سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] الديانات في القرآن الكريم [16] بحوث في الفكر الإسلامي [17] التناقض في التوراة والإنجيل [18] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [19] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [20] عقائد العرب في الجاهلية[21]فلسفة المعلقات العشر[22] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [23] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [24] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [25]مشكلات الحضارة الأمريكية [26]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[27] سيناميس (الساكنة في عيوني)[28] خواطر في زمن السراب [29] أشباح الميناء المهجور (رواية)[30]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

31‏/05‏/2016

الثقافة الشعرية والثورة الاجتماعية

الثقافة الشعرية والثورة الاجتماعية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

..........................

    إن اللغة الشِّعرية هي تاريخُ الثورة وجغرافيا الأحلام التي تظل تطرح أسئلة المسار والمصير ، وتبث الوعي بالمكتسبات الحضارية . ومن هنا تنبع أهمية الاتجاهات الشِّعرية الحيوية في تدعيم التفاعل اللغوي مع الأبعاد الاجتماعية للأبجدية الذهنية العائشة في الواقع الصاعق ، من أجل تحويل المجتمع الهامشي الذي فقد الثقةَ بنفْسه _ بسبب ابتعاده عن مرجعية الهوية الحضارية المركزية _ إلى مجتمع مُؤَثِّر واثق بنفْسه ، يبثُّ قِيَمَه الحضارية في كل الاتجاهات ، ضمن منهجية تصدير شامل للثقافة المعرفية الحقيقية ، ليس بهدف استنْزاف الآخر حتى الرمق الأخير، وإنما بهدف انتشال الذات الكلية من الذوبان في الذوات الجزئية، ومنحِ الأمل للذين يفتقدونه، ومد يد العون للآخرين من أجل إنقاذهم معرفياً .
     والتصورُ الذي تحمله الأبجديةُ الشِّعرية عن العالَم ، ينطلق من الأبعاد الحضارية لهوية مركز المعنى، وهكذا نضمن تثويراً متواصلاً تفسيرياً للمنحى الأخلاقي المتأجج . ولأن تكريسَ الذات الإنسانية وإعطاءَها بعداً ثقافياً كلياً امتدادٌ لوجود القصيدة كَطَوْر لا بد منه في تشكيل الوعي المجتمعي، كان لزاماً تحويل الأنساق الاجتماعية السلبية إلى مدلولات وظيفية قادرة على تنقية بُنى الخيال الواقعي ، وتدعيمِ الذاتية الجماعية بأسس صلبة تأتي من المعرفية السببية للتفسير الأدبي الذي لا يكتفي بالنقد المجرَّد ، وإنما يُزاوِج بين النقد التطبيقي والشكِّ المنهجي ، ويتفاعل مع الوظيفة الاجتماعية لعناصر الطبيعة المحيطة بنا .
     والتفاعلُ بين الثقافة القصائدية والثقافةِ الاجتماعية ، يَحول دون تحول النَّص إلى ماديات متراكمة موغلة في الرموز المبهَمة التي تصل إلى حد الطلاسم . وتحوُّلُ النص إلى أُحجية مُشفَّرة سيحشر الثقافةَ في خانة الشعوذة ، ويؤدي إلى تفكيك دور الثقافة المحوري في انتشال الفرد والجماعة من المأزق الوجودي التراكمي .
     ومن أجل زيادة التصاق الجماهير بالبعد الثقافي الحياتي، لا بد من تفعيل الإشارات الاجتماعية في جسد التطور الشِّعري . وفي هذه الحالة تنشأ علاقات مُصاهَرة بين المجتمع والثقافة ، مِمَّا يؤدي إلى الارتقاء بتاريخ الفرد بعيداً عن التنميط، ورفعِ مكانة الجماعة فوق أسوار التدجين ، ورفضِ منطق القطيع الذي يُقاد ولا يَقود . 

30‏/05‏/2016

انقلابات الكتابة الشعرية

انقلابات الكتابة الشعرية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

...........................

 إن الكتابة الشِّعرية تُوجِّه الأبجديةَ نحو تحطيم صخرة الهزيمة الجاثمة على صدور البشر ، والتي تمنعهم من اكتشاف ذواتهم ومجتمعاتهم . فالقصيدة أملٌ جديد لحياة فُضلى تستند إلى قوة المجتمع ، الذي يحاول فَكَّ طلاسم مأزقه الوجودي ، كي ينتقل من طَوْر التبعية والهزائم الروحية والمادية إلى أطوار الحلم الذاتي والتنقيب المتواصل، التنقيبِ عن الإنسان وعواطفه، واكتشاف مدى أحلامه وتجذيرها بما يتلاءم مع رؤية الهوية الحضارية.
     وكما أن الأفق الشعري يُسلِّح الأبجديةَ بالقيم الثورية النبيلة لمواجهة انكسارات الحلم ، فإن الأبجدية تُسلِّح المجتمعَ الإنساني بالعاطفة القادرة على مواجهة التحديات المصيرية.وعمليةُ التسليح هذه من شأنها منع الذاكرة الإبداعية من التآكل ، وحماية المجتمع الإنساني من التحول إلى جثة مُحنَّطة . والفاعليةُ القصائدية هي الضمانة الأساسية لاستمرار الحركة الإنسانية بكل تأجج وتدفق وسلاسة . الأمرُ الذي يضخ الدمَ في شرايين المجتمع بشكل دائم ، لذا فإن الثقافة الشِّعرية تحرس الوجود البشري من الموت البطيء والسريع على السواء . والقصيدةُ _ بما تملكه من تقنيات إيداعية وآليات فكرية _ تبعث الخلودَ في أوصال المجتمع ، وتنقله من تحديات الغياب إلى عنفوان الحضور، ومن هواجس الانطفاء إلى فاعلية اللمعان. وفي ظل هذا الجو الثقافي الحقيقي يتزايد الاعتراف بشرعية النشاط الحيوي الهادر لهذا الكائن الحي المتفوق( القصيدة ) .     
     وكما أننا نستثمر في جسد القصيدة لنُولَد من جديد ، فإن القصيدة تستثمر فِينا ليتعزز وجودُها في الذاكرة البشرية تاريخاً للحُلم المنبوذ، وجغرافيا للحالم المنفيِّ. وبعبارة أخرى ، إن النص الشعري يخترع _ بصورة متواصلة _ أمكنةً وأزمنة جديدة ، ويُؤجِّج العناصرَ الرمزية للهوية الإبداعية لئلا نصبح جزءاً مَاضَوِيَّاً يرتدي قناع المستقبل . وكلما مضينا في سبيل تفعيل الوعي الإنساني بالعناصر الشِّعرية ، اكتشفنا القيمةَ الرمزية الماورائية للزمان والمكان .

     والزمانُ الجديد الذي تبتكره القصيدةُ ، يُعطي للوجود الخيالي بعداً واقعياً شديد التماس مع الحاجات الإنسانية . أمَّا المكانُ الجديد الذي يُولَد من رَحِم القصيدة ، فَيُعطي لبنية الثقافة العمومية زخماً حضارياً متفاعِلاً مع الإنسانيات المتمردة . وهذا التشابك المتين بين عناصر المجتمع البشري ، يضع الثقافةَ في أقصى مداها الاجتماعي ، بحيت يتحول الفرد إلى صانع للأحداث وليس متفرجاً عليها ، وتتحول البنى الاجتماعية إلى خلايا نحل دؤوب .

29‏/05‏/2016

الرؤية عبر مجهر القصيدة

الرؤية عبر مجهر القصيدة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.............................

