سيرة ذاتية

إبراهيم أبو عواد القيسي، مفكر، وشاعر،وكاتب صحفي من الأردن. ولد في عَمَّان 1982، لعائلة من شيوخ بني قيس/قَيس عَيلان(أكبر قبيلة عربية في العالم).حاصل على البكالوريوس في برمجة الحاسوب من جامعة الزيتونة الأردنية (2004).له اهتمامات واسعة في دراسات الكتب الدينية (القرآن الكريم، التوراة، الإنجيل )، والفكر الإسلامي، والفلسفة،وعلم الاجتماع،والسياسة ،والنقد الأدبي،والشعر،والرواية، والعلوم الطبيعية . متفرغ للبحث والتأليف.يكتب في أبرز الصحف والمجلات في الوطن العربي وأوروبا.له آلاف المقالات والدراسات، وعشرات الكتب المطبوعة،من أبرزها: [1]حقيقة القرآن [2] أركان الإسلام [3] أركان الإيمان [4] النبي محمد[5]دراسات منهجية في القرآن والسنة[6] العلاقات المالية والقضائية والسياسية والاقتصادية في القرآن [7] دراسات منهجية في القرآن والتوراة والإنجيل [8] الدعوة الإسلامية [9] منهج الكافرين في القرآن [10] العلوم والفنون في القرآن [11] العمل في القرآن [12] العلاقات الأخلاقية في القرآن [13] القصص والتاريخ في القرآن [14]الإنسان والأسرة والمجتمع في القرآن [15] بحوث في الفكر الإسلامي [16] التناقض في التوراة والإنجيل [17] صورة اليهود في القرآن والسنة والإنجيل [18] نقض عقائد ابن تيمية المخالفة للقرآن والسنة [19] عقائد العرب في الجاهلية[20]فلسفة المعلقات العشر[21] النظام الاجتماعي في القصيدة(المأزق الاجتماعي للثقافة. كلام في فلسفة الشعر) [22] صرخة الأزمنة ( سِفر الاعتراف ) [23] حياة الأدباء والفلاسفة العالميين [24]مشكلات الحضارة الأمريكية [25]الأعمال الشعرية الكاملة(مجلد واحد)[26] سيناميس (الساكنة في عيوني)[27] خواطر في زمن السراب [28] أشباح الميناء المهجور (رواية)[29]جبل النظيف ( رواية) [ يُمنع ترجمة أيَّة مادة في هذه المدونة أو نقلها بأيَّة وسيلة كانت إلا بعد الحصول على موافقة خطية مُسبقة من المؤلف إبراهيم أبو عواد، تحت طائلة المسؤولية القانونية، ووفق قوانين حماية الملكية الفكرية ] .

28‏/01‏/2010

سنعلن نيويورك مدينة إسلامية

سنعلن نيويورك مدينة إسلامية
للشاعر/ إبراهيم أبو عواد
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة"
دار اليازوري ، عَمَّان 2007م
جراح من خيزران
يساعد الندى فراشةً عمياء
على عبور الشارع
ذلك المدى المحفور في مناطق البرتقالة
ذلك العمر وشم على شجر القصيدة
من يمسكْ ناي الكلام
يخسرْ آخر قلوب المغيب
العاصفةُ التي ولدتْ جدارَ الذاكرة
سوف تعلِّق على بنايات السفر خليجَ النسيان
لكن موجاً أسمر يقضم إبهامي والدمعَ القديم
لم يخسر البحر شرفَه
الأسرى ينظفون قيودهم برماح أعينهم
وشظايا قروحهم اللامعة
الرملُ النازح يتقلد وسام المجاعات الفائضة
أعطني أي شُباك من مذابح بلدي
زوِّجْني كلَّ مخيمات السكين
سأترك قلاعَ الجِلد المسلوخ
تعلِّمني سِفرَ الجوع المدوَّنَ على الرصاصة
كي أشبع من رؤية المشنوقين
نيويورك الفتاة التي أضاعت بكارتها
في أنحاء أصابع القرصان
سننقِّيها من ملامحها
من رائحة أفواه التماسيح المحنطة
ونعلنها إسلاميةً فوق مصب المجرة
في دماء المذنَّبات
يا متحفَ الوردات المصلوبات
في تلك الرئة برق متفجر
يصهر حديدَ الدرجات الهوائية
الأطفالُ العراة في حفر المجاري
واللقطاءُ يبحثون عن أنسابهم
في حدائق الخراب المتكرر
عندما أصرخ في شوارع النزيف
يسقط من شراييني صوت النجوم ساعة السحر
أكنِّس دمَ الأغراب المتبقي
على أجنحة عصافير ظِلنا
لماذا يتزلج الإسفلت على خاصرة العزلة ؟
هناك أسئلة يجيب عليها الصراخ
بأسئلة أكثر تفجراً
إن البحر أستاذ علم الاجتماع
في جامعة قلبي المفتوحة
وها هي ذبابات الزنزانة تكتب وصاياها
على نخيل الجسد
لو حلَّلْنا عزلةَ الديناصورات
سنحصل على أسماء التلال
تحت مطر الضوء الذي ينمو في جباهنا
لم تضف الشهرة للنهر أي شيء
نزيفان يتعانقان في صحراء
والآبارُ الجوفية تبيع الفاكهة
بعد انتهاء الدوام الرسمي
الذي تحدد ساعاتِه حكومةُ العار
كن وجهاً ماطراً لأتذكركَ
فالصراخ لا يتذكر غير أشكال عواصف دمي
الكتابةُ تقود سرب مسدسات
إلى صدور الرمل الخشن
الوديانُ التي حضنت أحلامَنا
ستبلعنا في ساعة لا نحددها
نحن الماشين إلى مشي الحيطان المترسبة
في كأس عصير غير طازج
لدي ما يكفيني من صدى
وأركض إلى صوت
معانقاً البيلسان في كل صرخة
الآن _ أي بعد قليل_
ستأتي الأغوار اللازوردية
إلى مأدبة شظاياي الوهاجة
لا شرياني حليب البيداء
ولا شجري منصة إطلاق صواريخ الندى
أنتَ مداي إذا كنتَ تصطادني زيتوناً
طرقاتُ الفراولة مدينة القلب
المفتوحِ على الشظيات كاملة الدسم
لملميني قبل اندلاع الرصيف
على شفة المنشد الأسير
يخرج من سطور المذبحة قمر سري
وأملاحُ عمر مضى تلالاً
أيامنا كلها موضوعة على نقالة
وسيارةُ الإسعاف تختبئ في شحمة أذني
قد يربِّي اليورانيوم في صداعي بلوطَ الغرباء
لكن الجرح سنبلة
كان شهر كانون الثاني يصرخ فِيَّ معلناً ميلادي
وُلدتُ كما البرقوق الخام وانبعاث الاحتضار
ومعلمتي الإنجليزية تمسك سيجارةً ذابلة بين أصبعين
لم يحددهما لون الموكيت في غرفة المعلِّمات
سيرتي الذاتية فراشةٌ وردية
تحضر حفلَ زفاف الجسد اللولبي المشنوق
أود أن أعانق دمي الذي هناك
تاريخُ الفراولة مسدس منقوع
في إسفلت النيكل
ابدأْ من حيث انتهت الثلوج
التي كنَّستني فوجدتُ نفسي هناك
بعيداً عن مياه الذهب
وأعمدةِ الضياء المتساقطة في المقابر
قلتُ للصنوبر إن جراحاتي تركض
على سطوح بيض النسور
من أحصنة العاصفة تولد البنادق المعبأة بالزفير
شَعري يمضي إلى حيث يشاء غبار المعركة
كلما عرفتُ اسمي أنكرني بستان القطط الميتة
يا صقراً يتقيأ في طريق سيارة الإسعاف
عُدْ إلى قماش العصف قرب زوايا رعشتي
مساءً كانت مقولات النهر
يا جدتي
لنرجع إلى غروزني
قبل حلول الدماء في الزبرجد
ودورانِ أوراق اللعب على طاولة الجنرالات
خبئيني في ثياب القمر
في أي مكان لا ترانا فيه المجزرة
وأتى الحصار المداخنُ المتجمدة ولا دخان يصعد من ظلالها
الأمهاتُ القتيلات في المطبخ الرخامي
ولا رنين حول مائدة الطعام
نشرةُ الأخبار في المذياع تنتهي
والغزاةُ يبدأون
أنا هنا عند حجر الابتسام
والشهداءُ يسيرون بيننا كزيتونة
نزيفُ الحدائق في حلقومي
أمشي إلى رمشي واثقاً من خطة اغتيالي
عشاقَ حلمي
يا عابرين على منصات الإعدام
بأرجل اصطناعية مخدوشة
اجمعوني زهراً للكواكب العاشقة
مضيتُ وكان حول خصري حزام ناسف
يفجره العشق في مركبات جيش الغرقد
سيجمع الغروبُ أجزاءَ خاصرة الوردة
في علبِ زنك رخيصة
تمشي البِحار إلى نظارات الربان
حيث تتكسر زجاجات الفرح
في الزورق الوحيد
اذكريني أيتها الرعود كلما التقى صديقان
يتناوبان على الكرسي الكهربائي في الزنازين
دولةٌ من الكرتون نسمِّيها بأسماء الظربان
الذي يموت جالساً على طاولة قمار
الضبابُ الدموي أنشودة لغَيْري
النحلُ بلاد افتحيها بخيوط قلب أصفى
من ثياب الوهج
في آخر أيام العشب ينطلق العصفر
بلداتٍ ونعاساً للطباشير الممتلئة بالحرمان
جاء المعزون قبل وفاة العنب المتفرق
على أجنحة الوادي
تلتهمني حشائش المغيب
سيدةَ كل الأثاث الأعمى
أخرجيني من إسطبلات البترول
من لمعة الجسد المتعَبة
انهمكَ الصبح في ترتيب حقيبة سفره
إلى الجلود المنهكة
أيُّ حصان سيفطر نزفاً ويتغدى مقاصل ؟
دعيني أمنحْ لكفي نسفَ الوردة
تهشيمَ الزمردة في أعوام البيلسان
حينما تصحو الخيول
فلا تجد غير سوط يجلدها
وتنهض الأكواخ في لوحة يرسمها عاطل عن العمل
لن نضيع في القصائد السريعة
التي تسابق قطاراً يتفجر في حقائب الركاب
دعيني أتسلقْ معدتي لأخدع جوعي
وأقنعه بأن يخرس مثل كل جثامين السنونو
وأعوادِ الثقاب المهملة
تتكسر سيوف الكمثرى في سُرتي
والبجع ينظف قفصي الصدري من الألغام الأرضية .

