم القيامة ، كذلك يجمع الله الناس ، فيقول : من كان يعبد شيئاً فليتبعه ، فيتبع من كان يعبد الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت ، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم، فيقولون : نعوذ بالله منك  ، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا أتانا ربنا عرفناه ، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون فيقول : أنا ربكم ، فيقولون أنتَ ربنا )) .
{ متفق عليه. البخاري ( 5/ 2403 ) برقم ( 6204 ) ، ومسلم ( 1/ 163) برقم ( 182) .}
     قال الحافظ في الفتح ( 11/ 450و451 ): (( وأما نسبة الإتيان إلى الله تعالى فقيل هو عبارة عن رؤيتهم إياه ، لأن العادة أن كل من غاب عن غيره لا يمكن رؤيته إلا بالمجيء إليه ، فعبَّر عن الرؤية بالإتيان مجازاً . وقيل الإتيان فعل من أفعال الله تعالى يجب الإيمان به مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن سمات الحدوث . وقيل فيه حذف تقديره يأتيهم بعض ملائكة الله ، ورجحه عياض .
     قال  _ القاضي عياض  _ : ولعل هذا الْمَلَك جاءهم في صورة أنكروها لما رأوا فيها من سمة الحدوث الظاهرة على الْمَلَك لأنه مخلوق . قال : ... وهو أن المعنى يأتيهم الله بصورة أي بصفة تظهر لهم من الصور المخلوقة التي لا تشبه صفة الإله ليختبرهم بذلك، فإذا قال لهم هذا الملك: أنا ربكم، ورأوا عليه من علامة المخلوقين ما يعلمون به أنه ليس ربهم استعاذوا منه لذلك ، انتهى.
     وأما قوله بعد ذلك فيأتيهم الله في صورته التي يعرفونها فالمراد بذلك الصفة، والمعنى فيتجلى الله لهم بالصفة التي يعلمونه بها، وإنما عرفوه بالصفة وإن لم تكن تقدمت لهم رؤيته... وقد علموا أنه لا يشبه شيئاً من مخلوقاته ،  فيعلمون أنه ربهم ، فيقولون أنت ربنا ، وعبَّر عن الصفة بالصورة لمجانسة الكلام لتقدم ذكر الصورة .
     وقال ابن العربي : إنما استعاذوا منه أولاً لأنهم  اعتقدوا أن ذلك الكلام استدراج لأن الله لا يأمر بالفحشاء، ومن الفحشاء اتباع الباطل وأهله ، ولهذا وقع في الصحيح : فيأتيهم الله في صورة، أي بصورة لا يعرفونها ،  وهي الأمر باتباع أهل الباطل فلذلك يقولون  : إذا جاء ربنا عرفناه ، أي إذا جاءنا بما عهدناه منه من قول الحق .
     وقال ابن الجوزي : معنى الخبر يأتيهم الله بأهوال يوم القيامة ، ومن صور الملائكة بما لم يعهدوا مثله في الدنيا ، فيستعيذون من تلك الحال ، ويقولون إذا جاء ربنا عرفناه، أي إذا أتانا بما نعرفه من لطفه ، وهي الصورة التي عبَّر عنها بقوله : يكشف عن ساق ، أي عن شدة .
     وقال القرطبي : هو مقام هائل يمتحن الله به عباده ليميز الخبيث من الطيب ، وذلك أنه لما بقي المنافقون مختلطين بالمؤمنين زاعمين أنهم منهم ظانين أن ذلك يجوز في ذلك الوقت كما جاز في الدنيا امتحنهم الله بأن أتاهم بصورة هائلة قالت للجميع : أنا ربكم، فأجابه المؤمنون بإنكار ذلك لما سبق لهم من معرفته سبحانه، وأنه منزه عن صفات هذه الصورة ، فلهذا قالوا : نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئاً حتى إن بعضهم ليكاد ينقلب ، أي يزل فيوافق المنافقين . قال : وهؤلاء طائفة لم يكن لهم رسوخ بين العلماء ، ولعلهم الذين اعتقدوا الحق ، وحوَّموا عليه من غير بصيرة )) اهـ .