  تتجلى أهمية القصيدة في كَوْنها استثماراً في جسد اللغة الحي والحركةِ الطبيعية للتاريخ. وبالتالي فإن الكتابة الشعرية تخترع تاريخاً جديداً للعناصر . مما يدفع باتجاه تعميق الدلالة الواعية للبناء الاجتماعي الذي يسبر أغوارَ المجتمع الذي يعيش فِينا على شكل أفكار وقصائد وتجارب فلسفية وجدانية تأخذ بأيدينا نحو الضفة الأخرى للحُلم ، حيث تقيم ثقافةُ الأسئلةِ مَمْلَكَتَهَا الكبرى .
     ومن خلال ترسيخ الفكر الشِّعري كحالة معرفية عمومية ، فإن مبدأ التجاوز سوف يتجذر في الجسد القصائدي ، أي إن تدفق القصيدة السلس والعارم سيجعل تقنياتِ النص الشعري تتجاوز ذاتها نحو شكل ثقافي أكثر تأججاً . وهذه الشكل القصائدي الذي يلد نفْسَه باستمرار ضمانةٌ حقيقية للخلود والديمومة، لأنه عملية تكاثر مستمرة لا تتوقف. والكتابةُ الشعرية هي خلايا فكرية مشتعلة تواصل لمعانها بفعل تراكمها وانقسامها . وهذا الانقسام لا يعني تشتت الفكر الشِّعري وضياعه، وإنما يعني كثرة الولادات وتزايد الفروع التي تنتهي إلى أصل واحد ( القصيدة ) .
     إن البنيةَ الفكرية المرتبطة بتأثير القصيدة في الزمان والمكان نابعةٌ من ثنائية (الحراك/ التحريك)، أي صناعة حراك اجتماعي فعَّال وقادر على احتضان الجميع بلا إقصاء ، وتحريك الماء الراكد في المجتمع عبر كسر الجمود والمللِ الوظيفي. والمجتمعُ المشلول بحاجة إلى الصدمة الكهربائية( القصيدة) التي تعيد الحياة إلى الخلايا الاجتماعية الميتة . وهنا تبرز أهمية الجرعات الشِّعرية في صعق الجسد المريض لإحيائه . ومن خلال هذا الدَّور الثقافي الفعال في الإطار الاجتماعي ، تتضح أهميةُ الأبجدية الشِّعرية التي تقاتل على كل الجبهات. فالشِّعرُ أبجديةٌ تلد نفْسَها لتعيد الحياةَ إلى المجتمع ، وهذا الالتصاق الوثيق بالحياة يُعطي الشرعيةَ لكل الأشكال الثقافية الطامحة إلى تحرير الجماعة البشرية من الخوف والوهم.

     وكلما بحثنا عن أدوار اجتماعية للنص الشِّعري ، اكتشفنا نقاطَ القوة في كيان المجتمع . وكثيرٌ من المجتمعات تظن نفْسها ضعيفة مع أنها عكس ذلك . وهنا يتجلى دور القصيدة في رؤية ما لا تراه العينُ المجرَّدة . وبالتالي فإن النَّص الشِّعري _ في حقيقة الأمر _ عبارة عن مِجهر يكشف لنا العناصرَ الماورائية. مِمَّا يقود إلى اكتشاف رموز جديدة لتاريخ الحلم الاجتماعي، وتكوينِ تفسيرات جديدة للسلوك الشِّعري وارتباطه بالحلم الإنساني الطامح إلى التغيير .

27‏/05‏/2016

معالم وظيفة القصيدة

معالم وظيفة القصيدة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.....................

    إن القصيدة لا تستمد شرعية وجودها من عناصرها الجمالية فَحَسْب ، فهي منظومةٌ إنسانية متكاملة تعبر حدودَ الأبجدية اللغوية نحو تكوين أبجدية اجتماعية متماسكة تنقل المجتمع البشري من الانغلاق إلى الانفتاح ، ومن الإقصاء إلى الاحتضان ، ومن العنف إلى الحوار ، ومن القمع إلى الحرية. وهذا الدور الوجودي الهام التي تضطلع به القصيدة يعكس أهميةَ الإبداع في نهضة المجتمع،والعلاقةَ الوثيقة بين الفنون الأدبية وبيئتها الاجتماعية. ولا فائدة من الأدب إذا ظل حبيساً في حِبر الكتب والجرائد. ولا فائدة للفن من أجل الفن . وهذا يشير إلى ضرورة تثبيت الفكر الإبداعي في أوصال المجتمع لكي تختلط الثقافة بالطبيعة البشرية ، بحيث تصبح العلاقة بينهما تكاملية غير قابلة للانفصال . وعندئذ سوف تترسخ القيمة الفكرية كطَوْق نجاة للفرد والجماعة .
     ومن أجل كسر عُزلة النص الشعري وغربته المتفاقمة ، لا بد من إنهاء غربة الفرد روحياً ومكانياً. وهذا لا يتأتى إلا عن طريق اعتبار خصائص المجتمع البشري وحداتٍ أولية لأبجدية الشِّعر اللغوية ، الأمر الذي يؤدي إلى بعث الحيوية في داخل الثقافة القصائدية . وكلما غاصت القصيدةُ في مشكلات الحياة اليومية وأزماتِ الإنسان ومعاناته، ازداد تعلق الجمهور بالشِّعر واعتباره خط الدفاع الأول عنهم . وعندئذٍ تحصل الثقة المتبادَلة بين الفكرة اللغوية والفكرة الاجتماعية . وهذه الثقة بالغة الأهمية ، لأنها زواج شرعي بين الثروة الإنسانية والسُّلطة الشِّعرية من أجل إنقاذ المجتمع لا سرقته . وإذا حافظنا على ديمومة هذا الزواج فإن المجتمع الإنساني سوف يعيد اكتشاف نفْسه ، وترتيب أوراقه ، واستئصال نقاط ضعفه ، وتدعيم مراكز قوته . كما أن القصيدة ستسعى إلى اكتشاف ملامحها العابرة للحدود، لأن القصيدة الحقيقية إنما تكون وراء القصيدة ، والمعنى الحقيقي إِنما يَكون بين السُّطور . ومن خلال هذا الحراك الثقافي والاجتماعي يتولد تاريخٌ جديد يوازن بين المعطيات الشعورية للفرد والحياةِ الاجتماعية الضاغطة، ولا يعتمد على نفي العناصر الإنسانية ، أو انتهاج سياسة الإقصاء . والقصيدةُ الحقيقية تسترجع تاريخَ العناصر المنبوذة ، لكي تعيد دمجه في السياق الطبيعي لحركة المجتمع، وتسترجع _كذلك_ قيمَ الرفض التي تم إقصاؤها ، من أجل إعادة إنتاجها بما يضمن صناعة مجتمع الحوار وتعدد وجهات النظر الداعمة للحراك الشعبي الإيجابي. لذا فإن القصيدة _ باعتبارها منظومة إنقاذ عامة _ تعمل على توجيه كل الجداول في نهر واحد ، وإعادة القطار الإنساني إلى السِّكة . وهذه هي وظيفة القصيدة في قلب المجتمعات الحية . 

26‏/05‏/2016

السلوك الاجتماعي للثقافة الشعرية

السلوك الاجتماعي للثقافة الشعرية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

..........................

    تُجسِّد الأبجديةُ الخيالية قوةَ الواقع في أقصى تمرده وتدفقه وانفعاله، لذا فمن الطبيعي أن تكون اللغة كائناً حياً يواصل النمو، وفكرةً محسوسة في تفاصيل الهوية الثقافية للفرد الجمعي . وما يدفعنا إلى رؤية أبعاد الهوية الإنسانية داخل هوية اللغة الشعرية ، هو الاستعداد البشري الفِطري لتوليد شعور قائم على النظر من زوايا متعددة للتجربة اللغوية العاطفية . فالشِّعرُ لم يأتِ للتسلية أو ملء وقت الفراغ . إنه توهجُ الفكر الجمعي للمجتمعات ، ومرجعيةُ الإحساس المعرفي الثائر المتمرد الصادم ، ليس من أجل الصدمة ، وإنما من أجل إيقاظ الناس من العدم ، وزرعهم في نخاع المجتمع القادر على النفي والإثبات ، والنقد ، والنقض . ولا يمكن للمجتمع أن يمتلك حريته إلا إذا انتقل الأفراد من عالم الوهم إلى عالم الحقيقة ، ومن منهجية رد الفعل إلى منهجية الفعل .