27‏/01‏/2010

الزمهرير

الزمهرير

للشاعر/ ابراهيم ابو عواد

من مجموعة/ كلام الفراشة الناعمة

دار اليازوري ، عَمَّان 2007م

كُلْ أقدامَ البئر ومزِّق الخارطةَ الزجاجية

التي تدل على موقع قبري

القصيدةُ هي ما تبقى للكروان

بعد نفي ريش الحجر

قولي إنكِ صورتي خارج احتضار السجان

في مكبرات الصوت

قولي إنكِ أي حلم سوى حلمي

دمعتي تحملها بنات آوى إلى الزمهرير

أخاف يا عشبتي المفتتة

أن يأتيَ بحر الظلال إلى أيام اسمي

أخاف يا أمي أن يغتالني يومٌ

يصير فيه جَلدي شعلة الصقيع

أخشى الزمهرير لأن ذكريات العصفور المحترقة

في الموقدة لن تغدوَ حطباً للتلال النائية

إنني أقيم مملكتي على أنقاضي

كلما اقتربتُ من دمي ابتعدتُ عن لحمي

هل تصدِّقين ما قاله الشتاء

بينما كنتُ أغفو في عربة الكمثرى ؟

لا جوابٌ والإسفلت يفتح بابَ الصراخ

يذهب الجسدُ إلى خنجره ، لماذا ؟

نسرَ الجوع

هل ستأكلني بقاياك ليلة العيد

عند أرجوحة التوت ؟

كأن أسئلتي صداع المسافات في الأمسيات

وتتكاثر الخناجر المارة على وجه الوادي

أدركْني أيها الموج المنبعث

من ثقوب سقف غرفة التحقيق

إنني أفترش عظمي وألتحف مقصلتي

لا اسم الغيوم سيحمي خيولي

ولا راتب الحشائش سيغطِّي أجرة حفار القبور

لنرجعْ إلى أسئلة الحمَام المستلقية على رمح

كنا للقش صوتاً حجرياً

بلا معنى بلا صوت يدفننا ويرثينا

فلنشطب الملوك من أصواتنا

قال الليل :

(( ستأتي إسطبلات الغصن من الجنوب المرتعش ))

وسكت الحضور

صفَّقنا كثيراً للمرتزقة النائمين في أفخاذنا

كلُّ وطنٍ شكل آخر للمنفى

فلتصعدْ أحصنة الجسد من جهاتي

إن حياتي تطلع من مماتي

وداعٌ رسمي للبرقوق

في معسكر ينثرنا على أعمدة الكهرباء

تفطر الوديان الرمادية مبكراً

أمشي إلى المسجد طيراً يتشظى عشقاً للأذان

الآن أعود إلى بريق الزنجبيل المرمي

على سطوح البندقية

لم تلمع مناديل المجرة

حين تمزقت أحلام عُقاب خانته أوسمته

ها نحن واقفون تحت عبارات المطر

ننتظر مجيء قوس قزح ليعرِّفنا

على شخصية الدم

تتقاسمنا أشياء لا نعرفها

فتهب من أطياف القلب دبابةٌ

تركبها شلالات لا هم لها سوى صعقنا

نسينا أسماء أمهاتنا لأننا رضعنا حليباً أجنبياً

وحضنتنا التفاحات المهاجرة

بالقرب من مسلات الحزن

لا شيء يستحق أن تدخل النار من أجله

الآن يبدأ الحزن ينتهي الحزن

اذهبوا إلى حيث شئتم في قلبي تجدوا غيري

ماذا تبقى من البزة العسكرية

التي يرتديها العشب الصاعق ؟

محبرةً أضحت كنيةُ الغريب

أجارتنا ، قد اختفى لون الورد

في أوداج موتانا

تعالي نتعرف على هوية الضحايا

في النيازك الذهبية

عابران نحن

وسكةُ الحديد منصوبةٌ

على سور مقبرة الكهرمان

لا تشترِ أحطابَ العطش المخنوقة

من بائعة اللازورد

لأن ذبحي دليلٌ سياحي

يرشد البحيرات إلى ضوء كفني

إنْ تحضن طيف الروابي تلمحك مسدسات

يا نهراً يحفر صدري

ويا وطناً يزهر قتلاً

إلى متى سأظل في انتظاركَ ؟

أعطني قيود الصنوبر لأكسرها زنبقاً

وأرشها على ثياب الأطفال العائدين إلى اليتم

كتابُ الريح مفتوح لكل الأشلاء

إذنْ ، زُرني في ملامح احتضاري

قبل أن يشنقوني على الخوخ المتألم

ولا تتوقع حضوري في رعشة البلاط

إن الصاعقة تبلع رحيقي وتبصقني حِراباً

فلا تنس اسمَ قلبي يا صديقي

كن أكثر اتساعاً من بوابة المذبح البشري

كنْ أنا أو أنتَ ولا تتوقع أن أبكيَ

عمالُ النظافة عادوا إلى شوك

يتسلق موكبَ الإمبراطور

هذه الطريق موجة تأكلها قمحةٌ طازجة

من الحجارة القديمة والزنجبيل

تسيل كريات دم الصابون ومجاعة الأزهار

اذكرني أيها الوشق

وأنتَ تمتص خضرة الجبال في قاع معدتي

الجهازُ الهضمي للزقاق لا يتذكرني

أنا الآتي من لافتات مقتل الهضاب

فعانقني يا نزفي ولا تفرح كثيراً

فقد تغادر السنابلُ العاشقة في أية لحظة

قتيلان على صفيح السفر

أعرف أن أغاني الرعاة ليست لي

لكن الشجيرات الطالعة

من غضاريفي أغنيةٌ للشروق

إنكَ كل الشوارع التي تحمل أسماء الشهداء

نعود إلى عودة الروابي المسافرة

الغروبُ يصبغ البحرَ بألوان طيور مجهولة

هذا نهر الكلمات الواضحة يصهرني في ثيابه

بلادي الراكضة في الجوع

ويومياتِ القتلى المنقوشة

على حقائب الأطفال المدرسية

إن أشكال الموتى لا تزال تحتل صدري

كمْ وطنٍ مر في منفاي

ليُسكِت في ضوضاء الصقر جبينَ مجزرتي !