     قال الكوثري في تعليقه على كتاب الأسماء والصفات( ص 292) : (( اضطربت الروايات في ذكر الصورة ، والإتيان كما يظهر من استعراض طرق هذا الحديث ومتونه في الصحيحين وجامع الترمذي ، وتوحيد ابن خزيمة ، وسنن الدارمي وغيرها. ولم يسبق أن عرفوه على صورة ، فعُلِمَ أنه قد فعلت الرواية بالمعنى في الحديث ما فعلت ، على أن المنافقين محجوبون عن ربهم يوم القيامة ، فيكون هذا الحديث مخالفاً لنص القرآن ، إلا عند مَن يُؤوِّله تأويلاً بعيداً ، فالقول الفصل هنا هو الإعراض عن ألفاظ انفرد بها هذا الراوي، أو ذاك الراوي، باختلافهم فيها،والأخذ بالقدر المشترك من المعنى الذي اتفقوا عليه، فلعلك لا تجد في ذلك ما يوقعك في ريبة أو شبهة .. ويقول ابن العربي في عارضة الأحوذي  : إن الناس في هذه الحال لا يرونه سبحانه في قول العلماء  ، وإنما محل الرؤية الجنة .. بإجماع العلماء )) اهـ .
     [14] عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( فأمَّا النار فلا تمتلئ حتى يضع الله_تبارك وتعالى_رِجْلَه،تقول: قط قط قط، فهنالك تمتلئ ، ويزوي بعضها إلى بعض)).
{ متفق عليه.البخاري( 4/ 1836 ) برقم ( 4569 )، ومسلم( 4/ 2186 ) برقم ( 2846).}
     قلتُ : إن الله تعالى مُنَزَّه عن الجوارح ، وذلك أن الجوارح مركَّبة من أجزاء ، وبالتالي فلا بد أن  يكون هناك جزء قبل جزء ، وهذا يفيد الحدوث _ وجود الشيء بعد إذ لم يكن  _ ،  وكل الحوادث تفتقر إلى مُحْدِث ، والله تعالى قديم لا يوصف بالحدوث . كما أن الجوارح دليل نقص في الكائن الحي  ، لأنه لا يقدر على القيام بأعماله إلا باللجوء إلى جوارحه من يد ورِجْل وفم  ، وغير ذلك . والله تعالى غني عن كل شيء ، وكل شيء فقير إليه . وقد وردت لفظة " قدمه " بدلاً من   " رِجْله " في روايات صحيحة ثابتة ، ولهما نفس التأويل .  
     وقد أحاط الإمام النووي بكافة الاحتمالات الممكنة لفهم هذا الحديث الشريف بشكل موجز غير مخل ، فقال في شرحه على صحيح مسلم ( 17/ 182و183 ) : (( اختلاف العلماء فيها على مذهبين : أحدهما وهو قول جمهور السلف وطائفة من المتكلمين ، أنه لايتكلم في تأويلها ، بل نؤمن أنها حق على ما أراد الله ، ولها معنى يليق بها ، وظاهرها غير مراد . والثاني : وهو قول جمهور المتكلمين أنها تتأول بحسب ما يليق بها ، فعلى هذا اختلفوا في تأويل هذا الحديث  ،  فقيل : المراد بالقدم هنا المتقدِّم ، وهو شائع فى اللغة ، ومعناه حتى يضع الله تعالى فيها من قدَّمه لها من أهل العذاب. قال المازري والقاضي : هذا تأويل النضر بن شميل ونحوه عن ابن الأعرابي . الثاني : أن المراد قدم بعض المخلوقين فيعود الضمير في قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم  ، الثالث : أنه يحتمل أن في المخلوقات ما يسمى بهذه التسمية. وأما الرواية التي فيها يضع الله فيها رِجْلَه فقد زعم الإمام أبو بكر بن فورك أنها غير ثابتة عند أهل النقل، ولكن قد رواها مسلم وغيره، فهي صحيحة ، وتأويلها كما سبق في القدم، ويجوز أيضاً أن يراد بالرِّجْل الجماعة من الناس، كما يقال رِجل من جراد ، أي قطعة منه. قال القاضي : أظهر التأويلات أنهم قوم استحقوها وخُلِقوا لها . قالوا : ولا بد من صرفه عن ظاهره لقيام الدليل القطعي العقلي على استحالة الجارحة على الله تعالى )) اهـ .
     وقال الإمام ابن الجوزي في دفع شُبه التشبيه (ص 170): (( الواجب علينا أن نعتقد أن ذات الله تعالى لا تَتَبَعَّض ، ولا يحويها مكان ، ولا توصف بالتغير ولا بالانتقال )) اهـ .