     وإذا تكرست منهجية الفعل الإبداعي في أوصال المجتمع ، فإن نظاماً ثقافياً سينشأ بعيداً عن التنميط، ونسخِ تجارب الآخرين، وهذا الأمر بالغ الأهمية. إذ إن ترديد المقولات الجاهزة ، وتثبيت الأوهام المتوارَثة كمسلَّمات ، والرضا بالأفكار المعلَّبة التي اعتاد عليها الناس ، كلُّ هذه العناصر من شأنها صناعةُ مجتمع يرتدي قناعَ الثقافة ، ويقتل الأدبَ باسم الأدب ، ويلغي وجودَ القصيدة باسم القصيدة . والمجتمعُ الحقيقي هو الذي يجرؤ على طرح الأسئلة والبحث عن إجابات حاسمة لا تلفيقية . وهذا المجتمع الحي والحر ليس عنده ما يخفيه أو يخجل منه . ومن خلال هذا المنظور يتحول المجتمع الإنساني الثقافي إلى أبجدية جديدة لها حروفها الخاصة ودلالاتها المتحركة في مدارات مفتوحة على الإبداع حيثما وُجد . وهذا الأمر يُحتِّم علينا ترسيخ ثقافة الحفريات في لغتنا الخصوصية لنحصل على أبجدية خاصة بكل فرد مِنَّا ، من أجل تكوين لغة ثقافية للمجتمع نابعة من حرية التفكير الذي يقود إلى حراك اجتماعي حقيقي تكون فيه الثقافةُ العمودَ الفقري ، والقصيدةُ هي مركز الشرارة الأبجدية التي تطمح إلى إنقاذ المجتمع لا ابتزازه ، لأن الشِّعر ليس صفقة تجارية أو ورقة ضغط ، بل هو طَوْق نجاةٍ للفرد والجماعة . وهكذا ، فإن الحياة الثقافية المتشكِّلة وفق أبعاد متمردة على القوالب الجامدة للقصيدة ، سوف تزدهر كلما شَيَّدْنا العملياتِ السيكولوجية التي تقود فِعْلَ الكتابة نحو ابتكار نُظم اجتماعية عَصِيَّة على التدجين ، وتأسيسِ حقائق وجدانية تتعامل مع جغرافيا القصيدة ، تلك الجغرافيا المؤرَّخة بتواريخ الرفض الذي ينقل الجماعة البشرية من طَوْر الكبت إلى طَوْر الانطلاق الواعي . 

24‏/05‏/2016

التشابه بين عقائد الشيعة وعقائد اليهود

التشابه بين عقائد الشيعة وعقائد اليهود

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

...................

عن عبد الرحمن بن مالك بن مِغْوَل عن أبيه قال : قال لي الشَّعبيُّ : أُحَذِّرُكم هذه الأهواء الْمُضِلَّة ، وشَرُّها الرافضة ، لَم يدخلوا في الإسلام رَغبة ولا رَهبة ، ولكنْ مَقْتاً لأهل الإسلام وبَغياً عليهم ، قد حرقهم عليٌّ _ رضي الله عنه _ بالنار ، ونفاهم إلى البلدان ، منهم : عبد الله بن سبأ يهودي من يهود صنعاء نفاه الى ساباط ، وعبد الله بن يسار نفاه إلى خازر . وآية ذلك أن محنة الرافضة محنة اليهود ، قالت اليهود : لا يَصْلُح الْمُلْكُ إلا في آل داود ، وقالت الرافضة : لا تصلح الإمامة إلا في ولد عليٍّ . وقالت اليهود : لا جهاد في سبيل الله حتى يَخرج المسيح الدجال، ويَنْزل سيف من السماء، وقالت الرافضة: لا جهاد في سبيل الله حتى يَخرج المهديُّ ، وينادي مُنادٍ من السماء . واليهود يُؤخِّرون الصلاةَ إلى اشتباك النجوم ، وكذلك الرافضة يُؤخِّرون المغرب إلى اشتباك النجوم...واليهود تزول عن القِبلة شيئاً وكذلك الرافضة. واليهود تَنُودُ(تتمايل) في الصلاة وكذلك الرافضة. واليهود تُسْدِل أثوابَها في الصلاة وكذلك الرافضة ، واليهود لا يَرَوْنَ على النساء عِدَّة وكذلك الرافضة ، واليهود حَرَّفوا التوراةَ وكذلك الرافضة حَرَّفوا القرآن. واليهود قالوا : افترضَ اللهُ عَلَينا خمسين صلاة وكذلك الرافضة ، واليهود لا يُخْلِصُون السلام على المؤمنين ، إنما يقولون : السَّام عليكم ، والسام الموت . وكذلك الرافضة . واليهود لا يأكلون الجري والمرماهي والذُّناب وكذلك الرافضة. واليهود لا يَرَوْنَ المسح على الخفين وكذلك الرافضة. واليهود يستحلون أموال الناس كُلَّهم وكذلك الرافضة ... واليهود تسجد على قُرونها في الصلاة وكذلك الرافضة. واليهود لا تسجد حتى تخفق برؤوسها مِراراً شِبْه الركوع وكذلك الرافضة. واليهود تُبغض جبريل ويقولون هو عدونا من الملائكة ، وكذلك الرافضة يقولون : غَلِطَ جِبريل بالوَحْي على محمد صلى الله عليه وسلم . وكذلك الرافضة وافَقوا النصارى في خَصْلة النصارى ليس لنسائهم صَداق إنما يَتمتَّعون بهنَّ تَمَتُّعاً ، وكذلك الرافضة يتزوَّجون بالْمُتعة ويستحلون الْمُتعة . وفُضِّلت اليهودُ والنصارى على الرافضة بِخَصْلتَيْن سُئلت اليهود : مَن خَير أهل مِلَّتكم ؟ ، قالوا : أصحاب موسى. وسُئلت النصارى: مَن خَير أهل ملتكم ؟، قالوا : حَوارِيُّ عيسى. وسُئلت الرافضة : مَن شَر أهل ملتكم ؟ ، قالوا : أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .

[ منهاج السُّنة النبوية ( 1/ 23و24و25و26و27) ].

23‏/05‏/2016

مراحل ولادة الإيقاع في القصيدة

مراحل ولادة الإيقاع في القصيدة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

...........................