مَدرستي تمشي بين أشجار السنديان

وجثثِ البحار المنهكة

أين الدفاتر الذابلة بسبب هطول الدمعات ؟

هنا مثل هناك

جرسٌ في عنق قطة عالقة على شرفة البيلسان

كأنني أحس أن بعلبك مكياج الإسكندرية في صحراء نيفادا

كوكبنا إسلامي يا ألقاب الصباح

يَذكرني غيم يسبح في المعنى

يكون جسدي أحد أسماء القمح

ألفاظي ضحكة المطر

حين يتمزق القرميد على ثكنات الملح

شظاياي تجمع المحار

يحلم النهار بأن يتعرف إلى دمائنا

لكن صائدي المكافآت مشغولون

ببيع بناتهم للنخاسين

الضوءُ يرتكز إلى منكبيه

ليتني كنتُ موجوداً على رفوف مطبخ رئتي

يوم تزوج الكلورُ طعمَ الصوديوم في ملح الطعام

لستِ ذكرياتي أيتها اليمامة

أنا ذكرياتي فانثري عينيكِ في يدي

لأن الانطفاء لن يميز بين سجين وسجانه

بين عصفور وقفصه بين راقص ورقصته

ساعةُ الحائط على سنام جمل

مكتبُ البريد يَهرب من رسائلي

تأكل سيارات الأجرة اسمَها

مطعمٌ للعائلات جرحٌ كوميدي

تقفز إشارات المرور على سريري

خمارةٌ لرجال الأعمال في حقول الغاز

لصوصُ النفط حائرون بين نسائهم وعشيقاتهم

طاولةٌ على جسر الليلك

تضم طلاب مدرسة ابتدائية

يخططون لانقلاب عسكري

ما مذاق شظايا الغياب ؟

كأن روزنامة العاج تلعب بعواطف الفِيَلة

يضحك العشب افترسيني يا نجوم بسرعة

هذي بلادي تعود زيتوناً

سأَزوركِ يا رجفتي الحامضة

حينما تنسكب الحروب في قارورة الندم

أتوا من حيث يحضن المغيب خشباتِ الحِبر

لم تعد أنفاق الجرح تؤلم

وسِرْنا بكل ما فينا من مناجم عشب

وطني نسرٌ أضاع عشَّه

لملميني يا أتربة الوديان

أورشليم تعدم بناتِها

حتى القيود تخوننا

وقبضنا على حصة الديناميت في أجسادنا

مرسومٌ إمبراطوري يقضي

بوضع السم في طعام السجين

ننقِّي صياحَ الأسمنت من الجرذان الحكومية

إنكم شجري الزمردي

فأين الشوارع التي سالت من جروحي ؟

أيتها الراهبة التي تقمع أنوثتها بإزميل الرغبة

أيتها الكاهنة التي تشتهي الرجال

وتخاف أن تعترف أنها امرأة

سنحوِّل الفاتيكان إلى مدينة إسلامية

الأكذوبةُ محاكم التفتيش العارُ

كاردينالُ القحط زعرانُ ميتشغان

لصوصُ النفط والآثار فرعونُ

راياتُ الفرنجة تحاكم أحدَ أئمة قريش الثوار

الصحفُ العنصرية الغربية بطاقة هوية في جيب إبليس

الطريق هي الأجساد المختلطة بالزنبق

المذابةُ في برتقال الحنين

وأضاء القرميدَ نرجس

قبرةٌ تحفر في مناجم جرحي

فتتساقط عليها شراييني الناضجة

مزهريةُ العطشى خليطٌ من العبقرية والأمراضِ النفسية

ذكِّرْني أين تقع مذبحتي التاسعة

أوصلتُ الصقيعَ إلى منزل جدته

وما زالت الرعود تشكك في وطنية البنفسج

غُربتي تُربتي أسقيها بماء الحب

ومضى المسافرون إلى سحنتي دون وداع

ما النهار القادم في مطارات الشعير ؟

حقائبُ على البلاط الذي يموج فينا

لطفاً أيتها الأرامل الواقفات

على صيحة سيارة التاكسي

لا تتركنَ النظراتِ العابرة

على سطوح محارة المساء

عشبةُ الحلم فسخت خطوبتها

فانكسر نخاع الشتاء

واقفاتٌ تحت البرق

صاعداتٌ إلى الشفق غير الواضح

وطني يتسرب في خيوط معطفي

يا دمارُ

دعني أسألكَ عن عناوين الضحايا

أنا متأكد أنكَ لم تجرب إحساسَ العنب

بفقدان الحديقة : رفاقي أو أشلائي

انتظرتكِ في أمسيات الزعفران

كانت عاصمةُ النار تمد رجليها على المنضدة

ربما تكون هذه الأرض هذه الخوخة المشتعلة

آخرَ القصائد التي سيكتبها الثلج

آخرَ ما سيتذكره النسيان

اتركني أتمرغْ في قطن الأمواج

سقطت مراوحُ البكاء في تثاؤب القمر

لا التوتُ المشنوق يشوي لسان النار

ولا الندى يحلب شظايا الجنون

سيافٌ يلملم قروحَ رقاب التلال

ويحضنها نعاماتٍ باكيات

تلجأ أعضائي إلى حفرتها النهائية

إنما حياتي حفرٌ شموسٌ مهاجرة

وكلُّ كتاباتي تسوِّي حفرتي

كلما أمسكتُ خيالَ البطريق

فرَّت من وريدي أغنيات

كلُّ ملح في الدموع سُكَّر في الغيمات

عمَّان ، لا تخجلي من تقبيلي أمام الأيائل

التي تخالط عطشي

يا مصلوبين على القصيدة

تلك مدينتي تنام على عنق مخدتي

كنا ندحرج البنادقَ على حواف الجمجمة

المرصوفةِ بالحشائش النازحة

الدركُ في طرقات عمري

لعل المخبرين يتذكرون أصوات البنات

المعلَّقات على بوابة الكلمة

اعترفتْ بدولة النباتات شظيةٌ

انطلقتْ من قلبي المتفجر حباً

سافر البرق مضى القطار

يجلد الصهيلُ أحصنةَ اللفظة

المقاعدُ خالية في مترو الأنفاق

كلهم قتلوه وأخذوا يستعدون

لتنظيم جنازة مهيبة تليق به

إسطبلٌ للحيتان ألغى الصوتَ الرخامي

لكم من الرعد سلام

الموناليزا صارت رقماً حبيساً على جدار أخرس

تقف أمامه نساءٌ مخمورات

لا يفرقن بين أحصنة الذكرى ومدائنِ الرجفة

للآخرين شمعةٌ ولي ضوء البلوط في مقبرة الأولياء

إننا عبرنا من ثقوب أرجلنا إلى ضفة الحلم

كانوا يحصون الرصاصاتِ في إجاصة نائية

وأتى الربيع النازف

يا أمسنا المستقبلي في رواق الانتصار

دُلَّني على كتابات الجليد المحفورة على الموقدة

سنرجع إلى حدائق الخواطر

والسيولُ تحت نوافذنا المهلهلة

ما جدوى البكاء على الحطام المزركش ؟

سلالةُ أحجار تحنِّط أشكالَها في المرفأ عند المغيب

وملابسُ الجنود على حبل المشنقة

وأساطيرُ الإبادة المتعفنة تمشي على حبل غسيل منقوع

في أكوام قمامة

سترتدي ميلانو قناعَها هذا المساء

ليس للنساء الذابلات صوت الأشجار

الوجوهُ الميتة تعتمر رؤوساً متحركة

مثل أقواس النهايات وخدودِ السنونو

حدِّدْ معالم حلمنا قبل مجيء الإعصار

نبني وداعَ الريح في الشرفة

التي نام فيها السيل العاري

اشربيني مع صراخ البرقوق

عصيرُ جراح على مائدة رملية

كانت يوماً ما شجرةً في طريق مذبحتي

ترتسم بيوتُ العزاء صفحةَ فضاء

لا تقولي إن تشردنا في المخيمات الغريبة

ذبابةٌ تُسحق على جسر

تفاحٌ قتيل في الصحون

كأن الغد أمطار وحصون

أمشي إلى آخر قلاعي على جناح بحيرة بِكر

الرعشةُ مثل انطفاء المجرة

كيف أنساك يا وطني

وخناجرُ أعشابكَ مزروعة في فراشاتي ؟

يصقلني الشجر الفضي

فأنهض أفتش عن جبهتي

أعرف أن أمواس الحلاقة تتقطع

على مدارات الطيور غير القادرة على الهجرة

لكنين نبات أزرق في مزرعة السيوف

ننتظر الخريف لنحتفل بأمطار الصيف

إنْ حاولت القصيدةُ قتلَكَ فلا تقاومْ

فضةٌ الصرخة المهملة

كلُّ جسدٍ يمامة أو مذبحة

الوديانُ تحارب ظلها

فلنقف على رايات الخيبة

هم الموتى المنسيون

ونحن نسينا أن ندفنهم

ذكرياتُ الضفدع المنكسة

هذه المحبرة غطاء الوردات

مداي يخمش سريري

يفتخر الرمل بأسلاك العمر

قيلولةٌ ذهبية على قرنية طوفان

أبوابُ الجرح الصاعق يتشظى

ظمأُ الليالي أُعطيَ ضوءاً لازوردياً

دعْ للنزيف المذهب اكتشاف اللمعان

في طوب حجرات التعذيب

أُفقي يصير في عظامي شُباكاً للفجر

سرطانُ الماء يزحف على قماش الإعدام

لم يبق مني غير جبين أمي فوق المقاصل

لأن رئتي سيفٌ لا غمد

نزيفان على قناديل الحب

يعترف النعنع : بين نَوْمي والوسادة شجرةُ خروب .