     [15] عن أبي هريرة _ رضي الله عنه _ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( يَنْزل رَبُّنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر ، يقول : مَن يدعوني فأستجيب له ، من
يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له )). { متفق عليه . البخاري ( 1/ 384 ) برقم ( 1094) ، ومسلم ( 1/ 521 ) برقم ( 758) .}
     قلتُ: إن الله تعالى مُنَزَّه عن الحركة ، لأن الحركة انتقال من مكان إلى مكان ، ومن كان هكذا شأنه  ، فهو حادث ، والله تعالى قديم . كما أنه تعالى مُنَزَّه عن المكان والزمان ، فكان الله ولا أين ، وهو الآن حيث كان، وهو الآن كما كان. وأيضاً فإن الله تعالى لا يحل في الأشياء، ولا تحل الأشياء فيه، فما كان محل الحوادث فهو حادث، وما خالطته الحوادث فهو حادث ، وكل الحوادث مفتقرة إلى مُوجِد ، والله تعالى غني عن كل شيء ، وهذا ينفي صفة الحدوث عن ذاته العلية .
     قال الحافظ في الفتح ( 3/ 30و31) : (( قوله : يَنْزل ربنا إلى السماء الدنيا . استدل به من أثبت الجهة ، وقال : هي جهة العلو . وأنكر ذلك الجمهور ، لأن القول بذلك يُفضي إلى التحيز  _ تعالى الله عن ذلك  _. وقد اختلف في معنى النُّزول على أقوال : فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته ، وهم المشبِّهة _تعالى الله عن قولهم _ . ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة،وهم الخوارج والمعتزلة، وهو مكابرة. والعجب أنهم أوَّلوا ما في القرآن من نحو ذلك، وأنكروا ما في الحديث ، إمَّا جهلاً وإمَّا عناداً . ومنهم مَن أجراه على ما ورد ، مؤمناً به على طريق الإجمال مُنَزِّهاً الله تعالى عن الكيفية والتشبيه، وهم جمهور السلف . ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة  والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم . ومنهم من أوَّله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب ، ومنهم من أفرط في التأويل حتى كاد أن يخرج إلى نوع من التحريف ، ومنهم من فصَّل بين ما يكون تأويله قريباً مستعملاً في كلام العرب ، وبين ما يكون بعيداً مهجوراً  ، فأوَّل في بعض وفوَّض في بعض، وهو منقول عن مالك ، وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد ...والحاصل أن تأوله بوجهين : إما بأن المعنى ينزل أمره أو الْمَلَك بأمره،وإما بأنه استعارة بمعنى التلطف بالداعين والإجابة لهم ونحوه  .  وقد حكى  أبو بكر بن فورك أن بعض المشايخ ضبطه بضم أوله على حذف المفعول أي يُنْزِل مَلَكاً {(2)} ... وقال البيضاوي: ولَمَّا ثبت بالقواطع أنه سبحانه مُنَزَّه عن الجسمية والتَّحيُّز امتنع عليه النُّزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه، فالمراد نور رحمته، أي ينتقل من مقتضى صفة الجلال التي تقتضي الغضب والانتقام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرأفة والرحمة )) اهـ .
     وقال ابن الجوزي في دفع شبه التشبيه ( ص 194و196) : (( وقد روى حديث النُّزول عشرون صحابياً ، وقد سبق القول أنه يستحيل على الله _ عز وجل _ الحركة والنُّقْلة والتغير ... والواجب على الخلق اعتقاد التَّنْزيه ، وامتناع تجويز النُّقْلة ، وأن النَّزول الذي هو انتقال من مكان إلى مكان يفتقر إلى ثلاثة أجسام : جسم عالٍ ، وهو مكان الساكن ، وجسم سافل ، وجسم ينتقل من علو إلى أسفل، وهذا لا يجوز على الله تعالى قطعاً . فإن قال العامي : فما الذي أراد بالنُّزول ؟، قيل: أراد به معنى يليق بجلاله لا يلزمك التفتيش عنه ، فإن قال : كيف حدَّث بما لا أفهمه ؟ ،قلنا: قد علمت أن النازل إليك قريب منك ، فاقتنع بالقرب ولا تظنه كقرب الأجسام )) اهـ . 