     مما لا شك فيه أن الفكر المتجسد في أبجدية الشعر ينبع من حرارة التعبير وانسيابِ المعاني. وكلما زادت حرارة التجربة ، ذابت الفروق بين الشِّعر والنثر . والشِّعر لا تحدده الأوزانُ الشِّعرية بقَدْر ما يحدده الخيال الواقعي الصاعق. وهكذا تتركز حرارة الأداء التعبيري في قلب اللغة الرامية إلى كسر الرؤى الشعرية الركيكة، وتوليدِ إيقاع شِعري متفجر في روح أبجدية النَّص .
     وبما أن الكلمة سُلطة ، فإن امتدادها سيكون بالغ التكثيف والانتشار والتاثير في أوصال المجتمع، مما يدفع باتجاه صناعة عناصر لغوية ثورية ، وسكبها في عوالم الكتابة الشعرية . وفي واقع الأمر ، فإن الشاعر الرائي لا يَكتب ، وإنما يَنحت في جسد اللغة تاريخاً جديداً للإنسان وأحلامه . وهذا النحتُ المتواصل هو شرعية التفاعل بين الكلمة وطبيعةِ المجتمع الإنساني . والرموز اللغوية المنتشرة في عوالم القصيدة هي متواليات عاطفية تربط التدفقَ الذهني بالصور الجمالية . وهذا يؤدي إلى تكريس اللغة الشعرية كأبجدية ذات رؤية استقلالية . وكلما وسَّعت اللغةُ أحلامَنا ، وسَّعنا مستوياتِنا المعرفية بأبجدية ثورية جديدة لا تخلع الأبجديةَ الأم .
     إن كثرة الولادات الشعرية المتوافقة مع صياغة المجتمع الإنساني الجديد، ستضمن ولادة سلسة للإيقاع في طبيعة الكتابة الشعرية . وهذه الولادة بالغة الأهمية ، لأن الإيقاع المتشظي في رئة اللغة، هو العنصر الأشد تأثيراً على مسار القصيدة وتماسكها . وإذا استطاع الإيقاعُ الحفاظَ على خط سَيره دون انحراف فإن انقلاباً شاملاً سيحدث في أبجدية الشِّعر ، ويُنتج لغةً مُحلِّقة ولا نهائية . وهذا يشير إلى ماهية القصيدة باعتبارها مساحةً غير محدودة ، ونصاً مفتوحاً على كل الاحتمالات.
     والشِّعرُ الحقيقي لا يمكن حصره في نقطتَي بداية ونهاية ، ولا يمكن إخضاعه لقواعد تفسير متشنجة أو مواقف مسبقة وساكنة . وذلك لأن الفكر الشِّعري دائم الحركة ، فهو الذي يصنع الحراكَ الاجتماعي على مستوى الشعور العاطفي للأفراد، وحركةِ الجماهير على أرض الواقع . فالشِّعر هو تعليل متجدد للعناصر الجمالية ، ومحاولات حثيثة لاستنطاق الواقع الخيالي من أجل إعادة إنتاج النَّفْس البشرية بشكل مندمج بالكلية مع التجربة الروحية الشَّاسعة .
     إن كلَّ قراءة للقصيدة هي قصيدةٌ جديدة ، وإعادةُ اكتشاف الأحلام البشرية المقموعة بفِعل ضغط النُّظم السياسية ، واستحضارُ الأحلام المؤجَّلة بفِعل ضغط الحياة المادية . وهذه الولادات المتشعبة المتكاثرة تضمن استمرارَ العوالم الشعرية إلى ما لا نهاية .
     والتاريخُ القصائدي مفتوحٌ وعابرٌ لحدود الزمن ، لأن عناصر الماضي والحاضر والمستقبل تنصهر في بَوْتقة شِعرية واحدة . فالقصيدةُ تخترع زمنَها الخاص بها غير الخاضع لحركة الأيام، وتكتشف تاريخها الخصوصي غير الخاضع لإرادة المنتصرين ووسائلِ الإعلام ، وتصنع تضاريسها الخاصة غير الخاضعة للطبيعة الجغرافية . لذلك تتكرس القصيدةُ كعالَم استقلالي يتمتع بالاكتفاء الذاتي .
     والكتابةُ الشِّعرية هي توسيع للأفق الاجتماعي لئلا ينتحر في دائرة مغلقة ميتة في مهدها . وأخطرُ التحديات التي تواجه المجتمع الإنساني هو الموتُ في الحياة ، أي تحرك الأجسام البشرية في نطاق اجتماعي ضيق دون أشواق روحية . وهنا تتجلى أهمية القصيدة في بناء التفاعل الإنساني الوجداني مع الإنتاجات المعرفية للحضارة التي تنقذ الفردَ ولا تقضي عليه . ولا فائدة من الحضارة إذا تحوَّلت إلى عبء على الأفراد، وطاحونة تقضي على أحلامهم ، وتحاصرهم في الزاوية الضيقة .
     وإذا أردنا كبح جماح الحضارة والحيلولة دون تحولها إلى وحش مفترس ، لا بد من حقنها بمنظومة التوازن التي تُوجِّه شهوةَ الجسد في المسار الصحيح ، وتحافظ على السُّمو الروحي دون خدش . ويمكن الاستفادة من القصيدة في هذه المهمة ، لأن القصيدة هي الحضارة التي تكسر عزلةَ الأفراد ، وتأخذ بأيديهم نحو عوالم جديدة لم يتم اكتشافها .
     والمنظومةُ الشِّعرية الحقيقية ليست مادةً استهلاكيةً يتناولها الفردُ كحبة مُنوِّمة ، ثم يغطس في سبات عميق . فالشِّعرُ شُعلة اليقظة الممتدة من جسد الشَّاعر المتَّحد بعناصر الطبيعة ( التراب والعشب والبحيرات والجبال ... إلخ ) ، وحتى جسد القصيدة المتَّحد بعناصر الأمل ( الثورة والأحلام والذكريات ... إلخ ) .

     إذن ، نحن أمام حالة معرفية تتسم بالبناءات الديناميكية من أجل تشكيل المجتمع الشِّعري الواعي لمسار الفكر الإنساني وتكويناته. والفكرُ الشِّعري هو شرعية الأسئلة التنويرية دائمة القلق الإبداعي الرامي إلى صناعة عالَم أقل توحشاً، ودائمة البحث _ كذلك _ عن الذات الإنسانية في قلب المجتمعات . والقصيدةُ هي منظومة وجودية تكسر الحصارَ المفروض على المجتمعات ، والذي يُكرِّس السياسةَ كلُعبة للأغنياء . وكسرُ الحصار يؤدي إلى فتح الأفق الاجتماعي أمام الجميع ، من أجل الإسهام في بناء الحضارة الإنسانية ، وتركِ بصمة في تاريخ الوجود الكَوني .   

22‏/05‏/2016

الحضارة المحنطة في الدموع ( قصيدة )

الحضارة المحنطة في الدموع ( قصيدة )

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

جريدة رأي اليوم الإلكترونية

لندن ، 22/5/2016

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.......................

كَالعُصفورِ الأَعْمى كَانت الحضارةُ  
تُدَخِّنُ الأشجارُ تاريخَ الذئابِ
وَالقُبورُ هِيَ فَوْضى العَسْكَرِ  
تُصَوِّبُ الرِّمالُ نُباحَها بِاتِّجاهِ قَوَافِلِ القتلى
الرَّحيلُ يُطَوِّقُ تِلالَ المطرِ
يَمْشي ضَريحي تَحْتَ أَعْمدةِ الكهرباءِ في الوَطَنِ المنْطَفِئِ
فَلا تَكْرَهْني يا أَبِي  
لَم أُحَقِّقْ أَحْلامَكَ المكْسُورةَ
أنا المسافِرُ بَيْنَ سُيوفِ التَّتارِ وَخَناجِرِ الأشِقَّاءِ
أَتَقَلَّبُ عَلى صُراخِ الجليدِ
سَتَمُرُّ في قَارورةِ الحِبْرِ سِكَّةُ حَدِيدٍ
وَتَسقطُ طائرتي الوَرقيةُ في أَوْراقِ الخريفِ
والبَنادقُ تَعْرِفُ بَصْمَةَ أَجْفاني
خَزَّنْتُ دُموعي في حَقيبةِ السَّفَرِ
خَبَّأْتُ أَكفانَ أُمِّي في أَزْرارِ قَميصي
صَادقتُ الحمَامَ الزَّاجِلَ
الذي يُوصِلُ رَسائِلَ أَراملِ الجنودِ
والبَحرُ لا يَدْخُلُ إِلى قَفَصي الصَّدْريِّ
إِلا بِتصريحٍ رَسْميٍّ
لَسْتُ رَصَاصَتي كَي تَخُونوها
وَلَسْتُ أُغْنيتي كَي تُعْدِمُوها
لُغتي تَصْعدُ مِن الحروفِ المقْتولةِ
وَعَرَباتُ الشِّتاءِ الزَّرقاءُ تَغْزِلُ دَمْعاتي رَصَاصَاً
أظافري المشقَّقةُ سَريرٌ للشَّجرِ
وَتِلْكَ أَوْصالُ قِطَّتي المشْنوقةِ
يَا دَمْعةً تتأرجحُ في أَحْداقِ اليَتامى
لا فَراشاتٌ تَمْسَحُكِ
ولا تِلالٌ تَحْرِقُكِ
يَا طِفْلاً يَذْهبُ إلى المقْبرةِ بِلا كَفَنٍ
لا أَمْطارٌ تَغْسِلُكَ
ولا حَقيبةٌ مَدْرسيةٌ تَضَعُ فِيها أشلاءَكَ
تَجْري الصَّحاري في عُروقي نَخيلاً لِلمُشرَّدين
وغاباتُ القلوبِ المكْسورةِ حَطَبٌ
تَنْهَشُهُ مَواقدُ العُشَّاقِ في الشَّتاءِ الدَّمويِّ
فيا أيتها الحضارةُ المنسيَّةُ
بَيْنَ الرصاصِ الحيِّ والرصاصِ المطاطيِّ
أَصْعَدُ أنا والأضْرحةُ مِن وَهَجِ نَزيفِنا
نَلُفُّ على نَزيفنا حَشائشَ الزُّقاقِ وَضَوْءَ الشُّموعِ
لَم يَأْتِ الضائعونَ كَي يُنقِذوا قِطَطَ الشَّوارعِ
كَانوا يُجَرِّبون الأوسمةَ المعدنيةَ
كَي يَعْرِفُوا الوِسامَ الذي يُناسِبُ لَوْنَ القَميصِ
البابُ مَفْتوحٌ عَلى ثُلوجِ اللهبِ
والهواءُ يَتجدَّدُ في زِنزانة الموْجِ
وَقُيُودي تَتجدَّدُ مِثْلَ جِلْدِ المطرِ
تَصْنعُ السُّيولُ مِن فِرَاءِ الثعالبِ حَقائبَ للسَّيداتِ
ولَم يَأْتِ أطفالُ الشَّوارعِ
كَي نَدْرُسَ تَعاليمَ الزِّنزانةِ في الذاكرةِ الضائعةِ
ولَم يَلْمَعْ رُفاتُ النَّخيلِ في الصَّهيلِ
وَلَم يَظْهَرْ وَرَثَةٌ لِلبَحْرِ
سَتَلْمَعُ أَجنحةُ النُّسورِ في شَهيقي