24‏/01‏/2010

هل تعود الدولة العثمانية ؟

هل تعود الدولة العثمانية ؟ للكاتب/ ابراهيم ابو عواد
نشرت في جريدة القدس العربي ، لندن 22/1/2010م
إن العالم العربي يعيش فترة ضياع كارثية بفعل الأنظمة القمعية التي تحكمه، حيث أعادته إلى العصر الحجري. وهذا ليس غريباً لأن الحاكم العربي غير مؤهل للقيادة، فهو لا يمتلك الشخصية القيادية القادرة على تحقيق آمال الجماهير، وليس عنده من الخبرة ما يمكنه من وضع خطة لانتشال البلاد من المستنقع العميق، فهو ليس بأكثر من شيخ قبيلة مغلوب على أمرها، وهو- أيضاً - موظف في الخارجية الأمريكية يقوم بتنفيذ الإملاءات الخارجية حرفياً، والالتزام بأوامر أسياده في البيت الأبيض الذين أحضروه إلى الحكم، وفرضوه على رقاب العباد. فلا انتخابات نزيهة، ولا حرية اختيار شعبي. وهذا الوباء السياسي المتفشي في الأمة العربية التي استقالت من التاريخ المعاصر، وخرجت من الحضارة العالمية الحالية، قد أدى إلى فراغ موحش في النظام العربي الرسمي. فصارت الشعوب أكثرضياعا من الأيتام على مأدبة اللئام، فالسفينة بدون ربان، والقطار يسير خارج السكة. والحاكم متحصن في قصره وحوله آلاف الحراس، حيث الدولة البوليسية في أبهى صور هلوستها. والطبيعة الفكرية للكيانات السياسية ترفض الفراغ، لذلك ستبحث عمن يقوم بملئه. ولا يمكن لأي دولة أن تملأ الفراغ السياسي إلا إذا كانت ذات ثقل نوعي، ووزن إقليمي، وحضور دولي. والدول الكبرى في الشرق الأوسط القادرة على تجاوز حدودها، والتأثير في محيطها بفاعلية كبيرة هي: تركيا وإيران والعدو الصهيوني. وقد رأينا قدرة العدو الصهيوني على التحرك بأريحية في المحيط العربي، فهو يسرح ويمرح من الخليج إلى المحيط، ويفرض أوامره على الأنظمة السياسية العربية. ومنتجاته تباع في الأسواق العربية إما بأسلوب مباشر أو باللف والدوران عبر تغطية عربية. وهذه الاختراقات إن لم تكن تحدث فوق الطاولة فهي تحدث تحت الطاولة، وإن لم تكن أمام كاميرات وسائل الإعلام فخلف الكواليس، وما خُفي أعظم. أما إيران فنفوذها يتجلى في ابتلاع العراق الذي صار لقمة سائغة على طبق من ذهب. فلا الجيش العراقي البدائي قادر على تأمين حدوده، وحماية حقول نفطه (مثل حقل الفكة)، ولا الحكومة العراقية التي ترضع الحليبَ الإيراني قادرة على رفع صوتها بالاحتجاج، حتى لو كان شكلياً أمام شعبها ووسائل الإعلام. وهنا تبرز فلسفة 'أطعم الفم تستحِ العين '. كما أن الاختلاف المذهبي بين الدول العربية وإيران يشكل عائقاً أمام التقارب، ويثير كثيراً من الشكوك، ويطرح العديد من الأسئلة، خصوصاً مع اتهام إيران بدعم المتمردين الشيعة في اليمن، ودخول السعودية على خط المواجهة المسلحة معهم. كما أن الطموحات النووية الإيرانية قد أثارت حالة من الرعب في أوساط دول الخليج، وليس أدل على ذلك من إنفاق أموال النفط الخليجي على شراء الأسلحة وتكديسها لتكون فريسة للصدأ في المستودعات. أما تركيا فليست غريبة على المنطقة، وتاريخها المشترك مع العرب يعود إلى قرون عدة. فالدولة العثمانية حكمت الوطن العربي لفترة طويلة. وعلى الرغم من الأخطاء التي ارتكبها العثمانيون في حكم العرب إلا أنهم أحاطوا العالم العربي بالحماية والأمان، وحرسوه من القوى المتربصة به كبريطانيا وفرنسا، ولم يسمحوا لأحد بالاعتداء عليه، بل إنهم خاضوا حروباً دفاعاً عنه، ودفعوا من دماء الجنود الأتراك ثمناً لحراسة الدم العربي. والمضحك المبكي أن تآمر بعض العرب مع الإنكليز ضد الدولة العثمانية إنما جاء لكي يحقق العرب استقلالهم وإقامة دولتهم المنشودة. لكن هذا لم يحدث، فذهبت الدولة العثمانية وجاء الإنكليز الذين ضحكوا على العرب، وسرقوا ثرواتهم، ومزَّقوا البلاد والعباد، وزرعوا الكيان الصهيوني في قلب هذه الأمة. وهذا يعود إلى غياب بعد النظر في المنظومة العربية، وعدم قراءة التاريخ السياسي للعالم، وحسن الظن بالإنكليز الذين لم يخدموا إلا أنفسهم. والحقيقة المرعبة في هذا السياق هي أن الأمة العربية لم تنجح في إقامة دولة منذ سقوط الخلافة العثمانية. وهي تعيش حالة يُتم مستمرة منذ وفاة الأم (الدولة العثمانية). لذلك فالطريق تبدو مفتوحة بكل سلاسة أمام عودة الدولة العثمانية المعاصرة، لأن العرب غرقى وبحاجة إلى طوق النجاة. ومن غير المنطقي التعويل على عبقرية الحاكم العربي الصوري الذي وجوده لعنة على البلاد والعباد. فالوطن العربي هو محميات أمريكية، والذي يحكم من الخليج إلى المحيط هو السفير الأمريكي، ولا يقدر الحاكم العربي أن يختار لون ربطة عنقه إلا بإذن مسبق من السفير الأمريكي. وتركيا دولة متماسكة ذات سيادة بعكس الدول العربية. كما أنها قوة اقتصادية عالمية ضمن قائمة العشرين، وهي قوة عسكرية ضاربة تأتي في المرتبة الثانية بعد أمريكا في قوات حلف الناتو. وهي كذلك قادرة أن تقول : ((لا)) في وجه الدول العظمى. فقد رفضت السماح لأمريكا باستخدام قواعدها الجوية لضرب العراق في حرب 2003م. وهذا يعيدنا إلى تاريخ الإنزال العسكري التركي في قبرص، حيث أدى إلى تقسيم الجزيرة رغم أنف الغرب كاملاً، لدرجة أن الكونغرس الأمريكي فرض حظر الأسلحة لتركيا منذ شباط (فبراير)1975م لإرغامها على الانسحاب، لكنها لم تنسحب، وبدأت بالاعتماد على قواها الذاتية في صناعة الأسلحة بمساعدة دول أخرى عن طريق إدخال الوسائل التكنولوجية المتقدمة إلى صناعاتها. ومنذ فترة قصيرة أجبرت تركيا الكيانَ الصهيوني على تقديم اعتذار خطي بسبب إهانة السفير التركي. وقد تم تقديمه بكل خزي صبغ صورة 'إسرائيل'. في حين أن وزير خارجية الكيان الصهيوني المتطرف ليبرمان قد شتم الرئيس المصري، وهدد بضرب السد العالي، أمام وسائل الإعلام. ومع هذا لم تطلب مصر اعتذاراً، ولم تقدم 'إسرائيل' أي اعتذار، وذلك لأن مصر هي محمية أمريكية يحكمها السفير الأمريكي، وفاقدة تماماً لأي معنى للسيادة. وما دبلوماسية الإهانة التي اعتمدتها 'إسرائيل ' إلا دليل واضح على ضعفها، واحتراقها الداخلي، وغيظها المكبوت، وأنها قاعدة عسكرية متقدمة للغرب، وليست دولة ذات حضارة أو تاريخ، ملتزمة بالأعراف الدبلوماسية. ومن نقاط قوة تركيا أن أوروبا رافضة لانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي لأنه نادي المسيحيين، ودخول دولة مسلمة بحجم تركيا ذات العدد السكاني الهائل سوف يجعل للمسلمين موطئ قدم راسخاً في أوروبا، وهذا يرفضه الاتحاد الأوروبي جملةً وتفصيلاً، خصوصاً أن الدولة العثمانية وصلت في يوم من الأيام إلى بوابات فيينا، وقامت بتثبيت الإسلام في قلب أوروبا (ألبانيا، البوسنة والهرسك،...). فلا يريد الغــــرب أن يرفرف الهلال في علم تركيا في قلب أعلام أوروبا الحاملة للصلبان. فهـــم يريدون فقط استثمار مخالب تركيا العسكرية في حلف الناتو، لا أن تدخل الثقافة الإسلامية في مؤسسات الاتحاد الأوروبي وشعوبه، فهم لا يريدون استعادة كابوس محمد الفاتح - بالنسبة لهم - والذي يطاردهم في اليقظة والمنام. لذلك جاء الانفتاح التركي على الجنوب (سورية، إيران) من أجل نقل التأثير التركي إلى خارج حدودها، ولعب دور حيوي إقليمياً ودولياً يتناسب مع حجمها، وهذا كله يعطي إشارات واضحة على عودة الدولة العثمانية بشكل معاصر للدفاع عن قضايا المنطقة، وقيادة الأمة العربية العاجزة عن قيادة نفسها. وهنا يبرز معنى وجود شخص تركي على رأس منظمة المؤتمر الإسلامي، وفي هذا إشارة إلى قبول شعبي ورسمي بأن تكون الدولة العثمانية الجديدة هي قائدة الأمة، والراعية لمصالحهم.