     كلمة أخيرة : في موضوع المتشابِه هناك صراع كبير على الألفاظ والمعاني والمصْطَلَحَات . فاللفظةُ الواحدةُ قد تَحمل عِدَّة معانٍ بحسْب الجهة التي تتبنَّاها . فاللفظةُ الواحدةُ قد تكون عند المعتزلة بمعنى مُعيَّن، وعند الأشاعرة بمعنى آخر، وعند الذي يُسمُّون أنفسهم بالسلفيين بمعنى ثالث ، وعند الفلاسفة بمعنى رابع . وهذه النقطة غاية في الخطورة .
     قال ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية ( 1/ 117 ) : (( إنه من المعلوم أن طوائف كثيرة من المسلمين وسائر أهل الملل لا يقولون بحدوث كل جسم ، إذ الجسم عندهم هو القائم بنفْسه ، أو الموجود ، أو الموصوف )) اهـ . وهذا الكلامُ إِن صَحَّ ، فهو يُشير إلى المسألة التي عَرَضْناها . فقد يُطلِق أحدُهم لفظ " الجِسم " على الله تعالى ، وهو يَقصد به الموجود . وقد يتم تكفيره مِن قِبَل علماء آخرين ، لأنهم يَعتقدون أن كُلَّ جِسم حادثٌ ومُكوَّنٌ من أجزاء مفتقرة إلى بعضها البعض ، واللهُ تعالى مُنَزَّه عن الجِسمية والتبعيض والتركيب والأجزاء . وهناك مسألة مُهمَّة ، وهي ضرورة التفريق بين الاشتراك في اللفظ والاشتراك في المعنى . فالمخلوقُ سميعٌ بصير ، والخالقُ سميعٌ بصير . فهناك اشتراك في اللفظ ، ولكنْ لا يوجد اشتراك في المعنى ، لأن صفات الله تعالى صفات قديمة لا تُشبِه شيئاً ولا يُشبِهها شيء . أمَّا صفات المخلوق فهي صفات مخلوقة محدودة وناقصة . فاللفظُ واحد ، لكنَّ المعنى مختلف .
....................الحاشية.........................
{(1)} (158) رواه الطبراني في الكبير ( 12/ 430 ) بلفظ " لا تُقبِّحوا الوجهَ فإن ابنَ آدم خُلِقَ على صورة الرحمن تعالى " . قال الحافظ في الفتح ( 5/ 183 ) : (( وقال حرب الكرماني في كتاب السُّنة: سمعتُ إسحاق بن راهويه يقول : صَحَّ أن الله خلق آدم على صورة الرحمن . وقال إسحاق الكوسج : سمعتُ أحمد يقول : هو حديث صحيح )) اهـ . وقال العَيْني في عمدة القاري ( 13/ 116 ) عن زيادة عبارة " صورة الرحمن" : (( أخرجها ابن أبي عاصم في السُّنة ، والطبراني من حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات )) اهـ . وقال ابن الجوزي في دفع شُبه التشبيه ( ص 146) : (( هذا الحديث فيه ثلاث عِلَل ، أحدها : أن الثوري والأعمش اختلفا فيه ، فأرسله الثوري ، ورفعه الأعمش . والثاني : أن الأعمش كان يُدلِّس فلم يَذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت . والثالثة : أن حبيباً كان يُدلِّس فلم يُعلم أنه سمعه من عطاء . قلتُ : وهذه أدلة توجب وهناً في الحديث ، ثم هو محمول على إضافة الصورة إليه مُلْكاً )) اهـ . وقال الهيثمي في المجمع ( 8/ 198 ) : (( رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير إسحاق بن إسماعيل الطالقاني وهو ثقة ، وفيه ضعف )) اهـ .

{(2)} يؤيد هذا الرأي ما رواه النسائي في سُننه الكبرى ( 6/ 124) : عن أبي هريرة وأبي سعيد  _ رضي الله عنهما_ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إن الله _ عز وجل_ يُمهل حتى يمضيَ شَطر الليل الأول ، ثم يأمر منادياً ينادي، يقول : هل من داع يستجاب له ؟ ، هل من مستغفر يغفر له ؟ ، هل من سائل يعطى ؟)). قال القرطبي في تفسيره ( 19/ 34 ) : (( صحَّحه أبو محمد عبد الحق )) اهـ .
facebook.com/abuawwad1982