وَتُلَمِّعُ دُموعُ أَبي خَنْجَرَهُ .

21‏/05‏/2016

ليالي المايسترو المشلول / قصيدة

ليالي المايسترو المشلول ( قصيدة )

للشاعر / إبراهيم أبو عواد

جريدة البناء اللبنانية 21/5/2016

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.......................

عِندما يَتفجَّرُ المسَاءُ في جَبيني
يَرْكُضُ الأمواتُ في غُرْفتي
فَاقْتُلني يا صَلِيلَ أَعمدةِ الكَهْرباءِ
لأُصبحَ شَاهِدَ قَبْرٍ في غَيْمةٍ مَنْسِيَّةٍ
للحجارةِ زَفيرٌ
وَجُلُودُ العَبيدِ سَجَّادٌ أَحْمرُ للفَراشاتِ
كُلُّ شَهْقةٍ سَيْفٌ
وَكُلُّ تَابوتٍ مَدينةٌ
أيُّها الغَرِيبُ
سَتُصْبِحُ جَدائِلُ أُمِّكَ أكفاناً لَكَ
تَرتدي الهِضابُ وَاقياً ضِدَّ الرصاصِ
وتَسيرُ إِلى الخريفِ الدَّمويِّ
العُشَّاقُ أَمَامَ الموْقَدَةِ الأُرجوانيةِ
وَدَمْعُ الأمواتِ يَصُبُّ في حَوْضِ السَّمكِ
وَخَلْفَ النافذةِ الطوفانُ
التاريخُ فَراغٌ يَمتلئُ بالعُشبِ والدِّماءِ
وَفي بَيْتي أَلْفُ مَدينةٍ فِيها أَلْفُ أَميرِ حَرْبٍ
كُلُّهم يَشْربون دَمْعي الأزْرقَ على مَائدتي الخضراءِ
تَتركُ الصَّحراءُ جُثمانها عَلى طَاوِلةِ المطعمِ
وأَتركُ جُثتي على مَكْتبِ النَّهْرِ
وَأَرْحَلُ مِن جِلْدي
الطحالبُ عَلى جُدْرانِ شَراييني
لِلْجُثثِ رائحةُ التُّفاحِ
والثَّعالبُ النَّازِفةُ تَجُرُّ الضَّبابَ الصَّخْرِيَّ
لا طِلاءُ أظافرِ النَّاقَةِ قَلْعةٌ لِلمُشَرَّدِين
وَلا ضَوْضاءُ الرِّئةِ الأسيرةِ وَتَرُ رَبابةٍ
تَنامُ الشَّوارعُ في بِنْطالي
حَنْجرتي تَطْحَنُها البَيَادرُ
عِشْتُ تَحْتَ الأرضِ
وَمِتُّ تَحْتَ الأرضِ
البَشَرُ المرقَّمون
وَالزَّنازِينُ المرقَّمةُ
يُولَدُ المطرُ في جُلودِنا مَيْتاً
وَالإِوَزُّ يَقرأُ اسْمي على شَاهِدِ القَبْرِ  
أَنا مَن بَكَى
وانتظرَ الأنهارَ النَّائِمةَ
فَاعْشَقي صُداعي أيَّتها اللبؤاتُ
كَي أُشاهِدَ مَصْرَعَ الثلوجِ التي تَشْتهيني
كُلما حَدَّقْتُ في المرايا رَأيتُ تَضاريسَ قَبْري
كِتاباتُ القَمَرِ تَضِيعُ
والنَّهرُ يَجْتَثُّ مِن سُعالي تَاريخَ الصَّواعِقِ
بِئْرُ قَرْيتي في غَيْبوبةٍ
والطرقاتُ الحزينةُ مُغْمَىً عَلَيْها
فَاقْرأْ حُكْمَ إِعْدامي
لِكَي يَرْمِيَ البُكاءُ شَرايينَ اللوْزِ على المرْمَرِ .

20‏/05‏/2016

الإنسان وثقافة الشعر

الإنسان وثقافة الشعر

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

....................

  إن قوة القصيدة تتجلى في قدرتها على رسم خارطة التحولات الإنسانية بشكل بالغ التكثيف والرمزية ، وصناعةِ منظومة خيالية تَؤول إلى حياة جديدة لا تخضع لقوانين الأمر الواقع . الأمر الذي ينقل العلاقات الاجتماعية من التشظي إلى التجمع ، ويُحوِّل الجماعة البشرية من التشتت إلى التلاحم . وهذا الأداء التوحيدي الذي تضطلع به القصيدة يؤدي إلى إنتاج مضامين تفسيرية جديدة لتاريخ النص الشعري ، وتكوينِ نسيج اجتماعي متماسك لمنظومة الخلاص الشعرية .
     وكلما ازداد الوعي الإنساني بالأبعاد السُّلطوية للفعل الشعري ، تكرَّس الجنين الإبداعي كأداة خلاص . وهذا يبعث الحياةَ في النظم الاجتماعية والثقافية على السواء . ولا يمكن للمجتمع أن يتحرك بدون القيمة الإنسانية والقيمة الثقافية ، تماماً كالطائر الذي لا يقدر على الطيران بدون جناحين . ومن أجل توليد أنساق ثقافية بوسعها التعبير عن المضمون الجوهري للحياة الاجتماعية ، لا بد من تنمية العنصر الحياتي المتمرد على ثقافة التَّشيؤ ( تحوُّل الكَينونةِ البشرية إلى شيء ، وتحول العلاقات الإنسانية إلى تيارات ميكانيكية خالية من المشاعر والقيم المطْلقة ) .
     وإذا حافظنا على سُمُوِّ الحس الوجداني للإنسان في ظل البيئة الاستهلاكية الخانقة ، فإننا سنحصل على مجتمعات حية تكون فيها النظمُ الثقافية مغامَرةً مستمرة واكتشافاتٍ متعددة مناوئة للسياقات الحياتية الغارقة في الملل والروتين الوظيفي . والحياة العادية القاتلة معلومة البداية والنهاية سلفاً لأنها محصورة في نطاق ضيق ، أمَّا الحياة الثقافية الإبداعية فهي تجدُّد دائم في أُفق مفتوح على كل الاحتمالات والمغامرات . وهذا الأفق خالدٌ لا يَشيخ بسبب امتلاكه لسر الشباب الدائم الذي تمنحه القصيدةُ للنسغ الاجتماعي والطبيعةِ البشرية . 
     ومن الجدير بالذِّكر أن خلود النص الشعري ينبع من إشراقات الرُّوح التي تمضي في طريقها كمبادئ اجتماعية ذاتية تحفر في الرؤية العاطفية طوفانَ الكلمات . وهكذا يمكن تجاوز كافة المآزق الناتجة عن زواج القمع السياسي والانهيارِ الفكري . والشِّعرُ سُلطة قادرة على تفكيك العُقد النفسية للأفراد والجماعات، وكسرِ الحواجز التي تَحول دون التقاء الإنسان بإنسانيته .