18‏/01‏/2010

دستور الدولة البوليسية

دستور الدولة البوليسية
للشاعر/ ابراهيم ابو عواد
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة"
دار اليازوري ، عَمَّان 2007م
ستفرح أمهات الإسفلت في جنيف
لو كانت تنانير بناتهن أقصر
من دستور دولة السنجاب البوليسية
البسكويت المملح ورقم الرصيف مجهول
يا جنازير البرتقال المارة على شجيرات الجسد
إن في أوردتي زمناً يلد أمكنتي تلك الوجنة الممزقة
كأن شكل رمحي وطن ثان لانتحاراتي
لا شيء حول نزيفي
لكن الشوارع تغوص
في كل ثياب أناشيد القتيل
تبسط أشلاء البئر سجاداً لضيوفها بعد قليل
ما نفع اصطياد بيض النسور إذا كانت يداك
ذبابتين مشنوقتين على صفيح العشب ؟
قد تكون مذبحتي إلى جانب صالة سينما
يخرج منها العشاق وأمراء الحرب والمرابون
ثم يتفرجون على شهيقي النهائي مجاناً
القصر الرملي مكب نفايات حيث يُحتضر شهريار
وتتقاتل عشائر الرمد على اكتئاب شهرزاد
قلْ إنكَ للجليد ضوء الأزرار في معطف الفجر
ولا ترجعْ إلى أقحوان الرغبة في بكاء المشيعين
حيث تختفي مخالب الهضبة قرب مراحيض السجون
قلْ إنكَ صورة السحب ولا تكذب على أثاث الدار
لأن أبويكَ نائمان على خاصرة يمامة تنتحب
وهما يعلِّقان صور ابنهما المفقود على شُباك التذاكر
في مجمع الحافلات التي تشرب شاياً أخضر
في فترة استراحة الإمبراطورة بعد الجماع
وقيلولةِ المخبرين بعد كتابة التقارير بالشمع الأحمر
أتذكَّر وجهكَ المفتت على ورق التوت
الصاعد من ملفات الدوائر الحكومية
أعرف أنك تبحث عن شهادة حسن سلوك
من دائرة المخابرات الواقعة في جنوب نعشك
لتصير حشرةً تخفي لونَ بولها
عن أعين البوليس السياسي
مثل كل الذباب الأخرس
عند أعمدة الجير تعيش وتموت
وتتزوج رعبَ الحيطان
ورجفةَ الستائر المخملية
وستفخر بك طاولات المطعم
في غرفة العناية المركزة
وتنتظرك المسافرات إلى الانتحار الحكومي
فلا تسأل لماذا تهاجر السناجب من خدي ؟
إن سرطان البروستاتا ينخر برتقال حديقتنا
فلتكن اسمَ الفراشة فوق البخار الملون
والقتلِ الروتيني والمحارِ الدامع والحزنِ المسقوف
لأن رائحة الملوخية في ريش غيمة غارقة
حيث تفصِّل هضبةُ الحِبر ثوبَ عرسها
من أقمشة الجلود الآدمية وتفاحاتِ الفجر
والحطبُ يقضي وقته في تفكيك عقد الشلال النفسية
داست رملَ المحيط وأوراقَ القات عربةُ قوس قزح
تصلبني بروق الكلام فتمر من ثقوب قلبي المجازر
وأسرابُ الرمال المهاجرة
صارت رائحةُ القهوة العابقة بالدماء تقفز
فوق توابيت المسافرات إلى العمر
هذا شكلي رفات بحور وجغرافية قصيدة ماحية
لحمي زمنٌ فلتعترف أنكَ جرحي الهائج
لأسقيَ حشائش المدفن وأقترب أكثر من مماتي
مذاقُ السبانخ في آخر عشاء تناوله مشنوق
كانت في أوداجي فتاتان من سمرقند
تنتظران أباهما المحكوم بالثلج والانتظار
وطفلةٌ تقطف الغياب من سقوف المساء
وفي ميناء الغروب تدخن الصحراءُ سرابَها
وتبقى أعقاب السجائر في منقار موجة
كلُّ المكياج المتساقط من السومريات
على درج المعبد وأرضيةِ تواريخ التبغ
أجمعه لأغطيَ به هزيمة البيلسان في حرب اللوز
ما فائدة أن تتزين المرأة لزوج أعمى ؟
ما فائدة أن تبتسم المرأة لزوجٍ تخونه ؟
تصرفاتُ الدخان الصبيانية فوق غصون الصباح
كما تنمو صخور الشمس على جذور الحلم
خذْ ما تبقى من أمس اليمامة
واتركْ لي أكفان جدي في زرقة الغمام
وسياطَ الدرك خلف سور الرعشة
حشائشُ مذبحتي أصداف ملحمة السنجاب
وجبيني قصيدةٌ نسي امرؤ القيس أن يقولها
فاتكأتْ منصة الإعدام على سيف
تقضم حوافَّه قبرةٌ كلسية تُسلخ
ها نحن صاعدون من الرخام المترسب
في ضوءِ الأظافر فراشاتٍ للاستهلاك المحلي .

17‏/01‏/2010

قصيدة أعظم من دمي تدعى غوانتانامو

قصيدة أعظم من دمي تدعى غوانتانامو
للشاعر / ابراهيم ابو عواد
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة"
دار اليازوري ، عَمَّان 2007م
الجسدُ _ يا بارود الحديقة_ تفاحة للقضبان
كأنني الشهداء يسجلون رائحةَ الأدغال
وأحجارَ الفراشة في دفتر ملاحظات النسرين
غرفةُ التحقيق الوجه خميرة
اشربْني أيها الدم الريفي
وامشِ على شفرات النسيم
لا ذبحتي الصدرية خليج الخنازير
ولا جوربي حضارة المومسات الديمقراطية
وحضنتُ أجساد أئمة قريش الثائرين
ولم أجد جبين أبي كي أموت فيه
ادخلْ يا أذان الفجر إلى خلايا نخاعي الشوكي
رفاتي ، إنكَ الشاهد على موت فهود عيوني
فلا تخدعني مثلما خدعوني
تمارا توافق على خطوبتنا
بينما كنتُ أساق إلى خشبة الإعدام
الذكرياتُ آخر أسلحة العصافير
ينبع أكسجين دمي من جبل أُحد
ويصب في عظام الأطلسي
حاملاً نعال الأنبياء على رأسي
أين رعشتي التي تلف نيازك الأنهار ؟
أنا مسلم إذن أنا متهم
حتى تشهد البحور في محكمة الصراصير
ويرجع الماس كربوناً في صخرات المغيب
وتؤلف بغايا شيكاغو سِفراً مقدساً دموياً جديداً
وجهي المؤقت على لائحة المقتولين
جسمي الملح على شوك الضحك
فكَّ شيفرة سكوتي
ساوِمْ ظلالي في أوج الرغبة
لأني أصرخ في خلايا طيران الوادي
باتجاه صدري الغربال
فأشم صراخ أمهات غريبات
وركضتُ نحوكِ يا رئتي أسأل عن أمي
وبكت خالة الفراشة المتعفنة على الأراجيح
فرأيتُ جثمان حديقتنا في عيون الريح
وقرأتُ اسمي على شواهد القبور
وامتلأ بيتنا بالنساء الباكيات
اللواتي تركن الطعام على النار
والأطفالَ الصاخبين والأقفاصَ الرخيصة للنسور
وانكسرت قلوبٌ وقيود وأباريق فخار
في زوايا مرضي القديم وغرفتي المهجورة
ولمحتُ في ذهن الليالي القتيلات
سدوم تسرق ثياب القتلة وتبيعها للعار
سَيَزُور العقيقُ لونَ البنزين المريض
في منام سيارات نقل الموتى الجديدة
وبناتُ حَيِّنا الميتات وراء ستائر الخيال
حاولتُ إنقاذ رمحي المنصوب في جرحي
لكن البرق أقرب إلى حلمي من الصحراء
وبكيتُ نيابةً عن السُّكر في دموعي
حتى قرف البكاء مني
كل ثانية أنتحر وأنتحر
إن الرصاصة التي رسمت ضحكتها في قلبي
هي ومضة أو قطعة ثلج في كأس عصير
على قبر ذبابة مشى الجنود في جنازتها
إن للصخر دماءً نسائية تتنفس في حفر المجاري
في كف الماء اليمنى استعراضٌ عسكري للوحل
وفي اليسرى شَعر تينة أسيرة
والغرباء دفنوا مملكتي في رمال الوهم
عانقتُ موتي عند موتي قرب موتي
في سفوح المطر المعلبة
أتعرى أمام مغسلة الحزن
كما يتعرى لونُ الفطر السام في قشعريرة الحِبر
جرحكَ الكريستالي دمي الملوث زنزانة تحيض
وفرح الزبرجدُ لأن النباتات مشت في جنازته
الذكرى شظيات أم أضرحة القلب عصافير ؟
حقولُ الرعشة فجَّرتْني أوديةً
فلملمتُ أشلائي في كيس حجري
علَّقْنا نساءنا براويز ذباب
على لوحات أرقام السيارات في الجمارك
ولم نكتشف المرأة الضوء
بجعةٌ ترتدي واقياً ضد الرصاص
والبرقُ يقطف ورق التوت بيديه الجريحتين
لم تتذكر مراهقات مرسيليا وجوهَ الملوك
الذين يبدلون عشيقاتهم كالجوارب المريحة
نغيِّر أقنعتنا لنصير قماشاً رخيصاً لأعلام متعفنة
يلوِّح بها مقامرو الوحدة الوطنية
وتنتشر التوابيت البطيئة في الأغاني السريعة
عند ملاقط الغسيل على نزف تمسه بنتٌ إيطالية
تنتحر في ضحكات الإسكندرية
قد أربي أحفادَ الخشب بعد احتراقه
في قلوب الثلج الأزرق
ولم يكن تفكير البابونج في أشكال ذبحه
سوى إصابة الصقيع بالشلل النصفي
على قرميد المنافي وكراسي المجرات
والبرتقالُ الأخضر سيرمي قصص حبنا الفاشلة
في أفواه الغسق أو أسنانِ الإعصار
وتمضي حواجبنا تحمل البنادق في طريق المذنَّبات
كلَّ ليلة تغسل حيفا _ جارة الأكسجين في رئتي_
خصلاتِ شَعرها في دمائي اليابسة
سيزوِّر الأغرابُ جبهةً راكضة للرمل
وردةَ الجبال الوحيدة صداقاتِ النخيل
برتقالتين على طاولة الأحلام العابرة
كأنني ظهيرة ما في يوم ماطر
والمزاريب تتشظى في ساعة يد الحصى
والغصونُ ما زالت تحلم بالمحارِبين القدامى
إن جذع الليلك يقاتل غبارَ الأمسيات
رفيقتي الذكرى التي تجمع صدفَ الحنين
على سواحل الغضب البنفسجي
إنكِ الشرطية الواقفة على نافذة قلبي
فمتى ستسمحين للبحارة أن يزوروني ؟
ولادةٌ قيصرية لكلام سيموت
لأطفال سينهضون من أنابيب خزانات المياه
في مزارعِ الثورة وأسفارِ القتال
تعالَ إلي أيها النسيان الزمردي
لأنسى أكوام الوسواس القهري في خلاياي
ومكياجَ القاضية العارية في محاكمنا العسكرية
وبلوطَ المقابر الصاعد من رقاب الأسرى
وذهولَ إناث الكلاب في دولتنا البوليسية
لصوصُ بلادي أثاث القبور المر إنه الطوفان
كلما أمسكتُ صوتَ الماء تفجر الصدى المتعَب
شكراً للأموات الذين يضيِّعون وقتهم
في التمييز بين النساء والأحذية
مكياجُ التوتر كأنه الرقصة القاتلة
على حافة مغناطيس الحلم
كوخٌ يقضي وقتَ فراغه في زيارة الخفافيش
على مدرجات الغياب بكارةِ الدمعة الخريرِ العاصف
الآن أسلِّط على غضاريف أثاث الجرح
أشعةَ الحب كي أحرق الليزر في الصهيل
للضوء ضوءٌ لا يعرف أباه
تسألني القاعات الخالية
وتسأل برقوقَ المغارات حاويةُ القمامة
على أرقام القبرات السجينة
هل سيرقص الحصان في صندوق بريد فارغ
أم سيصطاد الغزاةُ حركاتِ راقصات الباليه
على درج نظَّفه رماد الجثث المحترقة ؟
العطرُ يترنح على بيضة بحيرة
لكن الوردة تروض نعامةً لا تروِّضها
بساطيرُ الشرطيات في أدغال الشهوة
كلُّ شيء يتغير في هذا الجنون :
ألوانُ ربطات العنق للقوادين في مستودعات الميناء
عناوينُ بائعات الهوى في أكياس الشاي
أنواعُ الآلات الحاسبة للمرابين
لونُ قزحيات العبيد وهم يتسلقون أعضاء نسائهم
كي يصلوا إلى الوزارات في مملكة الضفادع
انتماءُ النرجس إلى مياه الرعد النيئة
تنورةُ سكرتيرة الطبيب النفسي
مضاداتُ الاكتئاب على مقاعد الكنيسة
مزيلُ العرق للاعبات التنس الأرضي
أوقاتُ انتحار ماري أنطوانيت في آبار الرقص
لونُ قبعات البنات في جامعة كمبردج
حيث يلقي نيوتن آخر محاضراته .