     وهذه العمليةُ التثويرية هي إعادة إنتاج للمجتمع . والولادةُ الشعرية هي ولادة للمجتمع الإنساني ، والجنينُ الشعري هو المعنى الاجتماعي المعاش. وهذا الترابط الاجتماعي الثقافي يعكس وَحدةَ المسار والمصير المتمركزةَ بين الإنسان وثقافةِ الشِّعر . 

19‏/05‏/2016

تحرر القصيدة هو تحرر المجتمع

تحرر القصيدة هو تحرر المجتمع

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

...................

   إن الإشارات الرمزية في جسد القصيدة هي التي تحدد الوجهةَ العامة لإيقاع اللغة ، وتجعله عفوياً غير مصطنَع . وكلما ازداد نقاءُ الخيال الشِّعري ، تحوَّلت العناصرُ الاجتماعية في القصيدة إلى متواليات تكاثرية تنقل الفكرَ الشعري من قيمة الحِبر إلى قيمة الدم ، أي إن الكلمات تصبح كيانات من لحم ودم بعد تحررها من أسْر الكيانات اللغوية الجامدة . وبالتالي فإن جغرافيا النص الشعري تُولَد من جديد بصورة تثويرية وشكلٍ صاعق . مما يؤدي إلى تكاثر الصور الفنية وتحوُّلها إلى تاريخ جديد لسُلطة الشِّعر .

     وعلى الرغم من محاولات تغييب السُّلطة الشِّعرية لصالح السلوكيات المادية ، إلا أن الشِّعر لا يزال واقفاً على قدميه . وذلك لأن الكلمة هي سُلطة المعنى الذي ينتشل المجتمع البشري من أنقاضه. وهكذا تتضح أهمية الإيقاع الكلماتي والفِعلِ الشعري في ترسيخ عملية( التطهُّر/التطهير ) في البنية الإنسانية . ويمكن القول إن إيقاع الفِعل الشعري يَدفع المجتمعَ إلى التطهر من سلوكيات الوهم ، وشهوةِ الاستهلاك المادي الفج ، والروتينِ الوظيفي الحرج . ويَدفع المجتمعَ _ أيضاً _ إلى تطهير الأنساق الحياتية من إشكاليات الحضارة المعاصرة وتناقضاتها . والكتابةُ القصائدية تنبثق لكسرِ إيقاع الحياة الرتيب ، وإعادةِ المعنى إلى أبجدية الواقع المعاش . وهذا يدفع باتجاه تحرير الفرد من قلقه الوجودي العميق. وكلما استمر الفردُ في اكتشاف ذاته المتحررة من الارتباك ، أدركَ أن تطهُّر المجتمع من الوهم هو تحرر الفرد من الخوف، وأن تطهير الحياة من التناقض هو تحرير الفرد من الأضداد التي تسكنه. وهنا تتجلى أهمية قيمة ( التطهر / التحرر _ التطهير / التحرير ) على المستوى الفردي والجماعي. وقد تؤثر السلوكيات الاجتماعية السلبية على بكارة الأبجدية الشعرية وطهارتها ، إلا أن الطبيعة الثورية للنص الإبداعي قادرة على تصحيح مسارها بنفْسها، والحفاظِ على نقاء الأبجدية وخصوبتها . وتأثيرُ النص القصائدي على المجتمع البشري هو الفعل الذي لا يساويه أي رد فعل. ومهما كان المجتمع البشري شرساً في تعامله مع الثقافة، أو قاسياً في أحكامه على قيمة الشِّعر المحورية ، فهو لا يَقْدر على استئصال القصيدة أو إخفاء لمعانها ، لأن الشمس لا تُغطى بغِربال . وكل حركة مجتمعية ضد منظومة القصيدة لا تعدو عن كَونها تشويشاً ذا تأثير سطحي محدود . وحتى لو حُوصِرَ الشِّعرُ في زوايا الحركة الاجتماعية وتم إقصاؤه ، فهو قادر على إعادة تشكيل ذاته داخل وخارج ذواته ، ومِن ثَمَّ تشكيل البيئة المحيطة به .   

18‏/05‏/2016

الكتابة الشعرية والبحث عن الأصل

الكتابة الشعرية والبحث عن الأصل

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

.....................

  إن الموروث القمعي المتغلغل في الأنساق الاجتماعية ليس نشاطاً يقينياً ، وإنما افتراضات وحشية تقتل نزعةَ الأنسنة في جسد العملية الإبداعية . وفي هذا الجو الكئيب تتضح أهمية الكتابة الشعرية كوصفة علاجية لمشكلات المجتمع ، فحيثما يَظهر الداءُ يظهر الدواء .
     والعوالم الشعرية هي عملية استئصالية لميراث القمع الاجتماعي. وهذه العوالم تعمل على إعادة القطار الإنساني المنحرف إلى السِّكة الصحيحة . وعندما ينبثق المسار المتجانس للولادة الشعرية من رحم الفوضى المجتمعية، سنحصل _ بالتأكيد_ على عناصر أساسية تعيد اكتشافَ الكائن الإنساني الحي داخل مستويات اللغة الحية. الأمر الذي يدفع باتجاه تنقية المجتمع من عُقده وأمراضه وحياته الروتينية القاتلة .
     ولا يمكن الحصول على نقاء اجتماعي متكامل، إلا عن طريق تأصيل العملية الشعرية الإبداعية في نخاع الحياة البشرية . والبنيةُ القصائدية هي عمليةٌ جراحية تستأصل الورمَ الخبيث في الوجود الحياتي ، وفِعلٌ انقلابي لا يستبدل القمع بالقمع ، وإنما يؤدي إلى تصالح الإنسان مع ذاته ومجتمعه ، وإعادةِ اكتشاف الأحلام الضائعة بشكل متمرد على سياقات الملل الوظيفي المتفشي في حياة البشر.
     وقيمةُ الاكتشاف الشِّعري الحقيقية تتمثل في إعادة رؤية الأشياء والوقوف على أسرارها ولمعانها، والخروج من دائرة الاعتيادية. والفردُ حينما يعتاد على الشيء يعجز عن رؤيته ببصيرته ، وإنما يراه بعيون ميتة خالية من التألق والانبهار . وهنا تبرز أهمية البصيرة الشِّعرية في فتح العيون لرؤية عوالم " الماوراء " . وهذا يتطلب التفتيشَ عن الإنسان المختفي خلف القناع ، والبحثَ عن المرأة وراء المكياج ، والتنقيبَ عن القصيدة الكامنة خلف القصيدة ، واكتشافَ المجتمع البشري المختفي وراء المجامَلات والدبلوماسية المصطنَعة . والحقيقةُ _ على الدوام _ متمركزة في القلب لا المظاهر الشكلية . وبالتالي فإن القصيدة الحقيقية هي التي تُميِّز بين التلقائية والتكلف ، بين القلب والهيكل الطيني ، بين الصورة والبرواز ، بين المحتوى والشكل ، بين الإنسان والمكياج .

     وهذا الوجودُ الشِّعري المعتمِد على فصل المكوِّنات وتمييزها ، لا يرمي إلى تفتيت المجتمع وإغراقه في الشظايا الروحية والمادية ، وإنما يهدف إلى تشكيل الوجود الإنساني كحقيقة ثابتة ، وتكوينِ النص الشعري كوجود مركزي أصيل ، وليس طارئاً على اللغة أو دخيلاً عليها . 