14‏/01‏/2010

الجنود الألمان يغنون أغنية الفولغا

الجنود الألمان يغنون أغنية الفولغا
للشاعر / ابراهيم ابو عواد
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة "
دار اليازوري ، عَمَّان 2007م
النهر الخائف يقرأ في كتاب هزيمتنا
فتقلب الصفحاتِ جثة مجهولة الهوية
كيف يمشي الجيش والدود والأدغال
وشوقُ الزوجات الخائنات والمدافنُ البازلتية
نحو ستالينغراد وكلُّ راهبات برلين مرميات
في حليب الأمهات الملوث بالصلبان
قرب نقاط التفتيش وبصمات الأرامل الأميات ؟
الوطواطُ يعلق المشانق لأطفاله المتكلسين
في قاع أوامر القرميد العسكرية
ووصلتُ إلى ضوء نهايتي
لكن رجال الأمن لم يحددوا مسار جنازتي
ركضنا فسقطت أيادينا على رقعة الشطرنج
إغفاءةُ رعود في الجلود الخشنة
ما جنسية مصابيح المشيعين الخارجين
من أوحال النهر المطفأ ؟
أرى عيوني ونظراتِ المها خطة واقعية لتحرير الأندلس
كواكبُ شِعري تتقيأ على سطح مبنى المخابرات
رغوةُ الدم الذي يعاد تكريره
لَمْعته الأجراس انتحر الحراس
فأحبيني يا كشمير كي نحيا معاً وأموت وحدي
أيتها البغايا الآتيات من جنون البلاستيك
واللافراشة في اللاوطن
ارحمن الزبائن قليلاً
لتهدأ محركات سيارات نقل السجناء
الدائرة في حارات دماغي
لستُ لطوب المحاكم أقواسَ نصر
ارحميني أيتها النظارات الطبية
على عيون القشعريرة
أكوامُ النفايات في موعدة ولادة أثينا
على سرير العار المولود من أحجار المدفن
ورقُ غارٍ مشقق في دخان السجائر الملقاة
على البلاط بعد انتحار فتيات مونتريال
جسمي وأين جسمُ الأرض ؟
فليحيا الوطن المعزول عن أشجار البوظة البترولية
أنتفض رصاصةً تنتفضين مسدساً
خاصرتي للضوء ملاحم
أقارن بلوطَ الزنك بالثكنات العسكرية في سُرتي
بشر يستحمون بالهزيمة في هضاب الحِبر
كأن رصيفاً يبيع أعضاء امرأته قارباً قارباً
ليسدد ديونه المسجلة على جذور الصنوبر
قراءةٌ سريعة في ملامح الموتى
ملوكٌ لصوص وشعراء فاشلون ونساء تافهات
عندما تصير البحيرةُ مهندسةً معمارية
فلتساعدني في حفر عواطف الصبح بالإزميل
دمِّروني يا إخوتي بكل إخلاص
ثم اذهبوا مع عائلاتكم إلى التسوق
مضى الجند نحو ثلج الظلال
والغرقى يتصايحون مثل أطفالهم حول المواقد
في عتمة السعال عند منبع زرقة الوجوه
لم يأت البريد يا حجر النرد الواقف
في أبراج المراقبة المطلة
على شواهد قبور الإفرنج
طال انتظار زوجات الطيارين الراكضين إلى جهنم
أتى الدمار مال وجه المغيب على زواج المدافع
بينهم تذكارات للمساء الطري دمعاً
مات النهار في بطون الحوامل
وضابط اللاسلكي يرسل إشارات دمه
لكن أحداً لا يجيب
أمواسُ الحلاقة المستعملة تدرِّس الألمانيةَ
للموسيقيين العائدين من محبرة شنق طواحين الهواء
وموسيقى الجاز ترتب سريراً لعشيقة هتلر
على أعمدة الكهرباء في المحيطات
وتلوثِ شعير أبراج المراقبة في المعتقلات
والصبح يغطي أرضيةَ ملاعب البيسبول
بشعر حفيداته الأسيرات والتبنِ المسموم
وتمددت الوديان على مقعدي
في محطة القطارات الخرساء
تناثر روحي في الدعاء والتسبيح
أنَّا كارنينا تخون رائحةَ ظلها
وتذوب في حديد السكة الأبله
كأن الحطب سحالي تنقل على رموشها
كلَّ سلال القمح المعدني
والقمرُ يشرح لبناته قوانين نيوتن
"أنا" لا يشبهني ومستقبلي ورائي
فعدْ إلي يا أنا ولا تفرش العقيقَ السام
على حروف المدخنة في أرياف النزيف
أيها الموتى المكدسون قطيعَ جليد
في عربات القطار الخلفية
إن قطاع الطريق يخزنون مذكراتِ الخريف الأرجواني
في سائل القش المائي
وكَّلتني النباتاتُ كي أبكيَ عنها
فاختبأتُ في ذرة ملح تتزوج رغيفَ خبز
في أوداج الديناميت الأصلي
وما زال الأطفال يلعبون بالرشاشات
عند أضرحة آبائهم الموحشة
ويتدربون على دفن الجنود في العطلة الصيفية .

مكياج خفيف لمجرمة الحرب

مكياج خفيف لمجرمة الحرب
إبراهيم أبو عواد / شاعر من الأردن
نشرت في مجلة صوت العروبة ، أمريكا ، 12/1/2010م .
خذ دمي وردةَ الطوفان
يا حفارَ قلبي في الشتاء الفضي
ولا تَعْبر الذكرياتِ الجافة
كأعشاب الرئة الثالثة
هذا أنا جسدٌ من الأسلاك الشائكة
فاشكر عمالَ النظافة
الذين ينتشلون جثتي
من حفر المجاري
يا كل البنادق التي يرضع منها النسرُ الجريح
ما لونُ الدم المنثور
في براميل النفط ؟
لم يعرفني مرفأ المطر المعلَّب
في الشرايين العسكرية
عدتُ من المعركة منتصراً
لكني لم أجد تفاحةً تضمني إلى صدرها
إنني عزلة رياح الخماسين
فلا تجرح مشاعرَ صحرائي
خارج هوية السيول
يا امرأةً توقف سيارةَ المرسيدس
أمام ضحكة بندقيتي
وتقرأ الفاتحة أمام شاهد قبري
إن الفيضان هو المتحدث الرسمي باسم جفوني
فلا تحزن على حزنِ الإسفلت الوحيد
إن برتقال يافا هو الجناح العسكري للبحر
والغرباء يحتفلون بالغرباء
في بنكرياس الليمون
كأن نزيفَ النهر حمرةُ مكياج سيدة الغبار
دبلوماسيةُ صانعة التوابيت من خشب الصندل
والبارودُ غرفة نوم اليمام
فامنح أرقَ الشطآن رصاصاتِ الذكريات
وحدها الألغام الشاهدة على قصة حبنا مع المرايا
أنا تاريخُ ثورة الياسمين
وآخر رجل تعشقني البحيرة اليتيمة
فإن باعوا جمجمتي في السوق السوداء
فقل لنجمة القوقاز إنني لم أرفع الراية البيضاء .

11‏/01‏/2010

قلوبنا معك وسيوفنا عليك

قلوبنا معك وسيوفنا عليك
للشاعر / ابراهيم ابو عواد
من مجموعة " كلام الفراشة الناعمة "
دار اليازوري ، عَمَّان 2007 م
إنني السفر حين قُتل المسافر
أطاح الغروبُ بمملكة الجسد المحمص
وأبراجُ دمع يذبح عشقَ الجبال
صحاري تنتهي من ممارسة الجنس
ثم تصدر أحكامَ الإعدام بحق فراشاتي
اتركوني لاتحد مع اللازورد العاشق
وتبقى رائحةُ المجرات على شواهد القبور
الموتى جِلدُ الرمال وجراحُ الضباب
تحملها الخيام على ظهر طاووس ميت
يمتطي عكازتين لإيهام الشجرات أنه حي !
إسلامنا أضاء نخيلَ كهوف رئتي
من مجرات الكلمة حتى حفرتي المثقوبة
بلدي ذلك الارتعاش النازف في أكواخ وريدي
ماذا ستفعلون بما تبقى من شكلي ؟
أخي حجرَ الرحى البرونزي
تكاثرْ في أحاسيس القرنفل غير المستورد
وشاركْني صمتَ حروف الوردة المتفجر
وحفرَ أخاديد وجه الطوفان
رأسُ الحسين تدور في دوراني حول رأسي المقطوعة
والأرضُ تفتح في كتفي شُباكاً صغيراً لعابري السبيل
ليطل الزئبق على أُذن الرصاصة
وهي تمص الغصونَ على شفاه حضارة القنابل
قبري دمارٌ للدمار ولَيْلي نهار للنهار
فاقتليني يا ذكرياتي كي أولد نقياً
خسرتكِ وخسرْتِني وفاز الدود بجسدي
والمساءُ قطعة لحم عابرة في خاصرة العنب
ثلاجةُ الموتى الشيقة وآخرُ عذابات الحمَام
حبلٌ يتدلى من سرة جثة الشلال
إلى قاع ظلي في الأناشيد المراقَبة
أحب أشياء الوادي حين تحيا وتموت
لأن الصخب حفار قبور ثائرة
كرجفة الراهبات المصلوبات
على أبراج الكنائس
فلنهبطْ إلى ضوضاء دمنا يا جدتي
هذي رحلتنا نجر أجداث العصافير
ونفرِّغ أكتافَنا من صرخات القش
في ضحكة الغياب غير الغائب
أنا السجناء والسجون فكيف تسجنونني ؟!
لا رعد حول دمي يذكرني بذاكرتي
ولا مطر في قلبي يحتل مأساتي
كنتُ الحب الأول في حياة المقاصل
للمغيب ثوب الوجه لا قناعه
أدركَني الشمام في مخاض ثوراتي
أدركْني حيث تتفتح قبضة الضجر
أبواباً للمسالخ وتطلع أشتال التبغ
من بطون الأطفال المقطعة
أوزع همومي على براعم مقابرنا الطريدة
أين الذكريات الهندسية
يا حفار القبور الكلسية ؟
مشردون وسماسرة وذباب خشبي
وفي ضحكتي أثمر زواج السل من المدخنة
أربعين سكيناً تمتص أرجوان الحديقة
نزفي انتخابُ ملك التشرد
وجوازُ سفري نخل خجول
أتت وجوه لا جنسية لا مطار
وألقابُ الصقر للمجاعة حقول
طابور بنات أمام قصدير المذبح
الجرجير قبيلة السيوف ألصقْني على وجهي
أنا توأم الترحال أشبه ذريةَ الزيتون
والزعفران الصريع على لافتات العاصفة
هذا الخبز وجوه المطر كأنكَ أنا
مَن دمي ؟ وأين أيني كي أرى ؟
أشباحُ قطط في محاكمة الجسد
موظفون يجلسون ضاحكين
في أدمغة ثعالب محاكم العار
رحيلنا عند الفجر يا أختاه
وملابسنا تصطاد الأرانب المنفية
في أنين البساتين أو قيودها
الشمسُ أقل صفاءً من توبة المرابين
ضيعني الترحالُ في عكازات المها
فوجدتُ نفسي صديقاً للبروق
كأنني ألمح حمزة بن عبد المطلب
تضيء ابتساماته شموعَ غربتنا
في أدغال عيون الظباء
تنتصب الخناجر بين الحيوانات المنشورة
في أجساد الينبوع الثوري
كنتُ الجسد أقواسَه البيضاء على الحرير الأسود
مداخنُ البهار معلَّقات انحناء الفخار
على مساءلة القرميد
محاصَرٌ من كل الجهات أو من كل كُلِّي
سافجر ظل الخطيئة وأحرق الخطايا بالندم
وأمزق خطواتِ الشيطان على ثوب عمري
ويكسر لحمُ كلامي أقفاصاً تخمشني
سأحفر قبري المعنوي بأنياب ملح مستعارة
وأهاجر ضوءاً لليد الجريحة
الأسلاكُ الشائكة تنمو على جداريات أنفي
وحجراتُ المعتقَل تركض نحوي أُغلق عليَّ
أُرسل وجهي الثاني وسجاني إلى أرشيف ما
وأذهب إلى مالك روحي
يا ضوءُ ، هل البراعم اعتذاري المهذَّب
عن حضور مذبحتي ؟
من كتب تفترس بريقَ عين الذئب
يخرج قطار الحِبر ويذوب
في بلاد تبذر في نظرات الضباع
دكاناً لاستثمار أفخاذ الملكات
أنظر في المرآة فأرى غيري
أوسمة بشر نسمِّيهم ملوكاً
وتسمِّيهم الأغصان البركانية ضفادع
وُلد غزال أعور في المقبرة الرملية
ومات في المقبرة الرصاصية
وقضى حياته ماشياً بين القبور الماشية
سلامٌ على الأنبياء ضحوا من أجلنا
نحن المستلقين سجاداً رخيصاً في المخفر الوحشي
من سيصلي عليَّ صلاة الجنازة ؟
المراهقات الخارجات من المسابح المختلطة ؟
الجواري المستحمات بالبارود المغشوش
لاستقبال السلطان العائد من الهزيمة ؟
علماء البلاط الذين يجهِّزون الفتاوى
حسب أمزجة الشيطان ؟
أصدقائي المعلَّقون على مشانق شرفات الخوخ
في حدائق القصر المتفشية في الجماجم ؟
جاري القديمُ الذي مات باحثاً عن الخبز النحاسي
ورأسِ زوجته في سلال القمامة ؟
نجمةُ السينما العشبية التي تعيش
على مضادات الاكتئاب ؟
رجالُ الأمن المبعثرون في خيوط قميصي المتآكل ؟
أشرب يوميات الرعد فأنسى همومي
مغاراتُ يدي خبز للحمَام المسلوق
رائحةُ الكلور في قبعة الماء تخطب درج المذبح
وتموجاتِ إبهام السجانة العزباء
والباعةُ المتجولون يحملون ضريح البنفسج
في أكياس بلاستيكية مستعملة
ويطوفون به على الكواكب
حيث تأكل الورودُ لحمَ الزهايمر
الزهرُ لغة الثورة التي تبدل أسناني
وترقص في سيناريو محتمل لتشريحي
من أي رحم خرجت أربطةُ الجروح ؟
البرقُ على صدر الرعد
يا طفلَ حفر المجاري النائم في إبط مسدس
دُلَّني على طوفان اسم أمي
في قائمة الضحايا أو المفقودين
أنا الماء الجالس في حِجر اليانسون
في موسم بيع نساء القبيلة
رسائلُ بالحِبر السري إلى حبيبتي كشمير
غيابُ أستاذ الرياضيات في المدافن المرتَّبة
جودي فوستر تلك الطفلة الضائعة
أحزانُ فتاة شيعية خارجة للتو
من جثامين الليل الأخضر
الحياة في وطن ميت
أميرَ الأنقاض
وأنت تتعشى مع عشيقتك
في مساءات كوكب الزهرة
انسَ البشرَ الذين لا يجدون
غيرَ حيطان الزنزانة ليمضغوها
القرى المنحوتة على وجه القمر وجنةٌ للكهرمان
قافلةُ المقاصل تخيِّم في سُرَّتي
فيضحك زند الشمس من نزيفي المنهمر
على جبين الصوان
كلما حمَّلني الغروبُ مسؤولية الأخذ بثأره
اكتشفتُ أن ظهري غمد سيف
احتضارُ غابات ملفوف بالسيوف
داخل سجاجيد فاخرة في الكهوف
تجيء دماء خراسان من بطن حبة الرمل
يا أنا ، أنا وأنتَ سوف يلبسنا موج الأكفان
ونفتح جلودنا أمام قدوم سلالة المجرات
دعني أتخندق في رقبة أبي
حيث ورَّثني زهرَ مشنقته
ماذا طبختِ يا رعود لضيوفك
الحاملين لجثة الأرض
في ليالي الشتاء الصيفي
عند البلاد السائلة كعصير الدم
في أفواه قذرة قلاعاً ؟
ويختفي العسس في أكواب الشاي المتجمد
ويتبول نسيان القبرات على قبور الملوك
أجسادُ الموج تقايضني ولا قمح في أنفي
تفر السنبلة من ثقل قناعها متداخلة مع شكلها
في شوارع المحيط الهندي الموحلة أدور على المزابل
باحثاً عن كسرة خبز ومرقِ العواصف
أنا والجن والقطط الضالة نفتش عن أشباه الطعام
بين الجثث المغلية جيداً والمدفأة المكسرة
الزمهريرُ يقضمني على أغصان الذاكرة
طالبةٌ جامعية في قميص نومها القطني
تدرس الكيمياء وفق المنهاج الأجنبي
في غرفتها داخل قصر ذي تدفئة مركزية
وأظل أدور على أطرافي أوزع سخونة الدمع
لأن صبي الضوء يركض في نخاع تفاحة
ويفتش عن جثة أمه في جثة أبيه
ثم يذهب إلى صلاة العصر
قتلني رمل الشهب في رقصة الحجارة
فرثاني استسلام الأمواج للذكريات الصاعقة
ستضيع وقتكَ إن حفرتَ قبركَ
وانتظرتَ ملكَ الموت كي يأتيك
إنني من مكان ثوبه طماطم البنادق
يا صاحبي
أنتَ أجمل من رسومات الضباب المسنون
على أجفان الخنجر
النصالُ تأكل السطور في دفتر الرياضيات
للضوء عشيرته أخرجْني من حسابات الدموع البرية
وخيولِ الدولة البوليسية
لأمسك شكل اسمي في مرايا الوجوه السريعة
حين تعبر ازدحام القتلى المارين في الأسواق
كأن خدي ياسمينة بارود يراق
سحابةَ خيل كانت أحصنة السحاب
يا صحاب ، أين قُتلتم يا صحاب ؟!
خرائطُ العمر وجدتْ اتجاهات الغزال
في خنادق إبرة بوصلة الربان العائد
مع كل توابيت الينابيع والحِبرِ السجين
تحياتُ الدلافين في كهرمان أعمار البواخر الغارقة
في سوائل معدتي الطريدة
وما زال الديناميت يسمع وقع نعال الغابات في الجنازة .