17‏/05‏/2016

بوصلة النص الشعري

بوصلة النص الشعري

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

...........................

     إن القوة الحقيقية في النسغ الشعري تتمثل في اكتشاف تفسيرات تاريخية للعلاقات الإنسانية في إطارها الروحي والمادي . وهذا الأفق التفسيري نابع من كَوْن النص الشعري تاريخاً جديداً للوجود بكل تراكيبه . والنص الشعري _ بما يملكه من سِحر ونفوذ وسُلطة _ قادر على تأريخ المشاعر الإنسانية وعلاقاتها بالواقع تمهيداً لصناعة نهضة بشرية منطقية لا تسقط ضحية صراع الأضداد الفكرية والأنساقِ المتضاربة للثقافة التلقينية المدجَّنة ( ثقافة الببغاوات ) التي تقول ما يُقال دون تمحيص .
     ومن خلال هذا المنظور التمحيصي الذي يعتمده النص الشعري ، تتحول العلاقاتُ الروتينية الوظيفية في المجتمع الميت إلى قفزات حضارية إبداعية تعيد الحياة إلى المجتمع. وهذه الممارسة المنطقية تشير إلى الدور المركزي الوجودي للثقافة الإبداعية ، وهو تحويل التجمعات البشرية المتآكلة إلى خلية نحل دؤوب .
     وبما أن النص الشعري يحمل صفاتٍ ثورية مركزية ، فهو يتشكل في قلب الحياة الإنسانية لا الهامش ، وهذا يدفع باتجاه فهمٍ حقيقي لطبيعة اللغة القصائدية وتحركاتها الأفقية والعمودية في المجتمع، وتحريكِ الساكن عبر إلقاء الحجارة في الماء الراكد، وكشفِ المسكوت عنه ، وإشاعةِ ثقافة السؤال والبحث والنقد والنقض . وكلما التصقت القصيدةُ بأساس المجتمع البشري ، اتضحت مكانتها المحورية في تحريك الرأي العام وقيادةِ الجماهير فِعلياً لا شعاراتياً . الأمر الذي يعيد للنص الإبداعي تألقه وأهميته في بناء العقل النقدي المنفتح الذي يتصدى للعقل الميكانيكي المحصور .
     وبالتركيز على الحقائق الثقافية للأبجدية المناوئة لأيديولوجية البنى الاجتماعية المنحرِفة ، نكتشف مزيداً من العوالم الذهنية التي تعمل جاهدةً على إعادة تشكيل العالَم وفق رؤية متحررة من سطوة تعاليم الخوف وسُلطةِ المعنى المحتضر .
     ولا يتأتى للقصيدة أن تُحرِّر المجتمعَ إلا إذا تحرَّرت مِن جُمودها وعُزلتها . لذلك على القصيدة أن تُغيِّر جِلْدَها باستمرار ، أي أن تخترع آلياتٍ معرفية غير معهودة ، وتجدِّد في طبيعة الأفكار وأسلوب العَرْضِ . وهذا التغيير لا يعني _ بأية حالٍ من الأحوال _ التخلي عن المبادئ أو المتاجرة بالكلمة . ولا يمكن الإحساس بجدوى فِعل الكتابة الشعرية ، إلا إذا تكرَّسَ تاريخُ القصيدة كتاريخ للحياة الإنسانية بكل تشابكاتها . وهذا الأمرُ ضروري للغاية، وليس فِعلاً ترفيهياً أو ممارسةً روتينية زائدة عن الحاجة . إِنهُ أمرٌ شديد المركزية ، وضَمانةٌ حتمية لاستمرار الفلسفة الشعرية في تأدية دَورها الحضاري، وأنسنةِ القيم المتوحشة المتشظية في الذات البشرية.

     والقصيدةُ ينبغي أن تواصل الحركة لكي تحافظ على توازنها ، وتوازنِ العناصر الاجتماعية من حَوْلها . فالأبجديةُ الشعرية مثل الدراجة ( إذا توقَّفتْ سَقَطَتْ ) . وهي مثل النار ( إذا لم تجد ما تأكله ستأكل نفْسَها )، وهي أيضاً كالسابح ( إذا ارتبكَ غَرِقَ ) . ومن خلال هذه الرؤية المركزية الشاملة، تتَّضح أهميةُ إمداد النَّص الشِّعري بالوقود اللازم للاستمرارية ، وحَرْقِ المراحل ، وصولاً إلى آفاق جديدة للمجتمعات العاجزة عن تحديد وُجهتها، والتي تسير في النفق بلا ضوء . ولا يمكن فتحُ الطريق المسدود ، واكتشافُ الأفق الجديد ، إلا إذا حصلنا على بوصلة النص الشعري السحرية .

16‏/05‏/2016

القصيدة والتحولات الاجتماعية

القصيدة والتحولات الاجتماعية

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

...................

  إن الشاعر يعيد اكتشاف ذاته بواسطة القصيدة، فهو يتنفس من خلالها، ويعيش ويموت فيها. وهذا العالَم الجديد الذي يتشكل بواسطة النص الشعري يتيح للإنسان أن يلتقيَ بإنسانيته خارج نفوذ العزلة الاجتماعية التي تفرضها التكنولوجيا المعاصرة ذات الطبيعة المتوحِّشة .
     ومن أجل تكريس المنظومة الشعرية كأفق جديد يكتشفنا ونكتشفه ، لا بد من تجذير التشخيص المبكِّر للحالة الفلسفية الخاصة بالدلالة اللغوية وربطها بالتأثير المعرفي الرمزي. وهذا من شأنه تفجير طاقات النص الشعري الذي يدفع المجتمعَ إلى توليد أبجديات اجتماعية جديدة نابعة من البعد الثقافي العميق لا السطحي، مما يؤدي إلى إنتاج حالة شِعرية عمومية تصبح ظاهرةً تاريخية منحوتة على جسد الأبجدية كوشم لا يمكن نزعه .
     وكلما انتشرت الحالةُ الثقافية في تفاصيل النسغ الاجتماعي وصولاً إلى نخاع المجتمع، تكاثفت الأسئلة المحورية المطروحة على القصيدة ودورها في بلورة حياة إنسانية متمردة على الأنماط الاستهلاكية الخانقة. وهذا يؤدي _ بالضرورة _ إلى صناعة عقل جمعي قادر على تحرير الفرد من ذاته ، وتحرير الجماعة من هيمنة ميراث القمع بكافة أشكاله . ومن خلال هذه الصورة التحررية يَؤول الشكل العام للقصيدة إلى نسيج لغوي متماسك يحفر في الخيال من أجل تغيير الواقع ، ولا ينحصر في عوالم ذهنية هلامية .
     والقصيدةُ تتحدى ظلالَ اللغة بجوهر اللغة ، وتعيد تشكيل أبجدياتنا الخاصة وفق إشارات اجتماعية وثيقة الصلة بالاتجاهات الثورية الأخلاقية للأدب غير المسيطَر عليه مِن قِبَل مثقفي السُّلطة الاستبدادية .
     وينبغي تعميم المنظور الفلسفي للنص القصائدي ، ودَمْجه في المسار العام للتاريخ الذي يُعاد اكتشافه من جديد . وهذه القراءة التثويرية لأنساق الحياة ، ثقافةً وتاريخاً ، ما هي إلا أداة تشريحية تبحث عن مصادر الخيال الوظيفي في اللغة الواقعية. الأمر الذي يَقود إلى توليد نظام ثقافي متجانس يتعامل مع الأفق الشعري كلغة رمزية تهدم ثقافةَ التلقين ( عملية اختراع المسلَّمات الوهمية ) ، وتتبنَّى ثقافةَ الأسئلة(مُساءلة الأنساق الاجتماعية ووضع الفرد والجماعة أمام التحديات المصيرية).
     والأثرُ المترتب على عملية صناعة الوعي بِقُطبَيْها ( الهدم/ البناء )، لا يمكن حصره في إطار إيجاد قواعد ثقافية تفسيرية للإشارات الاجتماعية الثابتة، لأن كل فرد هو مجتمعٌ متحرك قائم بذاته، كامل الملامح والخصائص، ومُفعَم بالتحولات العميقة نفياً وإثباتاً. والمجتمعُ الفردي يعيش في قلب المجتمع العام، وهذا التعايش النشيط ذو الفاعلية الفلسفية يُعيد بناء جغرافيا الأسئلة والتغيرات الجذرية . وهكذا تتكرس عملية صناعة الوعي كمبدأ شمولي ملتصق بالفرد للكشف عن أبعاد التحولات الثقافية ، أفقياً وعمودياً ، زمنياً ومكانياً ، ذهنياً وواقعياً.

     وهذه التحولات هي التي تمنح الفرد صفة الكائن الحي، وتُكسِب المجتمعَ إحساسه الوجودي. كما أن تحركات البعد الثقافي في الإطار الزمكاني ( زواج الزمان والمكان )، تجعل القصيدةَ كائناً حياً مركزياً يصنع الأحداث ، وليس كياناً هامشياً يتفرج على الأحداث . 

14‏/05‏/2016

القصيدة من ثورة اللغة إلى لغة الثورة

القصيدة من ثورة اللغة إلى لغة الثورة

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

...................

   إن لغويات الحلم المتأصل في الجسد القصائدي تُمثِّل معنىً جديداً لتكريس الذات كانعكاسٍ للصور المجتمعية وانقلابٍ عليها في آنٍ معاً. والإنسان ابن بيئته ، والقصيدة ابنة بيئتها . وكما أن النص الشعري نابع من الإطار الاجتماعي ، فهو أيضاً _ أي النص _ يصنع إطارَه الاجتماعي الخاص المتمرد على نفوذ اللامنطق وأبعادِ السُّلطة القمعية ، ويصنع كذلك منطقه الفلسفي الذاتي تماماً كما يحفر النهرُ مجراه الخاص المتفرد .
     وهذه الخصوصية الثورية _ لفظاً ومعنى _ تقودنا إلى وضع سياسة جديدة للمنظور الفلسفي للأدب غير الخاضع لأبجديات السُّلطة السياسية . لذلك فإن القصيدة تبتكر أدباً متفرداً ضد الأدب المدجَّن . وكلما اكتشفنا ثوريةَ العناصر الاجتماعية الواعية في النص الشعري ، اكتشفنا حتميةَ الإنتاجيات اللغوية القائمة بالأساس على مواجهة سُلطة الموروث السلبي ، الذي تم تأطيره كَمُسلَّمات بفِعل التبني الاجتماعي له ، وليس بفِعل مصداقيته وقوة منطقه .
     وهذا الصِّدامُ المصيري بين أبعاد المنظومات السُّلطوية نابع من طبيعة طبقات النَّص الشِّعري ، فهذه الطبقات هي أشكال للرموز المعرفية على الصعيدَيْن الاجتماعي والسياسي . وقوةُ الرمز في القصيدة تتكرس كقوة رفض لهيمنة المعطيات السلبية الجاهزة ، وقوالبِ التنميط ، والتلميعِ اللغوي المنفصل عن الدلالة المعرفية الحقيقية .
     ومما لا شك فيه أن هذا الحراك الفكري في بنية الطبيعة اللغوية ، سيؤدي إلى التعامل مع اللغة الشعرية من منظور اجتماعي سياسي ، الأمر الذي يُعمِّق الروحَ السياسية داخل اقتصاديات القصيدة . وهكذا تتولد عوالم ومعالم إبداعية جديدة في قلب التحولات الجيوسياسية لاجتماعيات النظام الثوري في اللغة المتجددة .

     والقصيدةُ ليست نظاماً لغوياً صوتياً فَحَسْب ، بل هي نظام اجتماعي تثويري متكامل نتيجة حجم التفاعلات المعرفية الهادرة التي تَحدث في الإطار الشعري لبنية النص . والتفاعلُ المزروع في أقاصي اللغة الحية قادر على الولوج في تعابير المراحل الوجودية للإنسان كافةً ، والتعبيرِ عن كل المشاعر الجياشة داخل النَّفْس البشرية . وبالتالي فاللغة هي الثورة العظمى التي تقوم بثورتها دون انتظار قدوم الثائرين ، ودون أن تستأذن أحداً .

12‏/05‏/2016

القصيدة والموازنة بين الغموض والوضوح

القصيدة والموازنة بين الغموض والوضوح

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

facebook.com/abuawwad1982

twitter.com/abuawwad1982

..............

    إن اللغة تُمَثِّل عاطفةً يوميةً مُعاشة تنبثق من تجارب المنظور الفكري للتحدي الإنساني ضد أيديولوجيات الوهم وثقافةِ الأساطير وصناعةِ الأصنام البشرية . وهذا التحدي لا يمكن أن يتكرس إلا بحدوث صِدام بين الإنسان وذاته ، لأن هذا الصِّدام طَوْرٌ مهم لتشكيل حالات الاندلاع الشعوري للفكرة ، وترجمةِ الأحاسيس الاجتماعية إلى لغة مرئية يَفهمها العقلُ والجسدُ معاً . وهذه التكاملية التاريخية المتعلقة بمراحل تفسير دلالات المحاولات الشِّعرية لتثوير المجتمع، تُشَكِّل تضاريسَ الصراع الحتمي بين القصيدة ومؤسساتِ القمع ، مما يؤدي إلى توليد حالة انسجام لغوية مع توجهات المنظور المنطقي للطبيعة القصائدية ، وهكذا تتكرس خصائصُ الإشارات الرمزية في إطار التفاعل بين المفردات والمعاني ، وهذا يصنع الأشكالَ الجَمالية للنص الشعري عبر إيجاد تكوينات حتمية لمجتمع الفضيلة التثويرية .
     ولا يمكن تثوير الإيقاع اللغوي في البنية الشعرية ، إلا بتحرير الأبجدية من سطوة الصور الفنية المستهلَكة . والمضامينُ الواعية لا بد أن ترتكز إلى رمزية التراكيب الفكرية المتوالدة، التي تتخذ من فاعلية الصور الإبداعية طَوراً تكوينياً للفنون اللغوية . ومن أجل تفادي تحول القصيدة إلى ساحة جدال بين السبب والنتيجة ، ينبغي تأسيس المصادر المعرفية الخيالية على الرمزية المغرِقة في الواقع الملموس . والرمزيةُ الشعرية في النص اللغوي المتدفق يجب أن تكون مثل شعرة معاوية ، أي إنها تدخل في الغموض دون الوصول إلى الطلاسم ، وتدخل في الوضوح دون الوصول إلى الابتذال ، وهذا التوازن كفيل بإحالة الفكر القصائدي إلى بنية متراصة تؤثر في الجماهير ، ولا تنحصر في النخبة . والأداءُ الفلسفي المتوازن في ديناميكية القصيدة يضمن ملامسة الشعور الإنساني في الأفق اللغوي دون تحويل النص الإبداعي إلى موعظة دينية أو خطاب سياسي .

     إِن حشدَ المعاني الشِّعرية الكبرى في زاوية لغوية ضيقة ، ووضعَ أبجدية الشِّعر في غير نِصابها ، عمليتان خطيرتان لأنهما تؤديان إلى قتل الأحاسيس الإنسانية ، وإحالةِ الكائن الحي إلى قطعة رخام جامدة وغارقة في لعبة تزويق الكلام . وهذا يتعارض _ جملةً وتفصيلاً _ مع ماهية الشرعية القصائدية . فالقصيدةُ الحقيقية هي كائن حي لا يموت . وإذا اختلت الموازينُ اللغوية في القصيدة ، فإِن القصيدة سَوْفَ تغرق ، وعندئذ سَوْفَ تَسقط اللغةُ الشعرية تحت حُكم الموت اللغوي ، الذي يَجعل النصَّ الشِّعري لعبةً كلماتية مُزوَّقة ، أو لَغواً يتقمص الشَّكلَ الإبداعي .